صفحات الرأي

ثغرات تضرب مواقع التواصل الاجتماعي وشوائب تُضعف الحرية وحماية الديموقراطية/ بيار أوميديار

 

 

حين بدأت مشروع «إيباي» قبل 22 عاماً، شعرت أنني أخوض اختباراً اجتماعياً وليس تجربة في عالم الأعمال. واليوم، يبدو عصياً التصديق أن مساعدة غرباء على الاتصال بواسطة الإنترنت كانت فكرة تقدمية ومبتكرة. وحينها، كانت التجارة على الخط (أونلاين) جديدة وعالماً مجهول المعالم.

وتجمع التكنولوجيا هذه (التجارة على الخط وقطاع التواصل الاجتماعي) البشر وتشد أواصرهم من جهة، لكن ربط المعلومات بالمال والتلاعب بالخبر والمعلومة يباعدان ويبثان الشقاق بينهم من جهة أخرى، فمن التدخل الأجنبي في الانتخابات الأميركية وصولاً إلى حملات ترمي إلى التشويش وبث الحيرة والتفريق (فرق تسد) في مسائل اجتماعية بارزة، وجدت مجموعات تسعى إلى اختراق نظامنا الديموقراطي والتأثير فيه، تربةً غنية في عالم مواقع التواصل الاجتماعي. ولكن آن أوان رحيل من لم يُدع إلى الحفل (آن أوان رحيل الدخلاء). وطوال أعوام، تلقى «فايسبوك» أموالاً مقابل نشر دعايات تعرف بـ «إعلانات سوداء»، وهذه أُرسلت فحسب إلى مستخدمين دون غيرهم انتخبهم معلنون. وتصادر سرية الإعلانات، حين تكون الإعلانات سياسية أو تزرع الخلاف والانقسام، فرص رد من تستهدفهم رداً في أوانه قبل نهاية انتخابات على سبيل المثال. والسرية هذه هي جسر دخلاء -مثل الحكومة الروسية- للتأثير في المواطن الأميركي والتلاعب به. ونشَرَ «فايسبوك» خطته لحماية الانتخابات المقبلة وتعزيز معايير شفافية الإعلانات المنشورة على صفحاته ومراقبتها. وهذا مسعى جاد، وأنا متفائل بعزم الشركة هذه على جبه نقاط ضعف منابرها. ولكن ولو أفلحت نظم الأمان الفايسبوكية، فلا تزال الدرب طويلة أمام معالجة التلاعب بمواقع التواصل الاجتماعي والتوسل بها إلى تقويض الشفافية والمحاسبة والثقة في الديموقراطية الأميركية. وترمي مجموعة أوميديار إلى الوقوف عند سبل دعم قيم الديموقراطية وحمايتها. وبدأ فريق من منظمتي، «ديموكراسي فاند» و «أوميديار نتوورك»، البحث في العلاقة بين وسائل الاتصال الاجتماعي والديموقراطية. وجمعت النتائج في ورقة بحث تسلط الضوء على 6 مجالات تهدد فيها مواقع التواصل الاجتماعي المُثل الديموقراطية:

1) غرف الأصداء والاستقطاب والمغالاة في الحزبية: تصميم بعض منابر التواصل الاجتماعي، في نواح كثيرة، يحاكي تعاظم حجم الإعلام الحزبي أو المنحاز في القنوات التقليدية. وهذا الإعلام صار من أبرز قنوات توزيع الإخبار. فتنشأ على منابر التواصل الاجتماعي فقاعة مليئة بأخبار من لون واحد وآراء متجانسة. فتقوض فرص بروز خطاب صحي، وتشيع وجهات نظر منحازة إلى جهة دون غيرها وتفتقر إلى الموضوعية والتنوع.

2) نشر معلومات كاذبة أو مضللة: المعلومات المضللة والخاطئة، وتسمى بـ «المعلومات الكاذبة»، تتفشى في قنوات التواصل الاجتماعي، وتتولى بثها أطراف عامة وخاصة. وتؤجج المعلومات الكاذبة هذه والمقتطفات المشوهة من معلومة الانقسامَ، فيتعذر على الناس وضع ثقتهم في ما يقرأون وفي المؤسسات التي يقرأون عنها.

3) الخلط بين الشعبية والمشروعية: ذيوع فكرة أن النقر على «لايك» (إبداء الإعجاب بما يقال) أو تناقل تغريدة على تويتر هما مقياس صدقية أو مشروعية أو تأييد شعبي لشخص، أو رسالته أو منظمته. وهذا الحسبان يرسي نظاماً مشوهاً أو مختل المعايير في تقييم المعلومة ويوحي بأن وجهات نظر ما شعبية. ويُفاقم أثر الخلط هذا تحديات التمييز بين آراء فعلية وتلك التي يضخها «ترولز» مولجون بالاستفزاز والعدوانية على الخط.

4) ومثل هؤلاء «الترولز» يتظاهرون بأنهم من عامة الناس، وانتخبتهم حكومات وقادة سياسيون سلاحاً لتحديد وجهة المناقشة على الخط. ونشرت الحكومات في تركيا والصين وإسرائيل وروسيا وبريطانيا آلاف العملاء الإعلاميين، فيدير واحدهم أكثر من حساب إلكتروني للمساهمة في قلب مواقف الرأي العالم أو السيطرة عليه.

5) التلاعب والاستهداف: يوجه دفة «اقتصاد الانتباه» (مقاربة الانتباه البشري على أنه سلعة) معلنون يتوسلون بأواليات لاستهداف جمهور دون غيره. ولا تظهر كل الرسائل هذه على صورة إعلانات ولا هي منشورة على الملأ في مرمى نظر من لا تستهدفه، وهذه حال إعلانات اشترتها روسيا على «فايسبوك». وهذا النموذج يفاقم الهوة بين الناشرين والصحافيين ويقوض عائدات مؤسسات الأخبار التقليدية -ويناط بها محاسبة النافذين- ويضعف حظوظها في الدوام والبقاء.

6) عدم التسامح والإقصاء وخطاب الكراهية: سياسات هذه المنابر تنفخ في خطاب الكراهية وجاذبية الإرهابيين والتحرش الجنسي والعرقي. وهذه الأجواء قد تثني المستهدفون بخطاب الكراهية عن المشاركة في النقاش العام. ونأمل في أن تساهم ورقة البحث هذه في سبر أثر التكنولوجيا هذه في الأمة الأميركية، وفي صوغ حلول ملموسة. وما تقدم تناوله ليس مسألة حزبية، وليس يسيراً على العلاج وليس في متناول أي كان وليس في متناول الحكومة تذليله. واقترح أن تتولى شركات التواصل الاجتماعي قيادة النقاش الحساس حول مستقبلها. وتمس الحاجة إلى سياسات جديدة لتأطير قطاع التجارة على الخط، وفي وسع شركات التواصل الاجتماعي المساعدة في سبر الأخطار الجدية على منابرها والمساهمة في تطوير وتحديد معايير وإجراءات حماية.

* مؤسس «إيباي»، عن «واشنطن بوست» الأميركية، 9/10/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى