صفحات العالم

حرب كونية على “النظام” أم على “الثوار”؟

 

    سركيس نعوم

الطريقة التي يتعامل بها النظام السوري مع التحركات الخارجية الى إنهاء الأزمة – الحرب التي قارب عمرها سنتين والتي أودت بعشرات الآلاف والتي تدمّر سوريا وتنهي دورها المحوري في المنطقة، هذه الطريقة تنطوي على تناقضات كثيرة وتثير حيرة متابعين لأوضاعها. وعلى ذلك امثلة عدة. منها اتهام النظام السوري الولايات المتحدة  بالمسؤولية عن نشوب ما يسمى ثورة شعبية. وهو اتهام في غير محله لأن الادارة الاميركية فوجئت بالثورة السورية مثلما فوجئت بالثورات العربية الاخرى. إلا ان الذي في محله هو القول ان واشنطن بادرت فور بزوغ “الربيع” العربي الى الاستعلام لمعرفة ما يجري ومدى تأثيره على مصالحها وتالياً لدفع تطوراته في الاتجاهات التي تخدم مصالحها، بغض النظر عن مصالح الثائرين او الأنظمة التي ثاروا ويثورون عليها. وهو اتهام في غير محله ايضاً لأن الادارة الاميركية امتنعت وعلى امتداد الاشهر الستة الاولى للثورة السورية، عن اتخاذ موقف ايجابي ورسمي منها ومن مطالبتها باسقاط النظام وتنحّي الرئيس الاسد. ولم يكن ذلك إلا تعبيراً غير مباشر عن خوف ربما من الثورة او من تشرذمها أو من احتواء فصائل تكفيرية “ارهابية” لها، وعن اقتناع بقدرة النظام على حسم الامور لمصلحته. لكنها عندما تأكدت من عجزه عن الحسم، انتقلت الى تبني موقف الثورة منه. وهو اتهام في غير محله ايضاً لأن النظام السوري يتمنى ان تقف معه الولايات المتحدة ضد الثوار. وقد عبّر عن ذلك مباشرة ومداورة بالقول انها لا تعرف مصلحتها. فهو يحارب في سوريا اعداء الغرب. وهؤلاء هم مقاتلو التيارات والجبهات الاسلامية الاصولية السنّية التكفيرية والعنفية التي تعتبر “القاعدة” مثالاً لها. ويعرف الجميع ما فعله تنظيمها بأميركا في آخر عقدين من القرن الماضي وفي 11 أيلول 2001 في نيويورك وواشنطن.

ومن الأمثلة ايضاً اقتناع النظام السوري بأن ما يتعرّض له داخل بلاده ليس ثورة شعبية، وإنما حرب كونية تشنها عليه غالبية المجتمع الدولي والدول العربية والدول غير العربية في المنطقة، طبعاً باستثناء الجمهورية الاسلامية الايرانية وروسيا والصين. والاقتناع المذكور في غير محله. فتركيا داعمة الثورة منذ انطلاقتها لم تنفذ ما وعدت به او ما أوحت انها تعد به، ولم تقدم الا مساعدات انسانية وتدريبية على اراضيها، وتسهيلات لمرور الاسلحة وربما المقاتلين. ولم يكن ذلك حرصاً على نظام الاسد، بل كان نتيجة ادراكها ان طموحاتها ووعودها أكبر من قدرتها. وكان ايضاً نتيجة موقف دولي (اوروبي – اميركي) بتقديم اللازم للثوار كي لا يهزمهم الاسد، وكي يستمر تقدمهم البطيء، وكي لا يهزموه في سرعة على الاقل. ومن الامثلة ثالثاً ان من يحارب النظام في سوريا ليس شعبها الذي لا يزال موالياً له بأكثريته، بل هم الارهابيون التكفيريون الذين يرسلهم عرب ومسلمون متطرفون بمباركة من اسرائيل والعالم. وهذا اتهام غير دقيق بل غير صحيح. ففي سوريا “ارهابيون” بتصنيف نظامها كما بتصنيف حلفائها الاقليميين والدوليين وتصنيف “اعدائها” الغربيين. لكن هؤلاء دخلوا سوريا وقبلهم ثوارها عندما امتنع “حلفاؤهم” عن تقديم ما يلزمهم من سلاح كما وعدوا سابقاً. وهؤلاء لا يتجاوز عددهم في احسن تقدير الـ8 أو 10 آلاف مقاتل. فهل يتصور عاقل ان هؤلاء قادرون على السيطرة على نحو 60 في المئة من ارض سوريا او 50، أو على الاقل في الاشتراك مع قوات النظام في السيطرة عليها؟ طبعاً لا. وذلك دليل اساسي على ان غالبية الثوار هم من الشعب السوري العادي. وربما على ان الثوار هم من يتعرضون لحرب كونية ايضاً.

في اختصار ليس القصد من هذا الكلام ابداء موقف ضد النظام أو مع الثوار في سوريا. بل هو دعوة الاول الى عدم الوقوع في وهم الاعتقاد بقدرته على دفع روسيا والصين من جهة واميركا من جهة اخرى الى الحرب من اجله. فهما الآن يتحاربان بواسطته ويرفضان ان يتحاربا مباشرة. وعندما يتفاهمان على مصالحهما سيكتشف، كما سيكتشف ربما الثوار، انهم ليسوا اكثر من اوراق. وهو ايضاً دعوة النظام وحلفائه الى تجنّب ما يسمى “الفكر الامنياتي” الذي يؤملهم في تفاهم دولي – اقليمي شامل لا يكون على حسابهم. فتفاهم كهذا لا يزال بعيداً سواء على سوريا او مع ايران. والقريب لا يزال الدمار والحرب في الداخل، وربما حرباً تُستدرّج اليها اسرائيل مع سوريا لتفجير الوضع في المنطقة، ولدفع الاميركيين الى الاقتناع بأن لا حل عندهم سوى التفاهم مع “الاقوياء” فيها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى