أحمد عمرصفحات الناس

حرق المراحل/ أحمد عمر

 

 

 

قد تصلح حكاية الأخوين غريم، تأويلاً لغير ما أراده المؤلفان. في الحكاية يعيد الضفدع، الذي وصفته القصة بالقذر، كرة الأميرة اللاهية، التي سقطت في البركة الآسنة، إليها، فتأخذه إلى القصر شكراً له على مروءته، ثم تنهض في الصباح فتجده وقد تحول في سريرها السحري إلى أمير.

كان الخطباء، في شباب حزب البعث العربي الاشتراكي، يكثرون من نقيق الضفادع، وينادون بحرق المراحل، في برك الأدبيات والمنابر، حتى ظننا أن مؤسسي البعث يعانون من البرد، أو أنهم سراع، كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتشر، لاحقاً انتشرت طرائف التنابل في سورية انتشار النار في الهشيم، أما بسبب البطالة، وأما بسبب المراحل التي أحرقت حطباً للسلطة.

وحرق المراحل كان معناه، القفز بساقي الضفدع الخلفيتين الطويلتين من المرحلة الإقطاعية الرجعية، إلى المرحلة الصناعية التقدمية. المستقبل السعيد هو الذي يجمع ثلاث ضرائر، هن: السيدة الوحدة، والآنسة الحرية، والفنانة الاشتراكية، في عصمة البعث، الزوج المخدوع، على سرير سحري واحد، كسرير أميرة الضفدع. وقد أفضى انطلاق الموكب العظيم، الذي قاده القائد الرمز بسرعة الطائرة الحربية، أو بسرعة سيارة باسل الأسد على طريق المطار، إلى ولادات قيصرية من بطون هذه السبايا المصونات هي؛ الطائفية، والعشائرية، والقبلية، والعبودية، التي تجلت في إكراه المتظاهرين على السجود للرئيس سجود العبادة والعبودية، أما الاشتراكية، فقد وجدناها في تحول سورية إلى شركة غير محدودة، مغفلة الأسهم، في بركة الجغرافيا الآسنة بين الحيتان.

لكن الحق يقال: إن القائد الرمز كان يناوب بين سرعتين، هما؛ سرعة الأرنب وانطلق يا موكبي، في السلب والنهب، وبطء السلحفاة في العدل والحرية. كان سريعا في تغيير بنية المجتمع، بالقضاء على كل القادة والزعماء في الداخل، وبين بطء السلحفاة في أسر المجتمع بقيود قوانين الطوارئ، وسلاسل الأحكام العرفية، وزنزانة الأمن، وصندوق الاستقرار، وتحميض أهداف الوحدة والحرية والاشتراكية، شعاراتٍ على الجدران، أو في علب المنابر، وكان ثمة مخدر اسمه حشيش المقاومة والممانعة الى حين تعليف كديش التوازن الاستراتيجي.

السرعة غريزة أصلية، تكبح بالعقل والحلم والصبر، ولولا المشقة لساد الناس كلهم، لكن الدول لا تقاد بالغرائز، ودوس البنزين ينذر بخطر الموت حتى لو كان الوقود مجانياً، والطريق واسعة وخالية من الحفر والمطبات، والرعايا ليس لهم دية أو ثأر.  تقول الأمثال: في التأني السلامة، وفي العجلة الندامة. قال الإمام العلامة الحافظ، المحدّث، المؤرخ، ابن حِبَّان البسطي: لا يستحق أحد اسم الرئاسة حتى يكون فيه ثلاثة أشياء: العقل والعلم والمنطق، ثم يتعرى عن ستة أشياء: عن الحدّة، والعجلة، والحسد، والهوى، والكذب، وترك المشورة.

وقد اجتمعت، بحمد الله، الصفات الرئاسية كلها في ابن الأبد:

الحدّة ونجدها في ترحيب الرئيس السوري في أول الثورة بالحرب، والعجلة، وتتجلى في كل شيء؛ حرق ست سنوات للقفز إلى عمر الأربعين الدستورية، أو النزول بالأربعين الدستورية إلى سن الرئيس، والتنكيل بالموقّعين على بيان التسعة والتسعين، ثم بيان الألف، وأما الحسد، فلم يحسد أحداً، سوى سهيل النمر مؤخراً، وأما الهوى فهو بريء منه، سوى هوى زهرة الصحراء، وجمع الأموال، وحب التعذيب في المعتقلات وحضن الوطن. أما الكذب، فكنا نعيش في الأول من نيسان زماناً سرمداً، وأما ترك المشورة، فهو يعمل بحمد الله بمشورة الجهات المختصة السيادية لا يحيد عنها. تصوروا لو استفتى الشعب السوري على قصفه بالبراميل أو السارين؟

الأمثلة التي يعرفها التاريخ عن وثبات مدروسة، حققتها دول، من غير حرق للمراحل، هي التي وثبتها كوريا، وبقية النمور الآسيوية، وتركيا التي عملت باجتهاد ودأب في خطط أولها، كان إيلاء العناية الكبرى للمدرسة والمعلم، الذي سرق منه القائد الرمز كل شيء، ومنحه عيداً، يعمل فيه نادلاً في مطعم، حتى يعيش، ولأن الحاكم المطلق مولع بالسرعة، لابد من القتل، فالقتل يحقق نتائج سريعة.

ضفادع كثيرة تحولوا بين ليلة وضحاها إلى أمراء. أفضل أمثله بشرية، عن حرق المراحل هي التي فاز أبطالها بالقمار، أو بثروات مسروقة، وقد انتهت سريعاً أو بطيئا، نهايات غير حميدة. الأمثال تقول: ما تأتي به الريح تأخذه الزوابع.

قبل أن تحرق البلد بشعار الأسد أو نحرق البلد، وهي المرحلة التي وصل فيها شعار حرق المراحل إلى النضج والإيناع، كانت البلد تحترق على نار هادئة، اللوحات التلفزيونية، والقصص التي أنذرت بالخطر كثيرة. كل شيء في سورية كان يعد بالحريق.

حرقنا مراحل كثيرة، ولله الحمد، فقد توحدت سورية العربية مع روسيا السلافية، ومع إيران الفارسية، أما تجربة الوحدة الفاشلة مع مصر العربية، فكانت بسبب تعالي الموظفين المصرين، لكن ولله الحمد والمنّة الروس والإيرانيون متواضعون جداً، ونرى تواضع قيصر روسيا في استقبال الدبلوماسيين، ومعه كلبه، وفي منع الأسد من مشاركة القيصر، من غير كلب على أرض سورية في مراسيم تحية الغزاة، أما تواضع آيات الله في إيران، فنجده في ألقابهم الفخمة، مثل أكبر، وآية الله العظمى وشاهنشاه، وروح الله.. وهذا يعني أن من بقي من الشعب، سيعيش مع الغزاة الأفاضل تحت سقف واحد في تبات ونبات، ويخلّفون أرانب كثيرة، وضفادع، وسلحفاة.

أدبيات البعث الأولى، كانت تمجد الانقلاب، بوصفها ثورة فوق الثورة، لكن خطاب النظام تحول إلى البطء مؤخراً، بعد أن أينعت رؤوس أبناء الشعب، وحان قطافها، فاستعان بالبوطي ليتحدث عن الإصلاح. القرآن ليس في خطابه ثورة. عجلة النظام كانت دائرية، وعجلة الشعب مربعة، الرئيس يطير، والشعب يزحف. وقصة حرق المراحل، هي قصة أمراء الحرب في الثورة السورية أيضاً. امتلأت البركة بالضفادع. قصتنا قصة سرعة وعجلة وحرائق. الضفدع الذي حولته الأميرة بقبلة إلى رئيس، مقلوبة في قصتنا، فقد تحولنا إلى ضفادع بالجزمة السحرية.

وقبل أن أختم، أقول: إن حرق المراحل، يعني حرق الرواحل، وحرق الزمان، يعني حرق المكان، لابد من القول أيضاً: إن الكرة هي كرة الشعب، وليست كرة الأميرة.

المدن

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى