صفحات العالم

تضخيم “النصرة” إعلامياً يهدف الى تجفيف السلاح عن الثوار

 

اسعد حيدر

باراك أوباما، نصير لـ”النصرة” شاء او أبى. حاصر الرئيس الأميركي المعارضة السورية منذ انطلاقتها. وجد دائماً العذر تلو العذر حتى لا تنتصر ويسقط النظام الأسدي. في البداية عندما كان عشرات المتظاهرين المدنيين يسقطون بالرصاص، وعندما كان العشرات ثم المئات يختفون في المعتقلات المقامة على عجل في أقبية الملاعب وغيرها، لم يقل ان الأسد يجب ان يتنحى كما فعل مع القذافي وغيره علناً أو ضمناً. لا يستطيع أوباما أن يقول إنّ الصورة لديه كانت ضبابية. سفيره الناشط جداً روبرت فورد كان يتنقل في سوريا، ويرى ويعرف وينقل الصورة في تقاريره.

لم تكن “النصرة” موجودة. القمع الوحشي وغير المسبوق من نوعه حتى في “جمهوريات الموز” في أميركا اللاتينية، دفع المسالمين إلى حمل السلاح الموجود وليس المستورد.

لم يكن لـ”النصرة” حتى ذلك الوقت اي وجود يذكر. النظام الأسدي وعلى رأسه بشار الأسد عمل لـ”عسكرة” الثورة. كل يوم وجد فيه الثوار والناس العاديون انفسهم “عراة” امام الآلة الحربية الأسدية اضطروا فيه إلى فتح ثغرة للمتطرفين ومنهم “النصرة”. الأسد الخبير في توريد الإرهابيين الظلاميين، والعراق شاهد على ذلك، حتى الذين لا يرغبون من العراقيين سقوط الأسد، يقولون اليوم ان الأسد “يستعيد البضاعة التي وردها لنا باسم دعم المقاومة” علما ان “القاعدة” وأخواتها قتلت من العراقيين ألوفا مضاعفة اكثر من الأميركيين. كل شيء بحساب، عند الأسد الاب والابن معاً.

كل يوم جديد من عملية تدمير سوريا الممنهجة، يضخ في “النصرة” ومن على يمينها أو يسارها في التطرف،مزيدا من الدماء والقوة. للأسف أوباما يساهم في ذلك كلما وجد العذر تلو الآخر لحجب السلاح عن الثوار مباشرة أو في منع الآخرين. لقد وصل الامر إلى حد تجفيف المال والسلاح العربي عن الثوار. ان اي لبناني حتى لو لم يشارك في الحروب التي يعيشها لبنان يعرف جيداً ان الثوار في سوريا يحاربون بما هو موجود على الارض. حتى الآن لا يملك الثوار وحدات قتالية مسلحة بالسلاح الفردي نفسه. اما السلاح الثقيل فهو غير موجود الا في حالة الاستيلاء عليه من الجيش أو المنشقين. المعارك اليومية تثبت هذه الواقعة. الهدف واضح الآن، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعطي السلاح للأسد لينتصر، واذا لم يكن بامكانه تحقيق الانتصار، فعلى الأقل ليصمد اطول فترة لتعزيز موقعه في المفاوضات مع الرئيس باراك أوباما. وحدها إيران تقاتل وكأنها تخوض معركة المربّع الاخير، تربحها فتربح الحرب الكونية. تخسرها فتخسر الحرب.

بعض المعارضة السورية، استوعب اللعبة. احمد معاذ الخطيب، بادر إلى طرح مبادرة حسن نوايا. الأسد رفضها عمليا. تابع الخطيب مساره مستندا إلى تكتل مهم معه مشكل من: رابطة علماء دمشق وتجمع تجار دمشق (جدّه عبدالقادر الخطيب كان رئيس غرفة تجار دمشق) الذين يريدون إنقاذ مدينتهم من نار الأسد بعد ان هددهم بها مباشرة، والحراك وشباب التنسيقيات وقسم مهم من الائتلاف وفي مقدمهم رياض سيف. الاخضر الإبراهيمي دعم المبادرة لعلها تنقذ مهمته. ظهرت بعد ذلك مشاريع مبادرات كان آخرها نسخة عن الحل الافغاني. بدل “الجيرغا”، مجلس شيوخ، وبدل القبائل، تنظيمات من النظام القديم مع بعض مكونات المعارضة لتبهير المشروع وتمليحه. في الاسابيع المقبلة سترمى مشاريع مبادرات لا تقدم ولا تؤخر في تصاعد مسار العنف والقتل. الواقع لا شيء سينقذ مهمة الإبراهيمي، ولا في تغيير وجهة مسار التدمير الأسدي طالما يعتبر الأسد بانه اصبح قاب قوسين من الانتصار على “الحرب الكونية” التي تشن عليه. وطالما لم يتفق أوباما مع بوتين.

“الحرب الكونية” التي يتحدث عنها الأسد هي عمليا ضد الشعب السوري. حلفاء النظام الأسدي هم أطراف مباشرون في القتال والدعم المالي المفتوح وتصدير السلاح بلا حساب والمساهمة بكل إنجازات الحرب الكترونياً. اما حلفاء الثورة فانهم لا يتوقفون عن الدعم بكل انواع الخطابات والتصريحات. أقوى الحلفاء مجرد ظاهرة صوتية، الأسوأ من ذلك كله انهم يساهمون في ذبح الثورة وفي العمل لتعميق انقسامات المعارضة السورية طلبا منهم الولاء لهم، ضمن حسابات ضحلة حول مواقعها في مستقبل سوريا. اما الحديث عن مئات الألوف من الإرهابيين فليس الا لإلغاء الشعب السوري وتضحياته، مثل ذلك إنكار رئيس الوزراء وجود مئات الألوف من اللاجئين السوريين في لبنان وتركيا والأردن وحتى العراق ومصر. الواقع وباعتراف دولي فان عدد مقاتلي “النصرة” وأخواتها لا يزيد على عشرة في المئة من كل المسلحين، أما الباقون فهم مسلحون مدنيون ومنشقون من الجيش.

الأسد لم يربح “الحرب الكونية”، الثورة تتقدم ببطء ولكن بثبات. تغيير موازين القوى على الارض كفيل بتغيير الطروح وتسريع الحل. للأسف الحل العسكري يتقدم ولو على حساب الشعب السوري، والحل السياسي مجرد حراك في مستنقعات من الخداع والأوهام.

باراك أوباما يريد إنقاذ الاقتصاد الأميركي، هذا واجبه ودوره. لكن لا يحق له ان يقدم استقالة الولايات المتحدة الاميركية من موقعها ودورها. للفشل الف وجه ووجه. الرئيس السابق جورج بوش فشل في إدارة الحرب ضد الإرهاب. أوباما في طريقه للفشل لانه يعتمد سياسة النأي بالنفس، من الآن وحتى لا يعود العالم محكوماً بأحادية القوة، يكون اوباما مسؤولاً عن إدارة العالم أو لا يكون.

عندما انضم الزنوج إلى الرئيس أبراهام لينكولن انضموا طلبا منهم للحرية. لم يسألوا ماذا بعد الحرية. الآن يقاتل السوريون طلباً للحرية وليس من أجل ما ستقدم لهم الحرية. حان الوقت للخروج من امام فزاعة “النصرة” قبل ان تتحول مع كل يوم تدمير وقتل واحباط إلى خطر حقيقي يحرق الاخضر واليابس، وأول ذلك ان رحيل الأسد اساس الحل.

المشتقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى