صفحات الناس

تنظيم «الدولة» في البادية السورية وريف السويداء يجند الأطفال في صفوفه قسرا/ نور رضوان

 

 

ريف السويداء ـ «القدس العربي»: لا تخرج من منطقة بير القصب الواقعة جنوب مطار دمشق الدولي، والتابعة لمحافظة ريف دمشق والريف الشرقي لمحافظة السويداء أي أخبار أو معلومات رغم الأحداث الكثيرة والخطيرة التي تشهدها المنطقة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة منذ مطلع 2015 بعد ان استطاع التنظيم طرد فصائل الجيش الحر التي كانت تتواجد في تلك المنطقة البالغة الأهمية. فتلك المنطقة هي الطريق إلى محافظتي درعا والسويداء في إتجاه وسط سوريا وشمالها، وصلة وصلهما مع محافظة حمص ودير الزور والقلمون الشرقي «طرق تحت سيطرة المعارضة» كما أنها صلة وصل بين فصائل الجيش الحر في القلمون الشرقي وفصائل الحر في محافظتي درعا والقنيطرة التي تنتمي جميعها إلى الجبهة الجنوبية «فصائل المعارضة المعتدلة».

منذ ذلك التاريخ بدأ تنظيم الدولة في تثبيت أركانه في تلك المنطقة ومحاولة التمدد إلى القلمون الشرقي والوصول إلى الغوطة الشرقية في ريف دمشق، ومحافظة درعا تحديداً هي واحدة من الأهداف المعلنة للتنظيم.

البحث عن مقاتلين جدد

مع توسع التنظيم في تلك المنطقة المترامية الأطراف والتي يتألف معظمها من صحراء قاحلة وتلال بركانية، ظهرت أكبر التحديدات بالنسبة للتنظيم وهي النقص الكبير في أعداد المقاتلين، فبدأ في البحث عن مقاتلين جدد، ولربما غاب عن ذهن التنظيم ان تلك المناطق تحتاج إلى أعداد كبيرة من المقاتلين لحمايته وفرض السيطرة عليها بشكل دائم. ويسكن تلك المناطق أعداد قليلة من البدو، وبالتالي فان عدد الذين سيلتحقون في صفوفه ومعاركه كمقاتلين سيكون قليلا. فبدأ التنظيم في الشهور الأولى من عام 2015 بسياسة الترغيب مع عشائر المنطقة وسكانها لاستمالتهم ومبايعته، فبدأ بمحاسبة اللصوص وقطاع الطرق وحل الخلافات العشائرية في المنطقة وإقامة مراكز طبية وأفران للخبز، وتوزيع مبالغ مالية على فقراء المنطقة التي لم يكن يقدم لها نظام الأسد الأب والأبن أي خدمات، مما نتج عنها بيعة قسم كبير من العشائر المتواجدة في المنطقة التنظيم. كما كان سكان تلك المنطقة يبحثون عن جهة تحميهم من عودة جيش نظام الأسد إليهم مرة أخرى. خصوصا أن جيش النظام كان يستخدم مناطق ريف السويداء الشرقي وتحديدا تل أصفر قبل انطلاق الثورة السورية معسكراً لإقامة التدريبات العسكرية بالذخيرة الحية، التي كانت تسبب لسكان المنطقة الحرمان من بعض المراعي التي يطعمون منها مواشيهم وتهدد بقائهم في مناطقهم فيما يشبه حضر التجوال حتى انتهاء تلك التدريبات التي كانت تتكرر كل ثلاثة أشهر.

تعيش في تلك المناطق عشيرة الحسن وتتفرع منها العشائر التالية: «المزودة ـ المطلق ـ الدكاك ـ البصير» وكانت تلك العشائر تعتمد على تربية المواشي وخاصة الأبل وبعض الأغنام، كما أن بعضها كان يعمل في قضايا التهريب بين سوريا والعراق والأردن وبالعكس، خاصة ان سكان تلك المناطق لديهم معرفة كبيرة بالطرقات في الصحراء والبادية.

أطفال يتطوعون

في مطلع نيسان/ابريل من عام 2015 فتح تنظيم الدولة في منطقة بير قصب باب التطوع لكسب مقاتلين جدد للقتال في صفوفه، فبادرت أول دفعة من أبناء عشائر المنطقة إلى التطوع في مراكز التنظيم. كان من بين المتطوعين أطفال بلغ عدد المنتسبين للقتال منهم حوالي 40 طفلا نصفهم دون سن 16 عاما. كان الأطفال يقبلون على مركز التطوع بدافع الحماس الذي يغذيه إعلام التنظيم عن قوته وانتصاراته وبعضهم كان يطمح لراتب الـ 150 دولارا أمريكيا الذي يقدمه التنظيم لعناصره شهرياً مما خلق عند بعض الأطفال شعور بالنضج كونه أصبح رجلا ناضجا قادرا على تأمين احتياجاته الشخصية دون طلب المساعدة المادية من ذويه. ونظرا لعدم وجود مدارس والغياب التام لأئمة المساجد، إفتتح التنظيم المساجد كمدارس للتعليم والتي كان يركز فيها دائما على فضل الجهاد وما ذكر في القرآن الكريم عن ثواب المجاهدين لإستغلال عاطفة الأطفال وتشجيعهم على الإنضمام، وحتى من لم يذهب إلى تلك المدارس كانت منشوارت التنظيم «المطويات» تصل إليه، إذ صار التنظيم يوزعها على جميع القرى التي تقع في مناطق سيطرته والمنشورات تمجد الجهاد وتستطرد في فضيلته أيضاً.

في تاريخ 20/4/2015 تم جمع الراغبين في التطوع وأبلغوهم أنه سيتم نقلهم إلى منطقة «خنيفيس» الواقعة في بادية تدمر للخضوع لدورة شرعية مدتها عشرة أيام، وبالفعل تم نقلهم إلى منطقة «خنيفيس» وخضعوا لدورة شرعية في أحد مراكز التنظيم هناك، حيث تم تحفيظهم بعض سور القرآن الكريم وتعليمهم أيضا نقائض الإسلام العشرة وهي القاعدة الأساسية في تكفير باقي فئات المسلمين عند تنظيم الدولة. وبعد انتهاء الدورة الشرعية بتاريخ 1/5/2015 تم إعادتهم لمنطقة «بير قصب» حيث معسكر تدريب وخضعوا لدورة تدريبية على السلاح الخفيف والمتوسط مدتها 10 أيام فقط وذلك بسبب الخبرة المسبقة التي يمتلكها البدو في استخدام الأسلحة ولحاجة التنظيم الماسة للمقاتلين على جبهاتها في القلمون الشرقي حيث كان يحاول السيطرة على كامل القلمون الشرقي والوصول إلى مقاتليه وإمدادهم في القلمون الغربي. وتم تخريج الأطفال كمقاتلين، وبث المكتب الإعلامي لولاية دمشق التابع للتنظيم فيديو بتاريخ 12/5/2015 يظهر عرضا عسكريا لتخريج المقاتلين تحت أسم «معسكر أهل العزم» .

بعد تخريج هذه الدورة انخفضت نسبة المتطوعين في صفوف التنظيم من أطفال عشائر المنطقة بشكل كبير، ويرجع ذلك إلى سياسة الترهيب التي بات التنظيم يتبعها مع أهالي المنطقة من إقامة للحدود وإعدامات، لتصل بإعداد فردية بمعدل 5 متطوعين كل شهر.

كما أن التنظيم أسند إلى الأطفال الذين تخرجوا من المعسكر التدريبي مهام الاقتحام، وهي المهام الأصعب والأخطر على الإطلاق وزج بهم للسيطرة على جبال القلمون الشرقي والتي يتمركز فيها مقاتلو الجيش الحر والذين يمتلكون خبرة طويلة في القتال مع قوات النظام ومقاتلي الدولة أيضا، مما أدى إلى مقتل وجرح العديد منهم. وبث ذلك الرعب بين باقي أطفال وأهالي الأطفال من خطورة الحرب التي يدفعهم إليها التنظيم، كما أن أهالي تلك المناطق لم يكونوا يعتبروا أبناء القلمون الشرقي أعداء لهم وذلك ساهم في أنخفاض اعداد المنتسبين إلى صفوف تنظيم الدولة.

ارغام واعتقالات

وبسبب خسائر التنظيم من المقاتلين أصدر أمير التنظيم في «بير قصب» المدعو أبو عبادة التونسي قرارا يقضي بسحب كل من يقدر على حمل السلاح من سن 16 عام حتى 40 عاما للقتال في صفوف التنظيم بعد الخسائر التي بات يتلقاها على جبهة القلمون الشرقي في معاركه مع الجيش الحر هناك. وقام عناصر التنظيم باعتقال حوالي 35 شخصا من أبناء المنطقة معظمهم دون سن 18 عاما وتم نقلهم على الفور إلى مدينة الرقة ومن ثم إلى مكان مجهول وانقطعت الأخبار عنهم ولم يتحدث أحد منهم منذ ذلك الوقت مع ذويه، ما أثار غضبا كبيرا في صفوف العشائر في المنطقة بسبب هذا القرار ليتراجع عنه التنظيم بداية شهر اشباط/فبراير الماضي.

وقتل من عناصر التنظيم الجدد في منطقة «بير قصب» فقط تسعة أطفال دون سن الثامنة عشرة استطعنا توثيق اسماء ثلاثة منهم.

فريج الدكاك، من قرية «شنوان» يبلغ من العمر 17عاما. قتل في منتصف عام 2015 أثناء محاولة الفصائل المحلية في السويداء التابعة لمشايخ الكرامة في بلدة شقا والجنينة اقتحام معاقل تنظيم الدولة في تل صعد.

رداد الدكاك، من قرية «شنوان» يبلغ من العمر 15 عاما قتل مطلع العام 2016 في مواجهات مع فصائل «الجيش السوري الحر» في القلمون الشرقي.

حمود البصير، من قرية «رجم الدولة» يبلغ من العمر 16 عاما قتل مطلع العام 2016 أيضا في مواجهات مع فصائل «الجيش السوري الحر» في البادية السورية بالقرب من القلمون الشرقي.

سعيد السحيمان، ويبلغ من العمر 17 عاما ظهر في صورة من مقطع فيديو بثه تنظيم الدولة في شهر نيسان/ابريل الماضي بعد إسقاط طائرة حربية لقوات النظام السوري شرق تل دكوة وهو من أبناء العشائر.

غالبية ذوي الأطفال لا يجرؤون على مطالبتهم بالابتعاد عن المساجد التي يسيطر عليها التنظيم كما لايدعونهم للإنشقاق عن التنظيم لأن ذلك يكلفهم حياتهم. ويحاول التنظيم كسب الاهالي بغض النظر عن إنضمام أحد أبنائهم أو إخوتهم للقتال في صفوفه ويسمح لهم بتجارة الأسحلة والتهريب كما يسهل لهم العبور عبر حواجزه المنتشرة في مناطق سيطرته والتي تستغلها عائلات المقاتلين بنقل النازحين السوريين من منطقة إلى أخرى أو إلى الحدود الأردنية أو التركية مقابل مبالغ مالية.

ويلتزم التنظيم بتقديم مبلغ 90 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 150 دولارا أمريكي شهريا لعائلة كل قتيل من مقاتلي التنظيم المنضمين إليه من أبناء العشائر في تلك المناطق في محاولة منه لكسب المزيد من المقاتلين مع العلم أن المبلغ المدفوع كرواتب للمقاتلين أو راتب لعائلة القتيل، لا يحصل عليه الكثير من السوريين حتى مقاتلي النظام الأسد.

تنظيم الدولة الإسلامية يتوسع في تجنيد الأطفال

يقول تقرير أمريكي بثته محطة «بي بي سي» الإخبارية إن عدد الأطفال الذين لقوا حتفهم وهم يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية قد تضاعف العام الماضي مقارنة بتقدير سابق.

وقد درس باحثون بجامعة ولاية جورجيا دعاية تنظيم الدولة الإسلامية على مدار 13 شهرا.

وزعمت الدعاية أن 89 صبيا تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاما لقوا حتفهم في مواقع قتالية.

كما توصل الباحثون إلى أن عدد الأطفال الذي شاركوا في معارك العام الماضي تضاعف ثلاث مرات مقارنة بعددهم عام 2014.

وذكرت البيانات، التي أصدرها مركز مكافحة الإرهاب التابع للجيش الأمريكي في «ويست بوينت» أنه بين كانون ثاني/يناير 2015 وكانون ثاني/يناير 2016، لقي 39 في المئة من الصبية حتفهم في تفجيرات سيارات ملغومة و33 في المئة في معارك.

وقال تشارلي وينتر، أحد معدي التقرير، لبرنامج فيكتوريا ديربيشير:» بالتأكيد عدد من لقوا حتفهم أكبر بكثير، ولكن هؤلاء هم فقط من أعلن عنهم تنظيم الدولة الإسلامية خلال العام الماضي.»

الجنسيات

ورغم أن الدولة الإسلامية لم تعلن أسماءهم أو أي تفاصيل عن خلفياتهم، إلا أن الباحثين استطاعوا تقدير أعمارهم وجنسياتهم.

ويعتقد الباحثون أن 60 في المئة منهم تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاما، بينما 6 في المئة تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاما.

ونحو 18 في المئة من الصبية لقوا حتفهم في هجمات لا أمل لهم في النجاة منها ـ يطلق عليها إنغماسي ـ حيث «ينغمس» الصبي خلف خطوط العدو ويفتح النار علنا عليه حتى يلقى الصبي مصرعه.

وتم تصنيف أحد أصغر الانتحاريين باعتباره في فئة «قبل المراهقة» بين 8 و12 عاما، ولقي حتفه الشهر الماضي في محافظة حلب في هجوم انتحاري على هدف للمتمردين. ونشرت الدولة الإسلامية صورته وهو يودع والده.

وألقى التقرير بعض الضوء على حجم حركة الأطفال بين العراق وسوريا، حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة.

فأكثر من نصف القتلى في العراق، ولكن أغلبهم من السوريين. وهذا يبين أن تنظيم الدولة الإسلامية قادر على تدريب الأطفال المقاتلين في سوريا ثم نشرهم في العراق.

وجاء القتلى الآخرون من اليمن والسعودية وتونس وليبيا وعدد قليل من بريطانيا وفرنسا واستراليا ونيجيريا.

ويشير التقرير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم الأطفال إلى جانب الكبار، بدلا من استخدامهم في عمليات متخصصة.

وقال وينتر إنه لمن المدهش أن أطفال تنظيم الدولة الإسلامية وصبيتها يعملون ميدانيا بنفس أساليب الكبار.

وأضاف قائلا:«في النزاعات الأخرى، قد يتم اللجوء لاستخدام الجنود الأطفال كورقة استراتيجية أخيرة، أو كوسيلة لتعويض الخسائر البشرية في المعارك أو في عمليات متخصصة يكون فيها الكبار أقل فعالية. ولكن في حالة تنظيم الدولة الإسلامية فانه يتم استخدام الأطفال بنفس الطريقة التي يتم بها استخدام الكبار.»

وتابع قائلا إن عدد الأطفال الذين تجندهم الدولة الإسلامية يثير القلق.

وقال:»لا يمكننا تخيل عالم ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، إذا لم نفكر بعناية في كيفية تفكيك حشود هؤلاء الأطفال ونزع سلاحهم وإعادة دمجهم في حياة الطفولة العادية.»

ويضيف أنه «لا توجد أي نماذج سابقة لمنظمة متطرفة عنيفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية في استغلالها للأطفال على هذا النطاق الواسع.»

وأضاف قائلا:» وفيما يتزايد الضغط العسكري على تنظيم الدولة الإسلامية، أتوقع أن يتوسع أكثر في تجنيده للأطفال.»

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى