صفحات العالم

مقالات تناولت جنيف 2

 بيان جنيف واستحالة المعارضة السورية

سامر فرنجيّة

عاد «بيان جنيف» إلى الساحة مع الاتّفاق الروسي-الأميركي المستجدّ، ويُفترضّ أن يشكّل مسوّدة لمؤتمر دولي جديد قد يُعقد في نهاية الشهر. وإزاء تلك التطورات، سارع الاخضر الابراهيمي إلى إبداء تفاؤله وأرجأ استقالته، ما أراح الجميع. غير أنّ الوثيقة التي أُقرّت في حزيران (يونيو) الماضي ما زالت تحتوي على نقاط غموض، مثل صلاحيات الحكومة الانتقالية أو مصير الرئيس. وذلك الغموض ليس طارئاً على طبيعة بيان جنيف، بل نابع منه ومن التداخل غير الواضح بين الروايتين المتناقضتين اللتين تشكّلان منطقه.

يظهر هذا التركيب للروايات من خلال التعريف الضمني للاعبين في بيان جنيف. فاللاعب الأول الذي يُفتتح به النص هو الخارج، المكوّن من دزينة دول على رأسها روسيا والولايات المتّحدة (البند ١)، تلتزم سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها وسلامة أراضيها (البندان ٣ و١١). غير أنّ هذا الالتزام بالسيادة لن يمنع الأعضاء في مجموعة العمل «وفق الاقتضاء» بأن يمارسوا ضغوطاً على الأطراف المعنية لاتخاذ الخطوات المطلوبة (البند ١٢). وهذا التدخل ليس خرقاً للسيادة، بل دعم للشعب، وهو اللاعب الثاني في البيان.

يظهر الشعب في وثيقة جنيف، كضحية الصراع الجاري في سورية (البند ٢). ولكنّه أيضاً مصدر التطلّعات التي يجب أن تقود العملية الانتقالية (البنود ٣ و٤ و٧). فوفق البيان، أعربت شريحة عريضة من السوريين الذين استُشيروا عن تطلّعات واضحة، تشمل دولة ديموقراطية وتعددية تمتثل للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وتتيح فرصاً وحظوظاً متساوية للجميع (البند ٨).

لو وقفت الوثيقة عند هذا الحد، لكانت رواية الثورة قد انتصرت. فهناك شعب يجب أن يكون مصدر السلطات، وهو حالياً مقموع ومضطهَد. ويتبيّن من الوثيقة في شقّها الثوري أنّ القامع الفعلي هو الحكومة السورية، كما يظهر من دفتر الشروط المطلوب منها، والذي يتضمن بالإضافة إلى وقف العنف، الإفراج عن المعتقلين واحترام حرية وحق التظاهر السلمي وكفالة أمن الصحافيين والمنظمات الإنسانية (البند ٥).

ولكن هنا تنتهي رواية الثورة، لتبدأ الرواية الثانية، وهي رواية الحرب الأهلية. فيخرج الشعب من المعادلة ويتأجل دوره إلى ما بعد الوصول إلى اتفاق سياسي. وعلى رغم أن «شعب الجمهورية العربية السورية هو من يتعيّن عليه التوصل إلى اتفاق سياسي»، فقد بدأ الوقت ينفد، وفق البيان، ما يتطلب حلولاً أسرع (البند ١١). ويأخذ هذا التأجيل لدور الشعب شكل إرجاء الانتخابات إلى ما بعد إعادة النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية والوصول إلى حل سياسي (البند ٩). ويتطلب هذا الحل السياسي لاعبين جدداً، وهم ليسوا الخارج أو الشعب، أبطال الرواية الأولى.

يظهر لاعبان جديدان ليملآ منصّة الرواية الثانية. الأول هو الحكومة، التي تتحوّل من مضطهِد الشعب السوري وقامعه إلى طرف في نزاع أهلي. فعليها أن تعين «مُحاوراً فعلياً مُفوّضاً» (البند ١٢)، لتخوض حواراً يؤدي إلى عملية انتقالية تحت إشراف «بيئة محايدة» مكوّنة من «أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن اﻟﻤﺠموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة» (البند ٩). لكن «الحكومة» تظهر في حلّة مختلفة وهي الإطار المؤسسي لسورية الجديدة. «فمن الواجب»، وفق بيان جنيف، «الحفاظ على الخدمات العامة أو استعادة سير عملها». ولكن «يتعيّن على كل المؤسسات الحكومية، بما فيها دوائر الاستخبارات، أن تتصرف بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان والمعايير المهنية» (البند ١٠).

«الحكومة» إذاً خط يربط بين شقي البيان، وإن كان من غير الواضح ماهية العلاقة بين هذه المؤسسة في أشكالها الثلاثة، أي المضطهِد والطرف والإطار.

هذا الغموض يطاول أيضاً الطرف الثاني لرواية الحرب الأهلية، أي المعارضة السورية. فهذا الطرف مُطالَب بـ «تحقيق مزيد من الاتّساق» وأن يكون جاهزاً «للخروج بمحاورين فعليين لهم تمثيل وازن للعمل على أساس خطة النقاط الست» (البند ١٢). غير أنّه ليس ممثل الشعب، بطل الرواية الأولى، كون هذا الأخير ما زال ينتظر الانتخابات لكي يتمثّل سياسياً. وربّما تكون المعارضة من القامعين إذا أخذنا الرواية الثانية القائلة بأن الشعب ضحية الحرب الأهلية القائمة بين «الحكومة» و«المعارضة».

فالمعارضة جسم غريب في بيان جنيف، لا وجود لها، بل هي مطالبة بأن تتكوّن وأن يكون لها تمثيل وازن، وهما شرط لم يُذكر في ما خص الحكومة. كما أن المعارضة إذا تكونت وأصبح لها تمثيل وازن، فلن تكون ممثلة الشعب، المؤجل إلى ما بعد زوال الحكومة والمعارضة.

غموض بيان جنيف غموض تأسسي، قد يصعب تبديده من خلال اجتماعات جانبية أو توضيحات متقلّبة. هناك روايتان متناقضتان تتصارعان في هذا البيان وتمثلان التوازنات الدولية التي أنشأته. ومحاولة البيان أن يمزج بينهما لم تنجح في إخراج رواية منطقية للأحداث السورية. فإمّا هي ثورة، ولا داعي إذاً لحوار لن ينطلق من تنحي المجرم القامع، أو هي حرب أهلية بين أطياف مذهبية، ولا معنى لكلام عن حكومة وسيادة ووحدة أراضٍ.

هذا الخلل الروائي ليس بريئاً سياسياً. فبغض النظر عن اللفتة اللغوية الى قمع الشعب من جانب الحكومة، تتبنى الوثيقة وجهة نظر النظام السوري وإن بطريقة ملتوية. فمن جهة، لا تتبنى رواية الثورة، بل تضع المعارضة في مكان غريب لا معنى سياسياً له. ومن جهة أخرى، لا تتبنى رواية الحرب الأهلية ببعدها المذهبي، بل تستمر في اعتبار أن الصراع دائر بين حكومة ومعارضة.

انتهى بيان جنيف إلى نوع من تجميل لرواية النظام لأنه مشروط باستحالة المعارضة السورية، وهذا سرّه التأسسي. فسقط ضحية الانتقال من رواية قمع الشعب إلى رواية الحرب الأهلية المقنّعة التمثيل السياسي للشعب والوجود الشعبي للمعارضة. فهناك شعب يُقمع في فراغ سياسي، وهناك أطراف سياسية تتصارع في فراغ شعبي.

لقد نجح بشار الأسد ونظامه بأن ينتقلوا من الرواية الأولى إلى الثانية من خلال تعدد وجوه الحكومة. أمّا المعارضة، فباتت أقرب إلى إزعاج لغوي مما الى كونها طرفاً فعلياً في معادلة وثيقة جنيف.

الحياة

اجتماع دولي تحضيري حول سوريا ومحاولة لتذليل عقبات الطرفين

    خليل فليحان

تبين لوزيري الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف انهما لا يستطيعان حمل النظام السوري والمعارضة في الخارج على التجاوب مع دعوتهما الى “مؤتمر دولي حول سوريا” عندما اتفقا على الدعوة الى انعقاده في 2013/5/7 في ختام لقائهما في موسكو حيث توجت محادثات المسؤول الاميركي بمقابلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وأفادت معلومات ديبلوماسية اطلعت عليها “النهار” ان الاعلان عن تلك الدعوة تلته مراجعات عاجلة سواء من اهل النظام او المعارضة مع كل من الخارجيتين الاميركية والروسية للاستفسار عن طبيعة المحادثات التي ستجرى، ووفق اي جدول اعمال وما اذا كانت ستفرض هدنة للبدء بها، وكذلك للسؤال عن مكان الاجتماع بعدما كان قد اعلن انه سيلتئم في نهاية الشهر الجاري مما حدا كيري ولافروف الى “استئخار” موعد الاجتماع “من اجل تحضير جيد وقابل للنجاح بالاستماع الى مطالب كل طرف والسعي الى معالجة العقد التي اصبحت معروفة، او ايجاد مخارج لها يمكن ان تطرح مادة للنقاش على طاولة المفاوضات”.

واشارت الى ان دور واشنطن وموسكو هو رعاية محادثات “مؤتمر جنيف 2″ وهو يشكل تطويراً لـ”مؤتمر جنيف 1” الذي انعقد في حزيران 2012، مما يعني ان لا اشارة الى موضوع تنحي الرئيس بشار الاسد الذي يطالب به “الائتلاف الوطني” وكذلك الولايات المتحدة ودول كبرى اخرى باستثناء روسيا والصين اللتين تعتبران ان التنحي او عدمه يبته السوريون.

وتفاهم الطرفان على ضرورة توافق السوريين المتنازعين وعلى “استثمار كل الامكانات المتوافرة لدى الاميركيين والروس لاجلاس ممثلين للنظام والمعارضة الى طاولة المفاوضات”، من اجل التوصل الى حل سياسي. واذا لم يتم التوصل الى ذلك فإن التفكك ينتظر سوريا.

ولفتت الى ان من سيشارك في “مؤتمر جنيف 2” لدى تحديد الموعد النهائي لانعقاده سيكون عليه عدم وضع شروط مسبقة، لا سيما بالنسبة الى “المرحلة الانتقالية” والمواضيع ذات الصلة بمستقبل سوريا. فهذه مسائل ستطرح خلال انعقاد المؤتمر ويقررها السوريون المتفاوضون.

وذكرت انه في اطار التحضير للمؤتمر سيلتقي مديرو الشؤون السياسية في وزارات خارجية اميركا وبريطانيا وفرنسا مع نظرائهم في وزارات خارجية الدول الخمس الكبرى ذات العضوية الدائمة لدى مجلس الامن غداً الخميس وعلى مدار 48 ساعة للتنسيق في ما بينهم حول المؤتمر لرسم خريطة طريق لاتباعها، مع الاشارة الى ان “الائتلاف الوطني” سيجتمع في اسطنبول في 23 من الجاري لتحديد موقفه من “مؤتمر جنيف 2” وما اذا كان سيشارك، وفي اي صيغة وهل سيشرك عسكريين او ممثلين لاطياف اخرى من المعارضة من خارج “الائتلاف”.

وجاء في المعلومات ان واشنطن طلبت من الرياض والدوحة المساعدة في اقناع “الائتلاف” المشاركة في المؤتمر بتخفيف مطالبهم كتنحي الأسد كشرط للقبول بالتفاوض. وكشفت ان الاميركيين يطالبون بتعهد روسي بإبقاء الأسد في رئاسة البلاد من دون ممارسة الصلاحيات المنوطة به في الدستور طيلة المرحلة الانتقالية. وذكر عارفون بالقيادة السورية ان هذا التعهد هو “من صنع الخيال” وسبق ان طرح على الأسد خلال مناقشة الأزمة السورية في جلسة جامعة الدول العربية وسقط هناك.

النهار

السلاح الكاسر للتوازن

    موناليزا فريحة

كثيرة هي التناقضات التي تتسم بها الازمة السورية. ولعل آخرها وليس الاخير الاتفاق المفاجئ على مؤتمر دولي حول سوريا وسط استعدادات للحرب الكبرى وصفقات السلاح الكاسر للتوازن.

ليست المرة الاولى تعلن موسكو نيتها تسليم النظام السوري صواريخ “اس – 300” المضادة للطائرات، فهي لا تنفك تلوح بتنفيذ عقود مبرمة بينها وبين كل من سوريا وايران، الا أنها في كل مرة كانت تتراجع عن ذلك تحت ضغوط دولية. فمع أن شحنات الاسلحة الروسية لسوريا، بما فيها صواريخ للدفاع الجوي وأنظمة مدفعية، لم تتوقف، وشكلت مع الاسلحة الايرانية ترسانة للنظام السوري، امتنعت موسكو حتى الآن عن تزويدها هذه الصواريخ المتطورة. لكن رئيس ديبلوماسيتها سيرغي لافروف لم يتوان الاسبوع الماضي عن المجاهرة بأن بلاده تضع اللمسات الاخيرة على عقود سابقة لتسليم سوريا أنظمة دفاع جوي، متفاديا تحديد ما اذا كانت منها بطاريات “اس – 300”.

منذ نشوب الازمة السورية، ترفع موسكو راية الحل السلمي. تتذرع بالمواثيق الدولية لرفض اطاحة نظام الاسد بالقوة وتقوض قرارات مجلس الامن الرامية الى تشديد العقوبات عليه، بينما تمضي في تحصينه سياسيا وتعزيز قدراته عسكريا. ومع دخول الازمة مرحلة جديدة، بعد الغارتين الاسرائيليتين على مواقع عسكرية في محيط دمشق، وتزايد الضغوط على واشنطن للتدخل بحجة تجاوز الاسد “الخط الاحمر” الذي رسمه الرئيس باراك أوباما، تبدو موسكو عازمة على تغيير قواعد اللعبة عسكريا. فمع صواريخ ذات كفاية عالية يبلغ مداها 200 كيلومتر وقادرة على تعقب اهداف عدة واسقاطها في وقت واحد، ستسجل القدرات الدفاعية الجوية السورية قفزة نوعية. ولا شك في أن موسكو “الحريصة” على عدم تكرار السيناريو الليبي في سوريا، تسعى بذلك الى تقويض أي مشروع غربي لشن غارات جوية على النظام او اقامة منطقة حظر طيران فوق سوريا او التدخل لتفكيك أسلحة كيميائية او فرض طوق أمان حولها. ولا يتوهم أحد أن نتنياهو الذي ترعبه فكرة وصول مثل هذه الاسلحة الى “حزب الله” سيكون قادرا على اقناع بوتين بالتراجع عن قراره اذا كان هو حقا عازما على اتمام هذه الصفقة. وليس تحذير الرئيس الروسي أمس في حضور رئيس الوزراء الاسرائيلي من أي عمل من شأنه التسبب بمزيد من زعزعة الاستقرار في سوريا، الا تهديد يتجاوز اسرائيل الى دول المنطقة والغرب.

مع “أس – 300” ومن دونها تمضي موسكو في استراتيجيتها مشاكسة الغرب، وإن يكن على حساب دم الشعب السوري. لم تترك مجالا ليصدق العالم كلام لافروف عن أن بلاده غير معنية بمصير أشخاص، وأن المؤتمر الدولي سيشكل فرصة حقيقية لحل سلمي. مجددا، أثبتت انها ليست معنية بمصير بلد وشعب، وأنها مستعدة لكسر أي توازن قد يخل بتطلعاتها الى عودة مظفرة الى الساحة الدولية او يعرض مصالحها للخطر.

النهار

الاتفاق الأميركي ـ الروسي الافتراضي

هل تستطيع الدولتان الأعظم فرض حلّ سياسي على السوريين؟

ماجد الشّيخ

في مقالة له في “واشنطن بوست”، رأى مايكل غيرسون، أن أوباما يبدو أحيانا معزولا في داخل ادارته فيما يتعلق بسوريا. وأن عدم تحركه لحل الملف السوري، يعود الى انه انتخب كي يخفض الالتزامات الخارجية، لا اضافة اعباء جديدة عليها. ففي حملتيه الرئاسيتين اللتين قادهما كان يشجع على التخلي عن الحروب، ومن هنا فأي عمل عسكري في سوريا؛ مهما كان محدودا، ستكون له آثاره التاريخية.

ويقول الكاتب ان مواقف أوباما من سوريا وغيرها تعتبر تحدياً لاستراتيجية ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي حكمت السياسة الخارجية الاميركية، والتي تقوم على ان السلام العالمي مرتبط بامن المنطقة واستقرارها، اي حماية المصادر النفطية والدفاع عن اسرائيل ومواجهة المتطرفين. ومن هنا فسوريا تعتبر امتحانا لـ “عقيدة أوباما” اذ لم تلق سوريا الاهتمام الذي تستحقه. كان امامه منذ البداية فرصة للتصرف وانهاء النظام؛ إما عبر عقوبات اقتصادية حادة، أو بدعم الجماعات المقاتلة. ولكنه لم ينتهز الفرصة. فسوريا الآن تقوض جهوده في مجال السياسة الخارجية القائمة على تحسين صورة اميركا في العالم الاسلامي، والتركيز على التسوية السلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين والتوجه نحو آسيا. واكثر من هذا فعدم تحركه من البداية ادى الى حرب اهلية في قلب الشرق الاوسط تهدد دولا حليفة، وقوّت “الجهاديين”، وزادت من التوتر الطائفي. والتأخر في انتهاز الفرصة حسب الكاتب لا يعني القبول بانهيار سوريا وتفككها الى دويلات توفر الملجأ للجماعات المرتبطة بالقاعدة، ولا اعادة تأسيس نظام الاسد على جبل من الجماجم. وعليه فليس امام اوباما الا مساعدة المقاتلين “الاخيار” لقيادة مرحلة ما بعد الاسد. لكن تأخر اوباما سيعقد من مهمته، لأن الحروب الاهلية عادة ما تفضل الراديكاليين والمتشددين.

من هنا يمكن النظر إلى المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الاميركي جون كيري، في موسكو، مع الرئيس فلاديمير بوتين ووزير الخارجية سيرغي لافروف، كونها محاولة في سياق إنقاذ السياسة الأميركية الحائرة، وإحياء للأمل بإمكان التوصل الى حل سياسي للازمة السورية. اذ وافقت موسكو على السعي الى ترتيب مؤتمر بنهاية هذا الشهر، وربما خلال الشهر المقبل؛ بين مسؤولين في النظام السوري والمعارضة بدعم إقليمي ودولي، بهدف إزالة الغموض الذي ساد بعد صدور “بيان جنيف” في نهاية حزيران (يونيو) من العام الماضي، لجهة نقل صلاحيات الرئيس بشار الاسد الى حكومة انتقالية.

كذلك فإن من حسنات التفاهم الاميركي – الروسي الجديد، إرجاء نية استقالة المبعوث الدولي- العربي الاخضر الابراهيمي، الذي سارع الى الترحيب بنتائج المحادثات. واعتبر ان “المعلومات الاولى تدعو الى التفاؤل الغائب منذ وقت طويل جدا”. في حين افاد مسؤول كبير في الامم المتحدة ان الامين العام للمنظمة الدولية، بان كي مون اقنع الدبلوماسي الجزائري الاخضر الابراهيمي بالبقاء في منصبه وسيطا في الازمة السورية، بعد المبادرة الاميركية الروسية الاخيرة. وقد وافق على ذلك.

وأكد لافروف وكيري أنهما يأملان في الدعوة إلى مؤتمر دولي في نهاية أيار (مايو)، أو أوائل حزيران/يونيو المقبل، وذلك للبناء على ما تم إقراره خلال “بيان جنيف” الذي أقرته القوى الكبرى في حزيران (يونيو) من العام الماضي، من أجل حل سلمي للنزاع. وهو اتفاق حدد الطريق الواجب اتباعه من اجل تشكيل حكومة انتقالية، ولكن من دون التطرق الى مصير الرئيس بشار الاسد. إلا أن كيري وفي وقت لاحق، اعتبر أن الأسد لا يمكن أن يشارك في حكومة انتقالية سورية مزمعة. وأضاف أن الاتفاق الجديد الذي يتضمن ست نقاط بالاضافة الى ما تفاوض في شأنه مبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة السابق كوفي أنان: “يجب أن يكون خريطة الطريق (…) التي يستطيع الشعب السوري من خلالها إيجاد طريقه إلى سوريا الجديدة، ويمكن أن يتوقف بها حمام الدم والقتل والمجازر”.

ولئن أعرب الاتحاد الاوروبي عن “الارتياح البالغ” للاعلان الروسي الاميركي؛ فقد لوحظ بدء مساع بريطانية لاتخاذ قرار من وزراء الخارجية الاوروبيين في اجتماعهم نهاية الشهر الجاري، يقضي برفع الحظر عن تصدير السلاح للمعارضة لدعم “المعتدلين” في صفوفها. فيما اتهم وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، في مقابلة مع صحيفة “حرييت” التركية الرئيس السوري، بأنه انتقل إلى “الخطة باء” في محاربة مقاتلي المعارضة، ومفادها أو قوامها “التطهير العرقي” في بعض المناطق في سوريا. وقال انه شرح ذلك لوزير الخارجية الاميركي في مكالمة هاتفية أبلغه فيها ان “مجزرة بانياس مرحلة جديدة في الهجمات التي يشنها النظام السوري. وما يقلقنا في مجزرة بانياس هو الانتقال إلى استراتيجية التطهير العرقي في منطقة محددة عندما يفقد السيطرة على كامل البلاد.”

من جهة اخرى، وبينما دعت واشنطن مرارا الى رحيل الرئيس السوري بشار الاسد، فقد قال كيري للصحافيين ان المعارضة والنظام وحدهما من يمكنهما تحديد شكل الحكومة الانتقالية لاجراء انتخابات ديموقراطية. لكنه اضاف أنه “من المستحيل بالنسبة لي شخصيا تفهم كيف يمكن لسوريا ان تحكم في المستقبل من قبل الرجل الذي ارتكب الأمور التي نراها الآن”.

ويلاحظ أنه منذ بدء الحديث عن حل سياسي، تؤكد المعارضة السورية على ان اي عملية سياسية يجب ان تتضمن رحيل الاسد، الامر الذي يرفضه النظام. وقد اكد الاسد مرارا ان مصير الرئيس يقرره الشعب السوري عبر الانتخابات. في حين كان اتفاق جنيف الذي توصلت اليه مجموعة العمل حول سوريا (الدول الخمس الاعضاء في مجلس الامن وتركيا والجامعة العربية) في حزيران (يونيو) من العام الماضي، قد نص على تشكيل حكومة انتقالية بـ “صلاحيات تنفيذية كاملة” تسمى “محاورا فعليا” للعمل على تنفيذ الخطة الانتقالية، على ان تضم الحكومة اعضاء في الحكومة الحالية وآخرين من المعارضة، من دون التطرق الى مسألة تنحي الاسد.

في أعقاب ذلك بدأت واشنطن ممارسة ضغوط على المعارضة السورية لتشكيل وفدها إلى المؤتمر الدولي، في وقت أعرب النظام السوري عن “الترحيب” بالتقارب الأميركي – الروسي استناداً إلى “ثبات” موقف موسكو، وإلى برنامج الحوار الذي أعلنه الرئيس بشار الأسد.

وفي حين أكدت المعارضة ضرورة “تغيير موازين القوى على الأرض” قبل بدء المفاوضات مع النظام، شدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري على أن الرئيس الأسد “لن يشارك” في الحكومة الانتقالية المتوقع تشكيلها بين المعارضة والسلطة، وقال إن تسليم روسيا صواريخ متطورة إلى سوريا سيؤدي “إلى زعزعة الاستقرار” في المنطقة؛ جاء ذلك في إطار تعليقه على معلومات عن احتمال بيع نظام صواريخ مضادة للطائرات والصواريخ الموجهة إلى سوريا. وأضاف: “نفضل ألا تقدم روسيا مساعدة” إلى نظام الأسد.

وبهذا يدخل الاتفاق الروسي – الأميركي المتمثل بحض النظام السوري والمعارضة على إيجاد حل سياسي للصراع المستمر منذ أكثر من سنتين، مرحلة اختبار على قدرة الدولتين الأعظم على فرض الحل على السوريين، وإنهاء “حرب الاقتتال الطائفي” الهادفة إلى إيجاد واقع جديد في سوريا.

من جانبه اكد الرئيس الاميركي باراك اوباما، بمعية رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الاثنين الماضي ان واشنطن ولندن تريدان تعزيز الضغط على الرئيس السوري بشار الاسد، لاجباره على التنحي، فيما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية جين ساكي ان المؤتمر الذي يحتمل عقده بمشاركة ممثلين للحكومة السورية والمعارضة لمحاولة انهاء الحرب الاهلية، قد يتأجل الى اوائل حزيران (يونيو) المقبل.

وقال اوباما في مؤتمر صحافي مشترك مع كاميرون “معا سنواصل جهودنا لزيادة الضغط على النظام وتقديم المساعدة الانسانية للسوريين (الذين يعانون من النزاع) وتعزيز الجناح المعتدل في المعارضة والاستعداد لسوريا ديموقراطية من دون بشار الاسد”. فيما دعا كاميرون الاسرة الدولية الى التحرك في ظل عجزها عن ذلك، بسبب الخلافات القائمة بين العواصم الغربية وروسيا.

وبعد ثلاثة ايام من لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يدعم نظام الاسد، اكد كاميرون ان “تاريخ سوريا يكتب بدماء شعبها وهذا على مرأى منا”. وشدد على “وجوب ان يعمل المجتمع الدولي على وقف المجزرة التي تحصل. ليس من مصلحة احد ان يهدر المزيد من الارواح وان تستخدم الاسلحة الكيميائية، أو أن تتسع أعمال العنف التي يرتكبها متطرفون”. جاء ذلك في أعقاب دعوة أوباما لموسكو الى تغيير موقفها من الأزمة السورية. وقال “إن من مصلحة روسيا كدولة عظمى على الساحة الدولية، لا بل من واجبها؛ أن تحاول تسوية المشكلة بطريقة تفضي الى النتيجة التي نرغب فيها على الأجل الطويل”.

جميع هذه التحركات ومن ضمنها كذلك زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي لموسكو، تأتي في أعقاب وفي ضوء اعلان وزيري الخارجية الروسي والاميركي سيرغي لافروف وجون كيري، في موسكو الثلاثاء ما قبل الماضي، ان البلدين اتفقا على حث النظام السوري ومعارضيه، على ايجاد حل سياسي للنزاع على أساس “اتفاق جنيف”، وعلى الدعوة إلى مؤتمر دولي لإرساء هذا الحل.

أمل جديد، قد لا يدوم الحلم به طويلا، فكوابيس الحرب أقوى من أن تفتح طريقا للحلم بسوريا ديموقراطية تعددية، في ظل استمرار نظام أمني تغول طويلا في طغيانه واستبداده واستملاكه للوطن. مع ذلك لا بد من حلم وإن طال الانتظار؛ انتظار أن ينتصر الوطن على النظام.

المستقبل

سوريا و فتح طريق التسوية!

د. وحيد عبد المجيد

لم يكن الهجوم الإسرائيلي على مواقع عسكرية في دمشق هو المحرك الوحيد للاتفاق الأميركي الروسي، الذي تم التوصل إليه في منتصف الأسبوع الماضي، بشأن ترتيب مؤتمر يجمع المعارضة السورية ومسؤولين في نظام الأسد بدعم إقليمي ودولي. فليس هناك ما يدل على وجود علاقة مباشرة بين ما أسماه الموفد العربي والأممي «أول معلومات تدعو للتفاؤل منذ وقت طويل جداً»، وما اعتبره مراقبون أقوى هجوم عسكري شنته إسرائيل على سوريا منذ عام 2003 . فقد كانت زيارة وزير الخارجية الأميركي إلى موسكو، والتي أسفرت عن ذلك الاتفاق، مقررة قبل الهجوم الإسرائيلي. غير أن هذا الاعتداء أعاد التذكير بأن الوضع المضطرب في الشرق الأوسط يمكن أن يخرج عن السيطرة ويهدد بنشوب حرب إقليمية، بينما كان القلق يزداد في أوساط دولية عدة، تشمل واشنطن وموسكو، من تداعيات خطيرة للصراع في سوريا على محيطها في لبنان والعراق، وفي الأردن بدرجة أقل.

لذلك ربما لا يخلو من مغزى عدم إدانة واشنطن وموسكو الهجوم الجوي الإسرائيلي الذي يعتبر عدواناً على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة وفقاً لميثاقها، رغم تباين بل تناقض موقفيهما تجاه نظام الأسد.

وإذا كان إبداء واشنطن تفهمها لدوافع الهجوم العسكري الإسرائيلي ينسجم مع سياستها، فقد أثار اكتفاء موسكو بالتعبير عن قلقها العميق من تداعيات هذا الهجوم سؤالا تصب إجابته في اتجاه وجود متغيرات تدفع العاصمتين إلى التحرك سعياً إلى تسوية سياسية رغم استمرار الخلاف بينهما على موقع الأسد وأركان نظامه فيها.

فقد ظل هذا الخلاف عائقاً رئيسياً يغلق الطريق أمام البحث عن تسوية ما منذ إصدار بيان جنيف في نهاية يونيو 2012 متضمناً ما بدا وقتها أنه غموض مقصود بشأن مصير الأسد.

غير أنه إلى جانب القلق الذي لابد أن يصيب كلا من واشنطن وموسكو نتيجة التداعيات الإقليمية للصراع السوري في مجملها، ربما يكون ازدياد كثافة التدخل الإيراني أحد أهم هذه التداعيات التي قد تدفعهما للبحث عن أرضية مشتركة جزئياً على الأقل. فليست واشنطن وحدها التي يزعجها تنامي التدخل الإيراني في الصراع السوري على نحو قد يغير معادلاته في فترة قادمة ويفرض على الأميركيين إجراء مساومات مع طهران بشأن مصالحها ودورها الإقليمي في إطار البحث عن تسوية لذلك الصراع. فالقلق الروسي من كثافة التدخل الإيراني كبير بدوره، إذ يزعج موسكو أن تسحب طهران منها الورقة السورية أو تهمّش دورها في التفاوض حول مستقبل سوريا، بما يؤدي إليه ذلك من تأثير سلبي على موقعها في لعبة الأمم الراهنة.

كما يجمع كلا من واشنطن وموسكو قلق مشترك من تنامي نفوذ القوى المتطرفة في سوريا، خاصة «جبهة النصرة» التي أعلنت بيعتها لتنظيم «القاعدة»، وغيرها من حركات السلفية الجهادية. فإذا كان الأميركيون خبروا التعامل مع قوى الإسلام السياسي، وفي مقدمتها جماعة «الإخوان» التي أثبتت استعدادها للتعامل، فالأمر يختلف بالنسبة للحركات التي تتبع تنظيم «القاعدة»، لأن «الحرب» التي أطلقتها هجمات سبتمبر 2001 لا تزال مستمرة.

كما يُقلق موسكو تنامي نفوذ تنظيم «القاعدة» وأتباعه وحلفاؤه في الشرق الأوسط، ويزعجها تأثير هذا التطور على جمهورياتها الجنوبية في القوقاز.

لذلك كله، صار على أميركا وروسيا أن تتحركا سعياً لفتح ثغرة في الطريق المغلق إلى الحل السياسي الذي سيؤدي أي تحرك فيه إلى الارتطام بالحائط الخاص بمصير الأسد وأركان نظامه. فالمسافة بعيدة تماماً بين موقف التيارات الرئيسة في المعارضة السورية التي تصر على أن أي حل سياسي يبدأ برحيل الأسد ورجاله، واعتقاد النظام في أن ميزان القوى على الأرض يتيح له التمسك بأن يكون رئيسه هو محور هذا الحل.

فلم تتغير محددات موقف الائتلاف الوطني السوري منذ تأسيسه، وفي مقدمتها تنحي الأسد والقيادة الأمنية العسكرية، واعتبارهم خارج إطار أي حل سياسي في سوريا و«محاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم».

ورغم أن أطرافاً أخرى في المعارضة تبدي مرونة في هذا المجال، مثل هيئة التنسيق التي تبدو مستعدةً للتفاوض حول حل سياسي قبل حسم مسألة موقع الأسد ورجاله فيه، فليس هناك ما يدل على إمكان التوصل إلى أية تسوية بدون توافق المعارضة في مجملها.

ولذلك يبدو صعباً حتى الآن الانطلاق من صيغة مشابهة لتلك التي تم التوصل إليها بين النظام والمعارضة في اليمن، أو سيناريو قريب منها، ليس فقط لأن القوى الرئيسية في الانتفاضة السورية ترفضها، ولكن لأن الوضع مختلف أيضاً. فليست ممكنة مقارنة القمع الذي مارسه صالح ورجاله تجاه الانتفاضة اليمنية بالجرائم التي ارتكبها بشار وأعوانه في سوريا. ولا يكفي منطق أنصار الصيغة اليمنية، وهو أن صالح لم يواجه تمرداً مسلحاً وأن انتفاضة شعبه ظلت سلمية وقاومت محاولات عسكرتها، لإقناع من يرفضون صيغة تمنح الأسد حصانة ضد المحاسبة والملاحقة القضائية.

وإذا كانت هذه الصيغة تبدو بعيدة المنال في اللحظة الراهنة، رغم أنها قد تكون الوحيدة التي تتيح فتح ثغرة في طريق التسوية المسدود، يصبح سيناريو اقتسام السلطة أو بقاء الأسد في منصبه مع نقل صلاحياته كلها أو معظمها إلى حكومة انتقالية تشكّلها المعارضة حتى نهاية ولايته في العام القادم، أبعد وأكثر صعوبة بكثير.

لذلك لا يكفي اتفاق أميركا وروسيا على الترتيب لمؤتمر حول الصراع في سوريا، وتعاونهما جدياً للمرة الأولى من أجل محاولة تسويته، لفتح الطريق المسدود الذي تعوق جثث ودماء عشرات الآلاف من السوريين السير فيه. فلا تسوية بدون حل وسط يقوم على تنازلات متبادلة مادام أي من النظام والمعارضة عاجزاً عن الحسم.

كما لا يكفي تجاوب قطاع من المعارضة مع الجهود الأميركية الروسية الجديدة لإحراز تقدم باتجاه حل وسط ما، سواء وفق الصيغة اليمنية أو أخرى قريبة منها، في ظل رفض قطاع آخر يبدو هو الأكبر حتى الآن. ففي هذه الحالة سيكون بإمكان المعارضة الرافضة للتسوية منعها وليس فقط المشاغبة عليها بخلاف ما يتوقعه أو يتخيله بعض المعارضين المستعدين للتحرك باتجاه تسوية قبل حسم مسألة مصير الأسد ورجاله.

ولذلك ستظل هذه المسألة مركزية وحاكمة لنتائج الجهود الراهنة التي تستهدف فتح الطريق المغلق إلى حل سياسي في سوريا.

الاتحاد

الأزمة السورية… في رؤيتين

د. علي الطراح

في زيارة سريعة للوطن وكالعادة أحرص على لقاء تعودنا عليه مع مجموعة من الأصدقاء في ديوانيتي كل يوم اثنين عندما أزور الكويت، وكان اللقاء الأخير شيقاً حيث كان ضيفنا السفير الأميركي لدى الكويت السيد ماثيو تويلر الذي قادنا الحديث معه إلى أحداث سوريا وتطورها نحو المجهول بعد تنامي ميليشيات «جماعة النصرة» وبعض من أنصار «القاعدة»، وكان النقاش يتمحور حول خيبة أمل كبيرة في ليبيا حيث تشتد المدارس المتبنية للعنف، وهي في مسمياتها عديدة وخطورتها كبيرة على المنطقة. فأنا من ممن يتوجسون من أن يكون العنف الديني سيصاحبنا ويبقى معنا لعقود طويلة، وأن الغرب ما زال يتخبط في سياسته وتعامله مع مثل هذه الحركات العنيفة المتبنية لشعار معاداة الغرب وأميركا. وأقول للسفير إن المخزون الإسلامي الراديكالي لا ينتهي وإنه يتجدد لكون الغرب ما زال غير قادر على فهم عقل المسلم المتشدد. فالمسلم المتشدد لا يخاف الموت، والطرف الآخر وهو الغرب، لا يملك سوى السلاح المتقدم الذي يقود للموت، فالموت هنا لا يقضي على المخزون الإسلامي الراديكالي لكونه متجدداً ويتغذى على الكبت والحرمان والتهميش الذي يعيشه في بلاده، كما أنه ببساطة يرى فهماً للإسلام يختلف عن فهمنا الإسلامي الوسطي، فهو على قناعة بأن الموت يصنع الحياة الجديدة التي يتوق لها وترتاح النفس فيها من الدنيا. وإذن فنحن أمام معضلة كبيرة أسبابها ثقافية تستمد قوتها من مفاهيم وتأويلات غير صحيحة، ومن ثم تتعين مواجهتنا مع تلك المفاهيم الخاطئة التي تبعث لنا جيوشاً من الشباب المتزمت والساعي للحصول على «جائزة» الموت والشهادة، بسوء فهم لمعناهما الحقيقي في الإسلام.

والسفير ماتيو على قناعة بطبيعة المآزق، ويعول على التفاهم الروسي الأميركي، كما أنه يبدو أن الروس لا يعني لهم الأسد في النهاية قدر ما تعني مصالحهم في المنطقة. وبخروج السفير الأميركي من الديوانية أو المجلس جاء السفير الروسي الذي يتقن العربية بجدارة لأمازحه بقولي إنني أريد أن أخرج عن الدبلوماسية، فقال لي: هي أريح وأفضل. فقلت له أنت تعرف أن الكويت لها علاقات تاريخية معكم، وهي من الدول التي أقامت علاقة مع الاتحاد السوفييتي سابقاً، وكانت الأولى في الخليج، إلا أنكم لم تستثمروا هذه العلاقة، وأنتم اليوم وضعتم أنفسكم بموقع المعادي للعرب المطالبين بالحرية بينما حقيقة الأمر أنكم دائماً تقفون مع الحرية وتحاربون الاضطهاد. وقد فهم السفير الروسي رسالتي وقال إنك توافقني بأن البيض عندما يكون بسلة واحدة فالخسارة المحتملة تكون كبيرة، ونحن نسعى لتوزيع البيض على أكثر من سلة، كما أننا نريد أن نقول إن الديمقراطية الغربية ليست هي المخرج لكل الأزمات في المنطقة العربية، وإن الغرب عليه أن يدرك هذه الحقيقة.

قلت له نحن نتفق على ذلك، ونتمنى من روسيا الاتحادية أن تعيد النظر فيما يحدث في سوريا، وإنكم تدركون تعقد المشكلة السورية وخصوصاً أن المنظومة الخليجية عادت أحد أهم المفاصل في الأزمة نتيجة للعلاقة الإيرانية بسوريا وبـ«حزب الله». وأردفت له: أنا وأنت نعرف أن الموضوع تعدى فهمنا للدين، فاليوم يتحالف العلماني المجسد بالنظام السوري مع إيران الدينية و«حزب الله» وهم يحملون تناقضات، ولابد من مصالح جمعتهم، وكما كنا نتمنى من دولنا الخليجية أن تقترب من المرونة في فهم طبيعة الصراع وتحاول أن تفتح باب الحوار مع روسيا الاتحادية التي من المؤكد أنها تفهم الرغبة الخليجية. إنه محزن لنا كعرب أن ننتظر اللقاء الروسي الأميركي بينما نحن نتفرج، ولا نجيد لعبة السياسة بمهارة.

الاتحاد

التموضع حول الأزمة السورية

صالح عبد الرحمن المانع

برز خلال الأسبوعين الماضيين حدثان مهمان، أحدهما زيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى موسكو، واتفاقه مع وزير الخارجية الروسي على عقد مؤتمر دولي حول سوريا تشارك فيه المعارضة وأعضاء من حكومة الأسد. والآخر التفجير الضخم الذي هزّ مدينة الريحانية من قِبل جماعة تركية منشقة موالية للحكومة السورية، وخلّف خمسين ضحية من المدنيين الأتراك، ومائة من الجرحى.

وقد حظيَ التقارب الأميركي- الروسي في المسألة السورية بانتقاد كبير سواءً في الصحافة الأوروبية، أو الأميركية. فقد انتقد الباحث الأميركي «خوان كول» التنازلات الرئيسية التي قدّمها وزير الخارجية الأميركي للرئيس بوتين. ونقل مقالة نشرها الكاتب الإيطالي «جيان ميكاليسين» في جريدة «الجورنال» المشهورة، انتقد فيها مثل هذا التراجع في سياسات أوباما تجاه المسألة السورية، واعتبره شكلاً من أشكال التخاذل الدبلوماسي.

وتساءل كثيرون عن أسباب هذا التراجع الأميركي، وعزاه البعض إلى النجاحات التي حققها جيش الأسد في معاركه لاسترجاع المناطق التي تربط بين دمشق وكل من حمص وحلب، وكذلك محاولته لمنع وصول أسلحة من الجانب الأردني عبر حوران إلى مناطق ريف دمشق الجنوبية.

والحقيقة أنّ الدعم الحقيقي الذي يتلقاه الأسد من إيران و«حزب الله»، وغير المنقطع، يرينا أن الضربات الجوية التي تقوم بها قوات الأسد، وعمليات التطهير العرقي والطائفي التي يقوم به جيشه ضد المدن السورية، والمجازر الضخمة في بانياس وغيرها من المدن والقرى السورية، والصمت المطبق تجاه هذه العمليات الإجرامية، هي التي دفعت بقوات الأسد أن تستخدم كل ما لديها من أسلحة، بما فيها الأسلحة الكيماوية على نطاقٍ ضيّق، لضرب حركة التحرر والحرية في سوريا.

وإضافة إلى ذلك، فإن التشرذم الذي تعاني منه المعارضة المنقسمة تحت ثلاثة وعشرين فصيلاً على الأقل، بعضها تابع للجيش السوري الحر، وفصائل أخرى مستقلة، جعلها تعاني من ضعف شديد، وخاصة بعد أن جفت المساعدات العسكرية التي كانت تقدَّم لها بحجة أن جزءاً منها قد يذهب إلى «جبهة النصرة» التي وضعتها واشنطن على قائمتها الإرهابية.

ويبدو أنّ الفترة القادمة، خلال شهر أو شهرين من الآن، قد تشهد تصعيداً خطيراً جداً من قِبل نظام الأسد وحلفائه لمحاولة القضاء على المعارضة السورية بشكلٍ حاسم عسكريّاً، وخاصة أنّ المؤتمر الدولي المخطط له قد أُخِّر لحوالي شهر ونصف حتى شهر يوليو القادم، وربما يتصادف عقده مع حلول شهر رمضان المبارك، الذي تخفّ فيه عادةً المعارك في معظم حروب الشرق الأوسط.

ومن ناحيةٍ ثانية، فإنّ أصدقاء سوريا يدعمون المعارضة عبر مفهوم حرب العصابات، الذي لا يتطلّب الكثير من الأسلحة الثقيلة، بل يتطلّب عدم الاحتفاظ بمناطق محررة، حيث تستهدف من قِبل قوات الأسد. بينما يمارس الثوار سياسة تحرير المدن والقرى السورية بمساعدة أبناء تلك المناطق. وقد نجحت استراتيجيتهم العسكرية في مناطق شمال سوريا والرقة وغيرها. وحينما اقتربت قواتهم من المناطق القريبة من ريف دمشق، وكذلك القرى القريبة من الحدود اللبنانية، وجدنا أن حلفاء الأسد ينجحون في تجميع قواتهم في هذه المناطق ويقومون بتطهير الأجزاء الساحلية المحاذية لبانياس وحمص، حتى يتم تغيير طابعها السكاني، لكي تصبح بمثابة خطة بديلة لحكام دمشق، في إعادة تموضعهم المستقبلي على الساحل. ويبدو أن المعارضة السورية في الداخل قد انتبهت مؤخراً إلى محاذير التفتت والتشرذم، وتحاول الآن جمع مقاتليها باختلاف مشاربهم السياسية لإعادة تسلم زمام المبادرة والسيطرة مجدداً على طريق دمشق درعا، عبر استعادة مدينة «العتيبة» القريبة من ريف دمشق.

أما القوى التي تساند الثورة السورية، فعليها أخذ زمام الأمور وحزم أمرها وعدم التردد في تزويد المقاومة السورية بأنظمة دفاع جوي تغيّر من السيطرة المطلقة لقوات الأسد الجوية على سماء المعركة.

وتدرك الدول العربية وتركيا أن الأسد ونظامه لم يعد خطراً على شعبه فقط، فسياساته القديمة في لبنان، وعمليات التفجير في الريحانية التركية، كلها تشير إلى أن هذا النظام بات يمثل خطراً على دول المنطقة بأكملها. وأن رحيله بات يمثل أولوية استراتيجية للدول العربية وتركيا، وكذلك للمصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة.

وينبغي أن يكون الحديث اليوم منصبّاً على التخلص من هذا النظام الدموي. فالهروب إلى طاولة المفاوضات في وقتٍ يمارس فيه النظام عمليات القتل والتطهير العرقي والمذهبي الممنهج، من شأنه أن يعطي إشارة إلى الأسد بأنه بات حاكم سوريا الأوحد لخمسين عاماً قادمة.

وشهرا يونيو ويوليو القادمان سيكونان من أدمى الشهور للمواطنين السوريين، ولكن على أصدقاء سوريا أن يقفوا مع المقاومة حتى تعيد تموضعها بشكلٍ قوي على الأرض، وتفاوض من موقع قوّة. أما عدا ذلك فهو القبول بالأمر الواقع، والرضوخ له. وبالتالي، ستضطرّ الدول الإقليمية والكبرى إلى شنّ حرب إقليمية ضد نظام الأسد، إذا لم يسقط من الداخل. فالدبلوماسية لن تكون يسيرة بدون وجود مواقف قوية لها على الأرض. وعدا ذلك، سيكون نفخاً في قِربٍ مخروقة، لا تستطيع تحمّل السفر عبر الصحراء.

الاتحاد

سورية: كيف تدير الدول الكبرى الصراع ولا تحله؟

علي يونس

تأتي زيارة وزير الخارجية الامريكية جون كيري إلى روسيا الاسبوع الماضي لتعطي أملاً بأن انفراجاً دبلوماسياً وشيكاً يلوح في الأفق بعد أن ثبت أن التوصل إلى حل للأزمة في سورية عن طريق الحل العسكري أكثر صعوبةً مما كان متوقعاً. وحيث أن كلا طرفي الصراع في سورية الجيش السوري والمعارضة وبعد مرور اكثر من سنتين على بداية الحرب والتي كان حصيلتها حتى الآن مقتل ما يزيد عن 70.000 سوري وملايين اللاجئين لم يستطع أحدهما أن يحقق نصراً حاسماً ضد الآخر.

إن الصراع في سورية أكثر تعقيداُ مما كان متوقعاُ حيث تطور الصراع إقليمياً ودولياً وبشكل سريع مما أدى إلى تجاذبات قوى عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل وروسيا والصين وايران بالإضافة إلى لاعبين ثانويين مثل الأردن ودول الخليج، كل من هذه الدول تتنافس لحماية مصالحها في هذا البلد المهم اقليميا.

بالنسبة للصين وروسيا فإن القضية الأساسية ليست فقط في منع الولايات المتحدة واسرائيل من إزاحة حليف مهم ولاعب اساسي في المنطقة وتحويلها إلى دولة تدور في الفلك الأمريكي بل يتعدى ذلك إلى تحدي سياسات الولايات المتحدة وهيمنتها حول العالم كقوى عظمى صاعدة. هذا بينما تعني خسارة النظام السوري بالنسبة لإيران نهاية توسعها التاريخي في المشرق بإلاضافة لعزل حليفها حزب الله في لبنان، علاوةً على ذلك فإن ايران تعتبر نفسها قوة اقليمية لها مصالح وحلفاء للحفاظ على موطىء قدم في البحر المتوسط وعلى حدود اسرائيل قد تستخدمها يوما ما كورقة ضغط اقليمية او ورقة تفاوضية مع اسرائيل والدول الكبرى.

فالتحالف التاريخي لايران مع النظام السوري يعطيها الوجه العربي الذي تحتاجه لزيادة وجودها وتأثيرها في المنطقة ينتج عنه استخدامها للنظام السوري وحزب الله وحماس كخط دفاع أول في مواجهة عدوها و منافسها اللدود اسرائيل.

في أثناء ذلك ترى اسرائيل الصراع في سورية كعنصر مهم في صراعها الأكبر مع ايران، علاوة على ذلك فإن زعزعة اسقرار سورية وافشالها هو ضرورة استراتيجية لاسرائيل لضمان تفوقها على كل الدول العربية خصوصا بعد تحويل العراق من دولة عربية قوية بطموحات اقليمية إلى دولة فاشلة وتابعة لايران، مع بقاء مصر، في الوقت الحالي، في الفلك الأمريكي حتى تحت حكم الاخوان كدولة ضعيفة غير مستقرة وشبه مفلسة.

في أوساط المنظمات الأمريكية والاسرائيلية المحافظة كان من المفترض أن تكون سورية وايران الهدف التالي بعد الحرب على العراق وخلع نظام صدام حسين، فوجود دول عربية قوية وغير صديقة في الشرق الاوسط قد يشكل خطراُ في المستقبل على الهيمنة الأمريكية والاسرائيلية في المنطقة الامر الذي يستوجب التعامل معه من وجهة نظر المحافظين الجدد في امريكا واسرائيل.

فحرب عام 2003 ضد العراق والتي شهدت تأسيس ما عرف بمبدأ بوش’الحرب الوقائية’ كان من المفترض أن تكون البداية لإعادة صياغة الشرق الأوسط وخلق حالة من الفوضى الجراحية او الموضعية يليها ظهور دول جديدة ضعيفة وهشة تعتمد على الولايات المتحدة الامريكية من أجل بقائها ولا تشكل تهديدا لاسرائيل لعقود قادمة.

فعندما أتت أدارة الرئيس باراك اوباما للسلطة كانت النيه انهاء مبدأ بوش في الحروب الوقائية في الشرق الأوسط وبإصرار على منع اسرائيل وحلفائها من المحافظين الجدد من استكمال استراتيجيتهم المتكاملة لاعادة صياغة شرق أوسط جديد من خلال الفوضى ودول هشة. من المفارقات أن الأنظمة الديكتاتورية نفسها هي التي جعلت هذه السياسة-اي سياسة الفوضى- تنجح. حيث إن نظامي صدام حسين و بشار الأسد وغيرهما من الأنظمه الدكتاتورية العربية عبارة عن أنظمة قمعية وغير مرنة ولا تتحمل اى إصلاح ديمقراطي أو سياسي أو إقتصادي أو السماح لمواطنيها بالتنفس خارج سيطرتها الخانقة, وقد اثبتت التجربة أن هدم هذه الأنظمة التي افتقرت الى الشرعية الاساسية في عيون مواطنيها المضطهدين أنه أكثر سهولة مما كان متوقعاً. فمنهج اوباما الحذر تجاه سورية كبح جماح الاندفاع الامريكي الاسرائيلي (المحافظون الجدد) من أجل إعادة تشكيل شرق أوسط جديد وأجبر القيادة الاسرائيلية على وقف خططها الحربية ضد ايران، على الأقل في الوقت الحالي.

فالهدف الأكبر بالنسبة لاسرائيل هو عدوها ومنافسها في الهيمنة على المنطقة العربية ايران وليس سورية، لكن سورية هي خطوة مهمة باتجاه هذا الهدف أي هزيمة ايران من خلال القضاء على حلفائها اللبنانيين والسوريين، وهذا ما يفسر موقف بعض من قادة الكونغرس الأمريكي وأعضاء مجلس الشيوخ المحافظين مثل جون ماكين وليندسي غرام الذين يدفعون إدارة اوباما بإتجاه تدخل عسكري في سورية ويتجاوز الدعم التدخل الدبلوماسي والدعم المالي للمعارضة واللاجئين

في الوقت الذي تنظر فيه امريكا إلى ايران وبشكل أقل إلى سورية كتهديد رئيسي لمصالحها في المنطقة فإنها تتبع نهجاً أقل تصادمية في التعامل معها وبالتأكيد ليس من خلال وسائل عسكرية. المفارقة هنا تكمن في أن إدارة اوباما أمست أقل تهديداً لايران ولنظام بشار الاسد من إدارة الرئيس السابق جورج بوش كونها تعتبر أن نهج الإحتواء السياسي، والحصار الاقتصادي والديبلوماسية الضاغطة هو الطريقة الافضل لتحجيم والحد من طموح ايران وحليفها السوري.

لذلك فإن لقاء كيري مع القيادة الروسية هو دليل واضح أن إدارة اوباما تأمل في إقناع الروس والصينيين لدعم مؤتمر دولي لاحتواء الصراع على نحو مرض لجميع الأطراف المعنية ما لم تظهر أية متغيرات خطيرة على أرض الواقع كمواجهة عسكرية مع اسرائيل أو استخدام واسع للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الأبرياء. عدا عن ذلك فمن الواضح بان إدارة الرئيس اوباما سوف تكتفي بإدارة الصراع ومنعه من التمدد خارج سورية وليس حله.

‘ كاتب اردني يقيم في واشنطن

أسباب قبول أميركا للحل السياسي في سوريا

مدحت عويضة

ما يحدث في سوريا يدل علي أن التغييرالذى سمى فيما بعد بالربيع العربي لم يكن نتيجة ماحدث في الشارع من ثورات وإنتفاضة للشعوب، نعم الشباب في هذه البلدان كان لهم دورا كبيرا، ولكن كانت هناك إرادة دولية وبالأخص أمريكية تسعي لإحداث التغيير في هذه البلدان، لقد إنتفض الشعب السوري بعد الشعب التونسي والمصري بشهور قليلة، كانت ثورتهم بالفعل ثورة شعبية مماثلة لما جري قبل منهم في بلدان عربية أخري، ساند كل الأحرار في العالم الثورة السورية وبالطبع كانت أوربا وامريكا علي رأس المساندين، ولكن تحول مسار الثورة السورية من الكفاح السلمي للكفاح المسلح جعل كثيرا من الناس يتوقفون عن مساندتها ودعهما.

طالبت روسيا والصين الأسد بالحل السياسي لما عرف بعد ذلك “بالأزمة السورية”، ولكن أمريكا وأوربا تدعمهما قطر والسعودية رفضوا الحل السلمي، وظن الجميع أن أيام الأسد باتت معدومة، وتناسوا أن جيش الأسد يحارب عن عقيدة مؤمن بها وأن ولاءه للأسد لا حدود له.

وفجأة تجدث إنفجارات بوسطن وكما توقعنا في مقالنا السابق أن إنفجارات بوسطن قد تعطي قبلة الحياة لنظام الأسد وقد تنهي حكم الإخوان في مصر، وتوقعنا حدوث أحد الأمرين او كلاهما، عموما حدث ما توقعناه بالنسبة للأسد وهناك بوادر بالنسبة لما يخص حكم الإخوان قد تتضح فيما بعد.

أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الإسبوع الماضي قبولها للحل السياسي للأزمة السورية في خبر كان هو الأهم علي الإطلاق، ونحن نحاول ان نبحث عن السر وراء هذا القرار، ولماذا تخلت الولايات المتحدة عن الجيش الحر السوري؟، ولماذا قبلت وجود الأسد كمفاوض ولاعب أساسي في حل الازمة السورية؟؟

أولا: رضخت أمريكا للشروط السورية مقابل تقديم روسيا ضمانات قويه لحل المشكلة النووية الإيرانية، صحيح لم يعلن شئ من هذا القبيل ولكن نستطيع ان نفهم ذلك من خلال خبرتنا في معالجة أميركا لمثل هذه الأزمات.

ثانيا: بعد حادث تفجير بوسطن أصبح من المستحيل علي إدارة أوباما أن تقوم بتدخل عسكري في سوريا، خاصا مع تردد أنباء أن المتهمين كانت تربطهم علاقة بجماعات إرهابية في سوريا، كما أصبح من المستحيل ان يقبل الشعب الأمريكي أن تضع أدارته أياديها في يد من خططوا ودبروا هذه الإنفجارات.

ثالثا: أصرار روسيا والصين علي مساندة الأسد ولو أدي الأمر للتدخل العسكري بجانب تفضيل الجانب الاوربي للحل السياسي عن العسكري، كذلك إتجاه كثير من الدول العربية لتفضيل الحل السلمي وعلي رأسها الإمارات والأردن..

رابعا: فشل التيارات الإسلامية في إدارة البلاد التي تولت فيها الحكم سواء في مصر أو تونس.

خامسا: التأكد أن القوة الفعالة في المعارضة السورية هم تنظيم القاعدة والمتشددين الإسلاميين.

سادسا: إصرار الأسد علي إستكمال القتال تسانده إيران بقوات برية وحزب الله، وحصول الأسد علي تأييد شعبي كبير مع تعدد جرائم الفصائل الإسلامية في سوريا.

سابعا: الخوف من تقسيم سوريا وتأثيره علي العراق وعلي لبنان وتحويل المنطقة لفوضي عارمة تهدد أمن إسرائيل ومصالح الغرب.

ثامنا: تزايد نسبة المعارضين للحرب السورية في الشارع العربي وخصوصا دول الربيع العربي، الذين يرون إنتصار المعارضة السورية يصب في مصلحة الأنظمة الإسلامية المستبدة التي تحكمهم.

تاسعا: ضعف المعارضة السورية وعدم قدرتها علي التنسيق بين فصائلها وعدم قدرتها علي تحقيق مكاسب فعليه لتحسم المعركة بالرغم من الدعم الذين حصلوا عليه علي مدار عامين.

عاشرا: موافقة إسرائيل علي الحل السلمي للأزمة، وضعف الموقف القطري الداعم للحل العسكري بعد عدم قدرته علي تحقيق الوعود التي وعد بها لدعم الربيع وعدم قدرته علي مساندة الإخوان في مصر وتونس.

ايلاف

خذلان السوريين.. بعد الفلسطينيين

إياد أبو شقرا

الهم السوري هو الهم الأساسي لشعب فقد أكثر من 100 ألف قتيل، وعانى من تهجير ما لا يقل عن سبعة ملايين مواطن، داخل سوريا وخارجها. لكن، إذا ما تجاوزنا سذاجة التصديق أن حقوق الإنسان، ولا شيء غير حقوق الإنسان، هي العامل الذي يسيّر السياسات الدولية الكبرى.. لا تعود الحصيلة التي خرجت بها القمة الأميركية – البريطانية بالأمس مفاجئة.

ما عاد الأمر بحاجة إلى عبقري للاستنتاج أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سلّم بالتفسير الروسي لـ«اتفاق جنيف» حول سوريا، بل غدا حقيقة واقعة قبول واشنطن ببقاء بشار الأسد على رأس السلطة في سوريا حتى نهاية ولايته الرئاسية في العام المقبل.. تماما كما ترى موسكو وطهران.

أكثر من هذا، أحسب أن أحدا لن يصدق بعد اليوم تعهدات أوباما، ومعه حليفه البريطاني الذي خُدع كثيرون بوهم تصعيده اللفظي خلال الأشهر القليلة الفائتة، عن «سوريا من دون الأسد» من دون تحديد مهلة زمنية، ومن دون اعتبار خروج الأسد من الصورة مقدمة ضرورية لأي تسوية سياسية. كل هذا الكلام الجميل محاولة لستر عورة في سياسة خارجية خرقاء وقاصرة عن الفهم، أو متآمرة كليا على مصير منطقة حيوية من العالم لا ترى واشنطن ضيرا في تجاهل مصالح شعوبها والمتاجرة بمصائرهم إلى ما لا نهاية.

المسألة، باعتقادي، تجاوزت الحذر من هيمنة الأصوليين الجهاديين والتكفيريين على سوريا. وأساسا كان إدخال الجهاديين والتكفيريين إلى سوريا جزءا من الاحتياطي المستتر للنظام. فالنظام بعدما ضمن «الفيتو» الروسي – الصيني المزدوج والدعم الإيراني الاستراتيجي المباشر حظي بالهامش الزمني الكافي للصمود في وجه الثورة. ولقد كان محسوبا تماما دخول هذه الجماعات إلى الأراضي السورية، بالنظر إلى سوابق نظام دمشق مع كل من لبنان والعراق، ذلك إن تسلل هذه الجماعات كان كثيرا ما يحدث بمباركة النظام ومساعدته بهدف خلق «الفزاعة» المطلوبة لتبييض صفحته.. وتخويف المجتمع الدولي من عواقب الاستغناء عن خدماته.

ولكن لندع ظروف الأزمة السورية نفسها، ونتابع ما يحدث خارج حدود سوريا..

قبل نحو سنة ونصف السنة كان الكلام الصادر عن كبار القادة الأتراك تهديديا وحازما من نوعية «لن نقف مكتوفي الأيدي إزاء مجازر النظام في سوريا». أما الآن، بعدما تجاوز نظام الأسد عددا من «الخطوط الحمراء» الوهمية.. من قصف آقجه قلعة، إلى استهداف مخيمات اللاجئين السوريين عبر الحدود، ومن إسقاط طائرة حربية تركية فوق المياه الدولية إلى تفجيري الريحانية، فقد تغيّر خطاب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، كليا، مشددا بنزعة دفاعية مرتبكة على أن تركيا «لن تنزلق إلى مستنقع الاستدراج السوري المتعمد»!

قبل بضعة أشهر في لبنان، كان حزب الله يتكتم على دوره القتالي إلى جانب النظام ضد الشعب السوري، وكان حريصا على الإبقاء على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي مجرد غلالة رقيقة تستر ذلك الدور. ولكن، فجأة، قرر الحزب – أو قررت له مرجعيته عبر الحدود – أنه لا حاجة له بعد اليوم لغلالة. وخلال هذه الساعات يشتد التصعيد داخل لبنان مع فتح الحزب، بواسطة أدواته وأتباعه في البرلمان والشارع، معركة «إلغاء» سياسية ضارية. فيهدد صراحة رئيس الحكومة المكلف تمام سلام بالويل والثبور إن هو تجرأ وشكل حكومة من غير السياسيين، معتبرا أن في ذلك تهميشا لمعسكره. وفي الوقت ذاته يعمل على ضرب تحفظات القيادات السنية (بما فيها نجيب ميقاتي) والدرزية عرض الحائط بالنسبة لمناقشة «قانون الانتخاب الأرثوذكسي» حصرا. ثم على مستوى أدنى بكثير يدفع الحزب أدواته وأبواقه الإعلامية للتحريض على خصومه وخصوم النظام السوري والشماتة فيهم.

ولا يختلف الوضع كثيرا في الأردن، الذي كان قبل بضع سنوات أول المحذرين علنا من مشروع «الهلال الشيعي» برعاية إيران، والذي يحاول الآن احتواء تداعيات أزمة معيشية وسياسية وأمنية حاول نظام الأسد مرارا تصديرها إلى الأردن على مختلف المستويات.

هذه الصورة القاتمة التي ترسمها الحالات التركية واللبنانية والأردنية، تضاف إليها تعقيدات الجانب العراقي، يفترض بها أنها تصل إلى واشنطن عبر تقارير سفرائها على الأقل، وهو ما يدعو إلى استبعاد جانب نقص المعلومات. وأيضا يوجد في واشنطن خبراء ومعاهد أبحاث، ناهيك عن تقارير المنظمات الدولية على مختلف أنواعها، وهناك الحلفاء المعنيون بأوضاع الشرق الأوسط والمتأثرون بها، وإن لم يكونوا على تماس حدودي مع سوريا.

وزير الخارجية الإيراني الدكتور علي أكبر صالحي قال بالأمس إن بلاده ضد «تقسيم سوريا»، وهذا جانب تناوله أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون. غير أن الحقيقة التي يرفضها القائدان الغربيان، ومعهما قادة طهران، هي أن «التقسيم» كان دائما ملاذ الأقليات عندما تخسر.. مقابل توقها إلى «الهيمنة» عندما تكون كفتها راجحة، في حين أنه لا مصلحة للأكثرية في أي مكان في «التقسيم».

وبناء عليه، تبدو المسألة الآن مسألة قرار سياسي متخذ يقضي بإشاحة النظر عن معاناة السوريين، وترك النظام يرتب أوراقه التفاوضية ميدانيا «على راحته»، وتفويض موسكو وطهران بأمور المنطقة، من دون أن تكون تل أبيب بعيدة عن المشهد. وهنا لا بد أن يؤخذ على محل الجد تحرك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أولا في بكين، وثانيا في موسكو.. ولو بذريعة عرقلة تسليم صواريخ «إس 300».

إن تبني الإدارة الأميركية تفسير موسكو «تفاهم جنيف»، بالكامل، يشكل بعد كل الذي حدث خلال السنتين خذلانا مريرا للشعب السوري يوازي، في كثير من النواحي، خذلان الرئيس أوباما الشعب الفلسطيني بعد وعوده المعسولة خلال زيارته الأولى إلى الشرق الأوسط.

الشرق الأوسط

خطة السلام مشروع حرب

عبد الرحمن الراشد

كأن مائة ألف قتيل ليست كافية ليسمح للحرب في سوريا أن تستمر بهذه الوحشية ودون تدخل دولي، وكأن عشرات المحاولات مع الرئيس السوري منذ عامين ليست موقفا واضحا أنه لا ينوي ترك الحكم إلا بالقوة.

لقد وقع موقف وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بتأييده للمشروع الروسي وقع الصاعقة على الكثيرين في المنطقة العربية. الرأي العام يرى تغيرا خطيرا في موقف الحكومة الأميركية بتبنيها موقف روسيا وإيران، وعززت الظنون أنها تراجعت تماما عن موقفها القديم بتأييد الشعب السوري سياسيا.

وبغض النظر عن مشاعر أغلبية العرب الغاضبة، فإنها أيضا غلطة كبيرة لسبب واحد على الأقل أن مؤتمر السلام سيفشل في إقناع بشار الأسد بالتنحي، وإن اقتنع فإنه يناور ويكذب عليهم بإقناعهم بالبقاء إلى العام المقبل، وحينها سيتراجع عن وعوده كما فعل في كل القضايا التي تورط فيها منذ عشرة أعوام.

المؤتمر بالنسبة للأسد، وحلفائه الإيرانيين، مجرد خدعة أخرى، كما فعلها من قبل مع المراقبين الدوليين، ومع كوفي أنان، ثم مع الأخضر الإبراهيمي، هذه سياسته، التضليل في انتظار تبدل ما لصالحه.

في الوقت نفسه، أي خلال فرض المؤتمر على المعارضة، التي لا تتجرأ على رفضه لأسباب معروفة مثل حاجتها إلى الدعم الدولي بمعانيه المختلفة، في هذه الأشهر يوسع النظام عملياته العسكرية لاسترداد المناطق المحررة.

القبول بالمشروع الروسي خطأ كبير، لأنه يعطي الأمل لنظام محاصر، يفترض أن يضاعف الضغط عليه لا أن تفتح له نافذة للتنفس، حتى يتنازل في ظروف قاهرة ويمكن حينها بناء سلام حقيقي في سوريا.

ما قيمة مؤتمر يستحيل أن يقنع الأسد بالتنحي فورا، ويستحيل وقف الثورة ضده، وهاتان حقيقتان مؤكدتان؟ كل ما سيفعله فرض المؤتمر على المتقاتلين زيادة الغضب، وإضعاف القوى المعتدلة التي ستخسر التأييد الشعبي، وستتحول الريح والمزاج العام لصالح المقاتلين المتطرفين!

هل سأل أحدهم نفسه: ماذا سيحدث عندما يفرض الفريق الروسي فكرة تنحي النظام الجزئي، بخروج الأسد في نهاية فترته العام المقبل؟ كيف يمكن إقناع ملايين السوريين بالعودة إلى بيوتهم وحياتهم الطبيعية في بلد تديره الأجهزة الأمنية القمعية؟ ومن سيصدق أن الأسد سيتنحى حقا في حينه؟ ومن قال إن تنحى، وهو شبه مستحيل، سيغادر معه قادته الذين ارتكبوا أكبر مذابح في تاريخ المنطقة؟

لهذا، يدغدغ الروس الجميع بالحديث عن المحافظة على سوريا البلاد موحدة، والمحافظة على هيكل النظام منعا للفوضى والحرب الأهلية. فكرة نبيلة لا نتوقع أن يلتزم بها رجل يستخدم الطيران والمدافع والدبابات والصواريخ لقصف المدن والقرى تقريبا بصورة يومية! وقبل أيام فجر في سوق عام سيارات مفخخة في تركيا، ولا تزال قواته تهاجم اللاجئين والقرى الحدودية في الأردن، وتتجاوز قواته الحدود إلى داخل لبنان لخطف وقتل اللاجئين. هل هذه ممارسات رئيس مستعد للتنحي؟ ما مصلحة الأميركيين من السير خلف هذه الفكرة المسمومة التي ستعقد الوضع أكثر وأكثر؟

الأميركيون أمامهم أحد خيارين: إما الوقوف إلى جانب الأغلبية الساحقة في سوريا الكارهة للنظام والتي ترفض العودة للعيش تحت حكم الأسد ونظامه، وإما عليهم الابتعاد تماما وترك السوريين لشأنهم. فرض المؤتمر في نظرهم وسيلة لمساندة الأسد وليس إخراجه.

الشرق الأوسط

تحول لافت في الأزمة السورية

   حسن عبد الله عباس

بدت الازمة السورية في اليومين الاخيرين تنحو إلى طريق مفصلي مختلف تماما. على خلاف الازمة التي امتد عمرها لأكثر من سنتين وكم شهر، أخذت الازمة تدخل في مرحلة مفصلية واضحة، بل وأعتقد شبه جازم أن الازمة دخلت مراحلها النهائية ومعظم الظن أننا سنشهد قريبا الحلقة الاخيرة منها!

الاحداث السريعة التي جرت الأيام العشر الاخيرة توحي بأن شيئا ما يدور خلف الكواليس. فمن ناحية كلمات السيد حسن نصرالله والتأكيد بثقة تامة أن الحرب لن تكون علاجاً للمشكلة السورية، ومن زاوية أخرى زيارة وزير الخارجية الايراني لسورية وتجديد الدعم الإيراني لبقاء نظام الاسد والوقوف لجانبه ضد أي عدوان إسرائيلي، ومن زاوية ثالثة الحضور اللافت للغربيين لدى الادارة الروسية لأخذ موافقتها على مشروع جديد سيُعرض على مجلس الأمن، ومن زاوية رابعة إعلان الروس عن قُرب موعد تسليمهم صواريخ جديدة إلى السوريين، وأخيرا التصريح المثير الذي ألقاه وزير الخارجية الاميركي عقب لقائه ببوتين بأن لا حل لسورية سوى الديبلوماسية!

هذه التحركات والملابسات الجديدة لاحتواء الازمة السورية لم تأتِ من فراغ. فهي على جانب تريد أن تقول بأن الازمة السورية ليست محلية إطلاقاً، بل الموضوع دولي والمصالح الكُبرى هي من تسيّر الواقع الميداني. وأخطر ما في الازمة السورية وهو ما حذر وخاف منه الأميركان والاوروبيون أن النزاع المسلّح صار واضحاً بين الجيش السوري وبين الجماعات الإسلامية المتشددة.

الزاوية الاخرى أن الأميركان اقتنعوا وحلفاؤهم أن النظام السوري ليس بالهش والخائر الممكن إسقاطه بسهولة كما حصل مع النظام العراقي أو الليبي. فالواضح أنه وبعد كل هذه المدة ما زال الجيش السوري قوياً جدا برغم الخيانات والاموال، ما زال متماسكاً ويتحرك بشكل مهني صحيح. الأمر الذي أقنع المجتمع الدولي أن «الربيع العربي» يصعب مروره هنا في هذه البقعة التي تتضارب وتتقاطع فيها مصالح مختلفة، آخرها وليس أولها الديموقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان!

الشيء الذي لا بد أن نذكره هو أين يقف العرب خصوصا الدول الخليجية ومعهم الحليف التركي بخصوص القضية السورية. فهؤلاء اندفعوا بشكل هستيري لإسقاط نظام الاسد، وها هو النظام فرض نفسه ميدانيا وفرض مطالباته التي نادى بها منذ اليوم الاول والنافذة الوحيدة المقبولة هي نافذة الحل السياسي. تقريبا جميع العرب استمرأوا سياسة النأي بالنفس باستثناء الاتراك والقطريين والسعوديين. هذه الاطراف الدولية الثلاثة رمت كل ثقلها في المواجهة المباشرة، ووضعوا بيضهم كله في سلة المعارضة، ما يعني أنهم خسروا الارضية السياسية وإن كانوا مؤثرين بالقرار الدولي إلى حد معين لا بعده. أضف لذلك وإن جرت الامور كما بدت في الايام الاخيرة، فستتغير موازين القوى الدولية بدءاً بالسلسلة الثلاثية ومعهم الروس والصينيون ليصبحوا بمرتبة سياسية مختلفة، في مقابل وضع مأسوي ومستقبل أسود ينتظر الإسرائيليين.

الرأي

قرار جنيف مرفوض في سورية… ولبنان

وليد شقير

هل باتت معالجة المأزق اللبناني الذي يتعمّق أكثر وأكثر تحتاج الى إدخال لبنان في مؤتمر جنيف – 2 الذي تهيئ له روسيا والولايات المتحدة؟

فالبلد الصغير صار ملحقاً بالأزمة السورية في شكل كامل، وبات كل شأن فيه، صغيراً أو كبيراً، يُربط بما ستؤول إليه هذه الأزمة، لا سيما بعد إعلان «حزب الله» التحاق قواته بمواجهة محاولات إسقاط النظام السوري، مع ما يتطلبه هذا الالتحاق من مقتضيات عملانية وسياسية وأمنية في لبنان، وليس في سورية وحدها.

وبهذا الالتحاق لا تعود عناوين التأزم الداخلي الذي تصاعد منذ أشهر، والذي كانت إحدى محطاته استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، منفصلة عن وقائع الأزمة السورية وأبعادها الإقليمية. الصراع على قانون الانتخاب والسلطة السياسية التي سينتجها، وعلى إجراء الانتخابات النيابية في وقت قريب أو تأجيلها لفترة قصيرة أو مدة طويلة، وتأليف حكومة الرئيس تمام سلام ورفض الأخير مع حلفائه ورئيس الجمهورية ميشال سليمان حصول الحزب وحلفائه على «الثلث المعطّل» فيها، كلها تخضع الحسابات في شأنها للموقف من الأزمة السورية. فهذا الثلث المعطّل هو الذي يتيح للحزب أن ينسف الحكومة حين يقرر ذلك، إذا عاكست أكثريتها سياسته. وهو ورقة يصر على الاحتفاظ بها بعدما ذهب أمينه العام السيد حسن نصرالله الى حد إعلان استعداده للتعاون والتنسيق مع المقاومة الشعبية في الجولان لتحريره من الاحتلال الإسرائيلي لتبرير قتاله الى جانب نظام الرئيس بشار الأسد بذريعة الحؤول دون سقوط سورية في يد أميركا وإسرائيل والتكفيريين، على أنه معركة فلسطين والقدس والدفاع عن المقاومة في لبنان… الخ.

وإذا كان نصرالله برر ما تمتعت به المقاومة في لبنان من «هامش بأن العالم يعتبر أن الدولة المركزية فيه ضعيفة»، كما قال في خطابه الأخير حرفياً، فإن توسيعه المواجهة التي يخوضها الحزب في اتجاه المناطق السورية التي يقاتل فيها، والجولان، يحتاج الى إضعاف الدولة المركزية اللبنانية أكثر وأكثر. ولذلك لماذا الاتفاق على قانون انتخاب ولماذا الانتخابات فيه، ولماذا الموافقة على قيام حكومة قد لا تخضع أكثريتها لموجبات تلك المواجهة الواسعة التي يخوضها الحزب؟

وقع لبنان في ظل هذه المواجهة في صلب الشعار الذي أطلقه حلفاء دمشق طوال عقود من الوصاية السورية: «تلازم المسارين اللبناني والسوري ووحدة المسار والمصير»، وعاد أسيراً له.

والترجمة العملية لهذا الشعار بعد محاولة اللبنانيين الخروج منه في السنوات الماضية، هي في هذا التماثل بين ما يطرحه قرار جنيف بالنسبة الى سورية وبين ما هو مطروح في لبنان على صعيد مؤسساته. وإذا كان جنيف الأول فشل بسبب رفض الرئيس السوري تنفيذ البند الأساسي الذي قام عليه الحل الدولي وهو قيام «جهاز تنفيذي انتقالي كامل الصلاحية»، مع ما يعنيه ذلك من قبوله تفويض «صلاحياته الكاملة» التي لم تكن تعني سوى ممارسة السلطة بقوة القمع والقهر والتسلّط عبر أجهزة الأمن وشتى الوسائل اللاإنسانية التي أطلقت الثورة ضده قبل 26 شهراً. فالمنطق يقول إن قيام هذا «الجهاز التنفيذي الانتقالي» هو تمهيد لقيام سلطة سياسية انطلاقاً من انتخابات حرة ودستور جديد.

هل يستطيع «حزب الله» وحلفاؤه أن يقبلوا بقيام «جهاز تنفيذي انتقالي كامل الصلاحية»، أي حكومة لبنانية يتساوى فيها الفرقاء، في لبنان، والحال هذه أي في ظل وحدة المسار والمصير بين لبنان وسورية؟ وفي ظل قرار إيراني بوضع كل الإمكانات في متناول «حزب الله» لمواجهة محاولات إسقاط الأسد؟ فالحزب سبق أن حصل على الثلث المعطّل داخل الحكومة بعدما استخدم العنف في 7 أيار (مايو) عام 2008 وبقوة السلاح وفائض القوة الذي يملكه بحكم الدعم الاستثنائي الذي يتلقاه من طهران وحكام دمشق، وهو يرفض التخلي عنه لرفضه الاعتراف بالتغيير الذي حصل بفعل الثورة في سورية التي هزت قوة النظام وإن لم تنجح في إسقاطه بعد، وبسعي الحزب وإيران للإبقاء عليه ومنع سقوطه قدر الإمكان، فالسيد نصرالله تحدث عن التغيير في اتجاهات الريح قاصداً بذلك الهجوم الدفاعي الذي يقوم به لتثبيت النظام.

بات الثلث المعطّل الذي يحول دون الانتقال الى سلطة مركزية في لبنان في عملية تشكل الانتخابات البرلمانية (المطلوب تأجيلها) وسيلتها الوحيدة، يوازي رفض الأسد التخلي عن صلاحياته للحكومة وفق قرار جنيف. فخوض الحزب المعركة في سورية لا يحتمل قيام حكومة من المؤكد أنها لن تتمكن من مماشاته في هذا المنحى. وإلا لما كان الرئيس ميقاتي استقال بعد أن اكتشف صعوبة تعايشه مع ما تقتضيه المواجهة في سورية من غض نظر في لبنان.

الحياة

هل يغير أوباما «قواعد اللعبة» في سورية قبل جنيف؟

جورج سمعان

حظ «خطة جنيف» التي أقرت في حزيران (يونيو) الماضي سيكون أفضل حالاً من المؤتمر الدولي الذي توافقت عليه واشنطن وموسكو أخيراً. فالمؤتمر قد يولد ميتاً إذا رأى النور. ويرجح أن تدفن الخطة معه هذه المرة. في الأصل لم يكن متوقعاً أن تتوافق واشنطن وموسكو على انعقاده بهذه السرعة بعد كل هذا الجمود والمماطلة والمناورة التي حالت دون تنفيــــذ ما تم التوافق عليه في «جنيف 1». لم تكونا مستعجلتين على رغم كل ما تشهده الحرب السورية من مـــآس وويلات ومجازر ومذابح وتهجير وتــــدمير. بل بــــدت الإدارة الأميركية أول من بادر إليه، لتصيب بذلك أكثر من هدف. أولها إعفاء الرئيس باراك أوباما من اتخاذ قرار مفصلي من الأزمة السورية، بعد كل الضجة التي أثيرت عن تجاوز نظام الرئيس بشار الأسد «الخط الأحمر» باستخدام محدود للسلاح الكيماوي. وثانيها تخفيف الضغوط التي بدأت تمارسها قوى في الداخل الأميركي والخارج من أجل التدخل وتوفير السلاح الفاعل لمجموعات معارضة.

لكن «تهافت» الإدارة الأميركية إلى «جنيف 2»، مع ما رافقه من حديث عن تنازلات قدمتها إلى روسيا، ليس وحده الدافع. بل إن تلقف موسكو الفكرة نم عن رغبة مشتركة أميركية – روسية في كسب مزيد من الوقت. كأن الحوار الدائر بين الطرفين في كثير من الملفات لم ينضج بعد ويتطلب مزيداً من الوقت. لكن الملف السوري المتفجر شهد أخيراً تطورات أنذرت بتغيير قواعد اللعبة المستمرة من سنتين. وشكلت دوافع لتحرك سريع من أجل إعادة ترميم بعض «الخطوط الحمر» التي تجاوزها المتصارعون في الداخل واللاعبون الإقليميون.

بين هذه الدوافع التي تقلق واشنطن وموسكو، إضافة إلى الملف الكيماوي وخطر تكرار استخدامه واحتمال انتقاله إلى مجموعات متطرفة إذا صح ما قيل عن استخدامه على أيدي مجموعات مسلحة، هذا الصعود والانتشار المتناميان لحركات التطرف وعلى رأسها «جبهة النصرة». وإطلاق عمليات التطهير المذهبي في مناطق عدة وما تستتبعه من مذابح ومجازر وجرائم حرب أخطرها ما يجري في القصير وحمص. وما تستدعيه عاجلاً أم آجلاً من مذابح مماثلة في أماكن أخرى من البلاد لن توفر أقليات ومكونات يدعي دعاة الحل السياسي أنهم حريصون عليها حرصهم على عدم تفكك سورية وتشظيها و «صوملتها». وما تستولده من وقود جديد لتسعير الصراع المذهبي في الإقليم. ولعل أخطر الدوافع انخراط إسرائيل ميدانياً في الحرب عبر سلسلة من الغارات استهدفت ليس مواقع سورية فحسب بقدر ما استهدفت مستلزمات انخراط إيران و «حزب الله» عــديداً وعتاداً من صورايخ وأسلحة متطورة. ولم يقف هذا الانخراط عند هذه الحدود: أعلنت طهران أنها ستشكل «حزب الله» السوري بعد إعلان دمشق فتح جبهة الجولان أمام المقاومة. ورحب الحزب اللبناني مبدياً الاستعداد لكل أشكال الدعم لهذه الجبهة.

كأن هذه الدوافع لم تكن تكفي وحدها للتحرك نحو مؤتمر يعيد رسم قواعد جديدة للعبة، حتى زج العراق بنفسه في الحرب. لم تكن بوادرها الأولى أزمته السياسية التي يرقص أطرافها على وقع ما يجري خلف الحدود الجنوبية. ولن يكون آخرها انضمام قوى وميليشات إلى ساحات المتقاتلين في دمشق وغيرها من المدن، أو قصف القوات العراقية لمعبر اليعربية الحدودي الذي يمسك «الجيش السوري الحر» بمفاتيحه.

ولعل آخر التطورات – الدوافع هذه التفجيرات الأخيرة التي ضربت بلدة الريحانية التركية، وهزت أنقرة و… إسطنبول. ودفعت وزير الخارجية أحمد داود أوغلو إلى التحذير من «اختبار قدرة» بلاده. وسواء كان هذا الطارئ جزءاً من الصراع في شأن القضية الكردية أو من تداعيات ما تشهده الساحة السورية، فإن الارتباط بينهما يرقى إلى تاريخ طويل، طول إقامة عـــــبدالله أوجلان في الربوع السورية أو البقاعــــية أيــــام الوجـــود السوري في لبنان. وإذا ثبت دور الاستخبارات السورية في التفجيرات كما ورد في التحقـــيقات الأولية، ستجد حكومة رجب طيب أردوغان نفسها مضطرة إلى إعادة النظر في القواعد التي حكمت سياستها حيال سورية… وأولها الخروج من موقع الخطابة والتهديدات الفارغة إلى التحرك الحازم للحؤول دون انتقال المشهد السوري إلى أراضـــيها، في ضوء اعتراض شريحة من مواطنيها على مخيمات اللاجئين السوريين واااااااااااااما تقدمه الحكومة من مساعدات وتسهيلات إلى تشكيلات المعارضة.

أمام هذا الحضور الإقليمي الفاعل في الحرب السورية مضافاً إلى هذه المجموعات المتعددة المشارب والبرامج التي تقاتل النظام، لم يعد الخطر يتهدد سورية الدولة والمؤسسات والمكونات، بل بات يهدد أيضاً مصالح اللاعبين الدوليين ودورهم في رسم مستقبل هذا البلد. لذلك استعجلت الولايات المتحدة وروسيا الدعوة إلى مؤتمر دولي لإعادة إحياء بنود «خطة جنيف» التي أقرتها الدول الكبرى والجامعة العربية وتركيا قبل نحو عام. وأعيد بعث مهمة الأخضر الإبراهيمي التي لم تقدم ولم تؤخر في ما فعلته مهمة سلفه كوفي أنان حتى يوم استقالته. بالتأكيد ترغب الدولتان الكبيرتان في أن يكون لهما الدور الأساس في إدارة أزمة سورية وفي إيجاد تسوية سياسية لها مطابقة لصورة المستقبل الذي تريدانه لهذا البلد، من أجل ضمان مصالحهما فيه وفي بلاد الشام عامة.

لكن رغبة الدولتين الكبيرتين شيء وقدرتهما على تحقيق هذه الرغبة شيء آخر. ولو كانت أيديهما مطلقة في هذا المجال لانتفت الحاجة إلى مؤتمر دولي. كان يكفيهما التفاهم الثنائي لفرض التسوية التي تريدان. الواقع يشي بخلاف ذلك تماماً. فقبل الحديث عن الدور الأساس للقوى السورية المتصارعة والدور المتعاظم للقوى الإقليمية، يكفي النظر إلى تخبط كل من الأميركيين والروس في مواقفهم غداة الاتفاق على المؤتمر الدولي حيال رؤيتهم للحكومة الانتقالية، ودور الرئيس الأسد في المرحلة الانتقالية، ولائحة الدول والقوى المدعوة إلى «جنيف 2»، ودور الجيش والمؤسسات الأمنية ومستقبلها…

رغبة الدولتين الكبيرتين شيء والواقع على الأرض السورية شيء آخر: لا ضمان في قدرة الروس على اقناع الرئيس الأسد والحلقة المحيطة به على البقاء بعيداً من الحكومة الانتقالية لئلا نقول إنهم لا يرغبون في ذلك. ولا قدرة لهم على إقناعه بالتنحي ولا رغبة مبدئية لديهم في مثل هذا النهج الذي يتيح تدخلاً خارجياً في تدخل يصرون على أن يكون من اختصاص أهل البلاد. في المقابل لا قدرة للأميركيين على دفع المعارضة إلى الحوار مع النظام. علماً انهم قد لا يجدون سوى قلة تصغي إليهم أو تثق بهم. فهم وضعوا «جبهة النصرة» على لائحة المنظمات الإرهابية. ويماطلون ويناورون من سنتين لكسر رجحان كفة «الإخوان المسلمين» في تشكيلات المعارضة، من «المجلس الوطني» إلى الائتلاف القائم. وعارضوا ويعارضون مد «الجيش الحر» أو من يسمونهم «المجموعات المعارضة» بما يحتاجون إليه من سلاح لمواجهة آلة النظام وترساناته الأرضية والجوية والبحرية. لذلك علت أصوات المعارضين المطالبين بوجوب تغيير موازين القوى قبل أي جلوس على الطاولة للتفاوض. وما لم يتحقق ذلك فإن الضغط على الائتلاف للقبول بالحوار وشروطه الأميركية قبل الروسية سيفضي إلى تمزيق ما بقي من هذا الهيكل التنظيمي ويفاقم آلام المعارضة التي باتت تشعر بأن ثمة «مؤامرة كونية» عليها، وليس على النظام كما يدعي، تحول دون تحقيقها التغيير الذي تنشد!

إضافة إلى تشتت المعارضة وحدود الضغط الذي يمكن أن يمارسه الروس والأميركيون على «حلفائهما» في سورية، هناك القوى الإقليمية، من إيران إلى إسرائيل، ومن العراق إلى تركيا ولبنان والأردن، والسعودية وقطر ومصر. باتت هذه الدول جزءاً من الحرب القائمة. ولكل واحدة منها أسبابها الخاصة وأهدافها الجوهرية التي لا يمكنها التنازل عنها بيسر وسهولة، أياً كانت ضغوط الكبار. لهذه الدول مصالح استراتيجية وحيوية تتأثر سلباً أو إيجاباً بمستقبل البلاد وهويتها ونظامها المقبلين. ولا يمكن واحدة من هذه القوى أن تصغي بلا نقاش لرغبة أميركية أو روسية. فهل سيسكت الأردن حيال تدفق مزيد من اللاجئين؟ وهل ستكتفي تركيا بالوعيد والتهديد كما فعلت بعد إسقاط طائرتها الحربية قبل نحو سنة أم ستنضم إلى مجموعات الضغط على الرئيس أوباما لتسليح المعارضة أوإقامة ملاذات أمنة لها؟ وهل ترضى إيران بنهاية نظام قد ينتهي معه كل ما بنته في العقود الثلاثة على شاطئ المتوسط وحدود إسرائيل؟ وهل تقبل الدولة العبرية بمرابطة «القاعدة» في الجولان أو تسليح نظام الأسد بترسانة من الأسلحة الاستراتيجية؟ وهل يقبل «حزب الله» بالمجازفة بكل ما حقق من مكاسب في لبنان سياسياً وعسكرياً؟ وهل تقف حكومة نوري المالكي موقف المتفرج على صعود السنة في سورية وما يحفزه في الساحة السنّية في العراق؟

حيال هذه الخريطة المعقدة والأسئلة المصيرية يكاد يكون مستحيلاً أن يوفق المؤتمر الدولي في دفع «خطة جنيف» إلى حيز التنفيذ. لو كان الأمر بهذه السهولة لما بقيت الخطة في أدراج الأمم المتحدة. إن الصراع الإقليمي والدولي على سورية كان وراء انسداد الأفق أمام الحسم العسكري لمصلحة النظام أو خصومه، وكان وراء جمود أي مسعى لتسوية سياسية يبدو أن أوانها قد فات. فهل تنجح الضغوط على الرئيس أوباما، قبل مؤتمر جنيف أو بعده لا فرق، فيغير «قواعد اللعبة» كما توعد، بعدما تجاوز الجميع الخطوط الحمر؟

الحياة

النموذجان المصري واليمني لحلّ سوري؟

“حزب الله” يربط نفسه بمصير المفاوضات

    روزانا بومنصف

تعامل الافرقاء اللبنانيون مع اعلان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطابيه الاخيرين عن التدخل في سوريا الى جانب النظام واستعداده للمساهمة في فتح جبهة الجولان من منطلق  التأثير السلبي الذي يرتبه تورط تنظيم لبناني في الحرب السورية على لبنان وما يمكن ان يستدرجه ذلك من فتنة مذهبية نظرا الى استهداف النظام الثوار السوريين وغالبيتهم من الطائفة السنية. وهذه التداعيات المحتملة خطيرة ويتفق الجميع على التحذير منها بمن فيهم السيد نصرالله ولو انه قال بعدم نيته جر الحرب السورية الى لبنان علما ان لا ضمان بذلك. الا ان متابعين ديبلوماسيين رأوا في التدخل من جانب الحزب امرين: احدهما انه يأتي بناء على طلب مباشر من طهران التي دفعت الحزب الى ان يلعب هذا الدور وفق ما تؤكد مصادر معلومات متقاطعة. والامر الاخر ان هذا التدخل يلبي من جهة ثانية المراجعة او التقويم الذي دعي الحزب الى اجرائه منذ بداية الازمة السورية . اذ ان دعوات معلنة او ضمنية وجهت الى الحزب بأن يعيد النظر في مواقفه الداخلية وموقعه بناء على النتائج المرتقبة للازمة في سوريا والتي تنبىء بعدم امكان استمرار الرئيس السوري بشار الاسد في موقعه مع ما يعني ذلك من احتمال اصابة الحزب بالضعف والوهن نتيجة انقطاع حبل طريق امداد الاسلحة اليه من سوريا وفقدانه احد داعميه اللذين هما النظام السوري وطهران . وفي رأي هؤلاء المراقبين يبدو ان الحزب اجرى قراءته لوضعه المستقبلي واحتمالاته، فلم يعمد الى اعتماد مقاربة داخلية لبنانية مختلفة من خلال الاتفاق مع الافرقاء الاخرين على وقع الازمة السورية وتداعياتها بل ذهب الى اتجاه معاكس مفاده وفق ما يرى هؤلاء المراقبون الدفاع ليس عن الرئيس السوري بل عن النظام ومستقبله مع هذا النظام وتأمين الامداد لوجوده. اذ ان الحزب يعرف جيدا ان الرئيس السوري  لن يكون له شخصيا اي موقع في مستقبل سوريا و يصر هؤلاء المراقبون على التأكيد وفق المعطيات المتوافرة لديهم ان الرئيس السوري يعرف ذلك جيدا ايضا. الا ان ما يعمل عليه وفق المعطيات المتوافرة لدى هؤلاء هو ضمان بقاء نظامه ومؤسسات هذا النظام ومواقع قوة له فيه حتى لو خرج هو على المستوى الشخصي، ربما مع احتمال عودته لاحقا، نظرا الى صعوبة بل استحالة بقائه لكنه يخرج قويا وليس خائفا او مدانا بما يعني بالنسبة الى الحزب المفاوضة ايضا على لبنان وموقع حلفائه فيه ايضا من ضمن الصفقة التي يسعى اليها بحيث ان مساعدة الحزب للنظام يستطيع ان يوظفها  الحزب لمصلحته في حفظ موقعه مع النظام المقبل في سوريا خصوصا اذا كان للاسد حصة كبرى او وازنة وبناء على فرض نفسه كقوة داخلية لا يمكن تجاوزها في الحل. ذلك ان الحزب يعلم جيدا ايضا ان حربا طويلة في سوريا تستنزفه  ولن يستطيع ان يكون قوة احتلال او تدخل كما فعل السوريون في لبنان ويراهن على الحل الذي يتم العمل عليه دوليا.

وبحسب هؤلاء فان ما يتم تداوله في كواليس الافكار والطروحات يصب في الجمع بين تركيبتين حصلتا في دول الربيع العربي احداهما في مصر من خلال محاولة استنساخ بقاء النظام كما حصل في مصر مع مؤسسة الجيش نتيجة لخيبة الامل التي اصيبت بها الولايات المتحدة من الاخوان وعدم قدرتها على الرهان على المعتدلين من المعارضين نظرا الى تشرذمهم من ضمن المعادلة في البلدان الديكتاتورية التي اقتلعت جذور المعارضات الديموقراطية من اساسها ومنعت امكان قيامها على مدى عقود طويلة. والشخصيات المعارضة كعمرو موسى وسواه لا تملك ارضية داعمة تمكنها من اخذ الامور في يدها. مما ادى الى خوف الولايات المتحدة من حكم اسلامي اخواني محتمل في سوريا بناء على التجربة في مصر حيث يتعذر ايضا الاعتماد على السلفيين مما سيفضي الى قبول مرحلة انتقالية لا تستبعد الاسد في بدايتها بل قد تكون بوجوده خصوصا ان المعارضة لم تستطع ان تقدم البديل في الحكم من الاسد ولم يقدم اليها  الغرب وعلى رغم كل خطاباته ومؤتمراته الداعمة المساعدات الكافية من اجل ان تحسم المعركة عسكريا او حتى ان تقلب ميزان الارض لمصلحتها بقوة. وتاليا فان ما يجري في مصر لجهة الاعتماد على الجيش لا يزال يفرض نفسه بالنسبة الى الحل لاحقا في سوريا. اما التجربة الاخرى فهي مستقاة من اليمن مع خروج علي عبدالله صالح وتنسيق المرحلة الانتقالية في اليمن معه مع فارق اساسي سيحرص عليه حلفاء الاسد الدوليون اي روسيا في الدرجة الاولى هو حفظ ماء وجهه وعدم خروجه مهزوما بل على العكس من ذلك. وهو ما سيترجم في حفظ مواقع اساسية وحاسمة لحزبه وطائفته وحتى لداعمين له علما ان احد اوائل الحلول السياسية التي طرحت منذ بدء الازمة هي الحل اليمني الذي رغب في اعتماده الروس وتبناه العرب قبل ان تتراجع روسيا وتدعم بقاء النظام وعدم رحيله.

وهذه السيناريوات للحل الذي يراه المراقبون الديبلوماسيون في افق التوافق الاميركي الروسي سيؤمن مكاسب وخسائر في كل الاتجاهات لكن بحيث يستطيع كل فريق اعتبار انه خرج منتصرا في هذا الحل.

النهار

سايكس بيكو 2 أميركية – روسية!

عادل مالك *

مرت الذكرى الخامسة والستون لقيام إسرائيل بهدوء تام إلى حد الخجل إلا لدى الذين كوتهم نار الاحتلال في الضفة الغربية والقطاع، فكيف لهم أن ينسوا بطش الاحتلال وجوره وسحقه لهم يومياً؟

وفي هذه الذكرى نعود إلى بعض النصوص التاريخية للتذكير بها إنعاشاً لذاكرة البعض.

وتتزامن هذه الذكرى مع انقضاء مئة عام (تقريباً) على وعد بلفور وعلى اتفاقات وتفاهمات سايكس بيكو الأولى. ولعل أفضل تعبير عن واقع نشأة إسرائيل ما كتبه آرثر كوستلر الكاتب الإنكليزي من أصل مجري ومن المذهب اليهودي في كتاب «تحليل معجزة»، أي معجزة إنشاء إسرائيل حيث يقول: «إن وعد بلفور إنما كان هبة أرض تخص أمة من قبل أمة إلى أمة أخرى، وهو يعني أن الأرض عربية وهبتها بريطانيا إلى الشعب اليهودي الذي كان مبعثر الوجود عبر العالم».

وبهذه العبارة كان الكاتب الإنكليزي، المجري، اليهودي يترجم وعد بلفور (الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر 1917) أي الرسالة الموجهة من اللورد بلفور إلى «عزيزه اللورد روتشيلد».

وفيها نقرأ:

عزيزى اللورد روتشيلد،

إنه لمن دواعي سروري أن أبعث إليك بالنيابة عن حكومة جلالته، بالتصريح الآتي المؤيد للمنظمات اليهودية الصهيونية التي قدمت إلى الحكومة ونالت الموافقة ومنها:

«أي أن وجهة نظر حكومة جلالته تؤيد قيام وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين… وسأكون شاكراً لو تطلع هذا التصريح على الاتحاد اليهودي». وحملت الرسالة توقيع المخلص «آرثر جيمس بلفور».

ولبنان قديم العلاقة مع فلسطين منذ نشأتها واغتصابها وحتى اليوم وفي العودة إلى بعض الوثائق التي نحتفظ بها نعثر على الوثيقة.

ونريد في هذا المقال إشراك القراء بإطلاعهم على بعض وثائق تلك الحقبة التاريخية من الزاوية اللبنانية، ومن ذلك:

البرقية التي بعث بها وزير لبنان المفوض في واشنطن الدكتور شارل مالك مساء 7 أيار (مايو) 1948، وفي ما يأتي نصها:

تقدير عام للموقف.

رأيي الخاص بعد تمحيص كل شيء.

أولاً: إن دولة يهودية ستعلن الأسبوع المقبل.

ثانياً: إن فرصة العرب الوحيدة لمنع قيامها هي خلال الأربعين يوماً المقبلة.

ثالثاً: أما بعد ذلك فان بقيت فستوحد دولياً ومادياً وستثبت لعشر سنين على الأقل.

رابعاً: وإن ثبتت لعشر سنين فستبقى لخمس وسبعين سنة أو لقرن.

خامساً: أما الوضع السياسي العالمي اليوم فباستطاعتنا استثماره لمنع قيامها إذا اتحدنا ما بين أنفسنا اتحاداً تاماً وجرؤنا، الجرأة في الفصل قبل القول».

وبعد أسبوع على هذه البرقيه أعلنت دولة إسرائيل في الخامس عشر من أيار 1948.

وصدقت نبوءة الدكتور شارل مالك وتوقعاته.

إذاً، تمر هذه الذكرى وبالكاد يجري تذكرها، لأن سلم الأولويات في المنطقة غيرته إسرائيل وأسقطت «قضية العرب الأولى والمركزية» من الموقع المتقدم إلى الصفوف الخلفية.

ومع انهماك دول المنطقة بالكثير من المآسي القومية والوطنية والإنسانية حدث تطور مر خلسة وبهدوء مريب، حيث أعلن الجانب العربي عبر وزير خارجية قطر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، للولايات المتحدة، عن إسقاط حقوق العرب (المتعلقة بأراضي حرب 1967). وهذا التطور حدث بعد انقضاء أحد عشر عاماً على إطلاق ما سمي في حينه «المبادرة العربية». وحيال رفض إسرائيل قبول هذه المبادرة على رغم الكثير من التنازلات التي تضمنتها، كان لها ما أرادت من التخلي العربي عن حقوق حدود حرب الـ67. وكان إلى جانب قطر في تقديمها هذا «التنازل» كل من وزير خارجية مصر ووزير خارجية الأردن، الأمر الذي يشير إلى أن «طبخة» التنازل أعدت بتنسيق محكم مع أطراف عربية أصيبت بالوهن والترهل القومي من «تحمل أعباء» القضية الفلسطينية ووجدت في هذا التطور وسيلة جديدة لإبعاد كأس مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

ومر الحدث بهدوء تام من دون أي رد فعل، ونجح «النهج الإسرائيلي» في تسويق الفكرة القائلة: إن اسرائيل ليست هي عدو العرب الأولى، بل إن إيران هي التي تمثل «الخطر الكبير على المنطقة». وإضافة إلى ذلك، فإن مخيمات العار تنتشر على مختلف مساحات الحدود بين سورية ودول الجوار، وبدل أن تنتقل الشعوب من المخيمات إلى المنازل التي تخدم الحد الأدنى من حقوق الإنسان، فإن مساحة المخيمات تتمدد في كل يوم مع تواصل التدفق البشري من سورية إلى المناطق المجاروة.

ويلاحظ أن الدوائر الدولية المهتمة بإيواء هذه الألوف المشردة تعد خططاً للمدى البعيد، الأمر الذي يوحي بأن الوضع في سورية سائر من سيئ إلى أسوأ وفي هذا السياق تجب الإشارة إلى كلام لافت قاله سفير بريطانيا لدى لبنان طوم فلتشر، فهذا الديبلوماسي الناجح يقرأ وقائع المرحلة القائمة حالياً في المنطقة بأسلوب مختلف عما أصبح مألوفاً ومتداولاً.

وفي سبيل إنعاش ذاكرة البعض علينا القول إن «تفاهمات سايكس بيكو» عقدت بين الجانبين البريطاني والفرنسي لكن الطبعة الجديدة لهذه التفاهمات ستتبدل وتتغير ويقول السفير فلتشر في هذا الشأن:

«قد يأتي وقت يكون فيه مكان لمحادثات تؤدي إلى سايكس بيكو جديد رقم 2، لكن الخريطة الجديدة للمنطقة ستقوم على أساس اتفاق بين الإيرانيين والسعوديين أو بين الأميركيين والروس، ولن يكون الاتفاق بريطانياً – فرنسياً».

وحول الوضع القائم في سورية وتطوراته المرتقبة للآتي من التطورات، يقول السفير البريطاني في بيروت:

«في لبنان قد يحل الإيرانيون محل السوريين في «الطائف 2»، ويضيف: لا يوجد تفاهم دولي في شأن إقامة منطقة حظر جوي داخل سورية، لكن من المهم حفظ مقومات الدولة السورية، والاستفادة من دروس التجربة العراقية وبخاصة الخطأ الكبير الذي ارتكب بحل الجيش العراقي».

وبموجب الدقة الإنكليزية المعروفة يستخدم السفير فلتشر بعض التعابير المحددة التي يجب التوقف عندها، ومن ذلك قوله مثلاً «من المهم حفظ مقومات الدولة السورية والاستفادة من أخطاء التجربة العراقية وبخاصة حل الجيش العراقي. وكأنه يدعو إلى عدم انهيار الدولة السورية بكاملها، والإبقاء على مقومات الجيش السوري، لأن انهيار سورية كدولة، وكجيش ستكون له عواقب وخيمة. ولعله من هذه المنطلقات يمكن فهم بعض التردد الغربي في اتخاذ قرارات حاسمة لدعم المعارضة السورية حيث لم تتولد بعد الثقة الكاملة في الثائرين على نظام بشار الأسد.

وبمحاذاة كل ذلك يجري العمل على إعداد ما يعبر عنه بـ «جنيف 2»، وما يعقد الأزمة الماثلة حتى الآن الخلاف حول موقع الرئيس بشار الأسد، فالولايات المتحدة ومعها بعض دول أوروبا تصر على عدم وجود الأسد في لعبة الحل، فيما تصر روسيا والصين وبعض الدول الأخرى على ترك مصير بشار الأسد إلى ما يقرره الشعب السوري في الانتخابات المقبلة والمقررة لعام 2014.

وبعد…

أولاً: في ضوء كل ما يجري في سورية فإن الدول المتضررة من أهل الجوار هي لبنان أولاً ثم الأردن أو بالعكس. ذلك أن تدفق سيول اللاجئين والنازحين عبر الحدود إلى الداخل اللبناني أوجد حالة من القلق الشديد من تداعيات مثل هذا التطور، ليس فقط لجهة تأمين الحاجات المعيشية الضرورية فحسب، بل يعجز لبنان عن التحكم بهذه الأعداد الهائلة من اللاجئين وطالما أن الدوائر الدولية المعنية تتحدث عن ارتفاع عدد اللاجئين للشهور القليلة المقبلة فهذا يعني أن الحرب في سورية مستمرة إلى أجل غير مسمى.

وغني عن القول إن «الانقلاب الديموغرافي» الذي يحدثه وجود هذه الأعداد الهائلة من النازحين على الداخل اللبناني فمن غير المعقول أن يمثل اللاجئون ما نسبته ربع سكان لبنان، بخاصة أن الدول القادرة على تقديم المساعدات الإنسانية، تقدم هذه المواد بـ «القطارة».

وقد وجه لبنان الكثير من النداءات عبر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لمساندة العالم للبنان في هذه الظروف الصعبة. لكن «الملايين» التي أعلن عنها حتى الآن لا تكفي لمواجهة احتياجات الحياة الأساسية للنازحين. خصوصاً إذا كانت الفترة الزمنية ستطول كما يدل الكثير من المؤشرات.

ثانياً: إن الأزمات المحيطة بالواقع اللبناني من كل جانب تجعل المخاوف تتزايد من الآتي من التطورات في الأيام والأسابيع المقبلة. ذلك أن ما يجري في لبنان بين مختلف اتجاهاته «فصائله» ليس خلافاً سياسياً فحسب، بل هو أزمة وطنية بكل ما يعنيه هذا التعبير وإذا لم ينتبه اللبنانيون إلى خطورة ما يجري من حولهم والتأكد من أن لبنان لا يمثل في هذه الآونة أولوية مطلقة في الحسابات الدولية لوجب على أصحاب الحل والربط أو من تبقى منهم التخلي عن الأنانيات وعن البطولات الوهمية وإدراك الحد الأدنى من «التوحد الوطني» وتداعيات عدم التوصل إلى التفاهم الوطني وليس فقط السياسي.

فيا أهل الحل والربط ومن تبقى منهم في لبنان، تنادوا إلى التلاقي والاتفاق على مصير الوطن… قبل أن يجتمع «الآخرون» ويقرروا عنكم ولكم.

أم أنه كتب على اللبنانيين وكتبوا هم على أنفسهم أن يتجهوا إلى حرب أهلية كل عشر سنوات؟

* إعلامي لبناني

الحياة

هل نذهب إلى جنيف؟

                                            عبد الجليل زيد المرهون

في السابع من مايو/أيار 2013، اتفقت الولايات المتحدة وروسيا على عقد مؤتمر دولي لإنهاء الحرب و”منع تفكك سوريا”. وقد أعلن الاتفاق كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف بعد محادثات في موسكو، التقى قبلها كيري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

كيف حدث الالتقاء الأميركي الروسي؟

يهدف المؤتمر المزمع عقده إلى إحياء اتفاق جنيف، المعروف أيضاً بـ”بيان جنيف”، الذي جرى التوصل إليه في يونيو/حزيران 2012، ولم يجد طريقه إلى التنفيذ، بسبب عدم حسم مسألة مصير الرئيس السوري بشار الأسد.

وقد رأى الوزير كيري أن القوى الكبرى لها “مصالح مشتركة مهمة للغاية”، تدفعها للسعي إلى إيجاد تسوية سياسية، وأن البديل عن هذه التسوية هو اقتراب البلاد أكثر من الهاوية، و”ربما تفكك سوريا”.

والسؤال هو: لماذا ذهب الأميركيون والروس في هذه اللحظة إلى بيان جنيف، وأشاروا إليه باعتباره “خريطة طريق” لمقاربة الحل في سوريا؟ هناك أسباب مختلفة يبدو أنها دفعت، منفردة أو مجتمعة، إلى اللقاء الأميركي الروسي على بيان جنيف.

أول هذه الأسباب يتمثل في تحييد الضغوط التي يواجهها الرئيس الأميركي باراك أوباما من أجل التدخل عسكرياً في الأزمة. وهذه الضغوط نابعة، بالدرجة الأولى، من قيادات الحزب الجمهوري، في حين تشير استطلاعات الرأي إلى غالبية أميركية معارضة للتورط العسكري.

وفي الأصل، فإن الخيار السياسي ينسجم مع رؤية الرئيس أوباما لمبدأ التعددية في العمل الدولي. ولنتذكر أيضاً أن أوباما انتخب لأول مرة بناءً على وعده الشعب الأميركي بالسلام، وإعادة الجنود للوطن، والتصدي للتحديات الاقتصادية التي أفرزتها سنوات الحرب.

وثاني الأسباب، التي يُمكن افتراضها الآن، يتمثل في إدراك كل من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين أن البيئة الجيوسياسية للنزاع قد اتجهت إلى مزيد من التعقيد، وأن الوضع في البلاد بدأ يتجه إلى صورة الاشتباك المتعدد الأطراف، الذي تصعب السيطرة عليه، والذي قد يضع سوريا ذاتها على طريق التفكك والتجزئة.

ثالث أسباب اللقاء الأميركي الروسي على بيان جنيف، يتمثل في عدم استقرار اتجاهات المشهد العسكري على الأرض، حيث تتقلب موازين القوى، على نحو يتعذر معه تحديد أين تقف الأطراف المختلفة.

السبب الرابع يتجسد في الخشية الأميركية من أن قوى راديكالية بعينها قد باتت ذات مكانة ونفوذ في سوريا الراهنة، وأنها قد تستفيد من نفوذها المستجد من أجل تعزيز دورها في دول ومناطق أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة ذاتها.

على خلفية ذلك كله، يُمكننا فهم الحرص الأميركي على الذهاب نحو خيار التسوية السياسية. وبالطبع، ليس صحيحاً القول إن لقاءات كيري في موسكو كانت مجرد مناورة أميركية.

عناصر اتفاق جنيف

ودعونا الآن نرى ما هو بيان جنيف؟ في يونيو/حزيران 2012 وصف المبعوث الدولي والعربي السابق إلى سوريا كوفي عنان بيان جنيف بأنه “عبارة عن اتفاق على مبادئ مسار انتقال سياسي، يتحكم فيه السوريون”.

صدر هذا البيان عن اجتماع احتضنه مقر الأمم المتحدة في جنيف، وضم وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، والعراق وقطر والكويت وتركيا، والأمين العام للأمم المتحدة، والأمين العام لجامعة الدول العربية، والمبعوث الدولي إلى سوريا، وممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.

قال بيان جنيف، في بنده الرابع، إن مجموعة العمل اتفقت على “مبادئ وخطوط توجيهية للقيام بعملية انتقالية سياسية، تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري”. وحدد البند الخامس من البيان معالم العملية الانتقالية على النحو التالي:

أ- تتيح منظوراً مستقبلياً يُمكن أن يتفق عليه الجميع في سوريا.

ب- تُحدِّد خطوات واضحة وفق جدول زمني مؤكد نحو تحقيق ذلك المنظور.

ج- يُمكن أن تنفَّذ في جو يكفل السلامة للجميع ويتسم بالاستقرار والهدوء.

د- يمكن بلوغها بسرعة، دون مزيد من إراقة الدماء، وتكون ذات مصداقية.

أما خطوات إنجاز العملية الانتقالية، فقد جرى تحديدها على النحو التالي:

أ- إقامة هيئة حكم انتقالية، يُمكنها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية السياسية، وأن تمارس كامل السلطات التنفيذية. ويمكن لهذه الهيئة أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة، ومن المجموعات الأخرى. ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة.

ب- الشعب السوري هو من يقرر مستقبل البلاد. ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع ومكوناته من المشاركة في الحوار الوطني.

ج- يُمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومة القانونية السائدة حالياً. وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء الشعبي العام.

د- بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات، حرة ونزيهة وتعددية، لشغل المؤسسات والهيئات التي جرى تأسيسها.

وقالت الوثيقة إن أعضاء مجموعة العمل يعارضون “أي زيادة في عسكرة النزاع”، ويدعون الأطراف المختلفة لأن تكون جاهزة لتقديم “مُحاورين فعليين”، لتعجيل الوصول إلى تسوية “بقيادة سورية”. وأن تكون العملية شاملة، كي يتسنى إسماع آراء “جميع مكونات المجتمع السوري” فيما يتعلق بصوغ التسوية السياسية، الممهدة للعملية الانتقالية.

ودون حاجة لمزيد من التفصيل، يُمكن القول إننا بصدد وثيقة تاريخية على قدر كبير من الأهمية السياسية والقانونية، والسؤال هو: لماذا ظلت هذه الوثيقة طي النسيان لنحو عام من الزمن؟

 تلقائياً، تحال الإجابة إلى العبارة التي تقول إن الهيئة الانتقالية المزمعة “يجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة”. هذه العبارة فسّرها الروس على أنها تصريح بمشاركة كافة الشخصيات السورية في العملية الانتقالية، بما في ذلك الرئيس السوري بشار الأسد وأفراد دائرته الضيقة. في المقابل، رفض الأميركيون هذا التفسير، ومعهم بقية القوى الغربية، كما رفضته أطراف المعارضة السورية ذاتها.

كيف تحوّل المسار؟

لقد ظل الروس على موقفهم، وإن كرروا عبارة أنهم غير متمسكين “بأفراد معينين”، في إشارة إلى الرئيس السوري. الأميركيون استمروا في القول إنهم لا يرون مكاناً للأسد في أية حكومة انتقالية. لكنهم قالوا لاحقاً –وهذا هو الجديد– إنهم لا يمانعون في أن يكون طرفاً في الحوارات الممهدة للعملية الانتقالية. إذاً، ثمة تغيّر ناعم قد حدث للتو في المقاربة الأميركية.

وفي الأصل، كان الوزير كيري واضحاً في القول إنه من دون القبول بذلك فإن سوريا قد تكون في طريقها إلى التفكك، وإن ملايين إضافية من الناس قد يكونون في طريقهم إلى المعاناة.

ولكن ماذا عن روسيا، هل ثمة ثمن دفعته مقابل هذا التغيّر الناعم في الموقف الأميركي؟ إضافة للحسابات الأميركية التي سبقت الإشارة إليها، فإن واشنطن ربما تكون قد حصلت من الروس على مقابل ما، يتصل بسوريا ذاتها، أو بقضايا أخرى في الساحة الدولية. وما يُمكن ترجيحه اليوم هو أن الأمر لا يرتبط بسوريا، بل بالجيوبوليتيك الدولي عامة. وهل هذه صفقة سياسية؟ الأمر ليس كذلك، بل هو نوع من التفاهمات العامة، التي تفرضها التحديات المشتركة.

إلى أين نحن ذاهبون؟

والسؤال الآن هو: هل سيعقد مؤتمر جنيف الثاني، الذي وعد به الوزير كيري؟ هذا ما يُريده الأميركيون والروس، وما تريده دمشق حليفة موسكو.

ولكن ماذا عن المعارضة السورية؟ لم تشارك المعارضة في مؤتمر جنيف الأول عام 2012، وكان ذلك خطأ في التقدير الدولي. اليوم هي مدعوة أميركياً وروسياً لمؤتمر جنيف الثاني، الذي سيكون عقده نتاج توافق دولي نادر، فإما أن تذهب وتقول ما تريد، وإما أن ترفض وتتعامل لاحقاً مع معطيات ليست طرفاً في صياغتها. بل حتى إذا قدر للمقاطعة أن تفشل المؤتمر من أساسه، فتلك أيضاً نتيجة سياسية لها تبعاتها المختلفة، التي قد لا تكون حميدة على أهلنا في داخل البلاد وخارجها.

وقد يقول قائل إن مستقبل بلادنا تصنعه التطوّرات على الأرض. وهذا صحيح من حيث المبدأ. ولكن الصحيح أيضاً هو أننا لسنا في جزيرة معزولة، فهناك حراك دولي وإقليمي يؤثر علينا بأشكال مختلفة، وإذا كنا حريصين على تحديد صورة الداخل باتجاه إيجابي، فالأولى أن نسعى للتأثير على هذا الحراك.

ومن هنا، نحن نرى أن المشاركة في مؤتمر جنيف تمثل فرصة لا ينبغي تفويتها على شعبنا. وعلينا أن نستهدي بتجارب العالم من حولنا، ففيها قدر كبير من العبر، التي تساعدنا على قراءة الموقف قراءة متأنية لا انفعال فيها.

ونحن جميعاً ندرك اليوم أن أي وفد يذهب إلى جنيف لن يُعبر منفرداً عن كافة القوى والفعاليات الوطنية. بيد أن الحوار لا يدور في جوهره بين مجموعة أطراف بل بين طرفين، هما السلطة والمعارضة. لذا لا بد أن يكون هناك وفد ذو تمثيل عريض لكافة القوى والفعاليات الوطنية، وقادة الرأي العام، في الداخل والخارج. وهذه مهمة ليست سهلة، لكنها بالتأكيد غير مستحيلة.

لا بد أن يتحرك الجميع على هذا الأساس، إذ إن البديل عن الاتفاق بين القوى الوطنية هو فشل المؤتمر، بل ربما عدم عقده من الأساس. من جهته، فإن المجتمع الدولي معني بالدفع باتجاه التسوية السلمية، على النحو الذي يوفر على شعبنا المزيد من التضحيات، ويضع حداً لمعاناة طال أمدها.

الجزيرة نت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى