صفحات سوريةعلي ديوب

مرايا سورية: لوحة سوريالية تتطلب الحماية!/ علي ديوب

 

 

كثيرة هي النقاط التي تم تداولها بين المشاركين في المؤتمر الثاني لحوار الأديان، في «المعهد الأميركي للسلام» في واشنطن (27 و28/10)، ومنها ما نفى دعاية النظام، وأكد أن ما يجري في سورية ليس إرهاباً، بل ثورة شعب ضد الطغيان لن تنتهي إلا برحيل النظام، بصفته مصدر الإرهاب. ومنها التوضيح بأن القصاص المقبل لن يتعدى الجناة الأفراد إلى المجموعات التي ينتمون إليها. ومنها رسم الحدود بين الدين والسياسة. ومنها اتهام أميركا والمجتمع الدولي بتصفية حساباتهم على الأرض السورية.

وملامسة نقاط الاختلاف بين المشاركين، لا تقل أهمية عن نقاط الالتقاء، إن لم تكن أهم. يحسب للمؤتمر أن الصوت الديني، كان لدعاة وداعيات ينتهجون الاعتدال. لكن هذا لم يخفِ التفاوت بينهم، بخاصة حين اتّهم أحدهم إحداهن بالخروج عن الإسلام، لارتكابها إثم القبول بـ «دولة علمانية».

لم يكن الرفض المشترك لنظام الأسد واحداً. ولا التأييد المشترك للثورة واحداً. وتالياً لم يكن الموقف من التدخل الأجنبي واحداً. لكنّ أحداً، مع ذلك، لم يعترض على أن الحل في سورية حل سلمي. ومع هذا بلغ الاعتراض على النظام حداً، أقل ما يوصف به بأنه متجاوز معنى المعارضة المألوف في السياسة، وذلك حين كرر أحدهم القول، في أكثر من جلسة، وبصيغة المخاطب، أنكم (المقصود أميركا والنظام معاً)، لن تثنونا عن متابعة ثورتنا، حتى لو فنينا عن بكرة أبينا، وسنظل نقاتل حتى آخر سوري. والغريب أن صاحب هذا الصوت حكم على الثورة بأنها انتهت، وتحولت إلى صراع مغانم، بين أمراء حرب في نوع من التضاد التام مع من وصفها بأنها «سلمية – كانت ولا تزال». ولكنه يحدد مولد الثورة بعد انطلاقتها، وليس لحظتها ولا قبلها. أي بعد القمع الشديد الذي واجه النظام به المتظاهرين، ليوحي، من غير أن يصرّح، بأن كل من يقاتلون النظام اليوم هم تعبيرات للثورة.

هذا الاختلاف الصارخ صبغ النظرة إلى الحل بصبغات مختلفة أيضاً. فثمة من طالب بنزع السلاح من المقاتلين (ضد النظام)، بل تجفيف مصادره، وطالب غيره بتدخّل القبعات الزرق في سورية لوقف ما سمّاه بالنزاع.

ثمة فارق كبير أيضاً بين رؤيتين، الأولى تقول إن السوريين قادرون على التعايش السلمي، إن كفّ العالم عن التدخّل في شؤونهم، والثانية تطالب العالم بأخذ دوره في الفصل بين المتقاتلين، بعد أن أخذت المواجهات البينية شكلاً من العنف ينذر بفناء جميع السوريين. لكن الطريف أن أصحاب الرؤيتين اشتركوا في أمر واحد، يستحضر ماضي هذا الشعب (السوري) العريق، الضارب في المدنية. ولم تقف الإشارة، هنا، عند صحيفة المدينة، التي وضعها النبي محمد، لتنظم العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين، بخلفياتهم الثقافية والدينية المختلفة، في «دولة» واحدة، بل ارتفع منسوب الفخر بالماضي لوصف السوريين بأنهم أبناء سبعة آلاف سنة من الحضارة. والأطرف أن هذه الإشارة كانت تُستحضر عادة للمقارنة مع الحضارة الأميركية الوليدة، من دون إحساس بالتناقض الناجم عن سعي المؤتمرين إليها لإسماعها صوتهم، متأملين أن تعدّل أميركا موقفها لمصلحة شعبهم. وهو ما فضح نزوعاً دفاعياً، إن لم أقل عنصرياً، يفترض أنه يستفزّ الجهة المضيفة.

أما مربط الفرس، فيتحدد في رسم نموذج لسورية المقبلة، لا يزال منطقة محرّمة، لم يدانِها أحد، إلا بصورة متفرقة وفردية. وهو ما ترقّب العالم أن تطرحه قوى المعارضة والثورة منذ بدايتها. فقد انقسم المشاركون في المؤتمر، ليس حول النموذج بكليته، بل حتى على تسمية سورية المقبلة: هل هي علمانية أم مدنية؟ وكان للمرجعية النبوية سلطان على صاحبة الصوت التي أشرتُ في بداية هذه المقالة الى أنها أيدت العلمانية، قبل أن توصم بالكفر، فتنكفئ على خوفها، أو تطيع مرجعها، مطوّعة اللغة العربية لإثبات تهافت المصطلحات، ما دامت كلمة المدنية تشمل دلالات العلمانية!

الحاصل أن الاعتراف بالاختلاف كان ضرورة أملاها العقل، بل سبباً للشعور بثراء الثقافة. مما دفع بعض المشاركين للتصريح بأن هدفه من نظام الحكم المقبل، في سورية، هو أن يكون، على النموذج الأميركي، حيادياً، يكفل للناس ممارسة حقوقهم، ومنها حق الاختلاف، بكل حرية، وبضمان سلامة الجميع، بعيداً من نموذج التشابه الشمولي، القائم على إخضاع المجتمع، ومسخه في صورة الفرد المستأسد.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى