صفحات العالم

تفاهم خليجي – أميركي على خطوات سورية!


سركيس نعوم

عدم نجاح اللجنة العربية في تنفيذ “المهمة السورية” التي اوكلها اليها مجلس وزراء الخارجية العرب قد يكون عفوياً وطبيعياً في نظر عدد من متابعي تطورات “الانتفاضة” في سوريا وخلفياتها الداخلية المتنوعة، والاقليمية والدولية المتعارضة الى درجة التناقض. ذلك ان ما تطلبه جامعة الدول العربية من الرئيس بشار الاسد ليس جديداً. فقد سبق ان طلبت منه حليفته تركيا “حزب العدالة والتنمية” ومجلس التعاون الخليجي بكل دوله والجامعة نفسها، وكذلك دول اوروبية عدة، واميركا وغالبية المجتمع الدولي. لكنه لم يتجاوب مع طلبات كل هؤلاء الا شكلياً ولفظياً ربما لاقتناعه ومنذ بداية الانتفاضة او الثورة على نظامه ان تلبية مطالبها الاساسية ستُسقِط وسلمياً وخلال سنتين على ابعد تقدير نظامه ورئاسته وسلطته وستقضي على المكاسب التي حققها لنفسه ولعصبيته الضيقة ولمجموعات المستفيدين منه في كل المجالات. ومن الصعب ان يتجاوب معها حالياً لأن الدم الذي سال ولأن المذهبية التي ظهرت على السطح ومعها الطائفية، ولأن الارتباطات الاقليمية للنظام السوري، لأن كل ذلك لا يسمح للأسد بالتراجع، الا طبعاً اذا كان هدف الجهات العربية والاقليمية والدولية الساعية معه للتوصل الى “تسوية” تنهي العنف وتضع سوريا على طريق الاستقرار الامني والاصلاح السياسي، هو المحافظة عليه من خلال تقديم اقتراحات له او مخارج او حلول تحفظ ماء وجهه وماء وجه الثوار وغالبية الشعب السوري باصلاحات تجميلية تُمكِّنه من الاستمرار ربما الى ابد الآبدين. وهذا امر ممكن نظرياً لأنه لا يزال يمتلك القوة العسكرية الاكبر والاكثر تعقيداً ولأنه يستعملها من دون شفقة أو رحمة ولأن الثوار لم يصلوا بعد الى مرحلة فرض انفسهم على اعدائهم والحلفاء وخصوصاً في الخارج الأمر الذي يجعلهم فريسة سهلة للنظام اذا “ركبت” التسوية العالمية المشار اليها اعلاه.

لذلك فإن السؤال الذي يطرح هنا هو هل ان اللجنة العربية ومن ورائها مجلس وزراء الخارجية العرب في وارد تسوية كالمذكورة؟ والجواب الذي توفره المعلومات والمعطيات الواردة على عدد من المتابعين الاميركيين والعرب، يستبعد هذا النوع من التسوية،ذلك ان كيْل غالبية الدول العربية قد طفح من الرئيس الاسد كما كيْل اميركا واوروبا. وقد يأتي يوم غير بعيد يطفح فيه ايضاً كيْل روسيا والصين، وخصوصاً اذا نال كل منهما ما يريد في مقابل انضمامه الى “كبار العالم” في موقفهم السلبي من نظام الاسد، واذا نجح الاسد في اقناعهم بغياب اي نية اصلاحية جدية عنده واي نية لوقف عنفه على مواطنين له الذي دفعهم الى ممارسة العنف ضد عسكره وامنييه. اما بالنسبة الى المعلومات نفسها فإنها تشير الى ان مجلس وزراء الخارجية العرب سيعود الى الاجتماع باللجنة التي كلفها المهمة السورية لمعرفة ما حققته، وتالياً لتحديد الخطوات التي عليه اتخاذها سواء كانت المهمة ناجحة أو فاشلة. وفي هذا المجال فإن المعلومات المشار اليها تفيد ان تأليف اللجنة وتكليفها مهمتها السورية كان الهدف الاساسي منه الحصول على ذريعة تبرر لجوء “مجلس الوزراء العربي” نفسه الى اتخاذ قرارات قاسية في شأن النظام السوري ودعوة المجتمع الدولي الى المساعدة في تنفيذها. وتفيد تحديداً بوجود اتفاق عام بين الدول العربية الخليجية، او ربما غالبيتها الساحقة، وبين اميركا على اقتراح سلسلة الخطوات المطلوبة للضغط على الرئيس الاسد داخل جامعة الدول العربية لكي تطلب من المجتمع الدولي او بعضه تنفيذها.

والخطوات التي يفكر فيها ديبلوماسية ومالية واخرى تقضي بإرسال عسكريين مختصين لتدريب الذين ينشقون عن الجيش. ومن شأن ذلك جعل الحياة في سوريا لا تطاق ومعها وضع النظام. الى ذلك تفيد المعلومات نفسها ان اصحابها مقتنعون بأن السنة المقبلة 2012 ستكون سنة “الحركة” (Action) سوريّاً. وابطالها سيكونون اميركا وحلفاءها العرب والاوروبيين.

في اختصار يقول الجانب الاميركي من المتابعين المذكورين اعلاه ان الادارة الاميركية تنظر الى ايران في الوقت الذي تسعى الى معالجة وضع سوريا جراء “التحالف الاستراتيجي” بينهما. ذلك انها تريد ان تقوّم أو بالأحرى تحدد قوة هذا التحالف ونقاط ضعفه وكذلك الطرف الاضعف فيه. وهي تعرف ان سوريا هي الاضعف، ولذلك فإن قائدها لن يبتعد عن ايران او لا يستطيع الابتعاد عنها. ولا بد ان يدفع ذلك اميركا الى تفخيخ التحالف المذكور أو تفجيره بالاجراءات التي قد تتخِذ خلال الاشهر المقبلة.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى