بكر صدقيصفحات سورية

جردة تخمينية ببعض الحروب القادمة في سوريا/ بكر صدقي

 

 

نعم، لم نعد نكتفي بوصف وتحليل الحروب القائمة أو تلك التي انتهت، بل بات بإمكاننا في سوريا توقع المزيد منها، بناءً على أحدث المؤشرات. هذا يعني ضمناً أن كل حديث عن مساع أو خطط للوصول إلى حلول سياسية، في تصريحات ممثلي الدول الفاعلة على الحيز الجغرافي السوري، والمحيط الإقليمي القريب، لا تعدو كونها تمريكاً للوقت ومحاولة لحجب الرؤية عما يدور في كواليس السياسة الدولية.

كان المندوب الروسي في الأمم المتحدة واضحاً، بهذا الصدد، في الكلمة التي ألقاها في اجتماع مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء، حين عبر عن «حرد» موسكو من عواصم الضربة الثلاثية لمواقع النظام الكيماوي، واشنطن ولندن وباريس، قائلاً إن بلاده ستوقف أي تعاون معها بشأن استئناف مباحثات السلام حول الصراع السوري. بل ذهب أبعد من ذلك حين تقمص دور النظام الكيماوي الذي «لن يكون متحمساً للمشاركة في أي مباحثات سلام» كما قال. أراد الروسي، بهذه المطالعة، أن يقول إن الضربة الصاروخية المحدودة لن تكون لها نتائج سياسية، يعرف هو نفسه أن الغرب لا يسعى إليها أصلاً، عنيت بذلك جلب النظام الكيماوي، عنوةً، إلى طاولة مفاوضات جدية يقدم فيها تنازلات حقيقية تفضي إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 2254. وهكذا يترجم الروسي النتائج العسكرية الهزيلة للضربة بنتائج سياسية أكثر هزالة، ما لم يحدث ما يقلب الأمور باتجاهات أخرى. والحال أن هناك، على الأقل، مؤشرات لحربين أو ثلاث يمكن اندلاعها في أي لحظة:

أولاً، حرب إسرائيلية ـ إيرانية على الأراضي السورية (واللبنانية؟). ويمكن القول إن شرارتها الأولى قد اندلعت في العاشر من شهر شباط الماضي حين اخترقت طائرة استطلاع إيرانية مسيرة عن بعد المجال الجوي لإسرائيل، وتم إسقاطها، ليتبين لاحقاً أنها كانت مذخرة وفقاً للمصادر العسكرية الإسرائيلية، وإن كان من المستبعد أن يكون في نية الإيرانيين القيام بضربة أولى يمكن أن تستجر عليهم رداً إسرائيلياً مؤلماً. وقد كان الرد الإسرائيلي، آنذاك، فورياً، فقد قامت بقصف مواقع للقوات الإيرانية على الأراضي السورية، بواسطة طائرات حربية من طراز إف 16، أسقطت الدفاعات الجوية للنظام الكيماوي واحدة منها، في سابقة هي الأولى من نوعها بالنسبة لكل من إسرائيل والنظام المذكور معاً.

وفي زحمة تهديدات الرئيس الأمريكي، عبر تويتر، بالاقتصاص من النظام الكيماوي لاستخدامه مواداً كيماوية محرمة دولياً في قصف مدينة دوما، استبقت إسرائيل حصتها من ذلك الاقتصاص فضربت ضربتها لمطار تي فور العسكري شرقي مدينة حمص. وقتل في تلك الضربة سبعة إيرانيين بينهم ضابط كبير في الحرس الثوري. توعد الإيرانيون بالرد على هذه الضربة المؤلمة، فبات النظام الكيماوي في حالة من التوتر الدائم إلى درجة أن «إنذاراً كاذباً» أدى إلى إطلاق دفعة من صواريخ الدفاع الجوي باتجاه أهداف غير موجودة، على ما فهمنا من التغطية «الحصرية» للتلفزيون السوري لهجوم إسرائيلي جديد، لم يقع، على مطار تي فور المستخدم كقاعدة إطلاق لطائرات درون الإيرانية، بعد الهجوم الأول المتحقق بأيام قليلة.

وقد نشر الجيش الإسرائيلي «بنك أهداف» إيرانية على الأراضي السورية، هو عبارة عن خريطة تفصيلية للمواقع العسكرية التي تستخدمها إيران. كما أن إعلام الممانعة يروج، في الآونة الأخيرة، أن جيش النظام الكيماوي الذي انتهى من معركة الاستيلاء على الغوطة الشرقية، سوف يتوجه جنوباً نحو مواقع «الإرهابيين» في مناطق قريبة من الحدود مع إسرائيل والأردن. ثانياً، الصراع بين ثلاثي آستانة على محافظة إدلب ومناطق مجاورة سبق تأطيرها في «منطقة خفض تصعيد» تقيم عليها تركيا «نقاط مراقبة» لوقف إطلاق نار مفترض في إطار الخطة الثلاثية المذكورة. ومن المحتمل أن يشكل «الصراع الصغير» الدائر هناك، على بعض الجبهات، بين «هيئة تحرير الشام» (النصرة سابقاً) وخصومها في «جبهة تحرير سوريا» مدخلاً للحرب الكبيرة بين تركيا وإيران، هي الآن في حالة كمون، والمرجح ألا تتحول إلى حرب حقيقية بفعل الضغط الروسي على كلا البلدين، كما بسبب عدم رغبتهما في التورط في حرب مباشرة يكونان فيها معاً خاسرين. وأعني بالضغط الروسي، هنا، طرح حل وسط يرضي الشريكين، ربما بتقاسم أراضي المحافظة بينهما.

ولكن ماذا عن النظام الكيماوي الذي يريد بسط سيطرته على كامل المحافظة، حتى لو كان ذلك بميليشيات تابعة لإيران؟ هل سيقبل ببقاء قسم من محافظة إدلب المشرفة على الساحل بيد الأتراك؟ صحيح أن الروسي هو الذي يقرر، وليس الدكتاتور العاجز القابع في دمشق، لكن بقاء إدلب تحت سيطرة فصائل إسلامية بإشراف تركي يتعارض حتى مع التصورات الروسية للحل السياسي.

من هذا المنظور، قد تشكل إدلب حيث تم تجميع كل الفصائل المسلحة التي نزحت من الجنوب باتجاهها، إضافة إلى مليونين من المدنيين النازحين، لحظة شقاق تركية ـ روسية/ إيرانية، ينتظرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفارغ الصبر لملء الفراغ الأمريكي في المسار السياسي للصراع في سوريا. فالرئيس الفرنسي «القادم من المجهول» بالمعنى السياسي، يريد للمشكلة السورية أن تشكل منصة يطلق منها ملامح سياسية لعهده. نراه، في الآونة الأخيرة، كثير الكلام والتصريحات بشأن سوريا، إضافة إلى مشاركته في الضربة الثلاثية، وفتحه خطاً مع «قوات سوريا الديموقراطية» وتعزيز قواته في مدينة منبج. فهل ستسمح له شبكة التعقيدات الدولية باختراق ما؟

إضافة إلى منطقتي الصراعات المحتملة المذكورتين أعلاه، هناك خط القلمون المحاذي للحدود اللبنانية، وهي منطقة ذات أهمية حيوية لإيران وحزبها الإلهي في لبنان. وقد بدأ الضغط باتجاهها فوراً بعد انتهاء معركة الغوطة الشرقية.

وأخيراً هناك الجيب المتبقي تحت سيطرة فصائل مسلحة في الريف الفاصل بين مدينتي حمص وحماة، سيسعى التحالف الإيراني ـ الأسدي ـ الروسي إلى السيطرة عليه في الفترة القريبة المقبلة، للانتهاء من ترسيم حدود «سوريا المفيدة» تحت الحماية الروسية الدائمة. أما «سوريا المفيدة أكثر» شرقي نهر الفرات وفي الجنوب حول معبر تنف، حيث منطقة النفوذ الأمريكية، ففي الأفق جديدان مترابطان: رغبة أمريكية معلنة في الانسحاب العسكري الذي تم تأجيله حتى إشعار آخر؛ و«قوات عربية» مدعومة أمريكياً على ما «بشرتنا» به صحيفة وول ستريت جورنال، وتأكد في تصريح وزير الخارجية السعودي عادل جبير بشأن استعداد المملكة لإرسال قوات من «التحالف الإسلامي» إلى سوريا.

لا سلام إذن في الأفق السوري، بل حروب تتناسل حروبا.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى