صفحات العالم

حزبان لا يصنعان وطناً

 


حسان حيدر

أثبت حزب «البعث» الحاكم في سورية و «حزب الله» المهيمن في لبنان انهما من الطينة الايديولوجية ذاتها على رغم الاختلاف العقائدي الشكلي الظاهر. فالأول قومي و «علماني» مفترض، بينما الثاني ديني يلتزم مبدأ «ولاية الفقيه» الايراني، لكنهما يتشابهان في دفاع كل منهما عن نفوذ طائفة، وفي اعتمادهما المقاربة نفسها لتحديد صورتيهما وعلاقتهما بالمكونات السياسية والاجتماعية من حولهما، فيشددان على «نقائهما» الداخلي ويلقيان باللوم في اي مشكلة يواجهانها على المتآمر الخارجي الذي لا يكل.

وفي هذا المنحى يواصل الحكم البعثي في دمشق اتهام الآخرين وفي مقدمهم الاتحاد الاوروبي خصوصاً والغرب عموماً بالسعي الى «زرع الفتنة والفوضى» في سورية بسبب وقوفهم ضد القمع الحاصل للمحتجين ودعمهم للتحركات المطالبة بالتغيير. وأمس اضاف وزير الخارجية السوري وليد المعلم تنظيم «القاعدة» الى قائمة «المتآمرين» على بلاده في مزج غريب للمتناقضات، وفي اصرار على رفض الاعتراف بوجود معارضة سورية سلمية ومتعددة الانتماء.

اما بالنسبة الى «حزب الله»، فقد تكون التسريبات الأخيرة التي تشير الى اكتشاف مجموعة من عناصره، بعضهم قيادي، تتعامل مع اسرائيل، مجرد فبركات إعلامية، على ما ذهب اليه حزب لبناني، هدفها الاستعداد لصدور القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري وإلصاق اي تهمة توجّه الى الحزب بإسرائيل نفسها. لكن هذه التسريبات التي لم ينفها «حزب الله» تمثل في الوقت ذاته تراجعاً فاضحاً عما كان أمينه العام السيد حسن نصرالله اكده اكثر من مرة عندما قال باستحالة اختراق حزبه، واتهم الذين يناوئون نفوذ سورية في لبنان بأنهم يحولون اسرائيل الى «صديق» عندما يعادون دمشق، ووصفهم بأنهم «البيئة الحاضنة» للعملاء، مشيراً في احد مؤتمراته الصحافية الى ان حتى ابنه عندما التحق بالمقاومة اضطر الى الرد على خمسين صفحة من الاسئلة ولم ينفعه انه نجل الأمين العام «لأن الحزب لا يقبل أي شبهة».

ومع ان ضبط عملاء داخل الجسد التنظيمي للحزب لا يحصل للمرة الأولى، وسبق ان ترددت معلومات عن جواسيس آخرين تم توقيفهم، لكنه هذه المرة يؤكد نقاط ضعف طبيعية في اي تنظيم، طالما حاولت قيادة الحزب اخفاءها بالتركيز على صورة الانضباط الحديدي واستعراضات القوة المرهبة التي تنزع عن العنصر الحزبي صفته الانسانية وتقربه من «الروبوت» الذي لا يتأثر ولا يخاف ولا يلين، لكي يخشاه «اعداؤه» المدنيون والعسكريون على السواء. ويدخل في هذه المسرحة ايضاً اللباس الأسود الذي يرتديه المقاتلون لإضفاء المزيد من الترهيب.

وهو المبدأ نفسه الذي يعتمده «البعث» في تقديمه لنفسه عبر رفع شعارات مثل «العزة» و «الكرامة» و «الإباء» وسواها من المفردات التي تقترب كثيراً من الفاشية، بحيث يبدو كأن الذين يعارضون حكمه لا يمتلكون هذه الصفات «المقتصرة» على البعثيين. وهو سلوك يؤكده الطابع الأمني للعضوية الحزبية حيث يخضع اي منتسب لدورات عسكرية تبيّن اليوم انها مصنع «الشبيحة».

لم تعد انظمة العسف والترهيب قادرة على الاستمرار في عصر العولمة والانفتاح الكوني مهما تفننت في ضروب القمع والتنكيل، ولن يستطيع اي حزب يتوسل قوة السلاح المطلقة لمحاورة معارضيه ان يحكم وطناً مهما تلطّى وراء شعارات و «تكليفات» لا يتقبلها سواه، ولن يُفيد كليهما تبادل «الخبرات» في هذا المجال.

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى