رفيق شاميصفحات مميزة

حجب الشمس بغربال: ملاحظات حول مرتزقة الكلمة/ رفيــق شامي

 

ملاحظة اولية عن التسامح

إذا أردنا بناء دولة ديمقراطيةٍ حرّة فلا بد لنا من التخلي عن العشائرية والثأر كي نؤسس معاً مجتمعاً إنسانياً تسود فيه الحرية والعدالة. في هذا المجتمع يقوم قضاء عادل نزيه بالفصل بين الحق والباطل، بين البراءة والإثم. وهو الذي يحكم وليس السلاح من يتوجب معاقبتهم ولأي حد. الدولة الحديثة تحتاج، كما كررت مراراً في مقالات سابقة[1]، إلى شيء من التسامح والقدرة على النسيان، وتحتاج للشجاعة التي يتطلبها ليس القتل إنما مد اليد لخصوم الأمس. والتسامح ضروري لكي نبني معاً الوطن السوري الواحد بكل أطيافه. التسامح عمل يومي ونشاط فكري وفي تضاد دائم مع اللامبالاة التي تهدد كل خطواته عبر الخلط بينهما. لكن لا يجوز على أي حال أن نخلط بين التسامح وغسيل العقول من كل خبرة تاريخية. لأن من لا يأخذ عبرة من مآسي التاريخ يساهم في إعادتها. فكل هؤلاء الذين يطبلون للطاغية ويؤيدون جرائمه يجب أن يقدَّموا لمحاكمة بتهمة الاشتراك بجريمة إنسانية والتحريض عليها. عدالة القضاء النزيه تبني الدولة الحضارية بينما يهدمها الثأر[2].

ولا عجب ألا ترفع أية عائلة عراقية، فُجعت بأولادها في حروب صدام القذرة، دعوى ضد جيش جرار من مرتزقة الكلمة الذين مجدوا صدام حسين وأيدوا حروبه وقتله، لا بل شجعوه عليها. كما ولا عجب من تبرئة عشيرة مبارك وأعوانه بصفاقة، لا يقوم بها إلا من هو بشاكلته، إذ لم يقم حكم ديمقراطي في العراق حتى هذه اللحظة وأجهضت اجمل ثورة في تاريخ مصر بيدي الإخوان والعسكر[3] .

وأنا واثق ايضاً ان ملاحظاتي هذه لن تعجب بعض من سايروا النظام وارتبطوا به بوشائج ظاهرة وخفية أدت لتبعية فكرية. وهم حتى ولو هربوا الآن منه ورفضوه بكل او نصف صدق، فهم لا يزالون يعانون من سنين التبعية ويشعرون عند قراءة أي نقد مهما بلغت موضوعيته بأنه توجيه تهمة لهم. لكن فريقاً آخر سيستاء ويرغي ويزبد عند قراءة ما أكتب لأنه انفصل ظاهراً عن طاغية ما وهو الآن في مرحلة تفتيش عن طاغية آخر. وهؤلاء أكثر الناس تطبيلاً لما يسمونه “موضوعية” وهم الذين لم يشعروا بالخجل لتخوين كل زميل لا يركع معهم للطاغية، يطالبون بالموضوعية وعدم إقحام الذات في موضوع سياسي ذاتي جداً فالمنفى والسجن امران شديدا الذاتية وكما نقول في الشام: “يلي بياكل العصي مو متل يلي بعدها …ويقال للأشخاص الذين يستخفون بأوجاع ومعاناة المعذبين دون أن يمروا هم بتلك المعاناة.  وبتواطئ مع القائمين على الصحافة الثقافية والتي تربطهم بهم علاقات قديمة يتم احاطة كل نقد بحائط صمت لكن التواطئ يصل احيانا الى حدود مذهلة في وضاعتها فتفتح مجلات المعارضة الباب امام تشنيع المرتزقة لهؤلاء المثقفين الذين عروا المرتزقة[4].

هذا النقد والتعرية عمل إجتماعي ثقافي سياسي ملتزم لا يمكن لكاتب واحد ان يقوم به فهو عمل توثيقي جماعي، وكلما اكتملت فسيفساء اللوحة كلما مكنت الأجيال القادمة بصورة افضل لمحاربة الارتزاق الذي لا يجوز الصمت عنه، فالصمت في حال توفر الحرية مشاركة شخصية بالجريمة. والصمت يشجع مرتزقة الكلمة على إعادة عملهم الإجرامي، وقد رأينا جميعاً بعض من ادعى تأييد الثورة المصرية ليركض الآن إلى حضن السيسي فرحاً بملاذه عند طاغية أكثر حداثة ونضارة من الطغاة الذين ذبلوا وسقطوا.

وهؤلاء المرتزقة، كالنازيين الألمان، اول من يحاولون لفلفة الماضي بتعابير مثل: “عفى الله عما مضى”، فهم بذلك لا يتوانون عن اقحام الله في التستير على جرائمهم…

والأمر الخطير فعلاً ان كثير من هؤلاء تسللوا – وهم الخبراء في التسلل والإختراق – إلى جسم المعارضة واصابوه حيث وصلوا بالمرض فترى أحدهم يجلس في هيئة تحرير او لجنة سياسية وليس له هم إلا المراقبة والحذف والتستير على ماضيه وماضي اصدقاء له في الإرتزاق وتشتيت جهد المعارضة في توضيح وفهم ما حدث خلال نصف قرن من حكم النظام البعثي. ولهذا تبدو تصرفات بعض المعارضين احيانا أسوأ من اتباع النظام، لأنهم حتى وقبل ان يصلوا للسلطة صاروا منخوري العظام بالرشوة، يتحلون بأخلاق محاكم التفتيش وخبراء تزوير التاريخ.

 

مهنة الارتزاق بالكلمة

هناك مقولة ألمانية فكاهية ساخرة عن الكتاب: “الكاتب يغفر لزميله أية خطيئة إلا نجاحه”.

الحسد شعور سلبي طبيعي وهو الجناية الوحيدة الذي تصيب فاعلها أكثر من ضحيتها، لكن الحسد شيء ومهاجمة الزملاء كارتزاق للكلمة شيء آخر.

لكن ما هو الارتزاق؟

لا بد من التنويه أني أجد تناقضا حادا في تعبير “المثقف المرتزق” الذي إعتاد الكتاب على استعماله منذ سقوط صدام حسين. فالمثقف لا يرتزق وأشباه وارباع وانصاف المثقفين ليسوا مثقفين. لذلك استعمل التعبير الأدق: مرتزق الكلمة، فالكلمة سلاح ايضا. هذه الدقة ضرورية لكي لا نقلد مؤسسات الطاغية التي تلصق تسمية “الثقافة” بوزارة ملوثة بالأمن أو موظف أو ناقد او اكاديمي عميل للسلطة.

الارتزاق هو فقدان الضمير لقاء مكافئة قد تصغر أو تكبر، والمال أحد وجوهها والجاه المزيف والجوائز الكاذبة والنجومية والتقرب من السلطة وجوه أخرى بشعة لما يقبضه المرتزقة ثمنا لضميرهم. متى فقد الإنسان ضميره أو كساه عبر البرطيل بطبقة تفلون لا يعلق عليها شيء فإنه يضرب باسم من يدفع حتى ولو لم يكن على قناعة بما يوكل بقوله او حتى على قناعة بطاغيته. والمرتزق ليس من أتباع الطاغية، فأتباع الطاغية شركاء مباشرين في طغيانه بينما المرتزق أداة في يده يوجهها كسلاح على أعدائه لكنه لا يقيم وزناً لأي من هؤلاء المرتزقة فهو يعرف كما قال أحد الشيوخ الخليجيين أنهم كلاب إن أطعمها نبحت له على أعدائه وإن لم يطعمها نبحت لهم عليه.

لكن مهاجمة معارضي الطاغية هو وجه من وجوه الارتزاق، ومن الوجه الأخرى: التغني بالطاغية الى حدود التأليه، ترويج تصور فكره الشمولي المفلطح الذهن للعالم بين أبيض وأسود، بين وطنيين وخونة، وأيضاً ترويج للشمولية في التربية والفكر كما في الحكم هو ارتزاق لأن الفكر النير يقوم على الاختلاف ولا ينشأ  فن من قناعات وفكر شمولي بل عبر الشك والسؤال.

لكن علينا ألا نخلط بين العمل في ظل طاغية والعمل لأجله، ولا أن نخلط بين تحصيل لقمة العيش في اية وظيفة وبين قطع لقمة الآخرين واحيانا رقابهم. من عليه العيش في وطن يحكمه طاغية عليه أن يكون مستعداً للتضحية، وان ينأى بنفسه عن الكذب ويقبل العزلة ويسعى ان يبعد نفايات السلطة عن فكره وينقذ نفسه بنفسه. وهو في ذلك بطل شجاع في وضع حرج يتطلب الحكمة والتروي. وليس لأحد ان يطلب منه أكثر مما يستطيعه لكي لا يذبح هكذا مواطن شريف ويُضحى به في عملية هوجاء لا مردود لها سوى الموت وضحكة الطاغية القذرة.

الارتزاق ليس هفوة ولا ذلة قدم لأننا كبشر كلنا معرضين للخطأ وللسقوط، وكل من يشمت حقير. الارتزاق عمل مستديم بإصرار يومي على أذى الآخرين وتخوينهم وخدمة الطاغية في كل تصرف. حتى في ادعاء معارضته لاختراق صفوف المعارضة كما حدث ذلك مراراً.

إنه احتراف الخنوع.

لماذا يحاول نظام الطاغية شراء عدد كبير من المثقفين وتحويلهم ترغيبا أو ترهياً لمرتزقة الكلمة؟

المثقف جزء من المجتمع ويحمل تراثه وماضيه وتجربته التاريخية في ذاته ويحمل نبل ورذيلة هذا المجتمع مثله مثل أي حرفي، تاجر أو عامل، لكن موضعه في المجتمع كنخبة يجعل تأثيره اكثر من أي تلك الفئات الأخرى على الفكر السائد. ولذلك ايضا تسلط الأضواء عليه بتركيز أكبر مما يدفع كثير من الجهلة أن يحلموا بتسميتهم “مثقف”. والطاغية يعلم ذلك ويهتم بتضخيم نرجسيتهم وتحويلهم لأبواقه لأنه يعلم أن وسائل الإعلام هي من أنجع وسائل السلطة اليومية لغسل ادمغة الغالبية العظمى للشعب وهذه الأجهزة والابواق الاعلامية تغنيه عن تحريك الدبابات والطائرات باستمرار لقمع معارضته. وفشل دعايته هو أول خطوة في انهياره والطاغية يعلم أن سلاحه قد يدمر البلد لكنه ابدا لن يعيد له رفاهية واستقرار حكمه. هذا ما لم يقدر عليه أي سلاح في تاريخ البشرية. من هنا نفهم أهمية العمل الدعائي للطاغية.  وعمل المرتزقة مفيد للطاغية وكلفته قليلة فقد ذكر طارق عزيز ان كل مرتزقة صدام لا يكلفوه سنويا ثمن دبابة.

مرتزقو الكلمة مثلهم مثل المرتزقة العسكريين لا يكرهون ولا يحبون أحداً، فمهنتهم القتل بدم بارد أينما وجّههم من يدفع لهم معاشاتهم، وهم لا يبالون إذا كان القتيل افريقياً أم فرنسياً أم صينياً. وهم لا يعرفونه أصلاً، ولا يعرفون ما الذي تفكر أو تشعر به ضحيتهم، لكن معلمهم قال لهم: إن قتله ضروري ليحافظ هو على سلطته وليرتزقوا هم من وظائفهم، فأصبح من المهم أن ينفذوا أمر ممولهم باحتراف ودم بارد وألا يفكروا بشيء آخر. يذكرني مرتزقو الكلمة بمهنة كانت رائجة في زمن طفولتي وشبابي تسمى “الردادة والنواحة” وهي على الأغلب جوقة تتألف من امرأتين تتناوبان إستحلاب دموع الحاضرين وتكرران  في كل عزاء نفس مفردات النواح دون أن تتأثرا بها.

مرتزقة الكلمة غير قادرين لا على المحبة ولا على الكره، نفوسهم ذليلة، يعتاشون  على تنفيذ ما يطلبه منهم قوّادهم. يتصرفون بالطريقة نفسها التي يتصرف بها اخوتهم المسلحين، حتى إن أحدهم أقر وبكل صفاقة لناشر صديق في لبنان أنه يهاجم كتاب دون أن يقرأهم! أما صاحب نعمتهم فهو يعرف اعداء طغيانه حتى أكثر من أصدقائهم. وقد أخبرني قبل شهور مساعد أحد الوزراء ان “سيده” أسرَّ له أنه قرأ روايتي “الجانب المظلم للحب” بالإنكليزية، ولو أمكنه لحكم علي بالأشغال الشاقة المؤبدة لجريمة كتابة هذه الرواية التي تعالج مئةً وعشرة سنوات من تاريخ سوريا. فأجبته أنني عملت بالرواية هذه وتعذبت فيها ثلاثين عاماً وبالتالي فقد دفعت الأشغال الشاقة المؤبدة سلفاً، وهي في عرف الدول الحضارية ثلاثون سنة.

بالطبع أعرف أسماء مئات من مرتزقة الكلمة وقد نُشرت قوائم “عار، سوداء” في الإنترنت تحتفظ بأسمائهم. لكنني أريد أن تكون هذه المداخلة أشمل من أشخاص محددين. هناك برأيي نماذج أكثر عمقاً واتساعاً من هؤلاء ولو أردت تعداد ممثليها لضاق مجلد بها ناهيك عن مقال. وكلي أمل أن يبدأ الآخرون برواية تجربتهم مع مرتزقي الكلمة وتعريفنا بنماذج لم ننتبه إليها، فقد نصل في النهاية لملف إدانتهم امام التاريخ والشعب في محكمة دولية ثقافية لي الشرف اليوم ان ادعو لعقدها. فلا مقالي بحث كامل ولا هو كافي، لذلك دعيته ملاحظات. وحاولت بقدر جهدي أن اوثق كل مقولة حتى لا يدعي أحدهم أني أشتم أو ابالغ لكرهي للمرتزقة. لقد علمتني تجاربي العلمية ورواياتي ألا أنسى أن القراء أذكياء ويجدر بكل كاتب أن يحترمهم.

كيف يتحول كاتب أو مثقف إلى مرتزق كلمة؟

قال معاوية لأبي بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث – ورآه لا يلي له عملاً، ولم يقبل منه نائلاً-: يا ابن أخي، هي الدنيا، فإما أن ترضع معنا؛ وإما أن ترتدع عنا[5].

وقد كتبت مرة: الطاغية يشبه المفاعلات الذرية التي تلوث كل من يقترب منها[6]. هذا الشعور انتاب كاتبنا الكبير أبا عثمان بن بحر (الجاحظ) عندما عرض عليه المأمون، أكثر الخلفاء تنويراً وذكاء ومحبة للعلم، أن يرأس ديوانه. لكن الجاحظ هرب ووهب نفسه للعلم وأنقذ بذلك نفسه وضميره لا بل كما يقول ابن خلدون: أنقذ حياته[7].

ومن يحلل دهاء معاوية في توريث الخلافة لابنه يزيد يجد أن مرتزقة الكلمة آنذاك سهلوا عليه هذه العملية. وقول يزيد بن المقنع العذري المرتزق الشهير يلخص هذه الوقاحة: قال “هذا أمير المؤمنين”، وأشار إلى معاوية، “فإن هلك فهذا”، وأشار إلى يزيد، “ومن أبى فهذا”، وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: “اجلس فأنت سيد الخطباء”.[8]

ما الذي يستطيعه كاتب في مجتمع يرضخ للطاغية؟

هناك، خاصة في المانيا، دراسات موسعة عن التصرف الممكن لأي مثقف تحت وطأة حكم طاغية كالنازية أو الستالينية. وهي دراسات تعتمد على العلوم النفسية والفلسفية والاجتماعية كما أنها تسجل وتوثق تجارب كتاب وفنانين عاشوا هذه المرحلة ونجحوا في إنقاذ شرفهم الشخصي والمهني لا بل ساهم بعضهم دون ان يغامر بفضح الديكتاتورية. لكني سأتركها بكاملها جانباً وأورد تكريما لزميل عربي ما وصل إليه من خلاصة:

في مداخلة جميلة للروائي المصري سعد القرش يجيب مقطعان بالغا الدقة على هذا السؤال بعمق: “ليس مطلوباً من المثقف، طوال الوقت، أن يكون شهيداً. هناك مسافة يمكن أن يتحرك فيها في أسوأ فترات الاستبداد، ألا يكون ظهيراً للمجرمين، أن يلزم الصمت، وألا يتطوع بإطالة عمر طاغية، أو تجميل وجه نظامه القبيح. فقد جون شتاينبك شرفه الإنساني حين رافق طياراً أميركياً، في غارة على فيتنام، وكتب: “كانت أصابع المقاتل الجوي تضغط على مفاتيح إسقاط القنابل مثل أصابع عازف البيانو الماهر”. وكذلك استراح ضمير عزرا باوند لاحتلال إيطاليا لليبيا، وانحاز إلى موسيليني، بعد أشهر على إعدام الشهيد عمر المختار.

لم يكن عشرات المثقفين المصريين مضطرين للاصطفاف خلف البعث بجناحيه، بحجة الهروب من عسف السادات. في مصر كان النظام يظلم المواطن، يفصله من عمله، أو ينقله إلى مكان ناء في عمل لا يجيده. لكنه لا يلجأ إلى التصفية الجسدية التي مارسها صدام بنفسه بمسدسه ضد رفاقه، ثم بكاهم وأبكى الحضور صدقا أو مجاملة. لكن مثقفين وفنانين آثروا الرحيل إلى رحاب صدام، حيث لا يسمح النظام لمعارضيه الصامتين بمجرد الإقامة الآمنة!”[9].

وفي نفس الإتجاه وبصورة دقيقة يعبر كريم عبيد في مقال له عن موقف المثقفين من الطغاة: “يصبح الكاتب مُهماً عندما يتمتع بشجاعة العقل فتكون كتابته منسجمة مع طبيعة الواقعة التي يتناولها والظروف التي يواجهها عبر علاقته بموروثه التاريخي والنسق الحضاري الذي يحدد له طبيعة دفاعه عن معنى الجمال. لأن الجمال هو جمال الحرية وهو جمال العدالة، فأنت جميل بقدر ما انت عادل… فلا يمكن ان نتحدث عن اهمية كاتب بعيدا عن مواقفه مما يدور في بلده أو عصره، وإلا اصبحت لغته مخاتلة أو جبانة أو مزيفة لنصها وللواقع معاً، او هي خائنة تلعب على الحقائق ولا تخجل من عيون الضحايا كما هي لغة أدونيس في خطابه لـ (الرئيس المنتخب) … ليس المطلوب من المثقف ان يؤدي دور البطل التراجيدي، بل ان يكون إنسان له حرمة وحدود، لا يمكن لأي سلطة تجاوزها، لأنه إذا صمت المثقف عن الفساد او سوء استخدام السلطة او الشهادات المزورة او قتل الناس في الشوارع، فهذا يعني إنه تنازل عن كبريائه كانسان وعن حقوقه المدنية كمواطن، وعن ذاك ماذا سيبقى من انسانيته وكبريائه؟ واية مصداقية ستبقى لثقافته؟”[10]

مراحل تحول المثقف لمرتزق

كتبت مرة مقالاً عن انتهازيين ألمان استعملت فيه كلمة (Metamorphose) وعندما بدأت في كتابة هذا النقد  ضد مرتزقة الكلمة العرب فتشت عن معناها في قواميس اللغة العربية فوجدت المرادفات: انْتِقَال ؛ انْسِلاخ ؛ تَبَدّل ؛ تَحَوّل ؛ تَغَيّر ؛ مَسْخ.

هذه والله ليست مرادفات إنما وصف دقيق لحالات وتحولات المثقف العربي خلال نصف القرن الأخير تكررت في كل بلد. فقبل الاستقلال وبعده بفترة قصيرة كان المثقف العربي يحمل شعلة التوعية المستندة إلى قيم الحضارة الغربية التي حفظها عن ظهر قلب من المُستَعمِر، وترى ذلك بشكل كاريكاتوري واضح إن مثقفي العراق ومصر والأردن والسودان وفلسطين قلدوا مفكري بريطانيا العظمى، بينما قلد التونسيون والجزائريون والسوريون والمغاربة واللبنانيون مفكري فرنسا. القوميون مزجوا وسرقوا نتفاً من القوميين الأوروبيين وأخرجوا منها مزيجاً لا طعم له، والشيوعيون نقلوا حرفاً بحرف ترجمات سيئة مزورة للكتاب الروس وتعجبوا لرفض الكادحين العرب لها! لكن هذا التقليد حمل نواحي إيجابية لأن المثقفين أرادوا، بِنيّة طيبة على الأقل، توعية مجتمعاتهم، مما رفع من شأنهم في عيون شعوبهم، وهذا ما عشته كطفل في الخمسينيات من القرن الماضي.

عندما بدأت مرحلة صعود القوميين والعسكر، كان أولها انقلاب حسني الزعيم العميل المدفوع من الخارج، فإذا بالمثقف يتحول لمرافق ومستشار للضباط الآنقلابيين ويبدأ بتذوق طعم السلطة والتلوث بها. تلت بعد ذلك مرحلة انصهاره بالسلطة تدريجياً نتيجة صعود مثقفي الريف عبر انقلابات أو تحولات في مجتمعهم. ليس البعث سوى سلطة “مثقفين”. وقد أنجب شعارهم الكاذب “وحدة، حرية، اشتراكية” في الواقع مسخ “تفرقة، قهر، نهب”. هنا تحول احترام الناس لهم إلى خوف منهم، وتمتع هؤلاء “المثقفون” بقربهم وممارستهم للسلطة بغباء استراتيجي، وحولوا مجتمعاتهم لقطيع خانع مكبل اليدين بشكل أعتى من أي استعمار سبق. من هو الغبي الذي يستطيع نكران السقوط والدمار الذي حل بسوريا والعراق نتيجة سيطرة البعث الدموية على البلدين؟

منذ هذا الإنصهار مع السلطة في الستينيات من القرن الماضي (وليس مع الدولة فالأنظمة القمعية قوضت الدولة وبنت بديلاً مافياوياً يشبه الدولة ويعتمد على الإنصياع للطاغية) فقد هؤلاء اي حق بتسمية انفسهم مثقف. على الأقل كما أفهم انا كلمة مثقف. صاروا  كسلطتهم تزوير لما يحمل هذا الاسم فلا الوزير وزير ولا القاضي قاضي ولا الجيش جيش دفاع عن الوطن ولا الدولة دولة. وفي هذه الأنظمة التي تخصص السلطة جهاز مخابرات واحد للتجسس على إسرائيل واكثر من عشر فروع للمخابرات ضد شعبها لايمكن لأي صاحب ضمير ان يسمي السلطة “وطنية”. ولذلك فقدوا ثقة شعبهم ولم يعد احد سوى المخابرات يقرأ ما يكتبون.

عندما حلت الهزيمة النكراء بأنظمتهم في حزيران/ يونيو 1967 حزن الشعب فقط لفقدان اولاده وأجزاء عزيزة من أوطانه لكنه لم يحزن ولا لحظة على هزيمة طغاته، وهذا أمر طبيعي فذلُ الطاغية فرحٌ لمن أذلّهم. هنا بدأت مرحلة احتقار الشعب لهؤلاء “المثقفين” الذين تماهوا الآن مع السلطة بشكل نهائي، وصاروا الجزء الثقافي من مخابراته. وليس علي عقلة عرسان ولا صابر فلحوط ولا النماذج التي سأصفها لاحقاً في رأيي أشرف من أي مجرم في أقبية المخابرات. ولن أنسى في حياتي كيف جعر مرتزقة الكلمة في دمشق عشية هزيمة 1967 بكل وسائل إعلام النظام أن إسرائيل فشلت في إسقاط السلطة الثورية في دمشق وأن هذا ما كانت تبغيه وليس احتلال الأراضي واذلال شعوب المنطقة بكاملها لعقود. في هذه المرحلة يكون الانسلاخ قد وصل نهايته وبالتالي خرج مرتزق الكلمة من شرنقة المثقف البريء وكما نقول في دمشق: كسا وجهه بجلدة مؤخرته.

لذلك ارتعد أغلب هؤلاء المرتزقة كمخابراتهم عندما اندلعت ثورة الجماهير للكرامة والحرية، وانسلخوا مرة ثانية محاولين استدراك ما فاتهم، وبدأوا، خاصة أولئك الذين يعيشون خارج الوطن، بالمراوغة والكذب ليقولوا إنهم رغم موقفهم النقدي من النظام الديكتاتوري فإنهم يرفضون كـ”ثوريين” انقياء حساسين لسبب ما تأييد الثورة. أو يقوم بعضهم بالالتصاق المصيري بالأنظمة المنهارة، خاصة أولئك الذين يعيشون داخل الوطن، بتبريرات يخجل من غبائها طالب مدرسة ابتدائية!

لا تعجب إذا رأيت أحدهم، كما سأصف بالتفصيل في عدة نماذج للمرتزقة، يتنقل بين طاغية ومستبد آخر عدو لهذا الطاغية، من دون أن يشعر بأي خجل، من سوريا للعراق لليبيا وقطر ودبي ومصر ثم السعودية… ولا زال يبتسم ببلاهة! لكن هذه الخاصة أي التقلب في الارتزاق بين الطغاة هي الدليل الأوضح أن المرتزقة لا يشعرون بأية مسؤولية عما يخرج منهم بل المهم لديهم ما يدخل اليهم وفيهم كأجر لما يقولوه. فترى احدهم يرفع طاغية إلى مرتبة إلهية ثم يهجوه دون أن يحس بأي حرج. والأمثلة تملأ مجلدات منذ المتنبي لكنها لا تساوي قشرة بصلة.

مرتزق الكلمة مُجبر بعد أن وصل إلى هذه الدرجة من الانحطاط على الكذب يومياً. كتب فاضل السلطاني: “سيلجأ المثقف المهبط، الذي لا يمكن أن يعيش من دون “مثل عليا”، إلى صناعة الوهم لإيجاد المبررات الفكرية لتحولاته أو في الحقيقة تواطئه، وليستعيد، من خلال هذه العملية، توازنه النفسي لأن عملية الانفصال لا يمكن أن تؤدي إلا إلى الانتحار. وهكذا تستمر عملية خداع الذات لتصل إلى أقصى تحققها باتخاذ شكل نظري أو ثقافي”[11].

المثقف الحقيقي هو الذي يتكلم بما يشعر ويفكر به من لا صوت لهم في مجتمعه، وهو من يقف دون وجل وبكل ما يتطلبه ذلك من تضحية مع الجماهير المُضْطَهَدَة والمحرومة. وهذا لا يتم له إلا إذا ابتعد عن كل مغريات السلطة (انظر في هذا الشأن هادي العلوي وإدوارد سعيد).

كذّاب كل من يدعي أنه يناضل من أجل الجماهير وهو مرتبط بالسلطة الغاشمة. فهو في أفضل أحواله جزء من آلة القمع لذلك لا يستطيع أن ينوّر أحداً (انظر ميشيل فوكو) وعندما نراقب التاريخ فإننا نجد برهانا كافياً على ذلك فالمثقفون الذين أحدثوا تغييرات جذرية على مجتمعاتهم وقفوا خارج السلطة ومع الشعب في المكسيك(1910) وروسيا (1917) وفي الصين (1949) وكوبا(1959)، كذلك في كل حركات التحرير من الاستعمار في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. لعب هؤلاء دور “المثقف العضوي” كما يسميه انطونيو غرامشي[12].

لكن حتى هؤلاء المثقفين الثوريين سقطوا في متاهات السلطة ومخدرها فتحولوا لديكتاتوريين، وليس هذا قصراً على زعماء التحرير في العالم الذين لم يستشهدوا أثناء القتال بل أصاب ذلك أكثر الثوريين راديكالية و”عضوية” من أمثال ستالين وماوتسي تونغ وكاسترو… الذي لم يجد كوبياً واحداً جدير لخلافته إلا أخوه راؤول! وحدث ولا حرج عن مهزلة كوريا الشمالية في التوريث!

ليس هناك إذن أي ضمان لأي أحد. من كان بالأمس ثورياً قد يصبح غدا طاغية او على الأقل بوق دعاية لطاغية.

 

مصير من لا ينسلخ تماهياً مع السلطة

كل مثقف لا يلعب أدوار الانْتِقَال والانْسِلاخ والتَبَدّل والتَحَوّل والتَغَيّر والمَسْخ ويخرج على الأنظمة ومؤسساتها قد يصيبه نجاح في لحظة مؤاتية، لكنها نادرة كما في حالة عنترة الذي تمرد على عبوديته، وكذلك الصعاليك قبل الإسلام أو كبعض المنفيين في العصر الحديث والذين أصابوا في منفاهم وبمنتهى الحرية نجاحا كبيراً كان أم صغيراً لكنه على اي حال كان ثمرة الحرية التي تنعموا بها وجهد عقولهم. لكنه على الأغلب سيعزل ويطرد لنزاهة فكره ونفسه كما في حالتي سلمان الفارسي وأبي ذرٍّ الغفاري، أو سيضحي بنفسه كما في حالة القرامطة والحلاج، أو كما هي الحال في عصرنا مع كل المفكرين الذين قضوا في سجون إرهاب الأنظمة الديكتاتورية الشمولية. أو اولئك الذين صمتوا حتى مماتهم.

لكن الحالة الأكثر انتشاراً هو أن يصبح هذا المثقف الشريف منبوذاً لا حول له ولا قوة سواء كان في منفى داخلي، يعيش حياته بصمت ونأي بالنفس عن كل مغريات النظام، أو خارجي لا يستطيع التأثير على أحداث وطنه. وهذا المثقف يُهان علناً ويحاط بصمت رهيب ولا يأبه بذلك أحد.

هذه الجملة الأخيرة قد يقرأها قارئ بسرعة لكنها تحتوي مجلداً بما يزيد عن ألف صفحة من الألم لأن المنفي يمتلك المعرفة ولا يستطيع إيصالها إلا لقلة قليلة، يعاني من دون أن يدري به أحد. يُهاجَم بشراسة من دون أن يدافع عنه حتى أصدقاء الأمس. وعبر عزلته يقل تأثيره المباشر على محيطه وأكثر الأمثلة التاريخية مأسويةً هو ما حدث للمفكر الكبير ابن رشد حين تعرض لما يسمى “المحنة” أو”النكبة”.

من يصدق اليوم أن هذا الطبيب الفذ، الفلكي، القاضي، الفقيه، الفيزيائي وأحد أهم فلاسفة الإسلام يتعرض لمذلة لا تجاريها مذلة عبر وشاية حاسدة اتهمته بالكفر والزندقة وبالتآمر على الخليفة وعدم التزامه بمفردات التبجيل والمديح للحاكم؟

نكبته يد الخليفة الموحدي النزق “المنصور” الذي حاكم ابن رشد، محاكمة صورية، وأمر بإحراق كتبه باستثناء مؤلفاته في الطب والحساب والفلك. فأما ما يتعلق بالطب فذلك ليستفيد منه البلاط، أو ما يتعلق بالفلك والحساب ليستفيد منه الفقهاء في تحديد أوقات العبادة!
نُفي العالم الجليل عمداً إلى قرية “أليسانة” قرب “قرطبة” والتي قطنها آنذاك اليهود فقط. وبعد فترة فر “ابن رشد” إلى مدينة فاس في سنة 1197، وهناك أمسكه بعض أهلها ونصبوه أمام الجامع ليقوم المصلون بالبصق عليه عند الدخول والخروج. وعندما عفى المنصور عنه في العام التالي 1198 كان ابن رشد حطاماً وتوفي في السنة نفسها.

“وتذكر لنا هذه الرواية الإخبارية أن ابن رشد قد حكم عليه بالنفي إلى قرية لا يسكنها غير اليهود، في إيماءة من جلاديه إلى أنّه ليس من المسلمين… أي أنّ التشنيع به قد بلغ منتهاه وصولا إلى تصويره في ثوب من لا علاقة له بالملّة، فأصوله اليهودية هي التي جعلته يمرق عن الدين الإسلامي، وهذا تقليد يخترق الحضارة العربية فعندما يتعلق الحال بتكفير هذا المفكر أو ذاك فإنه كثيراً ما ينسب إلى اليهود أو النصارى أو المجوس. وهذا ما برع فيه رجال الدين المحافظون على مرّ الأزمنة…

وقد رافقت تلك المحاكمة حملة دعائية ضخمة…انبرى شعراء البلاط الموحدي لذمّ ابن رشد وجماعته ومدح الأمير الذي استأصل شأفتهم. وهذا يؤكد القيمة الكبرى التي أضفيت على الحدث. وقد غلب على تلك الأشعار اتهام ابن رشد ومن معه بالمروق عن الدين أي أنها جاءت متلائمة مع الاتهامات الموجهة رسميا إليهم” [13].

دهشت وانا أقرأ كتيبه صغير الحجم، العظيم في محتواه “تهافت التهافت”، وقد خصصه لنقد كتاب الغزالي “تهافت الفلاسفة”، وقد حدد ابن رشد فيه قواعد الحوار الفكري وأخلاقياته، وتتمثل في مبادئ رئيسية ترقى بمستواها إلى ما بعد الحرية الأوروبية الحالية:

الاعتراف بحق الاختلاف وبالحق في الخطأ، وضرورة فهم الرأي الآخر في إطاره المرجعي الخاص به، والتعامل مع الخصم من منطلق التفهم والتزام الموضوعية، والاعتقاد في نسبية الحقيقة العلمية وفي إمكانية التقدم.

يمر ابن رشد بخاطري كلما أمعن مرتزقة الكلمة في التحريض على مثقفين خرجوا عن السرب ليغنوا أغنية الحرية. ولم يخترع المرتزقة لبلادتهم وبلادة أسيادهم أي شيء جديد. الكفر، التآمر على الدولة، التعامل مع أعداء الحاكم.

تعلمت الأنظمة الديكتاتورية المعاصرة من التاريخ أكثر مما تعلمه معارضوها. فقد أدركت فاعلية الخطاب الإعلامي في السيطرة والتحكم، وأن دوره لا يقل أهمية عن دور أجهزة القمع أو أجهزة مكافحة الشغب المختلفة، وفي هذا قدرت تقديراً واقعياً حاجتها لجيش جرار من المثقفين والإعلاميين فاستدعتهم، لا للقيادة، وإنما لدعم سياسات الحكومة ولفبركة ونشر دعايات مغرضة ضد أعدائها وتشويه سمعتهم بكل الوسائل، ولخلق خطاب زائف يشوه الوعى على نطاق واسع، وينشر الكذب كحقيقة والاستغباء كحكمة والعبودية كحرية جديدة. كما تنبأ به العبقريان الدوس هكسلي في روايته “عالم جديد جميل” وجورج أورويل في روايتيه “1984” و”مزرعة الحيوان”.
كل ذلك يقوم به هؤلاء المرتزقة باسم المصلحة العامة أو حتى الشرف الوطنى.

 

المرتزق وهو يمثل دور كاريكاتور للقاضي

عندما تقرأ اتهامات مرتزق ما فإنك لا تقرأ جديداً. التّهم نفسها وُجهت منذ زمن سقراط مروراً بكل شريف حُوكِم وعُذِب أو قُتِل. لكن لننظر ولو من باب الفكاهة لما يقوله هؤلاء المرتزقة عندما يمثلون دور القاضي في محاكم التفتيش:

  • الكتاب الشرفاء يسيئون لسمعة بلادهم!

نقد كل سلطة، تصوير فجاعة الحرب والديكتاتورية، وفضح ذل الانسان، تحت وطأة طاغية، بكل الوسائل التي يملكها الفن ( الكلمة، اللون، النغم، الصورة…إلخ) اثارت وتثير حفيظة الأنظمة الشمولية. ويدعي مرتزقتها انها تشوه الوطن وانها بشعة ولهذا ولحسهم المرهف يرفضون هذا الانتاج الفني لكنه ببلادة لا يشعرون ببشاعة اقبية المخابرات ولا بسجونه ولا بهمجية سرقة لقمة الملايين لإيداعها في بنك امريكي.

ليس الفن الملتزم هو البشع إنما الواقع الذي انتجه. وما عدا ذلك باطل.

يُقال ان ضابط الماني نازي سأل بيكاسو عام 1944 في باريس عندما تأمل لوحته الشهيرة غيرنيكا وهي لوحة تعري بلا رحمة بشاعة الحرب وتدمير المدينة الصغيرة غيرنيكا عبر سلاح الجو النازي دالاً بيده على اللوحة:

” هل عملت أنت هذا؟”

“لا، انتم الذين عملتوها” اجاب بيكاسو.

يمكن للمرء أن يضحك ويسأل هؤلاء الباكين على الوطن الجريح الذي اساء اليه، كما يدعون، عمل فني بسخرية. ما الذي تركه أسياد لقمتكم لنا لنسيء إليه؟ والله نفتش بالسراج والقنديل على “شقفة” سمعة جيدة لبلادنا ولا نجدها. من نهب شعوب المنطقة التي تسبح فوق مليارات من الذهب وشعبها يجوع معانياً شقاء ما بعده شقاء؟ من خنع منذ عقود تجاه إسرائيل واستفحل ضد ضعفاء شعبه؟ من ألقى البراميل المتفجرة والغازات السامة على أكراد وعرب؟ من اضطهد شعبه بأجهزة المخابرات وأقبيتها؟

هؤلاء المرتزقة يتعامون عن الحقيقة التاريخية ان سلطة البعث في العراق وسوريا قتلت من البشر الأبرياء خلال خمسين سنة ما لم يقتله كل حكام البلدان العربية بما فيهم المغول والعثمانيين والفرنسيين والإنكليز والإسرائيليين معاً منذ بدء الحضارة الإنسانية.

عندما تقرأ من يهاجمهم هؤلاء الأنذال ترى أنهم أبرياء من تهمة الإساءة للوطن لكن عندما تقرأ بانتباه فإنك ستجد أن ما يتباكى عليه هؤلاء التماسيح هو وطنهم هم: الديكتاتورية، وهي فعلاً ما يهاجمه أي كاتب شريف. وبالتالي فإنهم يفضحون أنفسهم.

ولعل الثورة السورية وما تقوم به ماكينة دعاية السلطة السورية بحق الشرفاء ممن اختاروا بنزاهة الوقوف بجانب شعبهم يعطي النماذج الواضحة لهؤلاء التي أفلتت على هواها لنيل من الكتاب والمثقفين والمفكرين المنحازين لشعبهم.

  • نقد الأوضاع وإن كان محقا لا يجوز النطق به او كتابته لكي لا يستغله أعداء الوطن. هذا آخر ملجأ لمرتزقي الكلمة، إن عجزوا عن تبيان خطأ النقد، فهم يلجأون بذلك إلى تحريك العواطف ضد النقاد، بذرف دموع التماسيح على القيم العشائرية التي تعتبر أي نقد علني اضعاف للعشيرة وخسارة ماء وجهها امام الغرباء. المدنية والحرية والديمقراطية تتطلب عكس ذلك تماما، فهي تعيش من التعددية ومن احترام النقد لتلافي الهفوات والتقدم بالمجتمع للأمام.

 

الترزّق والارتزاق مهنة تحتاج مهارة

الارتزاق آفة عالمية كالكذب تصاب بها كل الشعوب. لكن ثقافتنا العربية هيأت ظروفاً أفضل لنمو الارتزاق وإزدهاره.  فالمثقف والشاعر والمفكر كان ولطبيعة المجتمع في شرقنا ولظروف الصحراء مرتبطاً تاريخياً بالعائلة والسلطة الذكورية من الأب إلى كبير العائلة إلى سيد القبيلة إلى الانتماء الطائفي أو القبلي وصولاً لتمجيد صورة الملك أو القائد أو السلطان. فظاهرة الارتزاق من الشعر جزء من التراث العربي الذي لم يفكك بعد ويدرّس وكأنها ظاهرة طبيعية، وهي مستمرة حتى اليوم.

وقد مثل الشاعر جهاز دعايته. وكلما ازداد عدد الشعراء في خيمة الشيخ أو قصر الخليفة كلما ذاع صيته أكثر وانتشر جغرافياً وتاريخياً. وبالطبع كان في كل حقبة عدد كبير من الشعراء الشرفاء والذين لقبوا أحياناً بالصعاليك وأحياناً كثيرة بقوا مجهولين. وقد سُرِق وحُرِق جلُّ إنتاجهم.

أهم صفات المرتزق الأخلاقية :

يتصف مرتزقوا الكلمة بصفتين مشتركتين:

التذلل : أحد أهم صفات المرتزق، فالذليل لا يثق بنفسه، وهذه النفس تم تحطيمها من قبل الاستعمار العثماني والأوروبي لقرون، وخمسين سنة ديكتاتورية. لذلك ما أن يرى إنساناً  نأى بنفسه عن السلطة وأنقذها بفخر حتى تثور ثائرته لأن مثل هذا الإنسان يمثل تهمة دائمة للمرتزق. نعم، مجرد وجود هكذا انسان خارج السجن او القبر هو تهمة يومية للمرتزق انه فاشل.

الخشية والرعب: يخشى المرتزق أي نقد لسلطته لأنه فضح لدوره وتعرية لإخفاقه في قمع هكذا نقد في مهده، فهو يعرف في سريرته أنه ذليل لهذا النظام الذي لن يرحمه لأنه لم يوقف او  يكبح الدعاية المضادة له. ويعرف المرتزق تماما أن صاحب لقمته نظام قهر عديم الرحمة وإنه وإن إرتزق يومياً في خدمة سيده فإن هذا لن يتوانى عن الإلقاء به خارج اسوار نعمته… لذلك يعمل له دون أن يفقد خوفه منه. متى بلغت شهرة عدو لسلطانه شعوب او لغات أخرى خشي المرتزق ضياع ماء وجهه امام سيده. وهذه العقدة “ضياع ماء الوجه” هي أكثر ما يقلق المرتزق أمام عشيرته. أي أن كل إجرام سيد لقمته وكل الظلم والنهب الذي لحق بشعبه لا يجرح وجهه الكريه بقدرما يجرحه كاريكاتور رائع للفنان الشهيد ناجي العلي! وسبب تقديس ماء الوجه هذا هو القبيلة كما شرحها مصطفى حجازي في كتابه الشهير ” التخلف الاجتماعي، سيكولوجية الإنسان المقهور”.

 

نماذج المرتزقة

كما أن للحرية والديمقراطية نماذج عديدة فإن للاستعباد أيضا نماذج يتجلى بها وليس نموذج العبيد المنقرض إلا واحدا من أشكالها. وأنت اليوم تصادف في أوروبا وأمريكا إنساناً مثقفاً أكاديمياً ثرياً وينعم بصحة آلهة الإغريق ويعيش في حرية ويبدو لك وكأنه مثالٌ للإنسان الحر، وعندما تقترب منه أكثر وتلقي نظرة خلف قناعه تجده عبداً ذليلاً ملأ جوفه الخوف من سيده وحشا رأسه بأتفه المعلومات من صحفه الصفراء.  ويصبح كل امله هو عطلة صيفية رخيصة ووجبة طعام دسمة على شاطئ بعيد وفوز فريق كرة قدم يؤازره. واحيانا اعجب لهذه النتيجة الثقافية الضحلة لمجتمع انساني عمره آلاف السنين.

فكيف الحال في بلادنا المسكينة والتي لم يُسمَح لها منذ قرون ولا حتى بلحظة حياة كريمة حرة؟ هنا يتغلغل الاستعباد إلى كل خلايا المجتمع فهو استعباد بوليسي، سياسي، ديني، عاطفي، عشائري، نفسي، جنسي واقتصادي. وقد كتب كثير من مفكرينا الأحرار عن هذا الاستعباد وظاهرته المرضية وأذكر بعضَهم فقط ممن أدينُ لهم بجزء من معرفتي وإصراري على النهوض في وجه الطغيان: شهيدَي الفكر حسين مروة ومهدي عامل… صادق جلال العظم، هادي العلوي، بوعلي ياسين، مصطفى حجازي، العفيف الأخضر، عبد الرحمن الكواكبي وآخرون.

وقد تابعت هنا في منفاي منذ أربع وأربعين سنة كلَّ هذه النماذج، غالباً عن بعد وأحيانا عن قرب. وكما ذكرت أعلاه فإن المنفى يضيّق بشكل مأساوي دائرة التأثير لكون الوسائل القمعية أكثر ضخامة وفعالية من وسائله. لكن المنفى يفتح آفاقاً لا حدود لها للمعرفة والتجربة. ليس فقط لأن الحرية هنا تسمح بقراءة كل شيء والتفكير به والتعبير عنه علناً، بل لأنها تسمح بآن واحد بالاختلاط مع ثقافات أخرى بشكل مكثف مما يحرض الذات على مزيد من المعرفة والنقد والشك بالقيم الثابتة التي نشأ المنفي في بلاده عليها.

 

 

 

المرتزق كجزء من مخابرات النظام المختص بملاحقة الكتاب

نموذج هذه الشخصية يتماثل بشكل مثالي مع كل ما قلناه عن صفات الارتزاق والمرتزقة وعن طريقة عملها في التحريض المستميت ضد أعداء الطاغية. والوشاية دون خجل بكل كاتب لا يمدح السلطان.

وهو مخبر خبيث بدون اي وازع، يتسبّب في اعتقال عدد من الكتاب والتحقيق معهم. يتظاهر بالموقف النقدي ليتغلغل ويخترق صفوف المثقفين. تقاريره للمخابرات سرية لكنه لا يتوانى أو يخجل من مهاجمة زملاء له علناً على صفحات الجرائد الصفراء للنظام او بوق اتحاد الكتاب العرب وهو لا يهتم بما يكتبون بل بالإساءة لهم وتعريضهم احيانا للسخرية او حتى للعقاب او خطر الموت. لكن اثره الصحفي هذا شبه بالي لأن قلة من الناس تحترم صحف النظام واتحاد الأميين العرب.

تبلغ وقاحة المرتزق حدوداً غريبة إذ انه يهاجم احيانا كتابا افنوا عمرهم وهم يغنون اغنية حب لبلادهم او مدينتهم او قريتهم ويقدموها للعالم كنموذج للإنسانية وللتعايش السلمي. واذا قارنته بما يكتبه المرتزق عن هؤلاء الكتاب ( خاصة المنفيين منهم)  تراه هجوما سخياً بالجهل هدفه تحطيم صورة الكاتب لدى أبناء وطنه دون أن يستطيعوا الاستشهاد بجملة واحدة تؤكد تزويرهم.

يكتب هؤلاء ما يكتبون لأنهم فعلا أذلاء للطاغية الذي ملك عقولهم وقال لهم بعد طرحهم على الأرض: لا حياة بدوني. وكل من يبرهن العكس عميل وخائن. ونظراً لفشل الديكتاتورية في تقديم كاتب واحد للعالم على الرغم من ملايينها وإعلامها فقد أصبح  أحد واجبات المخابرات الثقافية أن تهاجم كل من ينجح عالمياً بدونها ويكون معارضاً للاستبداد وفاضحاً له ومفرداتها لم تتبدل منذ عقود: عميل للامبريالية، للصهيونية، يهين الثقافة العربية ويعادي الاسلام.

تساءلت احياناً عن سبب فشل كل الكتاب المرتزقين من إجتياز حدود وطن ارتزاقهم الجغرافي رغم ما يقدمه لهم الطغاة من دعم ورغم مقدرة البعض منهم:

ما زلت أكرر لكل طالب نصيحة في كتابة الرواية: أية رواية لا تلتزم فقط بما تتطلبه أحداثها بل تراعي أي جهة خارجها هي رواية فاشلة حتماً. فناهيك عن كتاب النظام البشعين الذين لا ينتجون سوى البشاعة، فالأدب الجميل لا ينتج سوى في نفس جميلة تتوق حباً للحرية والجمال والإنسانية وتحمل شعلة الأمل حتى في اعتى العصور ظلامية. من يروي يأمل، ومن لا يأمل قد يبربر آلاف الصفحات لكنه لا يروي. لكن حتى الكتاب الأقل تورطاً مع النظام والذين يراعون عدم ازعاجه لا ينتجون سوى ادباً رخيصاً. هؤلاء يراعون عن وعي او لاوعي عبر مقص الرقيب الذي صاروا يحملوه في أدمغتهم كل ما يزعج النظام ويبتعدون عنه بحجج وتبرير انه فج الوقع ويتجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها العشيرة  والدين  والديكتاتورية…الخ. فإذا أراد أحدهم أن يكتب رواية ويراعي كل هذه الخطوط الحمراء فأنا أنصحه أن يقلي الفلافل ويبيعها لعله يفيد الإنسانية أكثر[14].

النظام الشمولي لا يدع مجالا للشك. كل شيء فيه أكيد، صلب، بطولي (وفي البلاد العربية ايضا فحل لعقدة الرجولية والخوف الأبدي من العنة…) ، عاقل، أخلاقي الى ما هناك من خزعبلات ورقية تنضح بها منشورات الأحزاب القومية والشيوعية. وهي لا تعارض الأنظمة بل تجاريها حتى في توريثها للسلطة داخل احزابها المهترئة[15].

هذا النظام الشمولي يتغلغل إلى اعماق النفس ويجعهلها عبدة له. ولذلك فشل كل كتاب البعث العراقيين والسوريين في الوصول لقراء العالم رغم الملايين التي انفقتها انظمتهم الطغيانية، سلطت الأضواء عليهم، منحتهم جوائز كذب وأوسمة دولة لم يعد لها وجود وخصصت لهم معاشات ليكتبوا ولو رواية واحدة ذات قيمة. لكن كل هذا الذي استقبله هؤلاء المرتزقة كان يكبل أدمغتهم.

وهذا ليس بالجديد فهل أنتجت الستالينية على مدى سبعين سنة كاتباً واحداً من وزن بوشكين، تشيخوف، غوركي، تولستوي ودستويفسكي أو تورغنييف الذين عاشوا تحت حكم قياصرة رجعيين وليس في نعيم الاشتراكية؟

لكن من الفظائع الوضيعة إلى قدر لا يتصوره العقل ان يستعمل كاتب بعثي يدعي العلمانية سلاح الإسلامويين ويتهم أعداء النظام مثلاً بمهاجمة الإسلام في زمن صعود الإسلامويين.

طبعا يكذب المرتزق على الغالب في تهمة محاربة الإسلام وهو يقصد فقط تحريض قاتل جاهل اسلاموي على قتل عدو للنظام[16]. هناك براهين ضد كل تهمة يوجهها مرتزق لعدو الأنظمة، لكن ما نفع هذه البراهين؟ فسخط المرتزق الشخصي وانعدام ضميره حين وضع نفسه في خدمة الاستبداد وانعدام أخلاقه ستجد نماذج مهولة بالتبرير والاتهامات والتزوير تطال كل من يعارضهم.

ويمكن للقارىء أن يراقب منهجية الارتزاق المتكاملة في الهجوم على الكثير من الكتاب والذين أخذوا مواقفَ صريحة ضد الاستبداد والاستعباد.

هذا الهجوم من مرتزقة الكلمة يكمل عمل المخابرات كما أشار إلى ذلك الشاعر فرج بيرقدار في حديث له للصحيفة اللبنانية “النهار”، فقد كتب عضوان من لجنة القراءة للاتحاد تقريراً كاذباً حول المخطوط الشعري الذي تقدم به الشاعر بتاريخ 15/ يناير/كانون الثاني 2003 لمنعه من النشر، قال الشاعـر بيرقدار:

“لقد صادرت السلطة من عمري نحو أربعة عشر عاماً في السجن، فهل يريد كاتب التقرير أن يصادر حتى المكان الذي وضعتني السلطة فيه؟ ألا تبدو السلطة أقل بخلاً من هذا المثقف؟ لا أدري لماذا شعرت وأنا أقرأ تقريري الكاتبين بأنني أمام اتهامات شديدة الشبه بتلك التي واجهتها في محكمة أمن الدولة العليا، مع بعض الفوارق في الحالتين. فاتهامات المحكمة كانت في عام 1992 بينما جاءت اتهامات الكاتبين بعد أكثر من عشر سنين، مرت خلالها مياه ودماء كثيرة في ذلك النفق السوري المعتم. ولكن يبقى الفارق الأبرز والأهم أنّ محكمة أمن الدولة مؤسسة سلطوية أمنية استثنائية بامتياز، في حين أنّ اتهامات التقريرين جاءت عن طريق شخصين يفترض أنهما مبدعان وحائزان عضوية اتحاد الكتاب.

كنت أعتقد أنّ فروع المخابرات العسكرية والسياسية والجوية وأمن الدولة تكفي شعبنا وتزيد، ولكن يبدو أنّ اتحاد الكتاب العرب انتبه إلى ضرورة وجود شعبة مخابرات ثقافية. ولأنّ السلطة لم تُحدث شعبة من هذا النوع، فقد أخذ الاتحاد على عاتقه القيام بهذا الدور، بل جعل منه واحداً من أهم أهدافه عملياً. وهو إذ يفعل ذلك، إنما يفعله تطوعاً، أو بالوكالة لا بالأصالة”[17].

وهذا النموذج يسارع لمغادرة البلد بشكل مموه، مثل كثيرين من موظفي النظام. من جهة لمحاولة اختراق صفوف المعارضة في المنفى ومن جهة ثانية لضمان حياته بعد ان بدأت الأرض تحترق تحت قدميه  ويحاول تمرير ذاته التعِسة  في الغرب بأنه من المعارضة “المعتدلة” ليحفظ خط الرجعة!

نموذج المرتزق الذي يتربع في حضن النظام ويهمس بأنه يجلس هناك لينتف شارب السلطة.

وهو مرتزق دبلوماسي جداً، متخصص في التحول السريع لخيال محدثه. وهو لا يكتب تقارير انما له في كل عرس قرص كما نقول في الشام. يحلف لك الأيمان عن معاداته لكل الأنظمة وتراه في تلفزيونها واذاعتها وصحفها كلما سنحت له الفرصة يُنَظِر في امور الوطنية ويبدو مضحكاً دون ان يقصد او يتعمد ذلك. وعندما تلقاه يسمي نفسه معارضة “حذرة” ويهول على مستمعيه مقدرا خطر ما يقوم به. لكن هذا النوع من المرتزقة غبي، لا تراه يعرف مقدار ما يثيره من السخرية عندما يزور سوريا طوال السنين دون ان يُسأل عن معارضته الخفية.

وهذا النموذج يتمتع  بانتقائية لمن يتمسح به تملقاً فهو لا يأبه مثلاً لأي مواهب فلسطينية ولا حتى الفذة منها مثل سميح القاسم او توفيق زياد أو اميل حبيبي مثلاً بل يدمن التمسح بواحد أحد: محمود درويش… لشهرته حتى نضحت ثياب المرحوم من دهن أيدي امثال هذا المرتزق.

 

نموذج المنفي الذي يعيد إنتاج الدكتاتور.

المنفى كالسجن عذاب لكنه ليس ضمانة لشحذ الوعي. ونسبة البلهاء والأذكياء في السجن والمنفى تساوي نسبتهم في الوطن.

هناك حالات من الارتزاق فريدة وغريبة، فهذا الشاعر أو الصحفي المخضرم والذي حسب سيرته، ينجو في آخر لحظة من قبضة الطاغية – صدام مثلاً – التي كانت ستؤدي به إلى السجن أو القبر، ويلتجئ لبلد يحكمه طاغية أكثر دموية – الأسد أو علي عبد الله أو آل سعود أو القذافي – من ذاك الذي هرب منه. إلى هنا قد يكون الوضع الجغرافي، العائلي، الديني والاقتصادي قد لعب دوراً في قصر نظر هذا الهارب من الموت. ولا شماتة، لكن ما الذي يدفع هذا المنفي لمهاجمة المعارضة في البلد المُضيف؟ وما الذي يورطه حتى أذنيه في مستنقع الارتزاق إذا صادف ونجا هذا الهارب أيضاً من الطاغية المُضيف إلى بلد أوروبي؟ فتراه حتى بعد عشر سنين في لندن أو باريس أو برلين لا يزال يضرب بسيف مُضيفه العربي، ويهاجم حتى انتفاضة الشعب الرازح تحت طغيانه من أجل الكرامة، لأنها، كما يدعي، لا تتوافق مع معاييره في الثورات. يهاجمها بدونية وصفاقة وقلة حياء حتى من غير أن يكون بعثياً، تحت عناوين تبريرية زائفة تتطابق مع ما تقوم به الأنظمة من تبريرات، وتتفق بالضبط مع منهاج الارتزاق بالأليات والأحكام والتحليلات. وفجأة تراه يتخذ دور المفتش الذي تضخمت أناه إلى حد انه يطلق احكاماً بالموت ويضرب زملاء له أيدو ثورة الكرامة بأبشع مفردات وكأنه إبن النظام. وهنا لا بد من القول ان نقد المعارضة السورية وليس مهاجمتها صحيح وضروري خاصة وان اغلب مجالسها ومؤتمراتها تحولت لمجالس مختار قرية بتبويس شوارب ولحي وتوزيع مناصب ومعاشات. ولو نظرنا لما توليه قيادة المعارضة من اهمية للإعلام الغربي وحللنا سبب هذا الإهتمام المهووس بدل المبادرة على الأرض لتجعل الإعلام الغربي يلهث وراءها راجيا حديث، لتبين كم من النقد ضروري لهذه المعارضة، كما ان نقد الضبابية في الشؤون المالية ومصادر التمويل هو اول خطوة في الإتجاه الصحيح لشفافية تستحقها ثورة هذا الشعب البطل. كل هذا ضروري لكن لا يتعامى المثقف الملتزم بقضية شعبه عن ان نظام القمع والقتل هو المسؤول الأول عما يصيب شعبه.

هؤلاء المثقفون الذين يحفظون ابن رشد والمعري وإذا لزم الأمر هيغل وماركس عن ظهر قلب، والذين تظنهم عندما تحدثهم وكأن أحدهم وريث لأبي ذر الغفاري والآخر ابن عم غيفارا. فجأة تراه يجلس في محطة فضائية يملكها الدكتور شفطان ابن رفعت الأسد أو تراه يسامر بهجت سليمان بنقاشات فلسفية. وبعد هكذا مقابلات يسمي أحدهم نفسه ” الشيوعي الأخير” والأفضل تسميته “شيوعي آخر زمان”.

السبب الوجيه الذي يسهل على هؤلاء ارتزاقهم هو أن قيم العشيرة والإخلاص والوفاء للمُضيف أكثر عمقاً في أنفسنا من القيم الحضارية الحديثة، وأن هكذا منفي لا يملك وعياً تنويرياً بل هو عبد للثابت في نفسه من قيم العشيرة، وبعضهم أيضاً يصبحون في البلد المضيف مرتزقة لنظامه لأنه يرضي نرجسيتهم برفع شأنهم في صحافته فيصدقون الكذبة. ولذلك صار لازماً أن يكون في كل بلد عربي شاعر كبير أو روائي عظيم أو ناقد تحتفل به صحف العالم. وهم يشعرون كغرباء باطمئنان لوهم قربهم من السلطة حتى ولو كانت سلطة محافظ نابلس! حتى ان احدهم تبجح امام صحفيين ان محمود درويش كان “يستأذنه” للذهاب إلى مربد صدام حسين رغم انه لا يحب الذهاب الى مهرجان فيه الف شاعر!!! ( بالمناسة وكمعترضة ترفيهية: هل هناك امة انتجت هذا الكم من الشعراء الفاشلين؟) وكان المعزاوي يسمح له كل مرة وكأنه البابا الكاثوليكي في القرون الوسطى يبيع غفرانه لمن يشاء.

نموذج المرتزق السندبادي

الارتزاق لدى عدة طغاة والأكل على موائدهم قبلة كل من يمارس مهنة الارتزاق. المهم قيمة الدفع وليس هوية الدافع. وهي ظاهرة منتشرة بشكل واسع بين الكتاب وخاصة الشعراء. وأحد هؤلاء المنافق الكبير محمد مهدي الجواهري، الذي كتبً:

سلاماً أيها الأسدُ      سلمتَ ويسلمُ البلدُ
وتسلمُ أمةٌ فَخَرَتْ      بأنك خيرُ مّن تَلِدُ!!!

وكان قبلها قد مدح الملك فيصل الأول، وملك المغرب، وملك الأردن والعميل نوري السعيد… وحتى أحمد حسن البكر وصدام حسين ثم هجاهم شرّ هجاء عندما ارتزق عند حافظ الأسد عدو صدام حسين.

وهذا الشاعر ابن هاني الأندلسي يتفوق عليه ويتجاوز الحد في مدح المعز لدين الله الفاطمي حيث أنشده:

 ما شئت إلا ما شاءت الأقدارُ   فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنت النبي  محمدٌ   وكأنما أنصارك الأنصارُ

وهذا وريثه بالنفاق شفيق الكمالي يُشبه صدام حسين مباشرة بالله – لكي لا يزايد عليه أحد!!! وللتذكير فقط شفيق الكمالي كان بعثياً متطرفاً ووزيراً وسفيراً سابقاً.

تبارك وجهُك القدسي فينا   كوجه الله ينضح بالجلال

كل هذا لم يشفع له فلقد قتله صدام وقتل ولده يعرب.

وهذا طابور الشعراء والكتاب الذين وجدوا في السيسي خير خليفة لصاحب نعمتهم مبارك[18]. وكلما انتقدتهم تجد من يدافع عنهم بذكر “ورقة التوت” المتنبي الذي كان من أكثر الشعراء تذلفاً وانه رغم ذلك ترك شعرا جميلاً للإنسانية. وفي هذا خداع مزدوج: اولا نحن هنا بصدد تقييم موقف الإنسان من إضطهاد أخيه الإنسان وثانياً هؤلاء الأقزام الشعرية الذين ملأوا المهرجانات يتشدقون وكأنهم سيتركون للبشرية ما تركه المتنبي. حتى شاعر صدام عبد الرزاق عبد الواحد تبجح بتشبيه نفسه بالمتنبي وتشبيه صدام بسيف الدولة الحمداني.

لكن قلة من هؤلاء يتحولون لسندباد لكثرة سفرهم على نفقة مضيفيهم، وصاروا يجمعون وثائق الفنادق بخمس نجوم كما يجمع آخرون طوابع البريد، فتراهم لا يتركون حفلة تهريج واحدة، مما يدعى خطأً مهرجانات الشعر، ويمدحون هذا الحاكم أو ذاك، ويسمحون للطاغية باستغلال حضورهم مثلاً للتغطية على حملة اعتقال دموية طالت زملاء لهم في البلد نفسه، أو للتمويه على قتل الأكراد والايرانيين والعراقيين. لكن المرتزق يغلق فمه ويغمض عينيه ويتغنى حتى بجسد مضيفه وجماله وفحولته. ويرجو في قرارة نفسه أن يقبض ويغادر البلد اليوم قبل الغد. فهو يعلم أن هذا التهريج لا يهم أحداً سوى الطاغية وجهازه الإعلامي! ومثل هذه التهريج عُقد مراراً في المربد ودمشق وطرابلس الغرب وشارك فيه شعراء وكتاب عرب.

يقول عباس خضر: “من وجهة نظري، إن بيانات المربد تشهد على مرحلة كذب كاملة… التوقيع على بيان أو برقية “مسؤولية” في كل مكان على وجه الأرض، فهل توقيع الأدباء هو من نوع آخر؟

لقد رفعت أغلب البرقيات والبيانات خلال هذه المرابد باسم جميع المشاركين وكان من هؤلاء:

” جابر عصفور، غالي شكري، محمود درويش، سليم بركات، سركون بولص، محمد ابراهيم أبو سنة ، سلمى الجيوسي، محمد زفزاف، وغيرهم “.

وقد مدح مزبان خضر هادي، أحد أقرب المقربين لصدام، المشاركين في تهريج المربد قائلاً:

” دعوني أقول لكم إن كفاحنا، كفاح من أجل قيم العصر وما حققه الإنسان بوجه الارتداد والأفكار المتعفنة الخائبة، ويكفي أن أشير إلى أن كلماتكم بكل ما تمثل من مضامين وأشكال تعتبر بالنسبة لهؤلاء رجساً من عمل الشيطان “.

وفي التهريج المربدي نفسه صاح نزار قباني:

“لا أعتقد ان حكومة ثورية في أي مكان في العالم، أدخلت الشعر في جدول أعمال مجلس قيادة الثورة، ومناقشات مجلس الوزراء، وفي خطط التنمية والإعمار، مثلما فعلت الحكومة العراقية”[19]. وهو الذي سيهاجم فيما بعد ويسخر من صدام ومعاركه، ليس لأنه تنور الآن بل لأن حكام دمشق املوا عليه ذلك ليغفروا له ” هفواته” ويحتفوا به في آخر حياته.

وهذا الكاتب المغربي أحمد المديني يقرأ البرقية الموجهة إلى صدام حسين باسم جميع المشاركين، صائحاً: “لقد رأينا يا سيادة الرئيس كيف تقذفون بالحق على الباطل بكلمة (لا). كيف تشمرون عن سواعدكم بكلمة (نعم) لإضاءة مواطن المستقبل. وليس لنا نحن الأدباء والشعراء العرب المشاركين في مهرجان المربد السادس أن نتوضأ بماء النصر الذي قدتم العراق إليه فحملتم به عبئاً عنا وقدمتموه لنا هدية. هي هدية التاريخ للأجيال القادمة ضوءاً وأمثولة وفداء”

ولكن ليس كل هذا التذلف ليكفي المرتزقة. يكتب الدكتور يوسف السعيدي: “فثمة ضيوف عرب على العراق …كانت قسوتهم على معارضي العراق ومنفيي البعث اشد من تحريض بعثيي صدام. يقول المصري مختار النادي:
“اقطع رقاب خوارج المنفى
وأرجعهم لسادتهم بأكياس البريد”.[20].

وماذا عن جائزة القذافي؟ هل ابالغ إن قلت ان كل من حملها وعمل فيها مؤسساً ومستشارا أم في لجنة تحكيمية أو في تنظيمها هو مرتزق للقذافي يحاول تبييض سمعة هذا القاتل المجذوب. وهل قرأ احدكم كيف تساقط هؤلاء بعد سقوط القذافي مقسمين ببرائتهم.

هل يحتاج أحد لقرف أكثر ليتقيأ؟

 

نموذج المرتزق العابر للحدود

وهذا أندر وجوه الارتزاق لأنه يحتاج لاحتراف طويل. فالمرتزق العابر للحدود لا يكتفي بالخنوع الذليل لطاغيته بل يهب لمؤازرة طاغية ثانٍ وثالث حسب الطلب، ولا يشعر بعدها بأي حرج أن يهاجم معارضين للأنظمة الديكتاتورية في بلد عربي آخر لا يعرفهم وليس له فيه أي مصلحة ثانية سوى قبض المبلغ الذي يهبه إياه الطاغية، وكأنه موظف لديه.

هذا فعلا شيء غريب. مثلاً أن يهاجم كاتب فلسطيني أو مصري في زيارة لتونس أيام ابن علي زملاء تونسيين ويشتمهم. أو أن يهاجم كاتب عراقي في ليبيا معارضي القذافي.

لكن المرتزق العابر للحدود لا يكتفي بذلك بل يضع فوق الخزي الذي سيلاحقه حتى بعد أن يقبر كذبه بثقل حجر الطاحون، وبوقاحة غريبة فعلاً، يدعي أمام الخلق أنه ساهم بالثورة ضد طاغيته. ولدينا مثالان واضحان.

يكتب الفنان والكاتب العراقي شاكر لعيبي عن الكاتب إبراهيم الكوني: “عرفت أيضاً الروائي ابراهيم الكوني، ربما أواخر الثمانينيات، في جنيف حيث أعيش. التقيتُ به في المكتبة العربية (أوليفييه). كانت دهشتي عظيمة حينما أخبرني أنه لا يعمل شيئاً وأنه محسوب على السفارة الليبية التي تدفع له راتباً مجزياً ومنزلاً فخماً دون أن يقوم بشيء البتة سوى الكتابة والسفر. ولكي يحطم أوهامي نهائياً عن  المراكب المجهولة التي يركبها بعض الكُتّاب، ذكر أنه كان قبل ذلك محسوباً على طاقم السفارة الليبية في الاتحاد السوفياتي السابق. بقي الكوني سنوات طوال لعلها جُلَّ حياته في حالة سيلان مع نظام القذافي وهدنة واستسلام لصالح ما يعتبره ضرورات الكتابة. إن تصريحات الكوني البرومثيوسية ونصائحه للقذافي بعد انهيار النظام -(26/2/2011) القائلة: “كل أعمالي ضدّ السلطة ليس فقط كمفهوم أخلاقي ولكن أيضا كمفهوم فلسفي. إذا كان هناك محرّض على الثورة في ليبيا في يوم من الأيام فهي أعمال ابراهيم الكوني، التي تصلح أن تتخذ إنجيلا للثورة”!  – لا محل لها من الإعراب، وهي مثال على فساد ودجل لا مثيل لهما[21].

لكن جمال الغيطاني كأحد ممثلي هذا النموذج يحتل مركز الصدارة. وهذه بعض الشهادات فيه:

يكتب الشاعر والباحث المصري حمزة قناوي:

“فوجئت كغيري من المثقفين المصريين والعرب بتصريح للروائي جمال الغيطاني في مهرجان أصيلة بالمغرب الذي أتم فعالياته مؤخراً لدورته الثالثة والثلاثين، يقول فيه بإحدى الندوات إنه هو وجيله من بشروا وقادوا ثورة 25 يناير بمصر!

كان أول رد فعلٍ قام به الحاضرون للندوة أن غادر معظمهم القاعة استياءً مما قاله الغيطاني، واستنكاراً لتزييف الحقائق والتاريخ الذي حاول أن يروّج له.

فالغيطاني نفسه لم يرهُ أحد في ميدان التحرير طيلة الثورة، لم يبت ليلةً في خيمة بالميدان، ولم يتظاهر أو يهتف ضد الفساد مع الشباب. لم يذهب إليه أصلاً كما فعل صنع الله إبراهيم رغم ظروفه الصحية الصعبة.

… وهذه بحد ذاتها تشكل تناقضاً آخر في مسيرة الكاتب الذي يتمسح بالثورية بينما ظل طيلة عمره الوظيفي منتمياً إلى مؤسسة صحفية حكومية تابعة للنظام- آنذاك- ومديراً لتحرير إحدى مطبوعاتها هي “أخبار الأدب”[22].

وهذه شهادة ثانية عنيفة وهامة:

“وبدلا من أن يكون المثقف ممثلاً لضمير الأمة وحارساً لقيمها العقلية والأخلاقية، أصبح كلب حراسة لحماية النظام، ينقض بشراسة على من يعارضه أو يكشف عريه من المصداقية والشرعية. هكذا تحول المثقف، الذي أغدق عليه النظام الفاسد الساقط أمواله ومناصبه وجوائزه المغشوشة التي تنفخ في قيمته وتمنحه رأسمالاً رمزياً مزيفاً أيضاً، إلى تابع بائس لأجهزة الأمن التي تسيّره وتوجهه كالدمية. يتباهى بصداقته الحميمة للجلاد، ويتحول إلى كاتب تقارير تافه يلهث وراء فتات ما تقدمه له النظم الاستبدادية العربية التي استخدمته بذكاء طوال عقود الانحطاط الأخيرة. يأكل على موائدها جميعاً…

لكن المثير للحزن والسخرية، أن مثل هذا المثقف التابع البائس لم يسقط مع سقوط النظام بعد الثورة، وإنما سارع بصفاقة لا نظير لها فى أى مكان فى العالم، للحديث باسمها، والزعم بأنه من أشد مناصريها، وتحول خطابه إلى العملة الرديئة التى تطرد العملة الجيدة من السوق…

فقد طالعتنا الصحف المصرية صباح جمعة طرد سفير العدو الصهيوني في مصر والمطالبة بقطع تصدير الغاز له، بصورة مثقف بائس، هو جمال الغيطاني، وهو يقوم بدور الترجمان للسفيرة الأمريكية الجديدة، آن وودز باترسون… في الوقت الذي يتظاهر فيه الثوار ضد العدو الصهيوني، يقوم المثقف الذي يزعم بصفاقة أنه مع الثورة، بدور الترجمان للسفيرة الأمريكية، أي سفيرة ميتروبوليتان نظام الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وحامية صلفه وغطرسته الأولى. وهي نموذج فريد بين سفراء الميتروبوليتان الاستعماري الجديد”[23].

وهب هذا المرتزق العابر للحدود نفسه بالكامل لصدام حسين وحافظ الأسد. وقد كتب آخرون ما فيه الكفاية:

“…ولكن ما حدث أن الغيطاني ساهم من موقعه هناك ككاتب تحت الطلب في كتابة رواية لتمجيد الديكتاتور صدام حسين فكتب روايته ” حرّاس البوابة الشرقية ” بدون أدنى ضمير ليمجد فيها حرباً راح ضحيتها الملايين، وبينما كان المصريون يُقتلون هناك كان الغيطاني يسامر غلمان الديكتاتور ويروي لهم النكت المصرية لينال رضاهم!

وهكذا نصل إلى ملخص لتعريف رئيس تحرير أخبار الأدب السابق أنه من نام ضميره فساهم في قتل أكثر من مليوني عراقي في الحرب العراقية الإيرانية وآلاف العمال المصريين في العراق إضافة لتشريد مئات المثقفين العراقيين عن طريق التحريض وتشجيع الديكتاتور. فيما يصحو هذا الضمير في مصر وعلى حين غفلة ليكون معبرا له لاستلام حقيبة وزارة الثقافة .

نُذَكِرُ رئيس التحرير جمال الغيطاني أن الكتاب الذين حرضوا هتلر على جرائمه كان مصيرهم بعد هزيمة هتلر إما الانتحار أو المثول أمام المحاكم والحكم عليهم حسب مساهماتهم. وها قد أتى الدور عليك بعد هزيمة قائد القادسية التي مجدتها وحرضت عليها وأم المعارك التي أوصلت بغداد على ما هي عليه الآن”[24].
والتهمة نفسها وجّهها عراقيون كثر[25].

كذلك لم يتوانى عن مهاجمة معارضي نظام الأسد ومدح اتباعه ومرتزقته على صفحات “أخبار أدبه” تساءلت في نفسي: إلى أي مدى يذهب عهر الارتزاق بهؤلاء، فهذا النموذج من المرتزقة الذي لم يترك طاغية يدفع من المحيط إلى الخليج إلا ولحس قدميه تذللاً وضع الآن نفسه في خدمة طاغية دمشق (الأب أولا ثم الإبن) الذي يبعد آلاف الكيلومترات عن مسقط رأسه، وتعامى عن 15 جهاز مخابرات وعن معتقلات تشبه المعتقلات النازية في صحراء تدمر ليصب جام غضب سيده على كاتب معارض منفيٍّ وينعته بأحقر الأوصاف. هذا شيء يثير القرف بالطبع عند كل صاحب ذوق لكنه يظل غريباً مستعصياً على الفهم.

الشيء المحزن حقاُ هو تداعي أخلاق المعارضة وصمتها. ولنبقَ لحظة عند هذا النوع من المرتزقة. قليل من المثقفين العراقيين والسوريين أدركوا مدى إجرام هؤلاء المرتزقة، ولم يرفعوا ولا حتى دعوة إنسانية سياسية ثقافية علنية كالمحكمة الدولية لمجرمي فيتنام، التي أسسها وقادها مثقفو أوروبا من برتراند راسل إلى جان بول سارتر. وبدل معاقبة جمال الغيطاني على تشجيعه الشنيع لصدام حسين على الحرب ومقاضاته من قبل أهالي القتلى، ركز الكثيرون على تهمة سخيفة إن كان هو كاتب رواية صدرت باسم صدام حسين ولا تستحق حتى الذكر.

يبرر بعض الأصدقاء صمت المعارضة بحجج ان سميتها واهية اكون قد بالغت في رحمتها.  نحن شعب ارغمنا الطغيان على اتقان فن التبرير. وهذا الفن البشع يسهل للمهزومين ابتلاع هزيمتهم.

 

نموذج ابن الأقلية الخائف دوماً

ترى هذا المرتزق يمشي من حائط لحائط ويطلب من الله سترته وسلامته. هذا الرجل يعيش منذ زمن جد جده في خوف دائم، قد يكون له مبرراته، لكن الرد عليه لا يتم بالتجمد خوفاً وتكبيل اللسان بحثاً عن سلام جسدي.

أما سلامه النفسي فهو في خبر كان، كما نقول في دمشق، وهو نفسه الذي ملأ مسمعي ورأسي بخوفه على المسيحيين، لم يحرك ساكناً حزناً ولا تعاضداً مع الأكراد أو الأقليات الثانية التي ضُربت في سوريا أو العراق أو السودان. ولا ذاب خجلاً لصمته عن قتل مئات الوف من ابناء الأغلبية السورية… يعمل مترجماً ويعيش عيشة لا بأس بها من مورده، لكنه خائف على طول الخط. ولشدة خوفه ينكر حتى اصدقاء طفولته واقاربه (احدهم بلغ جبنه حدود نكرانه لأخيه) ان كان احدهم معاديا للنظام!

لكنه لا يخجل ولا يخاف من العمل يداً بيد مع النظام، وفي كل زيارة لدمشق كان يتبجح بشرب فنجان قهوة في وزارة الثقافة. وبعد كل زيارة يصاب بغسيل دماغ، فتراه يمجد عشيرة الأسد لحمايتها المسيحيين ويبالغ وكأن هذه العشيرة أنجبت المسيح بذاته. وهنا يتناغم هذا المرتزق مع جوقة رجعية كريهة تحتل برضى الأنظمة قمة الهرم في الطوائف المسيحية وتغني دون خجل أغنية الطاغية وبالتالي تزيد من الخطر الذي يهدد هذه الأقليات بدل أن تحميها. حتى ان بعض المطارنة والبطاركة صاروا عملاء مباشرين للنظام والمسيح بريء منهم.

 

نموذج المتمرسين في الارتزاق.

حدثني زميل سوري يعيش في أمريكا وله في كل عرس قرص (بالدمشقي بمعنى الوصولي الإنتهازي) أنه منذ أن التقى بمرتزقة كلمة في ليبيا وهي تتغنى بعبقرية العقيد القذافي في فن الرواية لم توافق، رغم قرب مسكنها من مسكنه في امريكا، على أي لقاء مع الزميل وكأنها تخشى أن يسألها: كم قبضتِ؟

المهرجان المسخرة يقدم أجمل برهان محسوس لانهيار ثقافة النقد في بلاد بني يعرب. كم من محاضر فقد رشده ومدح عبقرية القذافي وصدام في فن الرواية؟ هؤلاء يجب وضع أسمائهم وصور وجوههم في متحف حتى ولو كان افتراضي(virtual) ليصبحوا فرجة لمن يريد، وقد قام الكاتب احمد ابومطر بوضع قائمة مفصلة بهؤلاء المرتزقة وما تفلسفوا به في مدح القذافي ومنهم: فؤاد قنديل،  ياسين رفاعية، سمير الجمل، ابراهيم الكوني، واسيني الأعرج، ميرال طحاوي وكوليت خوري.[26].

لا زلت لليوم أذكر واحتفظ بالوثيقة البذيئة التي نشرتها جريدة السفير للقذافي والتي يهاجم فيها المسيحيين بشكل لم يسبقه إليه حتى الإسلامويون:
“العربي غير المسلم موقفه خاطئ ويجب أن يكون مسلماً ويصحح موقفه. لا يجوز أن تكون من الأمة ودينك غير دين الأمة. فالقومية والدين وجهان لعملة واحدة. أما فيما يتعلق بالمسيحيين في الوطن العربي، أولاً ولا بد من التأكيد على أن المسيح قد بعث إلى الإسرائيليين. فإذا كنت إسرائيلياً فلا بأس أن تكون مسيحياً”!
ولكي لا يظن أحد أنه قرأ خطأً يعيد القذافي في موضعٍ آخر من المقابلة وجهة نظره:
“ومن الخطأ أن تكون عربياً ومسيحياً وستبقى المشكلة قائمة طالما أنك عربي وتعيش على الأرض العربية وفي الوقت نفسه تبقى روحك إسرائيلية”![27].

ثم يأتيني أحد الأغبياء ويسألني لماذا أحتقر المطبلين في حفل القذافي الدموي؟ أسميه غبياً لأن كل ما يقوم به الطغاة علنيّ وعلى عينك يا تاجر كما نقول في الشام.

وهذا النموذج من المرتزقة غريب عجيب ترى مثلا اسم احدهم في كل قائمة سوداء تحتوي أسماء مرتزقة صدام. وبعد سقوطه ينتقل للخليج ويعلن امام الصحافة ان تاريخه حافل بمقاومة صدام والقذافي…وبالفعل يمتلك هذا النموذج قدرة فريدة تستحق النشر في كتاب غينيس على اختراق السقوف زحفاً نحو الأعلى.

نموذج المرتزق الأوروبي

أكثر مفاجآت المعرفة التي أدهشتني في أوروبا أن رقي المجتمعات لا يعني رقي الإنسان، فهذا الشعب الألماني الذي كان في ذروة التقدم في الثلاثينيات، هذا الشعب الذي قدم للعالم فلاسفة ومخترعين وشعراء لم يقدمهم شعب آخر تحول بقيادة هتلر، أحد رعاع الطرق النمساويين، إلى شعب متغول في وحشيته يذبح مئات آلاف وملايين الأبرياء في عقر دارهم.

لا ضمانة لأي مجتمع أو إنسان بألا يسقط إلى درك يخجل قطاع الطرق منه.

تعرفت في منفاي الألماني على خبراء ومفكرين وكتاب ألمان بحس مرهف وقلب إنساني لا حدود له. وقد أفنى بعضهم عمره في الوقوف إلى جانب الشعوب المظلومة ومعها ضد طغاتها وأسيادهم الأوروبيين. قال لي أحدهم: “ليست المسألة مسألة مؤامرة دولية فهذا يقارب الهراء، لكن هؤلاء الطغاة في العالم الثالث لا يقدرون على الحكم يوماً واحداً دون رضى الغرب الذي يمدهم بكل شيء من البرغي للصاروخ طالما يحفظون له هيمنته على عقولهم  وموارد بلادهم الغنية، لذلك لا بد لي من النضال مع هذه الشعوب لأستحق لقب انسان”.

لكني تعرفت أيضاً على أشخاص عدة عديمي الخلق والضمير يقفون وبحذلقة ومكر مع طغاة العالم من بينوشيه في التشيلي إلى طغاة العالم العربي. وقد سألت مترجم القذافي والذي احتل مركزاً عالياً في قيادة اليسار الأخضر هنا في ألمانيا:

لماذا ترجمت هذه القمامة لمجرم؟

فأجابني بكل وقاحة كما يجيب المرتزقة دوماً: “إن لم اترجمه أنا فسيترجمه آخرون”.

لكن هذا المترجم الانتهازي توقف عند هذا الحد من الارتزاق وهو ترجمة روايات سيئة ظل كتابها مجهولو الهوية، نَسبَها الطغاةُ لأنفسهم، لأنهم إلى جانب كل إبداعاتهم أرادوا أن يكونوا رواة بعد عجز رواتهم المرتزقة في الوصول إلى النتيجة المطلوبة. أظن أن صدام حسين أو معمر القذافي صاح فيهم: “اتركوها لي وسأريكم؟” ثم شمر عن ساعده الدموي. وتباهى وزراء ثقافته بأن أعماله طبعت في خمس لغات، وأن طبعاتها تنفذ بسرعة البرق لاهتمام شعوب أوروبا بما يتقيأه مجرم بدائي مثل صدام أو القذافي. بالطبع كانت الطبعات تُشترى من السفارة بمبالغ هائلة وتلقى في المزابل.

كما قلنا هذا المترجم مرتزق من نوع غبي محدود الباع، أما المرتزقة المحترفون فلهم يد في الإعلام الغربي، لذلك يقبضون أكثر. وإلا ما الذي يفعلونه؟ بين الحين والآخر عند زيارة عاصمة من عواصم البلاد ومدح التقدم العلمي والثقافي هناك؟! بينما صاروا هنا في المنفى أخصائيين بمحاربة المنفيين من البلدان العربية. وقد قدمت في مطلع هذا العام دراسة باللغة الألمانية عن دور هؤلاء المرتزقة الألمان.

 

والنتيجة الإيجابية تاريخياً: كل هذه الجيوش من مرتزقة الكلمة لم تفلح في منع انهيار الأنظمة التي موّلتها، ولم تفلح في حجب النور عن كتاب قديرين سيفرح العالم بهم ويحملهم في قلبه وضميره.

كلمة وداعية اخيرة

علمنا التاريخ عبر انهيار المعسكر الشرقي الستاليني ان الإضطهاد  لم ينقذ حزب السلطة في ألمانيا الشرقية ولا الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفييتي ولا قدر جهاز مخابرات ألمانيا وهو الأكفأ في العالم ولا نظيره السوفييتي على منع انهيار هذين النظامين الذين  استعبدا شعوبهما. سقط النظامان ليس عبر حرب خارجية او عدوان بل لأن الشعب مقتهما وكان سقوطهما خطوة تاريخية منطقية.  ومن المفارقات المضحكة أن المواطنين الألمان عثروا عندما اقتحموا مبنى المخابرات المركزي في برلين على خزائن كبيرة ملأى بتقارير تجسسية وتقارير من مرتزقة الكلمة عن زملاء لهم لم تمس بعد لأن تدفقها كان بغزارة لم يستطع معها الموظفون في مركز مخابرات السلطة دراستها وتحليلها فكدسوها لما بعد. وهذا “المابعد” اتى كريح ليس كما تشتهيه سفنهم.

رفيق شامي

المانيا حزيران 2015

 

خاص – صفحات سورية –

أي نشر أو اعادة نشر لهذا المقال يجب الاشارة فيه إلى المصدر: صفحات سورية

كل الحقوق محفوظ للكاتب ولصفحات سورية.

________________________________________________________________________________________________________

[1] أنظر صفحة الانتفاضات الشعبية في  صفحات سورية ورابطها: https://syria.alsafahat.net/

كذلك أعداد صفحات سورية ما قبل الثورة ورابطها: http://www.alsafahat.net/blog/

 

[2] انظر موضوع التسامح في كل ما كتبته خاصة مقالي في صفحات سورية بتاريخ 25 فبراير 2013:  “في التسامح الثوري والثأر المعادي للثورة”

[3] وفيها قوائم لمرتزقة الكلمة الذين مدحوا واستفادوا من صدام مثل عبد الرزاق عبد الواحد، ساجدة الموسوي، رعد بندر، لؤي حقي، حميد سعيد، امل جبوري وآخرين كثر

http://www.iraqcenter.net/vb/printthread.php?s=679fb52f7a33c26b5c9d9e68be1be777&t=20754&pp=15&page=1

وها هنا رابط صفحة “الحركة الشعبية لاجتثاث البعث” نُشرت فيه أسماء كثيرة لمن سمتهم “المداحون العرب المتكسبون والسارقون لاموال الشعب العراقي المظلوم”

http://www.no-ba3th.com/index.php?action=pages&id=6

…ومن الذين جاؤا الى العراق في فترات مختلفة جيش جرار له اول وليس له آخر. بينهم مشهور ومغمور من مختلف البلدان العربية: نزار قباني (سوريا)، جمال الغيطاني(مصر)، جبرا ابراهيم جبرا ومحمود درويش (فلسطين) فخري قعوار وسلمى السعيد (الاردن) زياد العاشق (سوريا) محمد الفيتوري (السودان)  خيري منصور (فلسطين) محمد سليمان الاحمد (سوريا) سعاد الصباح (الكويت) عبد القادر زريق (الجزائر) جهاد الخازن (فلسطين) عبد الله بن ادريس (السعودية) عصام صدقي العمد وعلي منصور (الكويت)  محمد ذكري (ليبيا) محمد عبد الله بن المختار باب (موريتانيا) سوف عبيد( تونس) صبري احمد (المغرب) عبد الله اسماعيل الغرباني (اليمن) عبد الرؤوف الخنيسي (تونس) محمد التهامي (مصر) شوقي بزيغ ونهاد الحايك والاب يوسف سعيد والياس لحود (لبنان)  علي عقلة عرسان (سوريا).

انظر ايضاً إيلاف نقلاً عن مجلة الغاوون(العدد42) . 13 أوكتوبر 2011

الغاوون 42: برقية وجَّهها محمود درويش وسليم بركات وجابر عصفور إلى صدام حسين الرابط: http://elaph.com/Web/Culture/2011/10/688942.html

 

[4] يكتب محمد ناجي في هذا الشأن: “وعلى الرّغم من أنّ موضوع ارتزاق المثقّف العربي، يعدّ الأكثر أهمية، إلاّ أنه مسكوت عنه، ويراد محوه من ذاكرة الإنسان وسجلات الثقافة العربية. ومن الواضح أنّ هذا الموقف نابع من اتّفاق وتواطؤ ثقافي عام قديم/جديد وغير معلن. لذلك نرى في الحالات الاستثنائية، التي يطل فيها هذا الموضوع برأسه، ويظهر بصورة فاضحة، وبطريقة الردح، ويصعب حينها التستر عليه، يسارع البعض لوصفه بكونه حالات فردية، ويتعمد البعض الآخر تجاهله وتجنب إثارته، وغالبا ما يجري تمريره وتسويغه بمبررات بائسة، أو الردّ بعنف صريح بمجرد إثارته، بقصد الردع وإرهاب من تسول له نفسه الخوض فيه، كما حدث في رد صحفي عراقي لامع، مسؤول عن تحرير صحيفة عراقية بارزة، ورئيس نقابة للصحافيين العراقيين، عند إثارة البعض لموضوع أغنية للفنان رافد جبوري، في مدح صدام حسين؛ حيث كتب بعصبية، لم تعرف عنه من قبل، ووجه حزمة من التهم في مغالطة للرأي العام: “الحملة ضد الزميل جبوري تنتمي إلى عهود محاكم التفتيش، وإلى مرحلة النازية والفاشية، وإلى زمن المكارثية، ويلزم التصدي لها بعزم وحزم لردّها وللحؤول دون انهيار الممارسة السياسية والحكومية إلى منحدر سحيق ومستنقع بالغ النتانة”

محمد ناجي، العرب 13/05/2015، العدد: 9916، ص(6) وايضا تحت الرابط: http://www.alarab.co.uk/?id=52187

[5] راجع في الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي. وابو حيان باحث زاهد عاش ومات فقيراً.

 

[6] الجزء الثاني من الحلقة الأخيرة لحوار مع خلف علي خلف محرر مجلة الجدار الإلكترونية، أيلول 2006  وقد اعاد الصديق حسين الشيخ نشرها كاملة  في صفحات سورية https://syria.alsafahat.net/ وهناك في صفحات الحوار.

“أنت في مجتمع ديموقراطي ومعروف في ألمانيا إن لم نقل مشهور أليس لك علاقة مع بعض الساسة الألمان؟ كيف ترى لعلاقتك مع السلطة أياً كانت ؟

علاقة خوف ورفض. وقد يضحك ذلك بعض القراء. أرفض أية علاقة بأي سياسي حاكم. فأنا على يقين من أن الحكام كالمفاعلات الذرية تلوث نفسها ومحيطها. ورغم أنني أعيش منذ 35 سنة في ألمانيا ورغم أنه بين ملايين قرائي سياسيين كثيرين يعلنون بدون تكلف أنني كاتبهم المفضل ويدعوني هذا السياسي أو ذاك لحفل عشاء أو حتى زيارة شخصية لكني أرفض شاكراً بأدب.

هنا في البلاد الديمقراطية يصبح الوزراء والنواب جيرانا عاديين وليس كما عشت أنا تحت الديكتاتورية التي تحول حياً بكامله إلى ثكنة عندما يقطن إبن خالة سائق رئيس المخابرات في الحي. أو عندما يزور أحد الضباط الأشاوس عشيقته. لكني رغم ذلك لا أرتاح في أي علاقة شخصية مع أي حاكم.”

 

[7] أنظر المقال القيم لمحيي الدين اللاذقاني: إشكاليات ” ثنائية السيف والقلم”  في أدبيات المثقف والسلطة

الشرق الأوسط: الجمعـة 11 يوليو 2003 العدد 8991

http://archive.aawsat.com/details.asp?article=181096&issueno=8991#.VRhzAXkcS00

 

[8] يكتب إبن الأثير: …ثم إن معاوية قال للضحاك بن قيس الفهري (وهو صحابي ويقبل بهذا التغيير الجذري للخلافة بجعلها وراثية…وسيقتل لاحقاً على يد الخليفة الأموي الرابع مروان بن الحكم)، لما اجتمع الوفود عنده: إني متكلم فإذا سكت فكن أنت الذي تدعو إلى بيعة يزيد وتحثني عليها. فلما جلس معاوية للناس تكلم فعظم أمر الإسلام وحرمة الخلافة وحقها وما أمر الله به من طاعة ولاة الأمر، ثم ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة وعرض ببيعته، فعارضه الضحاك فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أمير المؤمنين إنه لابد للناس من والٍ بعدك، وقد بلونا الجماعة والألفة فوجدناهما أحقن للدماء، وأصلح للدهماء، وآمن للسبل، وخيراً في العاقبة، والأيام عوج رواجع، والله كل يوم في شأن، ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن هديه وقصد سيرته على ما علمت، وهو من أفضلنا علماً وحلماً، وأبعدنا رأياً، فوله عهدك واجعله لنا علماً بعدك ومفزعاً نلجأ إليه ونسكن في ظله.
وتكلم عمرو بن سعيد الأشدق بنحو من ذلك. ثم قام يزيد بن المقنع العذري فقال: هذا أمير المؤمنين، وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد، ومن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه. فقال معاوية: اجلس فأنت سيد الخطباء.

ابن الأثير، الكامل في التاريخ
المصدر: موقع الوراق http://www.alwarraq.com

 

[9]سعد القرش، المثقف وغواية الاستبداد

المصدر:العرب ورابطها: http://www.alarab.co.uk/?id=43731

وايضاً الإمبراطور ورابطها: http://www.alimbaratur.com/index.php?option=com_content&view=article&id=3010

 

[10] كريم عبيد إلى متى يبقى أهم رموز الثقافة العراقية صامتين عما جرى ويجري في بلادهم، مجلة اوراق، العدد الثاني، 2013،  ص. 181-189

[11] من مقالة رائعة بعنوان المثقف العربي والطاغية للكاتب  فاضل السلطاني نشرتها “المدى”2012 /10/20 . رابطها:

http://www.almadapaper.net/ar/news/1027/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%82%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%BA%D9%8A%D8%A9

 

[12] انظر مقال لطفي الإدريسي المختصر والمفيد جداً : المثقف العضوي – انطونيو غرامشي في الحوار المتمدن – العدد 2903 بتاريخ 30/ 1/ 2010

 

[13] فريد العليبي: محنة إبن رشد بين السياسة والدين: الأوان، http://www.alawan.org/article8630.html

 

[14] أنظر مقالتي “الرواية، ذلك الفن السهل الممتنع” ورابطه في صفحات سورية: http://www.alsafahat.net/blog/category/writers/%d8%b1%d9%81%d9%8a%d9%82-%d8%b4%d8%a7%d9%85%d9%8a/page/2/

او في صفحة السنونو: http://wa2el.net/SwallowNew/?p=109&lang=ar

 

[15] ورث عمار بكداش سكرتارية الحزب الشيوعي عن امه وصال فرحة التي ظلت حتى خرفت قائدة الحزب الذي ورثت قيادته عن زوجها خالد بكداش الذي قاد الحزب ستين عاما وصار في نهايته لا يقدر حضور الإجتماعات الا محمولا. وقد إنشق قدري جميل صهر بكداش عن هذا الحزب بعد طلاقه ابنة خالد بكداش واسس مع اقاربه حزبا “شيوعياً”. والأحزاب الثانية لم تقدم صورة افضل فقد ورث غسان عثمان قيادة حركة الاشتراكيين العرب عن والده عبد العزيز عثمان. و” تنازل” فايز اسماعيل بعد اربعين سنة عن منصبه لابنه عدنان اسماعيل. واما الحياة الحزبية فهي لا تقل بشاعة عن النظام الحاكم وقد قدم حسين خليفة صورة عنها في مقال “لماذا تركت حزب عمار بكداش؟” وفيه يفضح  الفساد المالي والخلقي لقيادة هذا الحزب. وفيه يمر ايضا على ذكر هيئة تحرير جريدة الحزب الستاليني الرسمية “صوت الشعب” التي تضم فيما تضم سيء الذكر وليد معماري الذي اشرف بشيوعية فريدة على التحريض الإجرامي ضد الكتاب المعارضين في جريدة اتحاد الكتاب العرب. وهذا احد روابط مقال حسين خليفة الهام: http://all4syria.info/Archive/20657?wpmp_tp=5&wpmp_switcher=desktop#

 

[16] وأذكر بمحكمة الإرهابي الإسلاموي المصري عبد الشافي رمضان الذي قتل المفكر الشجاع فرج فودة حيث قال الإرهابي إنه قتل فرج فودة بسبب فتوى الدكتورعمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية بقتل المرتد في عام 1986. فلما سأله القاضي: “من أي كتبه عرفت أنه مرتد؟”»  أجاب القاتل بأنه لا يقرأ ولا يكتب! ولما سأله القاضي، لماذا اختار موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى، أجاب : “لنحرق قلب أهله عليه أكثر”!

[17] حديث الشاعر فرج بيرقدار إلى الملحق الثقافي لصحيفة ” النهار ” اللبنانية – 2/11/2003

 

[18]  أنظر حلقة إعراب ليس فقط للمبتدئين بعنوان: مدح شاعر حماقة طاغية في صفحات سورية. رابطها: https://syria.alsafahat.net/

 

[19] عباس خضر، الخاكية من اوراق الجريمة الثقافية في العراق،  منشورات الجمل ، 2005

ص.142

أنظر ايضا مدح نزار للحكام العرب ( خاصة القذافي والأسد) في كتيبه “الكتابة عمل إنقلابي”،  منشورات نزار قباني، الطبعة الأولى،بيروت  1975.

 

[20]الدكتور يوسف السعيدي، الأدب الخاكي والزيتوني… ادب فرق الإعدام الصدامية

(صوت العراق)  18.3.2010www.sotaliraq.com وأيضاً للكاتب نفسه في مقال طويل بعنوان “قائمة سوداء بأسماء من حارب العراق بالكلمة” نشرها موقع إجتثاث البعث:

http://www.no-ba3th.com/news.php?action=view&id=537

 

[21] المصدر:شاكر لعيبي: في محنة المثقفين الليبيين. المصدر: http://www.alimbaratur.com/index.php?option=com_content&view=article&id=782&Itemid=9

 

[22] حمزة قناوي عن أي ثورة يتحدث الأخ جمال الغيطاني؟

المصدر:

http://www.alimbaratur.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1165&Itemid=9

كما نشرت في موقع: http://www.alarab.net/data/jornal/110923/yom/ams-019.pdf

 

[23] صبري حافظ، بؤس المثقف…الترجمان

المصدر: الأندلس

http://www.andaluspress.com/ar/articles/3900.html

ونشرت ايضا في:

http://arabic.arabianbusiness.com/business/media-marketing/2011/sep/6/58767/#.VXdBMnkw-00

اما نسخة مجلة الشروق فقد حذف فيها اسم جمال الغيطاني، لكنه عُني بالتأكيد لأنه هو الذي رافق السفيرة الأمريكية.

الرابط: http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=02092011&id=7237673d-1713-4190-b116-366a1984b22f

 

[24]وليد خليفة، جمال الغيطاني رئيس تحرير ” أخبار الأدب ” وكوارث السيرة

المصدر: الساخر http://www.alsakher.com/showthread.php?t=144891

 

[25]منهم مثلاً سعد الجبوري ” … استغفلها الغيطاني، ليس من أجل تبرئته من كتابة (زبيبة والملك) بالضبط، بل ربما لقطع الطريق على ملف علاقته مع النظام العراقي، وتلك قضية أخطر بكثير من الرواية التافهة. قضية تخص تورط كاتب بعلاقة سريّة مشبوهة مع وزير الدفاع العراقي السابق عدنان خير الله طلفاح …

فهل لليسار العربي أو من بقي من قطيعه أن يستفسر من الغيطاني عن أسباب تهربه من ذلك الملف الذي يخص ارتباطاته بأحد أبرز رموز السلطة الفاشية في العراق آنذاك، وزير دفاع النظام في حرب الخليج الأولى وحرب إبادة الأكراد، وابن خال صدام حسين. وشقيق ساجدة طلفاح زوج …

المصدر: أسعد الجبوري، “مخيلة اليورانيوم” علاقة الغيطاني بوزير الدفاع العراقي المقتول

الحوار المتمدن –العدد 388- 2003/7/9

وكثيرون انتقدوا جمال الغيطاني وآخرين ممن خانوا الشعب العراقي لأجل حفنة فضة ومن هؤلاء النقاد احسان طرابلسي ( الغيطاني والزبيبة والقاضي) ومحمد ناجي (الضمير العربي في إجازة) وشاكر الأنباري( بين العراقيين والعرب)

 

[26] أحمد أبومطر : كيف تمّ تصنيع طاغية اسمه القذافي والموقف من هؤلاء المصنّعين؟ الرابط: http://elaph.com/Web/opinion/2011/7/672549.html

[27] جريدة السفير في 15 آب 1980

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى