صفحات سوريةفايز ساره

حتى لا تتجدد عزلة السوريين الأكراد


فايز سارة

كان من أبرز تطورات العقد الماضي، قيام السوريين بتجديد الاندماج في جماعتهم الوطنية، وكان الأهم في تلك الخطوة إعادة بناء روابط الجماعات السياسية العربية مع الجماعات السياسية التي تضم الأكراد والآشوريين في سوريا، وهو جهد تكرس واضحا في تأسيس إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في عام 2005، وقد ضم عند تأسيسه الأحزاب العربية وشخصيات من الاتجاهات اليسارية والقومية والإسلامية، إضافة إلى أغلب الأحزاب الكردية والمنظمة الاثورية الديمقراطية، وكانت قاعدة التوافق الأساسية في الإعلان توجهه إلى بناء دولة ديمقراطية تعددية لكل مواطنيها توفر العدالة والمساواة للجميع، وتعالج قضية الأكراد السوريين بالعمل على حل مشكلاتهم التي تراكمت عبر عقود من حكم حزب البعث.

لقد شكلت تلك الخطوة نقلة جدية في الحياة الوطنية للسوريين؛ إذ وضعت حدا لعزلة الأكراد والآشوريين عن غيرهم من مواطنيهم، ثم أضافت إلى ذلك بعدا آخر مهما، وهو تحويل مطالب الأكراد والآشوريين إلى مطالب وطنية هي في موقع الإجماع السوري، ليس في المعارضة فقط، وإنما لدى أغلب السوريين إن لم نقل كلهم، بما في ذلك النظام الذي اضطر إلى إعادة النظر في سياسته إزاء الأكراد ومطالبهم المحقة، وإن كان ذلك التعامل محكوما من جانبه باعتبارات سياسية مصلحية أكثر مما هو محكوم بالاعتبارات الوطنية العامة.

والتحول في تعامل السوريين مع الأكراد وقضيتهم، جاء ثمرة جهود مكثفة بذلها نشطاء ومثقفون سوريون من لجان إحياء المجتمع المدني وبعضهم من الجماعات السياسية، أدركوا بعمق أن مستقبل سوريا يصنعه كل السوريين، وأنه من غير الممكن استبعاد أي من عناصر الجماعة الوطنية وتعبيراتها السياسية، وهو أمر وجد هوى وتأييدا في أوساط الأكراد والآشوريين وأغلب جماعاتهم السياسية، التي أصبحت عنصرا حاضرا ومهما في الحياة السياسية وتعبيراتها المختلفة ولا سيما في هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني السوري إضافة إلى إعلان دمشق.

وبطبيعة الحال، فإن ترديات واقع المعارضة السورية بفعل عوامل داخلية/ خارجية أساسها قمع النظام وأجهزته، سحبت نفسها على الجماعات الكردية، وهو أمر كان قائما وملموسا عشية انطلاق حركة الاحتجاج والتظاهر الشعبي في مارس (آذار) الماضي، مما أربك كل الجماعات السورية ومنها الكردية، التي وإن توزعت غالبيتها على تحالفي المعارضة في إعلان دمشق وهيئة التنسيق، فإن ارتباكها لم يمنع الجماعات الكردية من السير في ثلاثة اتجاهات لكل منها تجسيدات في وسط الأكراد ولو بنسب مختلفة، أولها اختار الوقوف في قلب الحراك الشعبي وقد وجد له صدى ملموس في وسط الأكراد وخاصة في شمال شرقي البلاد، والثاني فضل المشاركة المحدودة والرمزية وفيه أغلبية الجماعات الكردية وهو موجود في أغلب التجمعات الكردية، في حين سعى الثالث، وفيه عدد قليل من الأحزاب، إلى الوقوف على «الحياد»، بل إن بعض أحزاب هذا الاتجاه الحاضرين في معظم التجمعات لعبوا دور القوى المناهضة للحراك الشعبي وفعالياته في المناطق الكردية، وكان من اللافت للنظر ظهور تيار كردي يمثله حزب العمال الكردستاني، يدعو إلى تنظيم وتسليح أكراد سوريا ووقوفهم على الحياد في الصراع بين السلطة والشارع بانتظار ما سيؤول إليه الوضع لاحقا.

وعلى الرغم من أن من حق الأكراد وجماعاتهم السياسية اتخاذ ما يرونه مناسبا من مواقف تتناسب مع مصالحهم، فإن ما صارت إليه مواقف الأحزاب الكردية التي تمنع تفاعل الأكراد العميق والواسع مع الحراك الشعبي في سوريا أو تعزلهم عنهم، إنما ستقودهم إلى عزلة جديدة في الواقع السوري، وقد تتسبب لاحقا في أزمة في المحيط الوطني بين الأكراد ومواطنيهم العرب؛ إذ تبنى الشارع الكردي مواقف جماعاته السياسية وميلها إلى تجديد عزلة الأكراد عن بقية مكونات الجماعة الوطنية وطموحاتها في الحرية والكرامة وبناء الدولة الديمقراطية التعددية القائمة على العدالة والمساواة وحكم القانون، دولة لكل مواطنيها.

إن قضية السوريين الأكراد في الأهم من وجوهها هي قضية كل السوريين، وجوهرها إسقاط النظام الأمني الاستبدادي وإقامة نظام ديمقراطي، يوفر آليات وظروف معالجة موضوعية للقضايا والمشكلات السورية كلها، ولا سيما للقضية الكردية ومطالب الأكراد التي تحوز تأييد ومساندة قطاعات واسعة من السوريين، لكن مواقف خاطئة للجماعات السياسية الكردية قد تقود إلى عزلة الأكراد، وهذه من شأنها أن تؤدي إلى عودتهم وقضيتهم إلى المربع الأول وهو ما لا يتمناه السوريون ولا يرغبون فيه أبدا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى