صفحات سورية

تقارير من «الشرق والغرب» وسط تذكير بنموذج «كوسوفو»


الأسد «المرتاح لنهاية المحنة نهاية السنة» يلمح إلى خطر السيارات المفخخة ويصف أردوغان بـ «الشخصية الجوفاء» ويتحدث عن موقفين في السعودية

بيروت – من وسام أبو حرفوش

غالباً ما كانت تصح على العلاقات اللبنانية – السورية نظرية «الاوعية المتصلة» لشدة «التداخل» السياسي والامني والاجتماعي «التاريخي»، الذي اخذ في العقود الاربعة الاخيرة شكل «التدخل» من طرف واحد يوم دخل الجيش السوري لبنان في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي ولم ينسحب الا في ابريل من العام 2005.

هذا «التداخل» بين العاصمتين (دمشق وبيروت) التي تفصل بينهما المسافة الاقصر على الاطلاق بين عواصم الدول المجاورة في العالم، يجعل المجريات السورية حدثاً لبنانياً بـ «امتياز». وها هي بيروت وكأنها «حديقة خلفية» لحراك يتصل برمته بما يجري في «الشقيقة» التي لطالما ادارت دفة الاوضاع في لبنان.

وها هي بيروت تضج باحاديث لزوار قصدوا دمشق والتقوا الرئيس السوري بشار الاسد، وبعمليات استطلاع ديبلوماسية متعددة الجنسية، وتقارير عن «آخر التطورات» ومآلها في الكواليس السياسية، وبضوضاء اعلامية ترتبط بالاوضاع على الحدود «السائبة»، وحوادث التوغل والتهريب وما شابه.

حلفاء سورية وزوّارها ينقلون صورة متفائلة عن «صمود الاسد» و«استرداده زمام المبادرة منذ مدة واجهازه على البؤر الارهابية التي لم يبق منها الا فلول في الرستن تتحصن بالاهالي الامر الذي يحتاج لبعض الوقت للتخلص منها»، وعن معاودته الامساك بالاوضاع تماماً في مهلة لا تتجاوز نهاية السنة الحالية.

والاسد، الذي يحرص على اظهار قدرته على تجاوز المحنة في الداخل ومع الخارج، قال لزواره ان «المرحلة المقبلة قد تشهد اغتيالات وسيارات مفخخة»، لكنه أبدى اطمئناناً الى امكان التحوط من اي مسلسل للاغتيالات والحد من الخسائر «الامر الذي قد لا يكون متاحاً تماماً في مكافحة السيارات المفخخة الاكثر قدرة على احداث الاضرار».

وينقل الذين التقوا الاسد انه غير قلق من الاوضاع الاقتصادية في بلاده التي تتمتع بحدود مشتركة مع اكثر من دولة عربية حيث تشكل متنفساً لـ «مبادلات شعبية» تتيح الحد من الازمة العابرة خصوصاً مع وجود احتياطي كافٍ من القمح والسلع الحيوية الاخرى، اما بالنسبة الى العملات الصعبة فالمسألة غير مقلقة.

والاسد «المرتاح» في عيون زواره يقفل الابواب تماماً على اي مبادرة حتى من «اصدقائنا الروس»، وهو الموقف عينه من المبادرة العربية التي وقفت عند حدود «رفض التدخل في الشأن الداخلي»، كما لا يعترف بوجود معارضة لا في الداخل ولا في الخارج، والحوار الوحيد عبر المحافظات وما سيفضي اليه من مؤتمر مركزي.

ويفاخر الاسد بأن سورية ستعود الدولة العربية الأهمّ، وهو غير آبه بمواقف الدول العربية مما يجري في بلاده، «ففي السعودية موقفان احدهما اكثر عداء، والعلاقة مع بعض الدول لا بأس بها في حين ان دولاً اخرى مشغولة بأوضاعها».

وعندما يقارب الرئيس السوري الموقف التركي، يأخذ على رجب طيب اردوغان «الشخصية الجوفاء» عدم الوفاء بعدما شكلت سورية العلمانية تغطية له في صراعه كتيار اسلامي مع الجيش العلماني في تركيا «التي بالكاد تستطيع مواجهة أزماتها والمصاعب الداخلية التي تواجهها».

وما ينقل عن الاسد حيال الاوضاع في بلاده ومستقبلها يخضع في بيروت لـ «التدقيق» في ضوء مقاربات اخرى «من الشرق والغرب»، فالتقارير الديبلوماسية الغربية و«تحليلات» الموقف الروسي تتقاطعان عند القول ان سورية لن تغادر عين العاصفة في امد قريب لكنهما تفترقان في استشراف طبيعة المرحلة المقبلة و… نهايتها.

في التقارير الغربية التي «تتداولها» بيروت ان واشنطن التي تعمل على دفع المركب السوري نحو التغيير من الخلف حسمت خيارها حيال النظام في سورية حين دعا الرئيس باراك اوباما «نظيره» السوري الى التنحي، وهي صارت مهتمة بمرحلة ما بعد الاسد ونظامه بعدما فقد شرعيته.

وفي تقويم لـ «الحال السورية» الراهنة عكسته مصادر غربية ان نظام الاسد، غير القادر على التقدم الى الامام عبر وأد الاحتجاجات وغير القادر على التراجع في اتجاه الاصلاحات، يصارع عبثاً من اجل البقاء، وهو يفيد في محاولة تطويل عمره من الخيمة الروسية ـ الصينية.

ورغم ان المعارضة السورية المتعاظمة اخذت شرعية شعبية وتحظى بتعاطف دولي، بحسب المصادر عينها، فانها غير قادرة على حسم الصراع نتيجة عنف النظام من جهة ومصاعب انتزاع موقف عربي ودولي حاسم لتدخل من النوع الذي يؤازرها لاحداث عملية التغيير.

وفي تقدير هذه المصادر ان التطور الاهم الذي من شأنه قلب «التوازن السلبي» في سورية الان هو حدوث انشقاق كبير في الجيش، الامر الذي يُفقد النظام اداته الاهم ويفتح الطريق امام تشكيل جيش رديف موالٍ للمعارضة على غرار التجربة التي شهدتها ليبيا.

وبحسب المصادر نفسها، فان التحول الممكن في مجريات الازمة السورية داخلي في الدرجة الاولى لان الولايات المتحدة غير مستعدة للتورط في تدخل عسكري واوروبا الاكثر حماسة تريد قراراً عن مجلس الامن الدولي، وتركيا «المتمهلة» ستكتفي في المرحلة المقبلة بأداء مزدوج يقوم على ضغوط متزايدة على الاسد واحتضان اكثر للمعارضة.

وتعتقد المصادر الغربية ان ايران التي تُكثر من نصائحها للاسد بضرورة وقف العنف وتنفيذ الاصلاحات تضخّ «مقويات» للنظام في سورية الذي يشكل لها «دفرسواراً» لا بديل منه للعبور الى شواطئ المتوسط، لكنها اكثر عقلانية من انجرارها الى حرب بـ «توقيت لا تختاره» لحماية نظام الاسد.

والتقدير الغربي عينه ينسحب على قراءة موقف «حزب الله»، الذي من المستبعد جنوحه في اتجاه اي مغامرة «لن تنقذ الاسد وتضع الحزب في مواجهة شرسة مع المجتمع الدولي في الوقت عينه، الامر الذي يعرض صعود نفوذه الداخلي في لبنان للانتكاسة».

غير ان الانظار تتجه، وفي ضوء «الفيتو التاريخي» الروسي – الصيني في مجلس الأمن، نحو موسكو التي تشكل «الدرع» الواقية لنظام الاسد من الاحتضار السريع تحت وطأة الضغط الداخلي والخارجي وتطوره في اتجاه التجربة الليبية التي اطاحت بالقذافي في نهاية المطاف.

وفي بيروت، المفتوحة النوافذ على الشرق والغرب، تجري تحريات حثيثة لسبر اغوار الموقف الروسي المثير للجدل نتيجة الانطباع عن تحوله غطاء لعمليات القمع ضد الشعب السوري الذي لا يتورع وفي كل يوم جمعة عن حرق العلم الروسي في شوارع المدن «المتمردة».

شخصية لبنانية سياسية فكرية «مخضرمة» التقت اخيراً السفير الروسي في بيروت بناء لطلب من مواقع قيادية في ديبلوماسية الكرملين للوقوف على قراءة «صديق عتيق» لما يجري في سورية و«مناقشته» في خيارات موسكو ودورها.

وهذه الشخصية الآتية من «الحرب الباردة» الى رحاب العصر و«ربيعه العربي» سمعت من السفير الروسي شرحاً لموقف بلاده القائم على «هواجس» اكثر مما هو وليد لعبة المصالح «وسط انطباعات غير مقنعة ومبنية على مغالطات تتعلق بالانتفاضة في سورية وطبيعتها وقواها المحركة».

اما تلك الشخصية فأسمعت السفير الروسي قراءة مغايرة تزاوج بين المبادئ والمصالح لموقف روسي افتراضي يكاد ان يفقد موطئ القدم في المنطقة بعدما تأخر كثيراً في تأييد الانتفاضة الليبية ويمانع في الاعتراف بوجود حركة احتجاج تغييرية في سورية.

وقال الماركسي «الشغوف» بالانتفاضة التاريخية للشعوب العربية لـ «الراي» أنه استنتج من حواره مع الديبلوماسي الروسي ان الكرملين أسير الاعتقاد بان المتشددين الاسلاميين يحركون الشارع العربي، لاسيما في سورية التي قد تتجه نحو تغيير في اتجاه نظام عصبه التيار الاسلامي.

ويخشى الروس – انطلاقاً من هذه «المعطيات» – ان يشكل وصول المتشددين الاسلاميين الى السلطة في غير دولة عربية رافعة لتيارات مماثلة من دول القوقاز، التي تعتبرها موسكو خزاناً لقلق يقضّ مضاجعها منذ تنامي النزعة القومية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي.

فات على الروس – بحسب الشخصية اللبنانية – اننا في العالم العربي امام «اسلام جديد» يتماهى مع «الاسلام التركي»، وهو ما لمسه في حوارات اجراها اخيراً مع قيادات بارزة في الحركة الاسلامية كالغنوشي في تونس ومسؤولين في «جماعة الاخوان» في مصر، فالجميع مع دولة مدنية تعددية، الشريعة فيها «احد» مصادر التشريع.

وفي تقدير الشخصية عينها ان روسيا المؤهلة لان تكون دولة عظمى لا تتصرف على هذا الاساس كونها لم تستكمل عملية التغيير في الداخل، ولا هي تطلق دينامية ايجابية في التعاطي مع مشكلات الخارج، ما يحولها احياناً قوة سلبية، على غرار موقفها الراهن من الثورات العربية.

ولعل ما لم يقله السفير الروسي في بيروت على مسامع ضيفه قاله يفغيني بريماكوف عندما تحدث عن الابعاد الداخلية لموقف موسكو من الازمة السورية، مشيراً الى ان فلاديمير بوتين المقبل على انتخابات تعيده الى الرئاسة يفيد من «الحساسية» الشعبية المفرطة في بلاده تجاه الاميركيين.

هذا يعني ان شعور الشارع الروسي بان الاميركيين «يستبيحون» الشرق الاوسط، يجعله خلف بوتين الذي لطالما «اشتغل» على النزعة القومية لدى الروس.

ماذا بعد…

عرض ما تضمنته تلك «المحاضر غير الرسمية» عما يدور في «العقل» السوري والاميركي والروسي يفضي الى القول: ان «التوازن السلبي» في سورية مرشح للاستمرار الى امد غير قصير، ما يرجح حظوظ سيناريوات بدأ التداول بها، ومنها ذاك الذي يعيد الى الذاكرة نموذج كوسوفو الذي من شأنه القفز من فوق مجلس الامن ولعبة ال?يتوات فيه، فالاجماع الدولي «المنقوص» قد يتحول «تحالفاً دولياً – اقليمياً» يأخذ المبادرة لتدخّل ما بعدما بلغت فاتورة الدم في سورية حتى الآن نحو ثلاثة آلاف قتيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى