إياد الجعفريصفحات المستقبل

ثورة سورية ثانية/ إياد الجعفري

 

 

هل نكون مُسرفين في التوصيف، لو قلنا أننا أمام احتمال ثورة سورية ثانية، لو توافر الوعي الكافي لتحشيدها، وتوجيهها، بغية تحقيق غاياتها المرجوة؟

نتكلم تحديداً عن تظاهرات الغوطة الشرقية بريف دمشق، التي شهدتها الأيام القليلة الماضية، ووصلت مراحل متقدمة، يوم الجمعة، واضطرت فصائل مسلحة في الغوطة للنزول عند بعض مطالب متظاهريها.

من المعروف في الكثير من التجارب التاريخية، أن الثورة الأولى تتبعها ثورات أخرى، عادة ما تكون أكثر ترشيداً في الحراك والتوجيه، بحكم الخبرة المكتسبة من أخطاء الحراك في الثورة الأولى أو الثورات السابقة.

وعادة ما تكون الثورات الأخرى، تعبيراً عن وعي أكبر لدى الجمهور، وتستهدف النخب الحاكمة الجديدة، أو النظام القديم ذاته،  العائد إلى السلطة بعيد فشل الثورة الأولى.

في حالة الغوطة، وتظاهراتها الأخيرة، يمثل الحراك هناك تعبيراً عن استياء الحاضنة الشعبية للثورة، من أداء الثوار المسلحين تحديداً.

فصائل تحول أداؤها إلى مصالح ضيقة على أسس فصائلية، ولدت نزاعات، تنازل فيها الثوار، في بعض المواقف، للنظام، كي لا يتنازلوا لبعضهم.

الحراك الجماهيري الأخير في الغوطة، ليس تعبيراً عن غضب أهالي الغوطة فقط، بل تعبيراً عن غضب معظم السوريين المؤيدين للثورة، حيال أداء الفصائل المسلحة المعارضة، على كامل التراب السوري.

حتى الآن، بدا في حراك متظاهري الغوطة، بعدان إيجابيان، التصميم الذي تفاقم ليصل مراحل متقدمة يوم الجمعة الفائت، ووضوح الغايات والأهداف، بصورة تمنع الانحراف عنها باتجاه فوضى قد تنال من التماسك الهش للجبهات في مواجهة النظام.

الغايات والأهداف تُختصر في توحيد الفصائل، ووقف النزاعات، وإنشاء غرفة عمليات موحدة، وفتح معركة دمشق.

وهكذا، يُبدي الجمهور على الأرض وعياً أكبر من قادة الفصائل المسلحة، الذين غلبت عليهم النزعات المصلحية والفصائلية الضيقة.. فالخطر يتهدد آخر المعاقل الكبرى لمؤيدي الثورة، على تخوم دمشق، بالتهجير..

الفصائل المسلحة استشعرت مخاطر الغضبة الجماهيرية حيالها، فأزال بعضها سواتر وحواجز تقطع أوصال الغوطة، حسب مناطق سيطرة كل فصيل، في استجابة مبدئية لأحد مطالب المتظاهرين.

فيلق الرحمن، تعهد بمحاسبة مطلقي الرصاص الحي في الهواء، لتفريق المتظاهرين، مقراً بحق التظاهر، وبالموافقة المبدئية على مطالب المتظاهرين.

وهكذا، لو اكتنف الحراك التظاهري حالة من التصميم، وتواصل خلال الأيام القادمة، قد نكون أمام حراك قادر على تصويب وجهة الأحداث في محيط دمشق، وربما يتم استنساخ هذه التجربة في مناطق أخرى من سوريا، كـ درعا مثلاً.

لكن هناك محاذير يجب أن يراعيها المتظاهرون، أبرزها، عدم السماح لأي حدث بأن يحرف الحراك عن غاياته، بصورة تهدد مجتمع الغوطة بصراع داخلي، لذا يجب اعتماد السلمية مهما كانت الصعوبات والتحديات، ويجب التفاعل مع المبادرات الإيجابية للفصائل المسلحة، بإيجابية أيضاً، كي تصل الرسالة دقيقة إلى قادة هذه الفصائل.

اذا تحقق ذلك، وانتقل إلى مناطق أخرى من سوريا، حيث تهدأ الجبهات، وينعم قادة الفصائل بمكاسبهم المناطقية،.. اذا تحقق ذلك.. ربما نكون أمام ثورة سورية ثانية، يتمكن فيها الجمهور الثائر من إعادة الدفة إلى قبضته، فيصبح القائد، بدلاً من أن يكون المُقاد، وتصبح الفصائل المسلحة أداة للثورة، لا عبئاً على كاهلها، بصورة تجهضها في نهاية المطاف.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى