صفحات العالمنائل حريري

ثورة على المعارضة/ نائل حريري

 

نائل حريري

 ليس مستغرباً من رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب الحسني أن يعلن استقالته من الائتلاف بالتزامن مع انعقاد اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في الدوحة. الخطيب الذي كان قد أوضح بالفعل أكثر من مرة مدى إدراكه للدور الوطني المنوط به، أدلى الأحد بتصريحه الأهم في تاريخه: “عاهدت الله أنني سأستقيل إن وصلت الأمور إلى بعض الخطوط الحمراء، وإنني أبَرُّ بوعدي اليوم وأعلن استقالتي من الائتلاف الوطني” تاركاً كشف الخطوط الحمراء التي اعترضته في الدوحة إلى وقت لاحق.

 منذ تصريحاته الأولى التي عرفت باسم “مبادرة الخطيب للحوار” أعلن الخطيب وجود قوى تتآمر على سوريا وتسعى لزجها في حرب طويلة تستنزفها خلال سنواتٍ طويلة. ذهب الكثير من التحليلات في ذلك الوقت إلى أن الخطيب يتحدث عن قوى داخل المعارضة السورية ولا يقتصر تصريحه على القوى الخارجية وحسب. ومع تراكم الانقسامات في صفوف المعارضة السورية وقف الخطيب ضد مشروع الحكومة المؤقتة مما أدى إلى تأجيل إعلان المشروع ثلاث مرات انتهت بتحفظ حذر من قبل رئيس الائتلاف الذي قرر في نهاية المطاف “أن يفسح الطريق للائتلاف” دون إعلان موافقته الصريحة.

 الموقف الجريء لرئيس الائتلاف حرّض انقساماً طال تسويفه في صفوف الائتلاف الوطني، مع تسمية رئيس الحكومة المؤقتة جمد عدد من أعضاء الائتلاف عضويتهم احتجاجاً على سياسة فرض القرارات التي انتهجها جناح الإخوان المسلمين في الائتلاف. المستغرب أن الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري برهان غليون الذي تماشى مع المجلس الوطني في وقوفه ضد اتفاق توحيد المعارضة في بداية العام 2012 وقف اليوم مع المحتجين. الأيام التي تلت تسمية رئيس الحكومة كانت أياماً مليئة بالترقب أصر فيها بعض المنسحبين على مواقفهم فيما تراجع قسم آخر من أعضائه عن استنكافهم معلنين العودة إلى صفوف الائتلاف الوطني تتقدمهم سهير الأتاسي.

 أما الخطيب الذي أعلن في وقتٍ سابق أنّه “لا يعتبر نفسه رجل سياسة” وأكد على أنّه لن يدخر جهداً في “العمل على إسقاط النظام والحفاظ على الوطن السوري” يقف اليوم ليعلن عجزه عن تقديم ما هو أفضل عبر موقعه في الائتلاف الوطني، ورافضاً تمسكه بالمنصب الشكلي في الوقت الذي يسير فيه الفعل السياسي من القمة نحو القاعدة، ويقتصر دور المعارضة السورية على تمثيلها انعكاس علاقات القوى الدولية الراعية لها والمسيطرة عليها دون أن تتمتع بحرية القرار والفعل الوطني الصرف. افاد الخطيب في بيانٍ نشره الأحد أنّه يعاين “واقعا مراً وهو ترويض الشعب السوري وحصارُ ثورته ومحاولة السيطرة عليها”، ومن هنا يقدّم صورةً قاتمة عن الواقع السياسي الدولي للأزمة السورية: “من هو مستعد للطاعة فسوف يدعمونه ، ومن يأبَ فله التجويع والحصار. ونحن لن نتسوّل رضا أحد ، وإن كان هناك قرار بإعدامنا كسوريين فلنَمُت كما نريد نحن”.

باستقالة الخطيب من الائتلاف الوطني يفقد الائتلاف ذاته مصدر قوته، ليس فقط بسبب التأثير الكبير لشخصية الخطيب في الداخل السوري والخارج كذلك، بل أيضاً يرتبط الموضوع بأسباب استقالة الخطيب التي تكاد تكون بديهيةً غير معلنة لدى السوريين وإن كان الخطيب أول من يعلنها بالفم الملآن: “المناصب وسائل تخدم المقاصد النبيلة وليست أهدافاً” وما دامت الوسائل مقيدة يبدو الخطيب غير آبه بالتمسك به هدفاً خالياً من المضمون. المقارنة واجبة بين موقف الخطيب وموقف سلفه غليون بالنسبة للمجلس الوطني آنذاك، والذي انحاز إلى تطرّف المجلس الوطني في ذروة الحاجة إلى الانحياز لصالح وسطية توحيد المعارضة.

 الخطيب ما زال مصراً على رسالته التي ترأس الائتلاف لدعمها: “رسالتنا إلى الجميع أن القرار السوري سوف يتخذه السوريون، والسوريون وحدَهم”. حين وضعت هذه الرسالة موضع اختبار بالنسبة إلى الخطيب يبدو أنّه نجح في الاختبار الصعب واتخذ القرار الوحيد الذي ما زال بإمكانه أن يتخذه بنفسه، معلناً أنّ هذا الخيار سيمنحه حرية العمل خارج إطار المؤسسة أي أنّه تخلّى عن الائتلاف لا عن الثورة، مقدماً المثال الأبرز على أن الثورة ليست مقتصرةً على الائتلاف الوطني.

 ما دام الخطيب قد اتخذ قراره، تبقى أمامه فرصة في أن يكون أكثر شفافية ووضوحاً حول ما يدور في دهاليز المجلس والإئتلاف من تحالفات المصالح والارتباطات مع الدول الخارجية وظروف تشكيل الحكومة المؤقتة  وتوابع ما يجري في اجتماع وزراء الخارجية العرب، في ظل التساؤل المستمر في الداخل السوري عن سر ابتلاء الشعب بنظام ومعارضة لا تحترم توقه إلى الوضوح والمصداقيّة.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى