صفحات الناس

كوكو المصور وكبرو الخياط… أرمنيان صامدان في القامشلي يرويان قصتها

 

 

جوان سوز

لا تبدو حال متجر الخياط الرجالي آزخ ادمون كبرو في مدينة القامشلي، مثل حال بقية محلّات الخياطة في المدينة. فالرجل الذي تجاوز الثمانين من عمره يقوم بتجميع القطع الأثريّة منذ أن كان في طفلاً، حتى ليظن من يدخل محله لوهلة أنه داخل الى متحفٍ صغير لا يخلو من أشياء قديمة كان يستخدمها أهالي المنطقة في وقتٍ سابق من مطاحن للبن وهواتف وساعات وكاميرات قديمة وأجهزة راديو إلى جانب بعض الطوابع والعملات النادرة والفوانيس التي كانت الوسيلة الوحيدة للتخلص من عتمة الليالي قبل وصول الكهرباء.

يقول كبرو لـ «الحياة»: «مهما كلّفتني أجرة المواصلات للذهاب إلى منطقة ما لشراء قطعة أثريّة ومهما كانت تلك الأثريات باهظة الثمن، أحاول الحصول عليها. هدفي من هذا الأمر لا علاقة له بالمال أو بيع تلك القطع في ما بعد، أحياناً أكون مريضاً ومتعباً لكن ما أن أدخل محلي هذا المليء بالأثريات، حتى أنسى آلامي، وكلّما نظرت إلى قطعةٍ أثريّة ما، شعرت أنني ملكتُ الدنيا كلّها، ومن ثم أعود إلى البيت هانئاً راضياً».

ويضيف: «يسعدني أن بعض الشباب هنا يعبرون عن فرحهم كلما وجدوا قطعة أثريّة أمامهم في دكاني، الأمر الّذي دعاني للتفكير بقيام معرض لهذه الأثريات كي يتعرف الشباب الى تراث آبائهم ولكن لا أعرف متى قد أتمكن من ذلك».

وتعود فكرة تجميع الأثريات لدى هذا الرجل المسن إلى قصة حصلت معه في طفولته ولم يكن قد تجاوز الثامنة بعد، حين أرادت والدته أن تبيع مطحنة بنٍ قديمة مقابل ليرتين سوريتين، لكنه سحبها من يدها ورفض أن تبيعها فكانت تلك الحادثة مدخله إلى عالم القطع الأثريّة وبقي متمــسكاً بها ذلك الحين وحتى اليوم.

ولا يختلف في هذا الأمر كريكور كيفوركيان (73 عاماً) الّذي يعمل في التصوير ويملك عشرات الكاميرات القديمة في بيته وتعد تحفاً ثمينة وتسجيلاً لذاكرة التصوير عبر حقبات متعددة. فقد كان كيفوركيان من أوائل المصوّرين بالأبيض والأسود في مدينة القامشلي وهو يعمل في هذه المهنة منذ أواخر عام 1953 ولا يزال.

ويروي كيفوركيان الملقب بـ «كوكو» لـ «الحياة» رحلته في عالم التصوير، فيقول: «بدأت مشواري مع التصوير بالعمل لدى مصورٍ أرمني في المدينة، بقيت أعمل لديه نحو عامين، ثم انتقلت للعمل لدى مصورٍ آخر مدة عشر سنوات لأستقر فيما بعد لــوحدي فـــي محــلٍ للتــصوير خـــاص بي».

ويتابع حديثه عن تمكنه من الحصول على ثمن المعدّات التي اشتراها ليكون صاحب ثالث استديو للتصوير في القامشلي، قائلاً: «كان أبي فقير الحال ويملك عربة وحصاناً، عرضت عليه أن نبيع الحصان والعربة وأشتري بثمنهما معدات التصوير وهذا ما حصل، لكنني بعد أن سافرت إلى حلب وجدت أن المبلغ الّذي في حوزتي لا يكفي لشراء كل المعدات، فإذا بصاحب أحد المحال، وكان مهتماً بالتصوير بشكل شخصي، وافق على أن يبيعني كامل المعدات بالتقسيط وهكذا تمكنت من البدء بمهنتي بشكلٍ مستقل».

وقام كيفوركيان الذي بات اليوم مصوراً متجولاً، بتحويل غرفة في البيت كانت عبارة عن اسطبلٍ للحصان إلى استديو تصوير، دخله معظم أهالي القامشلي والتقطوا فيه صوراً تذكارية لهم ولأولادهم في ما تسنى له تصوير عدد من الرؤساء ومنهم المصري جمال عبد الناصر والسوري شكري القوتلي.

ويقول كيفوركيان عن تصوير الرؤساء: «في السبعينات زار الرئيس السوري شكري القوتلي القامشلي. وزار مدرسة الأرمن الخاصة بشكل رسمي وقدمت له الورود، فصورته في 15 لقطة، وصوّرت الرئيس عبد الناصر في أيام الوحدة بين سورية ومصر، إلى جانب وزراء ورؤساء حكومات سورية، كنت موجوداً دائماً أثناء زيارتهم للمدينة».

ويعرف كيفوركيان مختلف أنواع الكاميرات، لكنه لم يغير كاميرته منذ نحو 25 عاماً إلى أن دخل مجال التصوير الفوري والصور الملونة. ويعبّر عن سعادته بهذه الكاميرات قائلاً: «هذه الكاميرات جعلتنا نشعر بالراحة، في أيام الأبيض والأسود لم نكن نستطيع تكرار الصور إلا بوجود صاحبها، كان ذلك الوقت ممتعاً ولكن متعباً أيضاً».

أما عن التصوير في هذه الأيام فيقول: «الآن التصوير صار سهلاً، ما يقوم به المصورون أمام الضوء، كنت أقوم به في العتمة، لكن علاقتي خاصة بالتصوير، في البداية كنت أنا أحب التصوير ومن ثم أحبني التصوير أيضاً وصار حبنا من الطرفين»، ويختم قائلاً: «منذ ستين عاماً وكاميرتي ترافقني إلى كل مكان، هي الآن جزء مني».

الحياة»

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى