صفحات العالم

تهميش الدور التركي في الأزمة السورية

سميح إيديز

إن المحادثات التي جرت في الدوحة برعاية أميركية بهدف محاولة إنشاء كيان بديل عن «المجلس الوطني السوري» الحالي – الذي أثبت أنه بعيد كل البعد عن مجريات الأحداث وعديم الجدوى – لم تكن أخبارا سارة بالنسبة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أغلو.

تعد هذه المحادثات دليلا قويا آخر على فشل سياسة الرجلين بخصوص الملف السوري، على الرغم من كل الحديث عن «النفوذ التركي الإقليمي المتزايد»، فنحن بعيدون كل البعد عن تلك الأيام المثيرة عندما كان داود أغلو يصر على أن تركيا ستكون «اللاعب الرئيسي في سوريا».

أثبتت الأزمة السورية خطأ هذه الادعاءات، حيث تركت تركيا في المقعد الخلفي، بينما بدأت القوى الإقليمية (مصر وإيران) والقوى العالمية (الولايات المتحدة الأميركية وروسيا) في الظهور على أنها الدول التي من المحتمل أن تحدد نتيجة الصراع في هذا البلد.

يبدو أيضا أن هناك رسالة غير مباشرة موجهة إلى حكومة أردوغان في ظل حقيقة قيام واشنطن بالبحث عن قيادة جديدة للمعارضة السورية تكون أكثر تمثيلا للشعب السوري وأقل إسلامية من حيث المظهر.

إن زيادة أعداد العناصر الجهادية في سوريا، علاوة على التقارير التي تفيد بأن تركيا قد أصبحت تمثل ممرا لدخولهم إلى سوريا، ليست من بين الأشياء التي من المحتمل أن تلقى ترحيب ورضا واشنطن، فضلا عن أن الانحياز الكبير لـ«حزب العدالة والتنمية» تجاه جماعة الإخوان المسلمين السنية لدرجة استبعاد كل القوى الأخرى لم يمر هو الآخر مرور الكرام.

تشعر واشنطن بالحاجة إلى إعداد قيادة جديدة لسوريا، تضم بين صفوفها مواطنين سوريين علويين وأكرادا ومسيحيين وعلمانيين مناهضين للإسلاميين المتطرفين. لا توجد هناك أية ضمانات على نجاح هذا المسعى بالطبع، وهذا هو السبب الرئيسي وراء قيام أنقرة، من دون أدنى شك، باستخدام نفوذها على قيادة «المجلس الوطني السوري» الحالي لمنع حدوث تغييرات جذرية في محادثات الدوحة.

من الواضح أن الولايات المتحدة لا تريد أن تكون لها أي علاقة مع الأسد، ولكن بات من الواضح أيضا أن واشنطن لا تؤيد تبني نموذج «اجتثاث حزب البعث» على غرار ما حدث في العراق. وعلى الرغم من ذلك، لا تزال تركيا تعارض العناصر البعثية. بات من الجلي أيضا أنه عندما تحدث رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان عن «إرادة الشعب السوري»، كان يشير إلى الغالبية السنية من السكان في سوريا. أدى دعم أنقرة القوي لجماعة الإخوان المسلمين إلى تشويه صورة حكومة أردوغان في المنطقة بين الدول والمجتمعات غير السنية.

لقد ولت تلك الأيام عندما كان ينظر إلى أردوغان على أنه بطل في أعين كل المسلمين – بغض النظر عن مذهبهم – بسبب مواقفه القوية ضد إسرائيل، حيث أصبح العلويون والمسيحيون في سوريا وطهران وحكومة المالكي في بغداد وحزب الله في لبنان جميعهم ينظرون إلى أردوغان وداود أغلو بنظرة متزايدة من الريبة والعداء.

وحتى مصر ما بعد الثورة أصدرت بعض الإشارات التي تدل على أنها ليست على استعداد للسماح لتركيا بلعب دور «الأخ الأكبر» في منطقة الشرق الأوسط ذات الأغلبية العربية. لقد فقدت أنقرة كل المزايا المتعلقة بكونها لاعبا إقليميا محايدا وقوة ناعمة، والتي كانت تتمتع بها منذ أعوام قليلة ماضية.

لا يزال السنة والمتشددون وغيرهم الكثير يتوقعون الدعم التركي ضد أعدائهم في إسرائيل والعراق وسوريا وغيرها من المناطق بالطبع. ومن الواضح أيضا أن هناك قوى إقليمية وعالمية تريد أن ترى صورة مختلفة لما ترغب فيه أنقره في سوريا.

سوف تستمر حكومة أردوغان بالطبع في ارتداء قناع الشجاعة والإصرار على أنها تشارك بجدية في اجتماعات الدوحة التي تناقش المبادرة الأميركية. ومن جانبها، سوف تستمر واشنطن أيضا في الإشادة بـ«الدور المهم الذي تلعبه أنقرة في الإقليم»، بسبب مجموعة من الأسباب الموضوعية التي تجعل من الأهمية بمكان المحافظة على علاقات جيدة مع أنقرة.

تشير الصورة التي تتكشف تفاصيلها في الوقت الراهن إلى زيادة تهميش الدور التركي في ما يتعلق بالجهود المبذولة لحل الأزمة السورية، على الرغم من أن تركيا واحدة من البلدان الأكثر تأثرا بهذه الأزمة. ولكن يظل من غير المعلوم ما إذا كان هذا الأمر سيؤدي بحكومة أردوغان إلى مراجعة سياستها بشأن سوريا أم لا.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى