سمير العيطةصفحات سورية

تفكيك القنابل السورية الموقوتة/ سمير العيطة

 

 

 

عرف الصراع في سوريا فترات عديدة، بدا فيها أن الأمور اقتربت من حلّ أو من مسارٍ لحلّ بفضل جهودٍ وضغوط ومبادرات أمميّة. لكنّ تلك الجهود تمّ إحباطها كي ينعطف الصراع نحو آليّة مختلفة. ولعلّ أهمّ تلك الانعطافات عرفها صيف 2012 عندما تمّت صياغة وثيقة جنيف 1 وتوحيد المعارضة حول مبادئ دستوريّة وآليّات مرحلة انتقاليّة، فاندلعت فجأة معركة «تحرير حلب» وتصفية خليّة الأزمة لتتحوّل الأمور إلى «حربٍ وتحريرٍ» بدل مقاومة قمعٍ واستبداد. واليوم هناك مخاطر حقيقيّة من حدوث انعطافٍ جديدٍ للصراع برغم زخم كلّ الجهود المبذولة «لوقف الأعمال العدائيّة» وللتفاوض برعاية المبعوث الأمميّ وفريقه على حلّ سياسيّ للأزمة.

ويبدو أنّ لا شيء يُبعد شبح الانحدار نحو هذه الانعطافة، لا التصريحات المطمئنة للمبعوث الأمميّ حول الجدول الزمنيّ للانتقال السياسيّ والدستور الجديد التزاماً بالقرارات الدوليّة، ولا حتّى استفزاز بنيامين نتانياهو لجميع السوريين والمجتمع الدوليّ بضمّ الجولان إلى الأبد.

من الواضح للعيان أنّ الانعطافة الجديدة لن تأخذ سوريا سوى نحو ترسيخ وتعميق الشرذمة والانقسام. لذا لا بدّ من الاستفادة من تعثّر الجولة الحالية من المفاوضات، بانتظار تلك التي ستليها من جهودٍ لتفكيك آليّة هذه الشرذمة.

في مواجهة ذلك كلّه، لا بدّ من استعادة الحوار بين «المعارضة» وبين حزب «الاتحاد الديموقراطي» باعتباره فصيلاً سياسيّاً سوريّاً، وإيجاد صيغة كي تشمل المفاوضات القائمة جميع القوى في سوريا، خاصّة أنّ «هيئة التنسيق» متواجدة ضمن «الهيئة العليا للتفاوض» وكانت على علاقة وثيقة مع حزب «الاتحاد الديموقراطي» حتّى فترة قريبة، وأنّ «المجلس الوطني الكرديّ» له آليّات تنسيق مع الحزب يُمكن تفعيلها.

كما لا بدّ من إطلاق الحوار بين «الهيئة العليا للتفاوض» ومجموعتي «موسكو» و «القاهرة» والمجموعات الأخرى لتنسيق المواقف. فالمستفيد الوحيد من الانقسامات السياسيّة هو السلطة القائمة، بينما الهدف هو جسم حكم انتقالي لجميع السوريين. وبالطبع يحتوي كلّ ذلك على مخاطر سياسيّة، لكنّها أقلّ وطأة من مخاطر الشرذمة.

كذلك لا يصلح أن يكون الردّ على تعنّت السلطة واستفزازاتها واستهتارها بالعمليّة السياسيّة تصعيداً عسكريّاً، بل اقتراح آليّات لتفكيك الإشكاليّات القائمة وحشد الجهود الدوليّة بما فيها الروسيّة والصينيّة لدعمها.

مثال تلك الآليّات ملفّ المعتقلين الشديد الحساسيّة، حيث لا تكفي المطالبة بإطلاق سراحهم أو سراح الأسماء البارزة بينهم، بل خلق آليّة تبدأ بالتحقّق من أوضاع المعتقلين والمفقودين على السواء برعاية أمميّة، بحيث تقّدم كلّ مدينة أسماء معتقليها ومفقوديها إلى الأمم المتحدة كي تضعها أمام مسؤوليّة التقصّي عنهم وأسباب اعتقالهم أو محاولة كشف مصيرهم، تجاه جميع أطراف الصراع. ويتمّ إدراج هذه الآليّة ضمن آليّةٍ أشمل للمصالحة والمحاسبة على المستويين المحلّي والكليّ، باعتبارها جزءا من آليّة تثبيت وقف الأعمال العدائيّة، حيث أنّ ملفّ المعتقلين والمغيّبين هو جزء من أيّ هدنة محليّة.

لا بدّ من العمل فوراً على مثل هذه الآليّات، إذ لن تسنح الفرصة لجسم الحكم الانتقالي المعهود أن يعالج جميع الملفّات الشائكة حزمةً واحدة يوم تشكيله، ولا يمكن أن تبقى بعض هذه الملفّات قنابل موقوتة تنفجّر إذا ما تمّ كسر آليّة الانعطاف نحو مزيدٍ من الجحيم.

 

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى