صفحات سورية

حافظ الكبير وحافظ الصغير والحلقة المفرغة


د . جاكي ابو سمرة

أقول بصراحة ومنذ البدء : ليس عندي أي أمل في أن يجري النظام السوري أي إصلاحات لا سطحية ولا جوهرية ولي حجتي.

لنعود قليلا إلى مسلسل وادي المسك الذي ألفه المرحوم محمد الماغوط ، كلنا يذكر عملية التزوير التي جرت في الانتخابات والتي قادت إلى فوز ياسين الإنسان المتواضع البسيط على حساب الرجل المحبوب والمثقف والمحترم. طبعا قاد عملية التزوير هذه غوار المزيف ومساعده أبو عنتر. وفي اللحظة التي صدّق فيها ياسين انه أصبح رئيسا للبلدية وأراد أن يأخد دوره بالكامل ومنها رفض معاملة غير قانونية قدمها له غوار المزور، قام غوار المزور باغلاق باب البلدية وانهال ضربا على ياسين مذكرا اياه بأنه لعبة بيديه عليه ان يسمع ويطيع.

حقا لقد كان الماغوط رجلا متنبئا بالمستقبل اذ وبعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على هذا العمل الفني نجد ان هذا السيناريو يتكرر على ارض الواقع وفي مجلس الشعب السوري عام 2001، ولكن هذه المرة بشكل تراجيدي وذلك بتعيين بشار الأسد رئيسا للجمهورية بعد لي عنق الدستور .

وربما أعتقد هذا الشاب الغر أنه حقا قائدا ورئيسا ( كما أعتقد ياسين من قبله) فبدأت باطلاق التصريحات حول الاصلاح والانفتاح على المجتمع و…. وكانت الكارثة أن هنالك ممن صدق ذلك من رجال عركتهم الحياة كالدكتور عارف دليلة والسيد رياض سيف وغيرهم من مثقفين ومحامين ، واعتقدوا أن ربيع دمشق جاء بأحلى حلله، فاذا بنا أمام واقع مرير تمت فيه اعادة الرئيس الغر الى جادة الصواب فينقض على من صدقه ويضعهم بالسجن ويضيق على المجتمع والحريات معلنا موت ربيع دمشق بقوله أن حافظ الأسد يحكم من قبره.

هذه الواقعة والتصرفات اللاحقة لبشار الاسد تؤكد حقيقتين أولهما ان بشار الأسد جاء الى الحكم كمحصلة لتوازنات القوى الفاعلة والمتنفذة الأمنية والعسكرية والأسرية والتي دعيت بالحرس القديم، أما الحقيقة الثانية فهي أن بشار الأسد رضي أن يكون جزءا من هذا التوازن القائم بعد عدة أشهر من توليه السلطة وهذا ما أكدته ممارساته والقرارات السياسية والأمنية والاقتصادية التي اتخذها والتي عززت مصالح الفريق الحاكم .

فهو غير قادر على اتخاذ قرار بمفرده وهذا ما لاحظناه في تراجعه في خطابه أمام مجلس الشعب عما أراد أن يقوله عبر مستشارته السياسية نثينة شعبان ونائبه فاروق الشرع. وقد اكد رامي مخلوف قبل أيام هذه الحقيقة بقوله أن القرارات تتخذ بشكل جماعي وأن كانت للرئيس الكلمة العليا ( الكلمة العليا تعني هنا المتخذ للقرار المتفق عليه). وكما يقال فبشار الأسد هو أسير تركة ثقيلة.

السؤال الذي أود ان أطرحه هنا هو : هل حقا أن هنالك تركة ثقيلة تدفع النظام السوري اتخاذ مسار أحادي الاتجاه قد يقوده اما الى سقوط الشعب أو سقوط النظام كما قال شيخ المدافعين عن حقوق الانسان الاستاذ هيثم المالح.

تميزت البيعة الرابعة لحافظ الاسد عام 1992 وبخلاف بقية البيعات ،بمشاركة واسعة من مواطني سورية السنة، فقاموا يتزيين مدنهم وقراهم وذبح الاضاحي وتوزيع الحلوى ولاسابيع كثيرة، وقيل وقتها أن هذه اللفتة جائت من تجار ورجال الدين السنة ، للتودد لحافظ الأسد عله ينهي ملف المعتقلين والمغيبين والمبعدين. مرت البيعة وخطب الأسد الأب كعادته بمجلس الشعب، شكر الشعب على حبه له وكفا الله المؤمنين شر القتال.

لماذا لم يستغل حافظ الأسد وهو في أوج قوته هذه اللفتة من أناس اعترفوا له بهزيمتهم أمامه وطالبوا بطي صفحة الماضي.

اعتقد أن ملف المعتقلين والمغيبين فيه من الأسرار الشيء الكثير وان عتبة النظام في ارتكاب مجازر بحق ليس من يعترض بل من يحتج هي منخفضة جدا وهذا ما لاحظناه في تعامله مع المحتجين في أغلب المدن السورية بالرغم من التصوير لهذه المجازر، فما بالكم في فترة الثمانينات حيث لا تستطيع ذبابة أن تبرح مكانها قبل أن تقتل.

صحيح أن هنالك ملفات ثقيلة أخرى كالفساد المالي على أعلى المستويات ودور الأجهزة الأمنية ودور الأسرة الحاكمة وغيرها من ملفات التي أعتقد أنها قابلة للمساومات على الطريقة اليمنية، لكن أهم ملف جعل الأسد الأب ويجعل الأسد الابن عاجزين عن السير بالمصالحة الوطنية رغم توفر المناسبات العديدة لها هو ملف المعتقلين والمغيبين، هنالك الآلاف الذين هم نظريا وبحكم القانون على قيد الحياة ، لكن كل الدلائل تشير على أنهم قتلوا. ويعرف النظام أن عامل الوقت هو الكفيل بإغلاق هذا الملف.

حسابيا، يحتاج النظام الى مرور ثلاثون سنة أخرى يكون فيها أصغر معتقل أو مغيب مفترض من فترة الثمانينات قد تجاوز الخامسة والسبعين من العمر، عندها تكون ذاكرة الناس قد ذبلت ، وهي الفترة الضرورية ليصبح هؤلاء المعتقلون والمغيبون جدودا للآباء وعندها لن تجد من يطالب بمعرفة مصيرهم بإلحاح كما هو عليه الأمر حاليا، ذلك أن علاقة القربى تكون قد طالت على مدى أربعة عقود . هذا يعني أن النظام يحضر ومن الآن حافظا الصغير ليسير على خطا حافظ الكبير. أي السير في طريق أحادي الاتجاه، اعتقد النظام أنه سهل المسار ليتفاجأ بعريه محمد بو عزيزي تقلب رأس الأنظمة العربية على عقب، وبالتالي وجد النظام نفسه يدخل في حلقة مفرغة جديدة من القتل والمجازر والاعتقال والتغييب تحتاج لثلاثة عقود جديدة ليلفها النسيان متناسيا أو ناسيا أنه فقد البوصلة منذ تلك اللحظة التي أودع فيها أطفالا بعمر حافظ الصغير السجن .

كاتب سوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى