صفحات الحوار

جلسة مع الشاعر الأميركي مايكل روتنبرغ مؤسس حركة “مئة ألف شاعر من أجل التغيير”

 

 

حبيب الواعي

في الشعر أنا كاتب يوميات

في مقهى صغير وسط مدينة غيرنيفل بولاية كاليفورنيا التقيت بالشاعر مايكل روتنبرغ في شهر أغسطس 2013، شاعر يحرس معبد الشعر بكثير من الرقة، يطّلع على النسخة الأخيرة التي قام بجمعها لأعمال الشاعر فيليب ويلن؛ أحد مؤسسي حركة جيل الإيقاع، وأحد أنساب الشعراء الحالمين بعالم ينتفي عنه الألم. كان روتنبرغ يرى العالم من زجاج نافذة المقهى، وكان يشيد نقيض الوجود على بياض الورق، وجسده يسرنمه طول المقام أمام ديوان يقارب عدد صفحاته الألف صفحة، قلقا ممّا وقع وممّا يقع.

كان الانخراط في عوالمه والاشتباك مع تفاصيله أمرا مغريا بالنسبة إليّ كشاعر شاب قادم من جغرافية أخرى، بالكاد أتلمس الخطى بحثا عمّن تسكنهم غواية الكتابة، صلتي بشعر روتنبرغ قديمة وقد خبرت نصوصه الشعرية، وترجمت بعضها إلى اللغة العربية، لكن الاقتراب من عوالمه الخاصة كان يبدو لي على الدوام في حاجة إلى مزيد من الجسارة، عوالم فادحة لشاعر لا يستسيغ من يدير ظهر للعالم.

◄ الجديد: ولدت في مكان جميل -ميامي بيتش بولاية فلوريدا- حيث يمكنك الاستمتاع بالشاطئ وبعض المناظر الطبيعية الخلابة التي كنت تتوق إليها في منطقة خليج سان فرانسيسكو. هلا تحدثت قليلا عن حياتك هناك؟ كيف أثّر الفضاء على انشغالاتك اللاحقة بالقضايا الثقافية والاجتماعية والبيئية عندما أصبحت يافعا؟

مايكل روتنبرغ: عندما كنت شابا كانت ميامي بيتش بلدة شاطئية صغيرة وكان يسودها نوع من الهدوء في معظم أوقات السنة، وكانت تتوفر على شواطئ جميلة وأشجار نخيل ونسائم استوائية عليلة، كما كانت تتميز بمعمارها الجميل، والكثير من ديكو موتيلات. كانت ميامي بيتش عندها مكانا يسهل العيش فيه، ولكن مع مرور الوقت اكتسبت شعبية متزايدة وصورة سياحية لامعة، وهي كذلك مدينة ذات ميناء ضخم وملاذ للاجئين الكوبيين والهايتيين. و بالتدريج نما جنوب فلوريدا بوحشية بين عشية وضحاها حيث ميّزه إفراط شديد في بناء ناطحات السحاب والوحدات السكنية متعددة الطوابق، مما أدى إلى السيطرة على الشاطئ من قبل الأغنياء. أتيحت لي فرصة الاستمتاع بشاطئ ميامي بيتش قبل أن يتم تلويثه، كما أنني كنت أقضي قدرا كبيرا من الوقت في إيفرغليدز عندما كنت صغيرا. إيفرغليدز هي مستنقعات شاسعة، ومليئة بالثعابين والبعوض، وبساتين الفاكهة وأزهار بروميلياس، والتماسيح، وجزر المانغروف المقفرة، والطيور الاستوائية، وطيور أبي ملعقة وردي وأناهينكا.

كان والدي -الذي كان يمتهن المحاماة حينها- متعطشا للصيد وكان يحب أن يأخذ أسرته الصغيرة في نهاية كل أسبوع إلى إيفرغليدز حيث كنا نقضي وقتا ممتعا، وكان يأخذنا في زورقنا لاستكشاف المنطقة وكنا ننام في كوخ يطلّ على نهر بارون البطيء والمالح. خلال الليل كنت أجلس على ضفة النهر وأصطاد الأسماك وحدي، وكنت أسمع أصوات الحيوانات الليلية، وكانت السماء مليئة بالنجوم مما ساعدني على التفكير في خبايا الكون. كان لإيفرغليدز تأثير كبير على تجربتي كشاب، فخلال صباي كنت قادرا على استكشاف البرية، وفي نهاية كل أسبوع كنت أبتعد عن نمط الحياة المصطنعة على شاطئ ميامي. كان الناس في ميامي بيتش حينها يعيشون في الغالب على صيد الأسماك والسياحة، مع مرور السنين عاينت بحزن التغيير الذي أتى على ميامي بيتش وحوّلها من فضاء مريح ومفتوح لمختلف الفئات الاجتماعية إلى منتجع للسياحة المتوحشة. وهكذا أصبحت إيفرغليدز الملاذ الوحيد لي؛ لذلك شعرت بالحاجة لحمايتها، لكنني لم أكن أعرف حينها أيّ شيء عن البيئة أو حركة حماية البيئة التي بدأت تنتشر في الولايات المتحدة الأميركية.

من المهم أن نفهم أن أحداث ستينات القرن العشرين ورياح الثورة الثقافية كانت بطيئة في هبوبها على ولاية فلوريدا وميامي بيتش، ومعظم ما كنا نسمعه عن التغيير كان يصلنا عبر التلفزيون، وبدت نقاشات التغيير غير واقعية إلى حد ما. عبر التلفزيون وصلتنا أخبار حرب فيتنام، وأخبار الروك أند رول، حركة السلام والنضال من أجل المساواة العرقية. كانت ميامي متخلفة جدا وكانت فلوريدا متأخرة عن مستوى تقدم ولاية كاليفورنيا من حيث الثقافة والوعي، لم تكن لدينا فكرة عن واقع حركة الإيكولوجيا، وحركة السلام والحقوق المدنية. لم يكن أحد يتحدث عن الشعر، ولكنّني كنت محظوظا حيث كان لي صديق في المدرسة الثانوية تمتلك أخته تسجيلات لقصيدة “عواء” لألن غينسبرغ و”كوني أيلاند” لفيرلينغيتي. بعد أن استمعت إلى هذه القصائد استيقظت على هول ما يجري خارج مجتمعي المنعزل، وبعد ذلك كان لبوب ديلان تأثير عميق على اختياراتي الموسيقية. أصبحت أتوق إلى معرفة المزيد عن الثورة الثقافية التي كانت تحدث في بقية بقاع العالم ووجدت “مقالات لحوم العلوم” لمايكل مكلور في محل لبيع الكتب المحلية. أدركت من خلاله مبادئ حركة الإيكولوجيا، وأيقنت أن هناك كنزا ثمينا نحن بحاجة إلى الحفاظ عليه، وهكذا بدأت مهمتي في توعية الناس عن طريقة الممارسة والكتابة بضرورة الحفاظ على منطقة إيفرغليدز وميامي بيتش.

مقاربتي لكتابة الشعر تشبه أساسا طريقة كاتب يوميات، وجدتها مريحة ومثمرة ، أشياء كثيرة تحدث كل يوم، كل شهر، كل سنة، إلى حد لا يلزمني الذهاب بعيدا جدا للعثور على الإلهام أو الرؤى أو الأحلام، كل هذه العناصر حاضرة هناك في اللحظة التي أشرع فيها الصفحة وأشرع في كتابة أفكاري

◄ الجديد: في لحظة محددة من حياتك قررت أن تنتقل إلى غرب أميركا وبالضبط إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو. هل يوحي تغيير الأمكنة هذا بأن الجنوب الشرقي لأميركا يتميز بنوع من الشح الثقافي؟ لماذا انتقلت إلى خليج سان فرانسيسكو؟

مايكل روتنبرغ: بعد تخرجي في كلية الدراسات الإنكليزية بجامعة شابل هيل بولاية كارولينا الشمالية سافرت إلى أوروبا لمدة عام أو اثنين واستقر بي المطاف في لندن، واستمتعت بكل التجارب التي يتوق إليها طلاب الدراسات العليا الذين تحرروا بعد ست عشرة سنة من الدراسة. عندما اكتفيت بما نلته من تجارب السفر رجعت إلى شمال فلوريدا حيث عملت وكتبت وحاولت أن أخطط لمستقبلي. هنا بشمال فلوريدا التقيت بزوجتي السابقة، نانسي ديفيس، وعلمت أنني شغوف بالزهور. معا فكرنا في الانتقال إلى كاليفورنيا لبناء مشروع يقوم على بيع النباتات الاستوائية، وكتابة الشعر وقضاء الكثير من الوقت في مكتبة سيتي لايتس التي كانت منارة لجميع الشعراء في تلك الأيام. يومها كانت فلوريدا قاحلة ثقافيا ويبدو أن بناء حياة مثقف هناك مستحيلة. لم يكن هناك مشهد ثقافي يشجع على ذلك، وتخيلت منابر الشعر تزدهر في سان فرانسيسكو. عندما حللت أنا ونانسي بكاليفورنيا طلبت من أخي أن يساعدنا على فتح مشتل للنبتات الاستوائية وبالخصوص Bromeliads. لا أحد منا كانت لديه خبرة في مجال النباتات بالرغم من أن نانسي عملت في مخزن للنباتات لفترة، ولكننا كنا جميعا مدفوعين بالعاطفة. وبعد 30 عاما ما يزال مستنبت النبتات الاستوائية هناك. لم يمض وقت طويل بعد وصولنا إلى ولاية كاليفورنيا حتى التقيت بكبار الشعراء جوان كايغر ومايكل مكلور وفيليب ويلن، والذين أصبحوا أصدقاء أعزاء ومرشدين لي، ومن المثير للاهتمام أنني التقيت بهم من خلال مشتل النبتات الاستوائية وليس من خلال أيّ مشهد أدبي.

◄ الجديد: أنت شاعر، رئيس تحرير، وكاتب أغاني. ما هو تصوّرك للشعر؟ وما هي أهمية الشعر في رأيك؟ ولماذا فضلت كتابة الشعر عن الأجناس الأدبية الأخرى؟

مايكل روتنبرغ: هذا سؤال سهل ومعقّد في الآن نفسه. سأقول ببساطة أنا أحبّ الشعر لأنّني أحببت القصص التي كان يحكيها أساتذتي عن الشعراء خلال دراستي الثانوية إذ كانت الأستاذة تدرّسنا نصوص شعراء رومانسيين: كيتس، بليك، شيلي، بايرون، وكان كل ذلك يبدو وكأنه الحياة التي أتوق إليها. وكما أعقبت أنفا، جيل ستينات القرن العشرين أعجبني؛ على وجه الخصوص ما نشر لشعراء من أمثال فيرلينغيتي وغينسبرغ ومكلور الذين كانوا يتحدثون عن قضايا تشغلني، وأفترض أن أقل شيء يمكن أن يصبحه ابن محام في مدينة يعتز أهلها أساسا بالنجاح المالي والمظهري هو أن يصبح شاعرا. كان الشعر بمثابة ثورة لي، طريقي إلى الوعي وبناء ذاتي ورؤيتي الخاصة للعالم؛ وتحققت أنه يمكنني فعلا أن أتعلم كل شيء عن العالم عن طريق الشعر لأن الشعراء يقومون بشرح العالم، ولم أكن مجبرا على أن أصبح أستاذا، وهو ما كان يأمل فيه والدي، لأن الناس يعتقدون أن مهنة التدريس هي ما يفعله كل من يريد التعلم باستمرار. باختصار، لقد منحني الشعر مسارا من خلاله تمكنت من اكتشاف نفسي وكتابة قواعدي الخاصة.

◄ الجديد: ما هي مقاربتك الشخصية لكتابة الشعر؟ هل تستحضر تقنيات وقواعد معينة أم أنك لا تلتزم بأي قواعد أثناء كتابتك للشعر؟

مايكل روتنبرغ: مقاربتي لكتابة الشعر تشبه أساسا طريقة كاتب يوميات، وجدتها مريحة ومثمرة ، أشياء كثيرة تحدث كل يوم، كل شهر، كل سنة، إلى حد لا يلزمني الذهاب بعيدا جدا للعثور على الإلهام أو الرؤى أو الأحلام. كل هذه العناصر حاضرة هناك في اللحظة التي أُشرع فيها الصفحة وأشرع في كتابة أفكاري. أنا لا ألتزم بالقواعد عموما وأحاول أن أسمح لأفكاري بأن تتدفق بينما أراقب وأسمع العالم من حولي، وبالطبع لقد تأثرت بما قرأته لشعراء وكتاب من حقب مختلفة وقد منحني ذلك خيالا خصبا، ويمكنني أن أقول إنني أكتب بناء على ما أتلقاه من الأصوات التي تتحدث إليّ من القرون الماضية، وكنت أهتم كثيرا بالطريقة التي كتب بها الأدباء المبدعون أعمالهم. تلقيت دروسا على مرّ السنين من أساتذة و مدرسي الكتابة الإبداعية، ولكن في النهاية تأكد لي أنه لا بد من اتخاذ خياراتي الشخصية لأفسح الطريق أمام صوتي الخاص.

كيف تكون شاعرا وتدير ظهرك لآلام البشر

◄ الجديد: كان لك شرف مقابلة كتاب مرموقين من أمثال جوان كايغر، فيليب ويلن، ديفيد ملتزر ومايكل مكلور، وزرت أماكن عملهم حيث تمكنت من إنشاء صداقات أدبية معهم في ارتباط بحركة جيل الإيقاع. كيف أثرت هذه العلاقات على وعيك الاجتماعي والتزامك السياسي؟ هل تعتقد بأن حساسياتك الجمالية توجهها الأسس النظرية العامة لحركة جيل الإيقاع؟

مايكل روتنبرغ: أعتقد أنني قد أوضحت هذه الفكرة إلى حد ما. في الغالب، ربطت صداقاتي الأدبية من خلال شغفي بالنباتات الاستوائية والتزامي بالدفاع عن قضايا البيئة، وبالطبع كنت متأثرا جدا بأصدقائي. ومن المثير للاهتمام أن كايغر وويلن اللذان كانا أكثر تأثيرا على أسلوبي كان كلاهما يعتمد على اليوميات في كتابتهما للشعر، وعندما التقيت بهما اكتشفت أنني لم أكن الوحيد الذي يستعمل هذه الاستراتيجية ومن خلالهما أتقنتها، وقد علّماني هذه الطريقة وذلك باقتراح قراءات في نصوص شعر اليوميات الياباني، شعر باشو، وكيف اعتنق جاك كيرواك هذه الطريقة في كتابته للرواية. يمكن لاستراتيجية كتابة اليوميات أن تأخذك إلى ما تتطلع إليه ككاتب، بقدر ما يخص النوع الأدبي. أنا لا أهتم بالتمييز بين الأنواع الأدبية فالكثير من الأساليب تفضي إلى بعضها البعض، وقد أحببت قصيدة “باترسون” لويليام كارلوس وليامز لهذا السبب.

أعتقد أن حساسياتي يوجهها إلى حد ما أسلوب ورؤية جيل الإيقاع، ولكنّني أعتقد أن حركة الفن عادة ما تحددها وسائل الإعلام وموثقي تلك الحركة. لم تتخذ حركة جيل الإيقاع شكلا واحدا أو صوتا أو نمطا محددا؛ بالنسبة إليّ، فجمالية حركة جيل الإيقاع تمكن في انفتاحها على أشكال ومواضيع متعددة، وفي الطريقة التي غنّى بها كل شاعر أغنيته بكل أصالة، وهكذا استفدت من هذه الحركة من خلال إيمانها بالانفتاح والتنوع، وبأن الشاعر يمكن وينبغي أن يشارك في بناء العالم؛ وهذا لا يعني أن جميع شعراء جيل الإيقاع كانوا ملتزمين بقضايا، فهم في الغالب شاركوا بقصائدهم في مناسبات تستلزم موقفا سياسيا وعبّروا عن مخاوفهم من خلال عملهم. كان الالتزام السياسي موضوعا تشجّعه حركة جيل الإيقاع بطرق إيجابية في الكثير من أعمال المنتمين إليها، وهو التزام كان له معنى مما دفع بي إلى اعتناق مبادئ الحركة.

◄ الجديد: أنت محرر وشاركت في تأسيس مجلة “بيغ بريدج” و”دار نشر بيغ بريدج” التي نشرت أعمال شعراء أميركيين مؤثرين من أمثال جوان كايغر، روبرت كريلي، ألن غينسبرغ وفيليب ويلن. ما ألهم هذا الفكرة وكيف تمكنت من الحفاظ عليها مزدهرة ومجددة أكثر من أيّ وقت مضى؟

مايكل روتنبرغ: “بيغ بريدج” هي بمثابة استجابة ضد التضييق الذي مارسته العديد من المجلات الأدبية المطبوعة حينها، لم أشعر بأن المجلات الأدبية المنشورة آنذاك تمثل مجتمعا واسعا من الأساليب والجماليات ولذلك أردت أن أفتح المجال لتلك الفئة المهمشة. يجب أن نعلم أن “بيغ بريدج” مجلة على الإنترنت وبذلك تكون التقارير أسرع والتغطية أوسع، والتكاليف أقل بكثير من المجلات المطبوعة، لذلك شعرت بأنني يمكن أن أنجز أكثر من المجلات المطبوعة باستخدام العالم الافتراضي. أعتقد أن كل رئيس تحرير مجلة أدبية له دوافعه لنشر مجلة أخرى كردّ فعل على شيء يشعر أنه مفقود في الساحة الأدبية، قد يكون تضييقا في سياسات النشر. شعرت أن الكثير من أصدقائي يستحقون أن تنشر أعمالهم و لكنهم لا يحصلون على ما يستحقونه من اهتمام وكنت أخشى على الكثير من الشعر آنذاك إلى نبضات جديدة توقظه. شعرت حقيقة أننا يمكننا أن ننشر أكبر قدر من الكتابات في “بيغ بريدج” دون أن نقلق بشأن تكلفة الألوان، وهكذا يتوفر العدد القادم من “بيغ بريدج” على أكثر من 1000 صفحة أسهم بها شعراء من الهند والتبت وروسيا والمكسيك والولايات المتحدة الأميركية؛ وهذا شيء نادرا ما تقوم به المجلات المطبوعة بسبب تكاليف الطباعة والتوزيع. ولأننا نعمل على الإنترنت فيمكن للشعراء والكتاب والفنانين من جميع أنحاء العالم أن يتذوّقوا عمق واتساع الشعر والفن مجانا؛ بل تعتبر مجلة العالم الافتراضي وسيلة رائعة لبناء وتوسيع المجتمع، وبالطبع كنت أرغب في رؤية المزيد من الأعمال التجريبية لكلّ أدباء وشعراء جيل الإيقاع والجبل الأسود ومدرسة نيويورك ونهضة سان فرانسيسكو منشورة حتى نتمكن من تقاسمها مع الكتاب الجدد في جميع أنحاء العالم؛ وقد كنت متأثرا في ذلك بما تم نشره عن الشعر الأميركي الجديد كما نشره دونالد ألن في مختارات وكنت أفكر في نفس الأمر.

◄ الجديد: لقد تم نشر مختارات من شعر المغرب المعاصر في العدد 16 من مجلة “بيغ بريدج”. هل أنت راض عن محتوى القصائد المقدمة في هذه المختارات؟ هل تعتقد أن الشعراء المغاربة يتقاسمون الانشغالات الحالية في ارتباطها بالدفاع عن قيم إنسانية كونية مثل العدالة الاجتماعية والكرامة والصراع المستمر من أجل التغيير الإيجابي؟

مايكل روتنبرغ: أعتقد أن مختارات الشعر المغربي المعاصر هي إسهام كبير في النقاش الدائر حول الشعر في العالم. أنا واثق من أن هذه هي المرة الأولى التي يطّلع فيها القراء على نماذج من الشعر المغربي، وأتمنى أن نصدر مختارات أخرى من الشعر المغربي الحديث عام 2014. من المهم أن نعلم عمق الأرضية المشتركة التي نتقاسمها بوصفنا سكان هذا الكوكب ونفهم أن كثيرا من قضايانا واهتماماتنا متشابهة. كلنا نسعى من أجل تحقيق الكرامة في هذه الحياة والكرامة لا يمكن أن تتحقق عند طريق العنف والحرب والرقابة والعنصرية والإبادة الجماعية. ونحن متفقون على هذا، وكل شعراء العالم يتفقون على هذا بغض النظر عن الفروق الثقافية.

◄ الجديد: إلى جانب تيري كاريون أسّست حركة شعبية عالمية تدعى 100 ألف شاعر من أجل التغيير عام 2011، وتم تنظيم أنشطة دولية مكثفة تحت نفس شعار “مائة ألف شاعر من أجل التغيير” كل سنة إلى حدود الآن. من أين بدأت الفكرة وما هي دوافعكم لتحقيقها؟

مايكل روتنبرغ: في مارس 2011، كنت أتحدث مع صديق في الفيسبوك حول الحزن والإحباط الذي تسببه لي حالة العالم اليوم جراء كارثة النفط في خليج المكسيك، والحروب في أفغانستان والعراق، والاحتباس الحراري، والإبادة الجماعية، والفقر، والتشرد، والعنصرية، وشعرت أن الأمور تسوء يوما بعد يوم بمعدل متسارع ولا أحد ينبس ببنت شفة، وخصوصا من قبل الفنانين و الأدباء و الشعراء الذين كانوا يقاتلون من أجل العدالة والإنسانية، والسلام والإبداع. لقد لاحظت أن الفنانين، والشعراء أصبحوا صامتين بشكل متزايد على مرّ السنين، وأصبحوا منغمسين في المهن والوظائف، وبدا لي عموما أن “الالتزام” في الفن أصبح شيئا من الماضي. لا أنكر أنه توجد فئة من الفنانين الذين استماتوا في خدمة مجتمعهم، ولكن عدد الذين يتحدثون عن التغيير يبدو هزيلا في نظري مقارنة بعدد الفنانين الهائل. لقد أحسست كأنني أقلع ضرسا كلما حاولت أن أجمع جماعة من الشعراء كي يحاوروا بعضهم البعض لمعالجة بعض القضايا المطروحة في مجتمعهم. قمت بتنظيم أكثر من سبع حفلات مع شعراء وموسيقيين ولم يأت بالكاد أحد وآلمني كثيرا خصوصا وأن بعض الشعراء الذين استدعيتهم كانوا معروفين بنضالهم وكان من بينهم أخد الشعراء المرشحين لمنصب شاعر الولايات المتحدة الأميركية. كان الأمر مؤسفا جدا. في ذلك الحين قلت لصديقتي على الفيسبوك يجب أن تكون هناك حركة 100 ألف شاعر من أجل التغيير! وقالت “إنها فكرة جيدة”، وهكذا قمت بإعداد صفحة نشاط ثقافي على الفيسبوك واستدعيت إليها جميع أصدقائي واقترحت أن تكون الدعوة إلى الحركة عالمية، وكان البيان شيئا من هذا القبيل “هل تريد الانضمام إلى شعراء آخرين في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأميركية وعبر الكوكب في تظاهرة/ حفل شعري لتعزيز التغيير الاجتماعي والبيئي والسياسي البناء؟”، ثمّ دعوت أصدقائي على الفيسبوك، وكانت تلك بداية التحدي، تم بدأت في حشد الجيوش عبر العالم. ومع بداية الربيع في شمال أفريقيا والشرق الأوسط كنت متفائلا بأن هذه فرصتي لأستأذن نفسي وأترك تنظيم قراءات وتظاهرات شعرية ملتزمة للجيل القادم، وكان هذا قبل حركة “احتلال” ولم يكن لديّ سبب في الاعتقاد أن أحدا سيقبل هذا الاقتراح ويأخذه على محمل الجد؛ وقد استغربت عندما بدأت أتلقّى فورا رسالات من جميع أنحاء العالم. وفي يوم 24 سبتمبر 2011 بلغت التظاهرات المنظمة أكثر من 700 تظاهرة في 95 بلدا وبدا لي أن الرسالة كانت الرسالة المناسبة في الوقت المناسب.

◄ الجديد: تم تأسيس حركة مئة ألف شاعر من أجل التغيير للدفاع عن القيم الكونية مثل السلام والتضامن والحرية والعدالة الاجتماعية في تعاون مع نشطاء دوليين على نطاق واسع، وقد لوحظ أن القادة الرسميين ومؤيديهم شعروا بنوع من التخوف. أيّ نوع من التغيير تتمنون تحقيقه؟

مايكل روتنبرغ: النوع الأول من التغيير يتعلق بالشعراء والكتاب والموسيقيين والفنانين، أيّ شخص، كي يجتمعوا من أجل الإبداع والتثقيف والتظاهر، في وقت واحد، مع جماعات أخرى في جميع أنحاء العالم، حيث سيؤدي ذلك إلى تغيير الطريقة التي ننظر بها إلى مجتمعنا المحلي والمجتمع العالمي. لقد أصبحنا نحس بالاستلاب بشكل لا يصدق في السنوات الأخيرة. نحن لا نكاد نعرف جيراننا ناهيك عن حلفائنا في الإبداع الذين يعيشون ويتقاسمون اهتماماتنا في بلدان أخرى. نحن في حاجة إلى الشعور بهذا التضامن العالمي وأعتقد أنه سيكون قويا.

وبالطبع هناك تغيير سياسي واجتماعي يتحدث عنه الكثيرون منا هذه الأيام لكن المشاكل مستمرة في هذا العالم، من حروب وإبادة البيئة، وانعدام الرعاية الطبية بأسعار معقولة، والعنصرية، والقائمة تطول، وما نطلبه هو أن ينظم النشطاء المحليون تظاهرات حول التغيير والسلام والاستدامة.

ومن جهة أخرى، يبدو أن التحول نحو عالم أكثر استدامة يحظى الآن باهتمام كبير لدى الناس، ويمكن أن يكون المبدأ الموجه لتظاهرات مئة ألف شاعر من أجل التغيير العالمي بالإضافة إلى قضية السلام المشتركة؛ فالحرب ليست مستدامة. هناك شعور متزايد بأننا بحاجة إلى المضيّ قدما، ولكنّي أحاول أن لا أكون دوغمائيا بفرض طريقة محددة، وآمل أن نتمكن معا من تطوير أفكارنا عن “التغيير/التحول” الذي نسعى إليه كمجموعة، وأتمنّى أن تقرر كل فئة داخل المجتمع المجال الذي يستحق التركيز عند تنظيم تظاهراتها.

◄ الجديد: هل تعتقد أن حركة 100 ألف شاعر من أجل التغيير نجحت في الرفع من مستوى وعي الناس؟ ما هي الطرق الملموسة التي تمكنت من خلالها الحركة من تحقيق أهدافها الأساسية؟

مايكل روتنبرغ: هذا سؤال واسع جدا بالنسبة إليّ. يبدو أن هناك أناسا في جميع أنحاء العالم يحبون حركة 100 ألف شاعر من أجل التغيير، يحبّون ما تمثله وكيفية عملها ولذلك اختاروا الاستمرار في تنظيم تظاهرات في هذا الإطار، وهذا ما يبينه استمرار بعض المنظمين في تنظيم تظاهرات منذ عام 2011، كما أن هناك بعض البرامج المستمرة والتي بدأت مثل برنامج 100TPC للاستدامة للشباب في كامدن بولاية نيو جيرسي وفيلادلفيا بنسلفانيا، وهو البرنامج الذي يوفّر تعليما مستداما للأطفال المعرضين للخطر والأسر ذات الدخل المنخفض. في الحقيقة من الصعب عليّ أن أقيس التأثير في الوعي العالمي ولا يسعني إلا أن أنظر إلى بعض الجهود الفردية والمحلية، وقد رأيت على المستوى المحلي أن الكثير من الناس الآن يفكرون بشكل مختلف في دور الفنانين، وأصبح شعراء العالم والموسيقيون والفنانون، الذين لم يسبق لهم أن اجتمعوا بأيّ شخص خارج دائرة أصدقائهم، يتشاركون في تبادل الأفكار حول ما له تأثير على الوعي الجمعي. كثيرا ما عمل الفنانون في دوائرهم المغلقة حيث يعيدون توزيع نفس الأفكار المتكلسة والعقيمة، ويعتبر إطلاع العالم على الشعر المغربي باللغة الإنكليزية من خلال مجلة “بيغ بريدج” لم يكن ليحدث لو أننا لم نلتق من خلال حركة 100 ألف شاعر من أجل التغيير، ومن خلال الحركة التقيت أيضا مع شعراء آخرين من أيرلندا وتحدثت مع شعراء من جميع أنحاء العالم من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، ومن خلال الحركة تعرّفت على الشعراء الإيطاليين الذين أصبحوا يقرؤون الآن عملي والتقيت بكرم يوسف صاحبة مكتبة الكتب خان في القاهرة والتي ستنشر ديواني “حبس لأجل غير مسمى: قصة كلب” الذي قمت بترجمته.

◄ الجديد: أصبحت حركة مئة ألف شاعر من أجل التغيير الآن منظمة واشترك المئات من الفنانين والمصورين والموسيقيين في تظاهراتها؛ ماذا تنوي أن تفعل بهذه الحركة مستقبلا؟

مايكل روتنبرغ: أتمنّى أن أرى المزيد من الفنانين الذين يعملون معا على تنظيم تظاهرات حول السلام والاستدامة، وآمل أن يستخدم الناس المنبر الذي وفرناه لهم من خلال موقع وسائل الإعلام الاجتماعية للتواصل مع بعضهم البعض لإنقاذ هذا الكوكب. أعتقد أن هذا يمكن أن يحدث إذا توفر التحفيز والأمل والفهم العام لدى الفنانين الذين يتمتعون بقدرة فريدة على نشر رسالة إيجابية. من مشاريع الحركة كذلك البحث عن جماعة من الفنانين العالميين الأقوياء الذين سينجزون برامج في مجتمعاتهم المحلية تساعد على حلّ المشاكل التي أهملت لفترة طويلة للقضاء على الفقر والتشرد، وتشجيع القراءة والكتابة، ومكافحة الأمراض. يمكن للشعراء والفنانين أن يقوموا بذلك وقد حان الوقت لتغيير محور السرد الحضاري، الذي يدور حول الحرب والإبادة البيئية، نحو السلام والاستدامة والتعايش الثقافي.

تنظيم تظاهرات حول السلام والاستدامة

◄ الجديد: ترجَمتُ ديوانك الأخير “حبس لأجل غير مسمى: قصة كلب” إلى العربية، وستنشره قريبا مكتبة الكتب خان بالقاهرة. ما هي الدوافع السياسية والاجتماعية التي أنتجت هذا الديوان؟ هل ألهمتك بطريقة ما ظروف التغيير الجذري الذي يشهده العالم عموما وشمال أفريقيا بشكل خاص؟

مايكل روتنبرغ: أعتقد أن هذا الكتاب يحمل فحوى حياتي، والمشاركة السياسية ليست جديدة بالنسبة إليّ؛ ودون أدنى شك الديوان مستوحى من أحداث الربيع، ومن الأمل الذي يتولد مع لحظة التحول التاريخي هذه والاعتراف بأهواله الناتجة عن المجتمع الحديث والحضارة منذ بدايتها. لقد بدأنا فعلا نتحدث عن عالم جميل بديل لما نعيشه من قلق. في ديواني “حبس لأجل غير مسمّى: قصة كلب”، يكون الكلب شخصية تلاحظ وتجسد السخرية والتفاؤل معا في قالب يظهر أنني في حالة حرب مع نفسي، وآمل أن يساعدني هذا الكتاب على حل نزاعاتي الداخلية حتى أستطيع التحرك نحو إبداعات بناءة. من جهة أخرى، ربما يكشف هذا الديوان بعض المفاهيم الخاطئة لدينا بسبب الخوف والرضا بالوضع القائم، ويؤكد الأسطورة التي يجسدها كلّ منّا في رحلته عبر الحياة. إنه ديوان تجريبي ويتكون من اليومية والقصيدة معا، هو كذلك رحلة في مكان وصورة لحظية تتحدث عن نفسها. أنا جد مسرور بكون الكتاب سوف يرى النور باللغة العربية، وفي القاهرة على وجه الخصوص.

◄ الجديد: ما هي طبيعة العلاقة القائمة بين السياسي والأخلاقي في شعرك؟ هل تعتقد أنه يمكن للمرء في هذا العصر أن يكتب شعرا يغض بصره عما هو سياسي؟

مايكل روتنبرغ: أعتقد أنني قد أجبت على هذا السؤال ولكن باختصار. أعتقد أن الشعر لا يستطيع أن يتغاضى عمّا هو سياسي. هناك سوء فهم عام لمفهوم “القصيدة السياسية”، وأتجنّب الصورة النمطية للقصيدة السياسية عند بعض الأدباء والنقاد الذين يعتبرون أنها نوع من تبجح أخلاقي بالكلام؛ ولا أعارض التبجح الشعري بالكلام على الإطلاق، بل أحب ذلك أيضا. أعتقد أن ملاحظة بسيطة لشجرة زيتون، أو مجرى ماء نقيّ، أو سماء زرقاء هو كل ما نحتاجه أحيانا كي نفهم ما يجب القيام به. كانت الصورة دائما أخلاقية دون الحاجة إلى دوغمائية، وهناك دائما مسار لما هو ديداكتيكي كذلك.

عندما أنظر إلى العالم الطبيعي أشعر دائما بالانتماء، وبالرغم من أننا لا يمكن أبدا أن نعود إلى ديارنا فنحن نكافح دائما كي نعود إلى الجنة، ويبدو أن ذلك جزء من طبيعتنا، جيناتنا. لا أستطيع أن أفهم معنى أن يكون المرء فنانا ويدير ظهره للعالم دون أن ينشغل بما يحدث حوله.

كاتب من المغرب

العرب

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى