صفحات مميزةميشيل كيلو

ثورة برؤوس متعددة!/ ميشيل كيلو

  من غرائب الثورة السورية انها نجحت في بناء قوة تدافع عنها ، لكنها فشلت في توحيدها او وضع حد لتبعثرها ، وانها تمكنت من تحرير اكثر من نصف بلادها رغم افتقارها إلى قيادة موحدة تنسق نشاط مكوناتها المقاومة والسلمية ، وتوفق بين حراك شعبها وقتال مقاوميها . 

  ومن غرائب الثورة نجاحها رغم لامركزيتها ، التي تعتبر ظاهرة استثنائية ، فالثورات لم تنتصر دون مركزية صارمة ، خاصة عندما تتنامي من الضعف إلى القوة ، وتنتقل من السياسة إلى الحرب ، ومن السلمية إلى العنف ، وتتوطد بعد هذا كله تحت انظار نظام بطاش يستخدم جيشه لسحق معارضة انتقلت من الارياف إلى المدن ، ثم من المدن إلى الارياف ، ومن المناطق الاقل تطورا إلى المناطق المتطورة نسبيا، رغم تبعثرها التنظيمي وتشتتها السياسي ، وضعف امكاناتها، وقلة مواردها ، وما يتعرض له شعبها من اقتلاع يطاول جذوره ، وشهدته من تغير حفل بانتصارات اعقبتها انتكاسات، وبانتكاسات تلتها انتصارات .

   على المستوى العسكري : هناك اليوم ثلاث جهات عسكرية “فاعلة” في الثورة ، مع ان بعضها معاد للجهتين الاخريين ورافض لاهدافهما . هذه الجهات هي : الجيش الحر ، والاسلاميون ، والاصوليون . اما الاول ، فهو ظاهرة تثير من الحيرة اكثر مما تقدم من اجابات تبعث على اليقين، لكونه اطارا افتراضيا لقوى متناقضة الرهانات مبعثرة الكيانات، لا تشكل باي معيار جيشا او كيانات في جيش . بينما يعد الاسلاميون العدة ليصيروا قوة مقررة وقائمة بذاتها على الارض ، ترغب في استيعاب الجميع : افرادا وتنظيمات . وقد انتقل الاسلاميون من التبعثر إلى التوحد خلال الايام الماضية ، مع تشكيل ما سمي “الجبهة الاسلامية” ، التي ابدت استعدادها لاحتواء من هم خارجها من قوى مسلحة ، بما في ذلك الجيش الحر ، إن تماه هؤلاء ايديولوجيا معها ، بينما قلص تشكيل الجبهة وزن الاصولية ، التي بقي أحد تنظيماتها الرئيسة ، داعش ، خارج الاطارين السابقين ، الامر الذي يطرح سؤالا مهما حول ما إذا كانت ستسعى خلال تعزيز وجودها خلال الفترة المقبلة عبر ضم تنظيمات اصولية اخرى إلى تحالف خاص بالاصولية  ؟. أم ستنتهج سبيلا مختلفة إلى اثبات وجودها كقوة ثالثة يؤكد نموها السريع خلال الاشهر القليلة الماضية أن كبح جماحها لن يكون امرا سهلا ، وانها ستقاوم احتواءها في صفوف الجبهة ؟. أم انها ستواصل احتواء غيرها من التنظيمات ، وخاصة الجيش الحر ، الذي يجد نفسه امام مهمة عاجلة ومتشعبة هي اعادة هيكلة صفوفه وبلورة جهاز قيادي متماسك وخبير يتولى تعظيم قوته ودوره ، وكبح داعش وتحجيمها ، والمحافظة على مواقعه في اماكن انتشار الجبهة ، التي تغطي مناطق واسعة من سوريا ؟.

  أما على المستوى السياسي ، فهناك ظاهرة لافتة برزت مؤخرا هي قيام التنظيمات العسكرية باعلان برامج سياسية تنكر شرعية الائتلاف الوطني ، وتعد بتقويض دوره في الحياة السياسية ومكانته داخل البلاد ، وتحويله إلى وكيل براني للخارج ترفضه أغلبية من مقاتلي النظام ، لا  تقر بتمثيله لها او تتفق مع التزامه الديمقراطي . هذه الظاهرة ، يزيدها خطورة أن الجيش الحر ، القوة المسلحة التي تساند الائتلاف ، يواجه تحديات جدية ، وان التطور السياسي / العسكري يقضم تدريجيا منظمات الثورة العسكرية والمدنية ، ويفسح المجال لسيطرة تنظيمات اسلامية واصولية تتبنى برامج سياسية تعادي الائتلاف والجيش الحر واهدافهما المعلنة ، التي تتلخص في تحقيق مطالب الثورة السلمية والمدنية : الحرية والدولة الديمقراطية / التعددية والنظام البرلماني .

  الى وقت قريب ، كان الواقع السياسي والعسكري يدور حول قطبية ثنائية طرفها الاول النظام والثاني الثورة. واليوم ، وبعد بروز التنظيمات الاسلامية والاصولية ، يبدو أننا نتجه نحو قطبية ثلاثية تتفاوت أحجام وادوار اطرافها، تضمر تناقضات وصراعات ستعيدنا مجددا إلى قطبية ثنائية لا نعلم بعد من سيكون طرفها الثاني ، إلى جانب النظام ، إلا إذا بقي الوضع الراهن على حاله ، او نجح الجيش الحر في بناء قوة وطنية جامعة تستقطب او  تحيد التنظيمات التي ترفض مطلبي الشعب السوري الرئيس : الحرية للمواطن والديمقراطية للمجتمع والدولة .

  قلت في بداية هذا النص: إن تحقيق انتصارات في ظل الانقسامات والتناقضات السائدة في ساحة المعارضة العسكرية والمدنية امر يحتاج الى توضيح لانه غير مألوف في الثورات، واضيف الآن : ان من المستحيل تحقيق انتصار حاسم على النظام في ظل الانشطار والصراع الراهن بين قوى تدعي جميعها مقاتلته ، إلا أن ما بينها من الخلافات والتناقضات ما يجعل انتصار اي منها بمفرده مستحيلا، وانتصارها مجتمعة رهنا بوحدتها، التي تبدو صعبة إن لم تكن مستحيلة !.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى