صفحات الثقافة

جبهات على صفحة واحدة

 


احمد بزون

الحدة التي نشهدها في وسائل الإعلام بين الزعماء السياسيين وأزلامهم لا تساوي شيئاً عن تلك الموجودة على «الفايس بوك». إذ صار لزاماً على من يريد معرفة درجة التوتر الفعلية بين الأطراف المتصارعة أن يستكشف ما يكتب على صفحات وجدران الفيس بوك.

كان عليّ منذ البداية أن أقبل في باب الصداقة مروحة واسعة من الاتجاهات، فلا أنتقي من يعجبني من الإعلاميين والكتّاب، ولا أرفض من أرى أنه يجلب وجع الرأس، فرأس كل لبناني، في أي حال، يتمايل تحت ثقل الهموم ذات اليمين وذات الشمال ليستمر في الحركة.

لذا، أفاخر بأن أصدقائي الستمئة على الفايس بوك من اتجاهات مختلفة، لكن البعض منهم يتعاطى مع البعض الآخر على أنه أكثر من خصم، لتصل الحوارات المتبادلة إلى نوع من التناحر العدائي. هكذا تقول اللغة التي يتحدثون بها، وتشي الشتائم، ومن المؤسف بالتالي أن نرى العبارات تنز دماً، فترى في أصدقائك على الموقع من لا تقلّ فاشيته درجة عن فاشية هتلر، ولا تنقص دمويته عن دموية تيمورلنك، فلكل الطغاة أحفاد على صفحات الفيسبوك، وهؤلاء الأحفاد «أصدقائي» مع الأسف.

ومع ذلك فأنا أحتاج إلى هؤلاء، فلا أرفضهم عندما يتقدمون بطلب إضافتهم إلى اللائحة، لا بل أبحث عنهم إذا لم يتقدموا هم بأنفسهم، ذلك أنني بت كلما حدث توتر في لبنان أو أي دولة ينتمي إليها أصدقائي، أبحث عن خطاباتهم وأصواتهم وحواراتهم الساخنة لأعرف المستوى الحقيقي للتوتر الطائفي أو السياسي بين الأفرقاء. ولأن الزعماء السياسيين يعرفون كيف يلعبون على الكلام ويلوّنون خطاباتهم الموجّهة إلى وسائل الإعلام، ويتفننون في إخراج أحقادهم ومصالحهم، فإن ما نقرأه ونراه على صفحات الفايس بوك بات أكثر إنباء وصدقاً وصراحة من الذي تضج به وسائل الإعلام التقليدية، على أن الفايس بوك صار وسيلة إعلامية جديدة بامتياز، بعيدة عن أي مصفاة أو تدوير زوايا.

لم يعد أحد يستخدم اليوم المثل القائل خذوا أسرارهم من صغارهم، عندما بات الفايس بوك موئلاً ومحطة واسعة للأسرار، يستخدمه العدو والصديق، وبات شعار «الحقيقة كل الحقيقة»، بل الحقيقة الفجة والناعمة، الفاجرة والمكنّاة، القاتلة والمحيية، وكل ما هنالك من صفات متصادمة… بات يطل بعد إشارة الدخول إلى بيت العنكبوت الضخم هذا، الذي ما إن تدخله حتى تعلق به وتتعلق، بسبب دِبْق المغريات الإعلامية، إذا تخلينا عن الكلام على مغريات أخرى.

هكذا تصبح الجبهات بين أصدقائي مفتوحة، جبهات من كل نوع، على صفحة واحدة. أما أنا فأمري محسوم، لا أتأرجح بين الطرفين، لأنني لا أستطيع أن أرتكز على شرفة أي منهما، إنما أنزوي متأرجحاً بين فرقعة الضحك وشهشقة البكاء.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى