صفحات العالم

إيران من دون الأسـد


دانييل راخميل

ترجمة: الحدرامي الأميني

مع بداية الربيع العربي، حاولت إيران من غير أن يحالفها النجاح تزعُّم ايديوجية الثورات التي اندلعت في الشرق الأدنى. وبعد أكثر من عام ونصف من التغيرات، يقصي اللونُ السياسي للحكومات الجديدة الناشئة وكذلك الثورة السورية الراهنة بلادَ فارس عن تطلعاتها لتزعِّم المنطقة. واليوم، فإن المصير النهائي للأزمة السورية سوف يقلب ميزان القوى الذي قد تحوزه إيران بصورة مباشرة.

عندما ملأت المظاهرات ميدان التحرير في القاهرة في أوائل العام 2011، رأت إيران الفرصة سانحة لتكون نموذجاً للحكومات الجديدة الناشئة. لكن الخطاب الرسمي الإيراني بدعم الثورات في البلدان المجاورة كان تعسفياً ومنحازاً تماماً منذ انطلاقة الربيع العربي. ففي شباط| فبراير 2011، وبالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية والثلاثين لبداية الثورة الإسلامية في إيران، كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يقدم التبريرات عن الحاجة إلى التغيير في المنطقة، وفي الوقت نفسه لم يكن يسمح، مستخدماً القبضة الحديدية، بالحد الأدنى من مساعي إحياء الحركة الخضراء المحبطة. وفي حالة الثورة السورية، كانت معارضته لأي تغيير للنظام في دمشق مستمرة منذ البداية.

الاغتباط الأولي بإمكانية قيام حكومات جديدة تكون أكثر قرباً من طهران، تحوَّل اليوم إلى قلق متنامٍ بمواجهة أوضاع إقليمية جديدة مضادة لها أكثر من أي وقت مضى. وككل بلدان المنطقة، تعي إيران أنها لا تستطيع البقاء منيعة أمام كل رياح التغيير التي تعصف في   الشرق الأدنى.

بالرغم من أن النجاح الحاسم للقمع الذي مارسته السلطات الإيرانية قد أفلح في إنقاذ إيران من حالة عدم استقرار شديدة، فإن الخلافات حول الكيفية التي تُقاد بها البلاد في أزمنة التغيير هذه تهدد نظام آيات الله مرة أخرى. وإذا ما سقط نظام الرئيس السوري بشار الأسـد في النهاية، فسيعاد فتح الخلافات الإيديولوجية التي سُجِّلَت في نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أُجريت في آذار| مارس 2012.

سـوريا: حجر الزاوية

الصراع الحاد الذي يجرى اليوم في سوريا هو انعكاس للانحدار الذي لا يمكن وقفه    الذي يتعرض له نظام بشار الأسـد. وقد سمحت الثغرات الأخيرة في الجهاز العسكري والأمني للبلد، وكذلك الفرار المستمر لذوي المناصب العليا، بإمكانية البدء في الحديث عن نهاية قريبة للنظام السوري. لكن، إلى إن تحصل سيطرة كاملة على دمشق وحلب، لن يكون ممكناً إعلان النصر النهائي.

بينما تظهر انشقاقات النخب عن النظام السوري الهشاشة المتزيدة لنظام الأسد، الذي يزداد ضعفاً ساعة بعد ساعة جراء الاستنزاف الناتج عن المواجهات الحادة مع المعارضة، فإن التصريحات الأخيرة الداعمة للأسـد من جانب الديبلوماسية الإيرانية، تفصح عن أهمية  الخاتمة السورية بالنسبة لإيران. وبالرغم من عدم تشاطرهما الشروط السياسية نفسها، فإن هذين البلدين يعانيان عزلة متزايدة في إقليم يزداد عداؤه لهما باطراد. في بيئة من الإقصاء من قِبَل الغرب ومن غالبية بلدان المنطقة، تعتمد سوريا أكثر فأكثر على الدعم الذي تستطيع أن توفره لها إيران. هذا الدعم يمر عبر الإرسال المنتظم للقوات والفرق الخاصة والأموال والمستشارين بغية إخماد الثورة، أو عبر المحاولات الديبلوماسية من أجل فرض حل يمر عبر خروج مُتوافق عليه للأسـد.

راهنت إيران على سوريا باعتبارها حجر الزاوية في تطلعاتها الإقليمية قبل وبعد بداية الثورة. فبالنسبة إلى طهران يمثل الحفاظ على سيطرتها على سـوريا القدرة على امتلاك طريق مباشر إلى البحر المتوسط بالتزامن مع زيادة وجودها في لبنان، حيث يوجد حليفها حزب الله. إن سوريا هي حجر الزاوية الذي سيحدد معالم مستقبل طهران. وبالطريقة نفسها، يمكنها أن تكون الجيب الذي يكبح التطلعات الإقليمية التي حافظت عليها إيران منذ أعوام والتي حملت بلاد فارس مؤخراً على تعزيز وجودها في ما كان يُعدُّ عدوها التاريخي سابقاً: العراق.

حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي شكلت حليفا جديداً في خريطة النفوذ الإقليمية التي كانت ترغب بها إيران وتمر عبر العراق، سوريا أو لبنان. وفي ضوء الوضع الراهن، لا تريد إيران التخلي بسهولة عن حليفها الأسـد ذلك أن أكلاف خسارتها لدمشق مرتفعة إلى درجة كبيرة جداً. من جانب آخر، في حال بقاء نظام الأسد أو حكومة جديدة قريبة من طهران، فإن العزلة الإقليمية والدولية ستحول سوريا إلى بلد أكثر اعتماداً على إيران.

الوضع الحالي في سوريا أكّد مرة أخرى المطامح الإيرانية المعروفة. لكن النهاية المرجحة للأسد تمثِّل نقطة تحوّل في مسيرة الصعود الإقليمية التي حافظت عليها إيران باتجاه وضع   انحدار جديد سيكون فيه حلمها الكبير بمنطقة للنفوذ أول المتضررين. بالتوازي مع ذلك، وفي ضوء عدم اليقين المتزايد، يحاول هذا البلد البحث عن حلفاء آخرين داخل الخارطة السياسية الجديدة التي يشكلها الربيع العربي. بين المرشحين المستقبليين يوجد الرئيس المصري المنتخب حديثاً، محمد مرسي. إلا أن اللون السياسي والإيديولوجي للأخوان المسلمين، وكذلك المساندة التي يقدمها هؤلاء للمعارضة السورية، لا يسهل المحاولات الإيرانية للتقارب.

أخيراً، إن تداعيات خروج الأسـد ستوثر بشكل مباشر على إيران واضعةً المزيد من الضغط على الاقتصاد الإيراني الراكد. وبغض النظر عن التداعيات الجيوبوليتيكية التي سيحملها سقوط الأسـد، فإن خروجاً قسرياً للنظام السوري سيمثل ضربة قاسية للساحة    السياسية الوطنية الإيرانية. إنه عامل مهم في عدم الاستقرار السياسي سيعيق بشكل أكبر، مع العقوبات الدولية المستمرة، مشروع طهران النووي المثير للجدل.

موقع: اتينيا

http://www.ateneadigital.es/RevistaAtenea/REVISTA/articulos/GestionNoticias_9708_ESP.asp#

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى