صفحات الناسهوشنك أوسي

حروب الكردستاني في سوريا وقودها الأطفال والشعارات والكلام المضلل/ هوشنك اوسي

 

 

نشرت “وحدات حماية المرأة”، YPG، صورة للطفلة أفين أكرم صاروخان، مواليد 2005 الدرباسية، بالزي العسكري، في صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي. فيسبوك، مرفقة بعبارة، “جمالك ورقتك لا يخفيان الثورة التي بداخلك”. كذلك جاء نشر “الوحدات العسكريّة النسائيّة الكرديّة”، لتلك الصورة بعد إثارة عائلة أفين مسألة اختطافها من قبل عناصر “حزب الاتحاد الديمقراطي”، الفرع السوري للعمال الكردستاني، وما رافق ذلك من ضجّة إعلاميّة في قنوات التلفزة الكرديّة المعارضة لـ “الكردستاني”، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

تجنيد القاصرات من قبل “حزب العمال الكردستاني”، التي انتقلت من تركيا في سوريا، ينكره الموالون للحزب، ويؤكده النظام السوري، والكثير من المعطيات والوثائق.

لا يخفى أن ظاهرة تجنيد الأطفال أكثر شيوعاً في المناطق التي تمزّقها الحروب الأهليّة. إذ يحاول كل طرف من الأطراف المتقاتلة على خلفيّات سياسيّة أو عقائديّة أو قوميّة أو مذهبيّة… إلى عسكرة بيئاتها الاجتماعيّة واستنفارها للحدود القصوى ضد الأخطار الوجوديّة التي تهددها من الجماعات والأطراف الأهليّة (المعادية) الأخرى.

وتطالب الجماعة السياسيّة المسلّحة بيئاتها الاجتماعيّة الحاضنة ببذل المزيد من الضرائب من الدم والمال تحت تسمية الفعل والوعي الوطني، أو الفعل والوعي الجهادي الديني وإقامة شرع الله. كذلك تسعى الجماعات السياسيّة المسلّحة إلى تكريس وترسيخ قناعة لدى بيئاتها الاجتماعيّة الحاضنة بأنها مدينة لهذا الحزب أو المنظمة أو التيّار الذي يقاتل دفاعاً عن شرف وعرض وكرامة وحقوق وجود وهويّة هذه الجماعة الأهليّة.

ضمن هذه العمليّة، يلعب الإعلام والتوجيه (التضليل) المعنوي وكل أدوات الثقافة والفنّ… أدواراً هامّة واستراتيجيّة ومعلوم أنه في زمن التمزّقات الاجتماعيّة العميقة التي تعبّر عن نفسها على شكل حروب أهليّة، تتم شرعنة وإباحة كل ما هو ممنوع ومخالف للقانون، ومن ضمن هذه الانتهاكات، ظاهرة تجنيد الأطفال (الأحداث والقاصرات). الحروب الأهليّة في لبنان، العراق، افغانستان، السودان، الصومال، سيراليون، بوروندي، رواندا…الخ نموذجاً.

كذلك في مراحل التحرر الوطني، تلجأ الأحزاب العقائديّة القوميّة واليساريّة التي تتبنّى نهج الكفاح المسلّح كوسيلة لتحرير الوطن من الاحتلال والاستعمار الأجنبي، تلجأ إلى تجنيد الأطفال، بهدف تشكيل قواتها المسلّحة. هذه القوات غير النظاميّة، غالباً ما تدخل في حرب عصابات مع جيوش وقوات نظاميّة تابعة لدول. وأيضاً يتم اسباغ الكثير من الكلام البرّاق والشعارات القوميّة والوطنيّة والاجتماعيّة التحرريّة على عسكرة المجتمع، وأسطرة القتال والمقاتلين في سبيل حريّة الشعب والوطن والقضيّة، بهدف جذب أكبر قدر ممكن من المقاتلين. وتلعب البروبغندا الحزبيّة والعقائديّة والآيديولوجيّة عبر الإعلام والثقافة والفن.

وعليه، لجأت الفصائل الفلسطينيّة إلى تجنيد الأطفال، تحت شعار تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وإزالة اسرائيل من الوجود في سياق الكفاح المسلّح ضد إسرائيل. وتحت نفس الشعار، أريقت الدماء الفلسطينيّة بين الفصائل الفلسطينيّة نفسها. كذلك فعلت بعض الفصائل اليساريّة اللبنانيّة، بشعارات مختلفة. ونحت جبهة التحرير الجزائريّة هذا المنحى أثناء حرب التحرير الوطنيّة. ولم تشذّ أحزاب وفصائل كرديّة عن هذا السلوك. ويكفي القول: إن مسعود بارزاني وجلال طالباني حملا السلاح وهما لم يتجاوزا السادسة عشر من عمرهما.

هذا السلوك في الدعاية العقائديّة – الآيديولوجيّة الهادفة إلى العسكرة وتجنيد الأطفال، وتكرار أن الشعب مدين للحزب وتضحياته وأفكار زعيمه، مارسه ويمارسه “حزب العمال الكردستاني” على مدى ثلاثة عقود ونيّف. وكثيراً ما نجد في كتب أوجلان وأدبيات “الكردستاني”، عبارات وأفكار مفادها أن الأخير هو بعث الأمة الكرديّة، أو الحزب الذي سطّر ملحمة انبعاث الشعب الكردي من الموت.

بعد اندلاع الثورة السوريّة في آذار، مارس 2011، نقل العمال الكردستاني ساحة معاركه إلى سوريا، لأسباب كثيرة. فمنذ 1984 ولغاية 2010، كان الحزب يعتبر المناطق الكرديّة السوريّة جبهته الخلفيّة في صراعه ضدّ تركيا وحكوماتها. بينما في 2011 وحتى هذه اللحظة، صار الحزب يعتبر كردستان تركيا جبهته الخلفية في صراعه مع تركيا وأذرعها في المعارضة السوريّة، على الأراضي السوريّة. بحيث تغيّرت ساحات القتال، وبعض تفاصيل التحالفات، ولكن بقيت بعض العادات والتقاليد موجودة ومتأصّلة، يستحيل على الحزب التخلّي عنها، لأسباب يطول شرحها. ومن هذه الخصال والعادات والتقاليد، تجنيد الأطفال. هذا الانتهاك الذي يعتبر من جرائم الحرب التي لا تسقط بالتقادم، ينفي الحزب وأنصاره ارتكابها، ويردّون بكلامٍ من طينة، “هذا الاتهام عار عن الصحة، وتروّجه تركيا وأدواتها، بهدف تشويه سمعة الحزب والمقاتلين والمقاتلات”. والحقّ أن كل ما يقوله “الكردستاني” ، عن الحكومة التركيّة وفظائعها بحق الأكراد والاتراك داخل تركيا، هو صحيح، وكذلك فظائع هذه الحكومة ودعمها للتنظيمات التكفيريّة النشطة في سوريا، هو أيضاً صحيح. ولكن “الكردستاني” وأدواته السياسيّة والعسكريّة في سوريا، متلبّسين بالجرم المشهود بارتكاب انتهاكات بحق الكرد، ومنها تجنيد الأطفال والقاصرات. بل أن الآلة الإعلاميّة التابعة للحزب، التي تتحدّث ليلاً نهاراً عن ضرورة دمقرطة المجتمع، وبناء المجتمع الايكولوجي، والأمة الديمقراطية، وأخوة الشعوب… والدفاع عن حقوق الأطفال والمرأة، هذه الآلة، تستثمر بصور المقاتلات الكرديّات، في إطار الدعاية المسلّحة والتحريض على حمل السلاح والقتال. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، نشرت الصفحة الرسمية لـ”قوات حماية المرأة” على “الفيسبوك”، صور مقاتلات كرديّات مبتسمات، مرفقة بالعبارات التالية: “جمالك ورقتك لا يخفيان الثورة التي بداخلك”، “عندما تبتسمي يخاف عدوك.. فكيف عندما تحملين السلاح”، “انت الثورة والغضب.. انت أمل الاجيال القادمة… اضحكي .. ثوري.. لا تهابي شيء”… وهذه الاقتباسات موثّقة بصور عن الصفحة المذكورة.

وفي السياق ذاته، تعرّف “وحدات حماية المرأة” الكرديّة، التابعة لـ”العمال الكردستاني”، نفسها على موقعها الرسمي بكلامٍ مبهم، قائلةً، “وحدات حماية المرأة هي قوة عسكرية أساسية وطنية، تتمحور حول المجتمع الديمقراطي الإيكولوجي وحرية المرأة، وخط الدفاع المشروع ضد كل الهجمات التي يتعرض لها مجتمعنا وشعبنا والمرأة من أجل بناء سوريا ديمقراطية وكردستان حرّة، وتناضل ضد نظام التجيش التسلطي الذكوري ونظامه الجنسوي الدينوي والقوموي والعلموي ونظام البطرياركي الدولتي المرسخ لذاته منذ خمسة آلاف عام ومغتصب القيم الاجتماعية، فهي القوة المشروعة للمرأة والتي تحمل على عاتقها ضمانة نضال تحرر المرأة”.

ما يؤكد ويوثّق تهرّب هذه الوحدات العسكريّة النسائيّة من الاتفاقات التي أبرمتها مع جهات ومنظمات أوروبيّة مناهضة لتجنيد الأطفال، نشر هذه “القوات” في موقعها الرسمي على الانترنت سجلّات عشرات المقاتلات الكرديّات فقدن حياتهن في المعارك، مع ذكر تواريخ الوفاة – الاستشهاد، وشطب تواريخ الميلاد! وهناك استثناءات قليلة من المقاتلات التي تعود تواريخ ميلادهن إلى الثمانيات أو مطلع التسعينات. ولا يوجد تفسير آخر للتكتّم على تواريخ ميلاد المقاتلات اللاتي فقدن حياتهن، غير أنه تم تجنيدهنّ في سنّ مبكّرة.

ولو اخذنا بالأسباب والمبررات التي تدفع الجماعات المسلحة إلى تجنيد الأطفال والقاصرات، كما ذكرناها آنفاً، فإن المناطق الكردية في سوريا، لا تشهد حرب أهليّة، ولا تشهد حرب تحرير وطنيّة ضد النظام السوري، فلماذا إراقة كل هذه الدماء، تحت هذه الشعارات الفضفاضة التي يمكن أن تتبناها منظمة مجتمع مدني تدافع عن حقوق المرأة والطفل والمجتمع، وليس حزب أو جماعة مسلحة تدعو للحرب ورفد الدماء المراقة بالمزيد من إراقة الدماء حتى تبقى طاحونة الحزب تدور وتدور! أبعد من ذلك، أي حزب أو جماعة سياسيّة، مهما كانت شعاراتها نبيلة وعظيمة وبرّاقة، فإن لجؤها إلى تجنيد الأطفال والقاصرات، يجعلها تنزلق نحو سلوك منطق وذهنيّة الميليشيا وتبعد عن ثقافة وأخلاق حركات التحرر الوطني والاجتماعي الثوريّة، كما هو وراد في الأدبيّات الرومانسيّة التي تسوّق لهكذا حركات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى