صفحات الحوار

جلبير الأشقر : استمرار السيرورة الثورية في المغرب والمشرق وتحدياتها

    يجيب، جلبير الأشقر، المفكر الماركسي اللبناني، والأستاذ بمعهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، على أسئلتنا حول الوضع المتأجج في المنطقة العربية.

    تواصل السيرورة الثورية في المنطقة العربية مفاجأة وسائل الإعلام. كيف تحلل الأحداث الأخيرة في مصر وتونس؟

    بالطبع حدثت تغيرات نوعية، وليس مستغربا أن تحصل تقلبات عندما نفهم أن ما بدأ في أواخر عام 2010 وأوائل 2011 هو سيرورة ثورية طويلة الأمد. لقد ثبت تماما خطأ فكرة أن الإنتصارات الإنتخابية للقوى الأصولية الإسلامية في تونس ومصر ستغلق السيرورة. كان مصير هذه القوى الفشل، لأنها على شاكلة الأنظمة التي خلفتها، ليس لديها جواب على المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة التي سببت الانتفاضات. إنها استمرار لسياسات الليبرالية الجديدة، وبالتالي لا يمكن أن تحل هذه المشاكل التي تزداد سوءا. يمكن أن تتخذ السيرورة الثورية أشكالا مدهشة، لكن سيتواصل لوقت طويل الانتقال من اضطراب إلى آخر على الصعيد الإقليمي قبل استقرار للأوضاع يتطلب، في الحالة الإيجابية، تغييرا عميقا في الطبيعة الاجتماعية للحكومات نحو سياسات تستند إلى مصالح العمال والعاملات.

    كيف ترى المواجهة الجارية اليوم في مصر؟

    في مصر اليوم، يجب علينا أن نميز بين مستويين: مستوى المناورات والصراعات على السلطة ومستوى الحشد الشعبي العميق. فهذا الأخير يشهد موجة ثانية منذ عام 2011، ولكن انفتحت مثل سابقتها، على تدخل عسكري. كان مبارك، قد فصل فعلا في فبراير 2011 من قبل الجيش الذين استولوا عندئذ مباشرة على السلطة، وباستلاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة قمة الجهاز التنفيذي. هذه المرة، فظل عدم تكرار نفس العملية لأن أصابعه احترقت وهو يحاول حكم بلاد في حالة من الاضطراب صار يؤدي إلى اهتلاك سريع جدا لأي حكومة تحصر أفقها على السياسات النيوليبرالية. لكن المدنيين المعينين على رأس السلطة التنفيذية لا يمكنهم إخفاء حقيقة أن الجيش هو الذي يمتلك السلطة. ومع ذلك، فإن القول بأن الجيش تدخل، هذه المرة، ضد حكومة منتخبة ديمقراطيا هو جزء من تصور يميني جدا للديمقراطية، يرى أن المسؤولين المنتخبين لديهم تفويض مطلق ليفعلوا ما يريدون خلال مدة انتدابهم، حتى لو خانوا بشكل صارخ تطلعات ناخبيهم. هناك مفهوم راديكالي للديمقراطية يعني حق عزل المنتخبين. هذا هو النموذج الذي أخذته الحركة في مصر مع حملة الاستمارات من أجل رحيل مرسي وإجراء انتخابات جديدة التي أطلقتها حركة شباب “تمرد”، التي جمعت في غضون أشهر قليلة عددا ضخما من التوقيعات أعلى بكثير من عدد الأصوات التي حصل عليها مرسي لانتخابه لرئاسة الجمهورية. من وجهة النظر هذه، كان عزله مشروعا تماما.

    في المقابل، المشكلة الكبرى هي أنه بدلا من تنظيم حركة جماهيرية للإطاحة بمرسي عن طريق النضال الجماهيري – الإضراب العام والعصيان المدني – شاهدنا زعماء المعارضة الليبرالية واليسار تتفق مع الجيش وتشيد بانقلابه الذي جرى بمنطق استمالة جهد التعبئة الشعبية وتحويله للعودة إلى نظام عدواني على نحو ما تؤكده حاليا إجراءات العسكر. وهذا أمر خطير للغاية، وعلى هذا المستوى هناك نقص شديد لدى اليسار المصري بما في ذلك مكوناته الأغلبية. لقد نصعت صورة الجيش وأشادت بقائده. وهو نفسه الرجل القوي في النظام الجديد القديم. لقد سمح لنفسه مع أنه ليس سوى وزير الدفاع، بتوجيه نداء للشعب كي يتظاهر دعما للجيش في تجاهل تام للحكومة الجديدة.

    حاليا، حتى شباب تمرد بدء ينتابهم القلق، ولكن تقريبا بعد فوات الأوان، من الفخ الذي نصبوه هم أنفسهم. يسمح الانقلاب للإخوان المسلمين بترميم صورتهم السياسية بالتظاهر أنهم شهداء انقلاب عسكري وضحاياه. لقد قاموا بإعادة تصليب قاعدتهم الاجتماعية، أقلية طبعا- بات واضحا الآن – ولكن مع ذلك مهمة. ويعيد عمل العسكر تلميع صورتهم .

    إذن، هناك اهتلاك(فقدان سريع للشعبية) سريع جدا للحركات الإسلامية التي احتلت مكان الأنظمة القديمة في تونس ومصر، ولكن ضعف اليسار يطرح مشكلة كبيرة الآن؟

    بصرف النظر عن اليسار الثوري الذي لا يزال هامشيا في مصر، انضوى معظم اليسار داخل الجبهة الوطنية للإنقاذ. وشاركت التيارات المتحدرة من الحركة الشيوعية التقليدية وكذا التيار الناصري الذي لا يزال الأكبر من حيت التأثير الشعبي، في أعمال تضليل الناس حول دور الجيش. هذا مؤسف جدا إذ أن هذه القوى كانت في الشوارع ضد الجيش في الأشهر التي سبقت انتخاب مرسي! عندما أوضح صباحي، الزعيم الناصري، بضعة أيام قبل 30 يونيو، أنه كان من الخطأ الوقوف ضد الجيش في العام السابق عبر ترديد شعار “فليسقط حكم العسكر”، فهو يستخلص الدروس الخاطئة من التاريخ. ما كان خطأ هو التملص من الأمر والاعتقاد أنه يجب العودة مجددا للإشادة بالجيش.

    ما رأيكم في الإجراءات التي يحاول التونسيون وضعها لإنهاء سلطة النهضة؟

    لسوء الحظ، قد يحدث في تونس سيناريو مشابه لما تشهده مصر: ليس لدى اليسار الوضوح السياسي للنضال على برنامج يساري، بل يستعد لعقد تحالفات حتى مع أجزاء من النظام السابق المنضوية تحت لواء نداء تونس. وهذا النوع من النهج تستفيد منه في النهاية القوى الاسلامية التي صار بإمكانها التنديد بتواطؤ اليسار مع بقايا النظام السابق. وهذا يسمح للإخوان المسلمين أو النهضة بالظهور كحامل شرعية الثورة واستمراريتها.

    هناك إذن مشكلة التمثيل السياسي للطبقات الشعبية في الثورة؟

    نعم، والمشكلة هي أنه بدل أن يحاول اليسار كسب الهيمنة في الحركة الجماهيرية بالنضال حول القضايا الاجتماعية في المقام الأول، حتى لوح توحد ضده أنصار الليبرالية الجديدة المتراوحين بين الأصوليين إلى رجال النظام القديم مرورا بالليبراليين، يقيم اليسار تحالفات قصيرة النظر مع قطاعات من النظام القديم. في بلد مثل تونس، في رأيي، تعد المركزية النقابية، الاتحاد العام التونسي للشغل قوة مهيمنة اجتماعيا ويمكن أن تصبح بسهولة سياسيا. ولكن لقد تم إقامة جدار هائل بين النقابي والسياسي. بدل أن يقود اليسار التونسي الذي يوجد حاليا على رأس الاتحاد العام التونسي للشغل في معركة سياسية بأفق حكومة عمالية، يبدو أنه يتجه نحو تحالفات غير طبيعة بين جماعات سياسية تنظمت في إطار الجبهة الشعبية، من جهة، والليبراليين وبقايا النظام السابق، من جهة أخرى.

    وعلى الرغم من مصاعب المنافد هذه، لا يزال التمرد مستمرا في العديد من البلدان، نشهد حاليا بروز حركات “تمرد” في ليبيا، والبحرين …

    في الدول الست التي شهدت بشكل أعمق انتفاضات عام 2011، لا تزال التحركات الجماهيرية متواصلة. تشهد ليبيا احتداما دائما. لا تنقل وسائل الإعلام ذلك، ولكن هناك تعبئات شعبية دائمة، وخاصة ضد الأصوليين، و تخضع المؤسسات المنتخبة لضغوط مختلفة من القاعدة الشعبية. وفي اليمن، لا تزال الحركة مستمرة، حتى ولو أن التسويات التي اجتاحت جزءا من قوى المعارضة أضعفتها. وتواصل القوى الراديكالية، لا سيما شباب ومن اليسار، محاربة مهزلة التغيير هذه. وفي البحرين، تتواصل الحركة الشعبية ضد النظام الملكي.

    وفي سوريا، تجري الحرب الأهلية على قدم وساق، ووصلت إلى مستوى عال من المأساوية، وحاليا هناك هجوم مضاد شرس للنظام تدعمه روسيا وإيران وحزب الله. تعد سوريا مثالا حيا على النفاق الصارخ للقوى العظمى، إذ تسمح بقتل أناس لا يلهمونها سوى انعدام الثقة.

    إذن، بعد سنتين ونصف من بداية السيرورة، لا تزال مستمرة بلا هوادة؟

    لقد انطلقت دينامية ثورية في عام 2011، وهي سيرورة طويلة الأمد، ستشهد صعودا وهبوطا، وفترات ردة، وثورة مضادة وقفزات ثورية. ولكن لتحقيق نتائج إيجابية في هذه السيرورة، يجب أن تظهر قوى حاملة لأجوبة تقدمية على المشاكل المطروحة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي. خلاف ذلك، هناك سيناريوهات أخرى ممكنة، تقود للانحطاط، والردة، وتحالفات قمعية ضد الجماهير الشعبية بين العسكر والأصوليين، و الذين يبدو الآن أنهم متعارضون. ليس هناك حتمية لحدوث أي من الاحتمالين، فالوضع مفتوح، وفي فوران كامل. يجب على اليسار أن يعلن على وجه السرعة مسارا ثالثا مستقلا، ضد الأنظمة القديمة وضد الأصوليين، لتلبية المطالب الاجتماعية للذين قاموا بهذه الانتفاضات.

    أجرى المقابلة جاك بابل يوم الاثنين 29 يوليو.

    نشرت المقابلة في أسبوعية كل شيء لنا! Hebdo Tout est à nous 206 (01/08/13)

    تعريب المناضل ـ ة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى