صفحات العالميزن الحاج

جزاءاتٌ ظالمة: غزّة، سوريا والإيمان بعالمٍ عادل

 

جو موربي

ترجمة : يزن الحاج

          تتضمّن التجربة، ككثيرٍ من مثيلاتها في علم النفس الأميركيّ، صدماتٍ كهربائية. وخلال تلك العملية، تبدو الضحية، المتّفقةُ أساسًا مع الباحثين، وكأنها تتلقى سلسلةً من الصّدمات الكهربائية متصاعدةِ الألم تحت قناع اختبارٍ عقابيّ، فيما يراقب المواضيعُ [الخاضعون للتجربة] وهم عاجزون عن المساعدة. بدايةً، يسيطر الرّعب، بشكلٍ مفهوم، على الغالبية العظمى من هؤلاء “المراقبين الأبرياء” بفعل محنة الضحية المسكينة، ولكن الصّدمات تستمرُّ برغم ذلك. ومع ازدياد قسوة الوضع يبدأ البعض بتغيير إحساسه. يتزايد انتقاص البعض من قَدْر الضحية مع ازدياد المراقبة – ربّما كانت بطيئة جدًا، أو غبيةً جدًا، أو لعلها تستحقّ فعليًا قليلاً من العقاب؛ بأية حال، هي تتعرّض للصدمات بسبب ذنبٍ اقترفَتْه. وفي الحقيقة، وجد العلماء بأن جنوح المراقِبين لتحقير الضحية يتعاظم بتزايد كمية الظلم الملاحَظة.

              كانت التّجارب جزءًا من عمل عالِم النفس الاجتماعي ميلفين ليرنر، الذي عزا نتائجه إلى “إيمانٍ بعالمٍ عادل”. تتأثّر أفكار البعض عن الحقّ والباطل، الذّنب والبراءة، العدالة والظلم بنزعةٍ لرؤية العالم على أنه مكانٌ “عادل” أصلاً؛ حيث ينال الناس ما يستحقونه، إذ أن وقوعَهم في المشاكل عائدٌ لأخطائهم الشخصية. وبذا، يستحقّ المتشرد في الشارع مكانه لأنه لم يبذل جهدًا في حياته، وضحية الاغتصاب مذنبةٌ لأنها ارتدت تنّورةً قصيرة تلك الليلة؛ وفي كلتا الحالتين، كانت استجابة “العالم العادل” هي ذاتها:

إما بإنكار وقوع الحدث (أو انتقاد قسوته)، أو، في حال تعذّر إنكاره، اعتبار أن الضحية مُلامةٌ على مآسيها، بشكل جزئيّ على الأقل. الوعي راضٍ، وكلّ ما يثور سيهدأ، وليس ثمة داعٍ للاكتراث حين يكون حظُّ الناس العاثر قصاصًا يستحقّونه بالفعل.

إن للإيمان الكلّي بعالمٍ عادل تأثيرًا على المتطلّبات والأحكام الجوهريّة للإنسان؛ وفي الحقيقة، أشارت الدراسات إلى نتائج تفكير “العالم العادل” على الأحكام الاجتماعية وفي النظام القضائي (كلُّ مَنْ شارك في هيئة محلّفين من نخبة المجتمع قادرٌ على إدراك هذا). ولكن، وفي مجتمعنا الغربيّ الحديث المتخم بالمعلومات، هل يؤثّر الإيمان بعالمٍ عادل على كيفية تصوير وتفسير بعض أحداث العالم؟

        لنتأمل قضية “الموازاة الزّائفة” التي غالبًا ما تتساوى في التّغطية الغربيّة للنّزاعات الدولية، بخاصة نزاعات الشرق الأوسط. حيث يعاني أيّ نزاعٍ يتضمّن جماعتين(أو أكثر) اجتماعيتين أو سياسيتين متمايزتين من توازٍ زائف، إلى حدٍّ ما: تُضخَّم الحقائق أو يُقلّل من شأنها، وقد يتمّ محوها ببساطة، بتأثير تحويل المواقف غير المتوازية بحيث تبدو أكثر تطابقًا، من الناحية الأخلاقية بشكل خاص. أسباب هذا الأمر كثيرة؛ فقد تبدو المصادر الإعلامية مفرطةً في الاعتدال كمحاولةٍ للظهور بمظهر الحياديّ وغير المنحاز سياسيًا؛ قد يكون المعلّق الإخباريّ، فعليًا، منحازًا إلى أحد الأطراف محاولاً إما إظهار التعاطف لهم أو قَلْبَ المواقف ضدّ خصومهم؛ أو قد يكون المراسل غير كفء كفايةً، عبر امتلاكه حقائق قليلة أو اعتماده الكبير على قصص وصور مثيرة للعواطف (دموية معظم الأحيان) بهدف جعل المحتوى أكثر دراميّة والاستحواذ على الانتباه العابر للجمهور. ولكن في حالة المعلّقين الغربيين الذين يعرضون نزاعات الشرق الأوسط بشكل غير مباشر وبلا أدنى صلةٍ أو سيطرةٍ مباشرة على الأحداث، يجب على المرء التنبّه إلى الأثر الإضافيّ للعالم العادل.

            في مقالةٍ على موقع فير FAIR  (النّزاهة والدقّة في نقل الأخبار)، انتقد الصحفيّ بيتر هارت كلاً من واشنطن بوست ولوس أنجلس تايمز بسبب الاستخدام الماكر للغة التي تساوي بشكلٍ زائف بين الهجمات الأخيرة من وإلى غزة، التي أسمتها السلطات الإسرائيلية بـ “عملية عمود الدّفاع” [أو “عمود السّحاب” في الترجمة الحرفية من العبرية]. تناول العنوان “معاناة المدنيّين في غزة وإسرائيل خلال النّزاع” كمثالٍ عن الموازاة الزائفة، بحيث بدت محاولةً لإظهار التساوي فيما كان عدد ضحايا غزة والدمار هناك أكثر بكثير من الوضع في إسرائيل. وتابع الإشارة إلى الكيفية التي أعطت فيها الصحيفتان اهتمامًا متساويًا في مقالاتهما عن المجازر في غزة (160 ضحية) بالمقارنة مع الآثار الطفيفة في إسرائيل (6 ضحايا).

     وعمدتْ مقالاتٌ أخرى في حديثها عن الدمار في غزة إلى إلقاء اللوم على حماس بشكل خاص، بل وعمدت أحيانًا إلى توسيع دائرة اللوم لتشمل الفلسطينيين، ككلّ. وكان المنطق على النحو التالي:

–       تطلق حماس كثيرًا من الصواريخ التي تشكّل خطرًا بل وتقتل الإسرائيليين.

–       إن من حقّ إسرائيل الدفاع عن نفسها من خلال مهاجمة حماس.

–       ولكن حماس مُنتَخبةٌ من شعب غزة، وبذا هم ملامون كذلك، وهم بالتالي متورّطون أخلاقيًا؛ إذ أنهم “يسعون لإثارة المشاكل”.

        هذا المنطق ذاته الذي يمكن تطبيقه على الحكومة الإسرائيلية وسكان إسرائيل لا يتمّ إدراجه معظم الأحيان. وبذا تصبح “حماس” و”الغزيّون” عدوًا مفردًا متماثلاً، وخليطًا من الخوف والاشمئزاز من حماس، الإرهاب والإسلام السياسيّ إضافة إلى جموع الغزيّين من رجالٍ ونساء وأطفال الذين يتلقّون، بالتالي، بل ويستحقّون، الموت والدمار الذي تتسبّب به الهجمات الصاروخية الإسرائيلية.

        ثمة إشارةٌ أخرى إلى توازٍ أخلاقيّ زائف تتمثّل في التأكيد المتكرر بكثرة من قبل كثيرٍ من المعلّقين بأن حماس تتحمّل القدر ذاته من اللوم الذي تتحمّله القوات الإسرائيلية عن الضحايا داخل حدود غزة، لأن قادتها “يختبئون” بين السكان (في إحدى أكثر المناطق كثافةً سكانية في العالم)، متسبّبين بذلك بموتهم حين تستهدفهم الصواريخ الإسرائيلية. وبعيدًا عن الحقيقة الجليّة بأن المرء يختبئ كيلا يتمّ إيجاده، فهذا الادعاء مريبٌ أخلاقيًا حين يُحِلُّ جيش الدفاع الإسرائيلي من اللوم في الوقت الذي يكون فيه ردّهم ذاك هو المتسبّب الوحيد بمقتل الضّحايا الغزيّين. ويتم الإعلان عن الردّ الوحشيّ لجيش الدفاع الإسرائيلي كخاتمةٍ طبيعية، قوية وراسخة؛ ويصبح خيار جيش الدفاع بألا يقتل عائلاتٍ بأكملها غير مطروح للتفكير أساسًا. ويتمّ التقليل من شأن استحقاقيّتهم للوم، فيما تظهر الموازاة الأخلاقية الزائفة.

        إن مجازر جيش الدفاع الإسرائيليّ مثل هذه و”عملية الرّصاص المصبوب” عام 2009 (1400 ضحية فلسطينية) التي يُشار إليها عادةً كـ “عمليات عسكرية”، ما هي إلا دلالة على فعل توازٍ زائف؛ ينتشر الانزعاج الغربي، ولكن بصمت، دون أن يصل حدود الغضب الشّديد أو القرف الذي نُبقيه لقاتلين عشوائيين آخرين، كأن يكونوا متطرّفين يمينيّين، جماعات إسلامويّة إرهابية، أو دكتاتور. ونادرًا ما يتم وصف الهجمات التي تقتل عدد هائلاً من الأبرياء في فلسطين بأنها أفعال عقاب جماعيّ كما هي عليه حقًا (“عقاب جماعيّ” كانت إحدى الملاحظات المحورية التي أدّت إلى إبطال تقرير غولدستون عام 2009)، كما تم إخفاء المظاهر التأديبية في التدمير، بما فيها القصف العابث للبنية التحتية والبيوت، في متاهة حماس، وفي جوّ موبوء يعتبر كلَّ رجلٍ، ماعزٍ وبناءٍ في غزة بمثابة العدوّ. يمكن اعتبار النساء والأطفال أبرياء، ولكن كلُّ ذكرٍ بلغ سنّ ظهور شعر الوجه يصبح مشتبهًا بكونه مقاتلاً، في الملفات العسكرية وعلى الأرض.

        أما بالنسبة للتبرير الإسرائيلي لتلك الهجمات، فقد تمّ قبول المغالطة الأخلاقية الأساسية، بأنهم يكبحون موت الأبرياء عبر قتل الأبرياء، دون أية اعتراضات. يمكن للمرء تقبّل هذا فيما لو اعتبر بأن “قيمة” حياة الفلسطيني لا تساوي إلا جزءًا من حياة أي شخص آخر، ولكن ازدراءً كهذا سينفي الحاجة لموازاةٍ زائفة أساسًا. ومع ذلك، يصبح التقبّلُ أسهلَ فعليًا إن اعتبر المرءُ الفلسطينيين كيانًا مفردًا مذنبًا بالمطلق، يحصدون ما اقترفوه بشكلٍ من الأشكال، ويستحقون موتهم، أو عقابهم على الأقل – وبذا يتم إشباع فكرة العالم العادل.

        يمكننا إيجاد أمثلةٍ أخرى عن التوازي الزائف فيما لو صعدنا إلى سوريا. في العام 2011، وتماشيًا مع موجة التفاؤل التقدميّ للربيع العربيّ، خرج الشعب السوري إلى الشوارع للتظاهر ضد النظام البعثيّ الاستبداديّ بقادة بشار الأسد. وبعد القمع الوحشيّ من قبل السُّلطة، بدأ تمرّدٌ مسلّح بالسّعي لتنحيته عن السّلطة وإحلال الديمقراطية في البلاد. ومع تسارع الانتفاضة، كانت الدول الغربيّة متحفّظةً في دعمها للثورة المناهضة للأسد، حتى في التصريحات. وفي الوقت ذاته، كان الوضع في سوريا يزداد وحشيّة حينما استعملت قوات النّظام المدفعية، والطيران، والميليشيات لذبح الشعب السوري ومنع الانتفاضة من مقاومة سلطتها.

        وفي عرضها للوضع، قامت معظم وسائل الإعلام الغربيّة بالتركيز على الثمن الباهظ الذي يدفعه الشعب السوريّ على أنه نتيجة للعقاب الجماعيّ الوحشيّ الذي يمارسه النظام. ومع التضاؤل التدريجيّ لأية مبادرةٍ لدعم الانتفاضة الشّعبية، بخاصة قلبها المتمثّل بالجيش السوريّ الحر، تزايدت الأخبار والتحليلات التي تسعى لـ “موازاة” الجانبين على وجوب تحمّل اللوم الأخلاقيّ بشكل متماثل. وفيما كان النظام يقوم بالقصف العشوائيّ لمدن كحمص وحماة، ويرتكب مجازر ذبح في قرى مثل الحولة، ويفجّر طوابير الناس أمام الأفران في حلب وصولاً إلى قتل مئات الضحايا الأبرياء يوميًا، عمد عددٌ كبير من التقارير الإعلامية إلى مساواة كلّ هذا مع تقارير عن حوادث متفرقة يقوم فيها الثوار أحيانًا بإعداماتٍ وسوء معاملة معتقلين، وكأن الجانبين متوازيان من حيث تحمّل المسؤولية الأخلاقية الكلّية. وكان يتم عرض التجاوزات الوحشيّة للثوار، المرفوضة حتمًا، كما لو كانت التجاوزات الوحيدة التي تحدث، فيما كان النظام يقتل المئات يوميًا. وكان يُفرض على القارئ رؤية أن أولئك الذين يقاومون قوات الأسد الوحشيّة ليسوا أفضل، أخلاقيًا أو عمليًا، من النظام الدكتاتوريّ، الأكثر تنظيمًا ووحشيّة، الذي يسعون لإسقاطه.

        كما فضّل بعض المعلّقين اليساريين أن يحطّ من قيمة الانتفاضة لأنها خاضعة لسيطرة الإمبريالية الأميركية التي كانت تستخدم الثوار كوسيلة لإحداث تغيير في النظام يلائم المصالح الغربية التي تسعى للاستفادة منها؛ وقد كانت هذه الخلاصة اعتقادًا راسخًا لدى كثيرٍ من المعلّقين اليساريين، متجاهلين حقيقة أن سبب إطالة أمد الصراع إلى هذا الحد هو عدم تلقّي الثوار لأي دعم. ولكن، وعبر إلصاق الانتفاضة بالإمبريالية الكريهة لواشنطن وأوروبا، يمكننا حينئذ تشويهها، من خلال تحميلٍ زائف لمسؤولية أخلاقية متساوية في حصّة المعارضة من الوضع.

        وكما كانت الحالة في غزة، تمّ الحديث على أن الثوار يتحمّلون الذنب ذاته الذي يتحمّله النظام عن مقتل المدنيين، وكذلك عن قصف الضحايا الأبرياء. وبالطريقة ذاتها، أعطى هذا “الرأي” اهتمامًا طفيفًا بممارسات النظام على الأرض، ولكنه أسهب في اتهام المعارضة المسلّحة وتحميلها المسؤولية، التي كانت أساسًا ردًّا على وحشية الأسد، بحيث يتساويان في تحمّل اللوم عن العنف المسلّط على الناس الذين انبثق منهم هؤلاء المقاتلون. وبذا لم تعد التصرّفات والمساعدات الغربية ضرورية: إذ أنهم يسقطون النّظام بأنفسهم، كما يفعل الضحايا الآخرون في عالم عادل.

        إن أثر الموازاة الزائفة ماكرٌ، وملموس بوضوح في آن. إنه يوظّف آليات العالم العادل بما فيها ما تحدّث عنه ميلفين ليرنر من “لوم، رفض أو تجاهل الضحية، أو الإيمان بأن الضحية ستنال ما تستحقه” مما يؤدي إلى “تحقيرٍ لشخصية الضحية”. ويمكن أن يكون دلالةً لرأيٍ تغيّر بفعل عجزنا وخوفنا، وإيمانٍ، شبيه بالكارما، بالعواقب الكونية.

        يمكن لفكرة العالم العادل، كما في حالة المشاهدين الذين يراقبون الصدمات الكهربائية للضحية، أن تُحلّنا من أية مسؤولية أخلاقية ومساهمة أو التزام بالمساعدة. كما تساعدنا، كذلك، في تخفيف القبح المطلق لعالمنا من خلال اعتبار الحظ العاثر والقتل مجرد عواقب حيادية، بل وتتخفّى بشكل نوع من العدالة التي تُطبَّق دومًا لإثبات أن الناس ينالون ما يستحقّونه. لا يمكن للمرء اعتبارها عاملاً أكيدًا في النزاع، وبالطبع لا نفكّر جميعًا بهذه الطريقة، ولكن البعض يفعل هذا. بشكلٍ أو بآخر، كلنا نؤمن بعالم عادل، أو على الأقل بعالم ينبغي أن يكون عادلاً؛ هذا هو التّوق الذي يقود مفهوم العدالة الذي يشكّل جزءًا من مؤسساتنا القانونية وسياساتنا الاجتماعية.

        ولكن حين يتم تطبيق هذه الآلية بلا نقد، أو حين تؤدي إلى رأي مُسبق، ستتسبّب بمفاقمة وإطالة أمد المشكلة، أو بكبح الاستجابة الفُضلى. الأمر غير المفاجئ، هو أن ميلفين ليرنر وآخرين وجدوا بأن الإيمان بعالم عادل يساهم في زيادة نزعتي  المحافظة والتديّن، وهما اثنان من العوامل الرّجعية الأساسية التي تثير الجدل باعتبارها حلولاً لمشاكل البشرية. أسهم الدين، بشكل خاص، في إطلاق فكرة العالم العادل عبر إعطائنا صورةً يُكافأ فيها الأخيار في الجنة ويُعّذب الأشرار في الجحيم، كتعويضٍ في العالم الآخر عن الأخطاء التي أخفقنا، كمجتمع، في تصحيحها في حياتنا. فكيف سيكون الأمر لو تم تسليط الجحيم على الأحياء..؟

        وبأية حال، ليس الأمر سيئًا بالمطلق. فقد وجد العلماء بأن بإمكانهم التقليل من تحقير المواضيع للضحية عبر تحريضهم على التعاطف معها؛ حيث وجد ليرنر بأن ارتباط المواضيع بالضحية، أو استخدام ضحايا متشابهين اجتماعيًا مع المواضيع يخفّف فعليًا نزعتهم للاحتقار. كما وجد بأن المؤمنين بعالم عادل إيثاريّون ومحبّون للغير، وأحيانًا أكثر من الناس ذوي الإيمان الأقل بهذه الفكرة، فيما لو أُتيحت لهم الفرصة للتعبير. هم مستعدون لتقديم المساعدة كلما كان ذلك متاحًا بسهولة، إلا حين يتعارض ذلك مع التّحاملات الراسخة، و، بشكل أساسيّ، حينما لا تكون العقوبة مفروضةً من السُّلطة.

        ولو تأملنا تطور الأمور: ساهمت شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام بتقريب أولئك المحتاجين للعون عن بعد، وبذا من المفترض أن يكون التعاطف أسهل من قبل. لقد تحدّى الربيع العربيّ كلّ تحاملاتنا ضد الشرق الأوسط، وضد الإسلام بشكل خاص. وما نفتقر إليه هو إرادة رجال السُّلطة.

        نحن لا نعيش في عالم عادل، وينبغي علينا مواجهة المواقف الأخلاقية المرتبكة والمتأرجحة في الشرق الأوسط، التي هي، حقيقةً، ليست متوازيةً أخلاقيًا أو قوةً. ولو أردنا حلّها، ينبغي التعامل معها بموضوعية دون توازٍ أخلاقيّ زائف في أحكامنا، إذ لا وجود لجنّةٍ وجحيم لتصنيفنا في حياتنا هذه.

 (نشرت المقالة في موقع نورث ستار – 1 كانون الثاني/يناير 2013)

المصدر : http://www.thenorthstar.info/?p=4208

            في مقالةٍ على موقع فير FAIR  (النّزاهة والدقّة في نقل الأخبار)، انتقد الصحفيّ بيتر هارت كلاً من واشنطن بوست ولوس أنجلس تايمز بسبب الاستخدام الماكر للغة التي تساوي بشكلٍ زائف بين الهجمات الأخيرة من وإلى غزة، التي أسمتها السلطات الإسرائيلية بـ “عملية عمود الدّفاع” [أو “عمود السّحاب” في الترجمة الحرفية من العبرية]. تناول العنوان “معاناة المدنيّين في غزة وإسرائيل خلال النّزاع” كمثالٍ عن الموازاة الزائفة، بحيث بدت محاولةً لإظهار التساوي فيما كان عدد ضحايا غزة والدمار هناك أكثر بكثير من الوضع في إسرائيل. وتابع الإشارة إلى الكيفية التي أعطت فيها الصحيفتان اهتمامًا متساويًا في مقالاتهما عن المجازر في غزة (160 ضحية) بالمقارنة مع الآثار الطفيفة في إسرائيل (6 ضحايا).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى