صفحات الرأيممدوح عزام

تعقّب شبكات السلطة/ ممدوح عزام

 

 

في كل مرّة كنت أروي شيئاً من المعلومات التي تقدّمها جوليا أنغوين في كتابها “سلطة شبكات التعقّب” أمام واحد من أصدقائي، كنت أرى اللامبالاة، وعدم الاهتمام بالمعنى الذي يستبطنه وجود تلك القوة الناعمة الخفية التي تنوي التحكّم بمزاج العالم، وخياراته.

وقد أوضح لي كثيرون منهم أن هذا التعقّب لا يستفزّهم، ولا يثير المخاوف في قلوبهم. ذلك أن المراقبة، أو التعقّب، التي تنفذها وسائل التواصل الاجتماعي لحياتهم، ومعلوماتهم، لا تهددهم، كما أن العروض التي تقدمها، سواء في الإعلانات، أو طلبات الصداقة، ليست أكثر من اقتراحات يمكن تجاهلها، وليس بينها ما يمكن أن يحتكر إرادتك، أو قراراتك، حتى لو كان الكلام عن السيطرة من البعيد.

وأن ما يخيفهم ويرعبهم تماماً إنما هو تعقّب السلطة هنا لحياتهم، وسعيها لجمع المعلومات عنهم، أو كما قال لي واحد ممن أشرت لكتاب أنغوين أمامه، من أن ما يرعبه هو “تعقّب شبكات السلطة” لا “سلطة شبكات التعقّب”.

وهذا مؤكد هنا، وفي الغالب يبدو أن وسائل التواصل قد تحوّلت إلى وسائل للتعقّب السياسي والأمني، بحيث يخشى المستخدمون تسرّب أي كلام سياسي في أي وسيلة من هذه الوسائل إذا كانوا يعيشون في مناطق نفوذ السلطة. في حين بدأت البلدان العربية في اتخاذ إجراءات القمع ضد أولئك الذين يتجرّؤون عليها في وسائل التواصل.

وإذا كان الناس في الغرب يتحدّثون عن انتهاك الخصوصية، فإن الناس هنا يتحدثون عن انتهاك الحرية، حرية الروح وحرية الجسد معاً. والمسافة شاسعة بين انتهاك الخصوصية، وانتهاك الحرية في الضمير العربي. إذ تبدو مسألة انتهاك الخصوصية تفصيلاً صغيراً جداً في سجل الانتهاكات التي تطاول وجود الإنسان العربي. وهي المسافة بين وجودين، وبين شكلين للسلطة السياسية والحكم، وبين نمطين مختلفين للعدالة.

هي المسافة بين الإرغام والقهر، والاقتراح والخيارات. وهذا ليس خلافاً في المفاهيم، أو عن المفاهيم، بل هو خلاف في المواجهة أو طريقة العيش. فالأنظمة العربية تفهم أن وسائل التواصل تفيدها في تعقّب الرأي لاعتقاله، وحجز حرية البشر، فيما قد يفهم الغرب هذا التعقّب على أنه يفيد في زيادة الأرباح.

بل إن عشرات الآلاف من المستخدمين العرب لا يعنيهم أن يكون جاسوس في أميركا يتلصّص على حساب الواتسآب الخاص بهم، بقدر ما يفكرون في الخطر الداهم الذي يمثله الرقيب الأمني الذي قد يتتبع تلك المحادثات أو المكالمات التي يجرونها. إذ قد يلي ذلك استدعاءات أمنية واعتقالات. وقد يحدثك المعتقلون عن أن المحققين في السجون كانوا يحاسبونهم على الآراء التي أبدوها، لا على السلع التي قد اشتروها.

وإذا كان المستخدم في الغرب يستطيع مقاضاة إدارة أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي لانتهاكها خصوصيته، فإن مئات الآلاف من العرب لا يستطيعون محاسبة شرطي أو محقق ينتهك حريتهم ووجودهم متى شاء. ذلك أن من يشرّع الاعتداء على الحرية في مواد الدستور، من الطبيعي أن يسن القوانين لحماية السلطة لا للدفاع عن الكرامة الإنسانية.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى