صفحات سوريةميشيل كيلو

تطورات سورية/ ميشيل كيلو

 

 

يبرز، اليوم، في الساحة السورية تطوران مقلقان إلى أبعد الحدود، أحدهما خاص بالنظام، والثاني بتنظيم جبهة النصرة. ويرتبط كلا التطورين بالحرب على الإرهاب وبنتائج تدخل أميركا العسكري المباشر في العراق.

أما الأول، فهو خاص بالنظام الذي أدخلته الحرب في مرحلة ارتياح نسبي، بعد أن كان القلق يعصف بأركانه ويهدد تماسكه، بسبب مقاتل “داعش” ضد قوات الفرقة 17 واللواء 93 ومطار الطبقة العسكري قرب الرقة التي كبدته خسائر جسيمة من الضباط والجنود، بدا معها وكأن تفكك جيشه صار وشيكاً، بينما تعالت صرخات مؤيديه وأتباعه مطالبة بمحاسبة وزير دفاعه، وملقية بعبء الكارثة الوشيكة والمتوعدة، حتى على بشار الأسد نفسه.

بهذه الأحداث، أيقن قطاع واسع من أهل النظام أن الانتصار على الجيش الحر لن ينقذ النظام، بل يهدده بمخاطر وجودية، سيصل أثرها المدمر إلى الجماعات الداعمة له، بما أن الجيش الحر لا يتبنى سياسات انتقام طائفية، بينما تعلن “داعش”، جهاراً نهاراً، عزمها على إبادة المرتدين، ومنهم العلويون.

بقول آخر: تغيرت معادلات الصراع في سورية، مع بروز التطرف عامة و”داعش” بصورة خاصة، وصار النظام والجيش الحر مستهدفين كلاهما بالخطر الإرهابي، وشرع أتباع النظام يأخذون هذه الواقعة المهمة بالاعتبار، ويعيدون النظر في حسابات المعركة وعلاقاتهم بأطرافها، ويرون في قتال جيش المعارضة ضد “داعش” دفاعاً غير مباشر عنهم، وحماية لهم. وسط هذا التحول، بدت الحرب ضد الإرهاب الوضع الأمثل لصالح النظام الذي شن، منذ بدئها، هجمات هي الأشد ضد الجيش الحر والمدنيين، لاعتقاده أن حسم الصراع ضدهما في ظل حرب التحالف سيفضي إلى نجاته.

بدورها، استغلت جبهة النصرة الحرب ضد “داعش”، لكي تنفرد بمواقع استراتيجية مهمة من سورية، وتزيح الجيش الحر من معادلات الصراع العامة، لاعتقادها أن القضاء على “داعش” كمنافس، وعلى الجيش الحر كعدو لها، سيخلي الساحة لها، وسيمكنها من مواجهة النظام بمفردها، فلا بد لها، إذن، من ضرب الجيش الحر وانتزاع مناطقه، وضم جزء من قدراته وقواته إليها، وسيطرتها على حاضنته الشعبية الواسعة، وبروزها، في نهاية الأمر، طرفاً يمثل الثورة ضد الأسد، هو القوة الرئيسة، وبالأحرى الوحيدة التي ستقاتل النظام الأسدي في ظرفٍ يكون الإنهاك قد شل قدراته فيه، بينما أوصلته خسائره إلى حال من التلاشي، تحول بينه وبين مواصلة الحرب ضد الجبهة: الطرف المدعوم شعبياً، المنظم عسكرياً، والمحصن سياسياً.

بسبب مصلحتهما المشتركة في التخلص من الجيش الحر، انخرط النظام والجبهة في حرب شعواء ضده في مناطق عديدة من سورية، فبدا وكأن بينهما تنسيق وتعاون، مع أنهما يتصرفان في ضوء حسابات، ما بعد الحرب ضد الإرهاب التي جعلتهما يبادران إلى نشاط عسكري مكثف، يريدان به حسم صراعهما المشترك ضد الجيش الحر، ضمن المهلة المحدودة غالباً التي ستغيب واشنطن فيها عن الساحة السورية، وهي، في نظر الجبهة، فترة لا تستطيع أميركا خلالها بناء وتسليح جيش حر مقاتل، وفي نظر النظام، فترة ترتبط واشنطن خلالها بأولوية حربها ضد “داعش”، لن تتمكن من التفرغ له، سواء عبر بناء الجيش الحر، أم عبر تدخلها المحتمل، لمنعه من استخدام سلاحه الجوي.

ما الحسابات التي يجب أن يتبناها الجيش الحر لمواجهة مخاطر هذا التحدي المزدوج القاتلة بكل معنى الكلمة؟ وهل سينجح الطرفان في بلوغ هدفهما المشترك؟ هذا ما سيكون له حديث آخر.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى