صفحات العالم

حزب المقاومة» والقتال المذهبي

عبد الوهاب بدرخان

قبل أسبوع عاش لبنان يوماً عصيباً ليس الأول ولن يكون الأخير في تداعيات الأزمة السورية على أمنه واستقراره، فبعد تفجير سيارة مفخخة في مرآب سيارات في الضاحية الجنوبية لبيروت، سادت حالة من القلق والهلع، وعبر مسؤولون أمنيون عن ارتعابهم من ردود الفعل المحتملة، فالضاحية منطقة يقطنها الشيعة وحدهم، وبعدما كانت عائلات من السنة تعيش هُناك إلى ما قبل ستة أو سبعة أعوام، أصبح من النادر حالياً إيجاد أي منها. والضاحية يحكمها «حزب الله» وتعتبر معقله الرئيسي، فمنها يتحكم بالعاصمة، ومنها بات يدير الدولة. واستناداً إلى بعض السوابق فقد عمم «الحزب» نمطاً من الممارسات المنغلقة شعبياً والمتسمة بعدوانية غير مسبوقة في صراعات الطوائف اللبنانية، شكل التفجير تحدياً لـ «حزب الله»، خصوصاً أن أجهزته واصلت، قبل التفجير وبعده، العثور على عبوات ناسفة وتعطلها، لكن صعباً عليه اتهام أي طرف داخلي، فكل التفجيرات أو الاغتيالات تتم بمعرفته إن لم تكن بتدبير منه.

كان أول ما قفز إلى الأذهان أن التفجير مرتبط أولاً بمشاركة «حزب الله» في القتال إلى جانب قوات النظام السوري، وثانياً بالسعي إلى فتنة سنية – شيعية في لبنان. استفاد «الحزب» من التفجير بأنه يحرف الأنظار عن قتاله في حمص، بعدما أصبحت مغامرته هناك شأناً يتناوله مجلس الأمن الدولي ويحاول إدانته لولا الاعتراض الروسي الدائم. كما هي العادة، وحتى هذه المرة أيضاً، وجهت الاتهامات الأولى نحو إسرائيل، باعتبار أن بينها وبين «الحزب» ثارات مفتوحة. ثم سرعان ما انصبت الاشتباهات على «الجماعات التكفيرية»، في إشارة إلى تنظيم «القاعدة» أو ما يعادله ويشابهه. وفي اللحظات التالية للتفجير تقاطعت تقديرات وزير الداخلية اللبناني ووزير الدفاع الإسرائيلي لتقول إن الهدف «إشعال فتنة سنية- شيعية». وزاد الوزير اللبناني أن هذا الهدف «محكوم بالفشل»، أما الإسرائيلي فاهتم بتأكيد أن بلاده لا علاقة لها بالحادث، ولو كان له أن يزيد شيئاً لقال إن إسرائيل ليست مضطرة لأي جهد طالما أن «حزب الله» والأعداء الذين اكتسبهم في سوريا يقدمون إليها خدمة مجانية.

قبل ذلك كانت ضاحية عبرا المجاورة لصيدا، عاصمة الجنوب، مسرحاً لمواجهات دامية بين الجيش اللبناني ومجموعة مسلحة أنشأها الشيخ السلفي أحمد الأسير، وانتهت مبدئياً بتصفية هذه الحال المسلحة من دون معالجة أسبابها الحقيقية، ومع ذلك حظي الجيش بدعم واضح من مختلف أطياف الوسط السياسي، ولاسيما السُّنة. كان الأسير بدأ حراكه قبل بضعة شهور باعتصامات ومسيرات سلمية احتجاجاً على السلاح غير الشرعي الذي يستخدمه «حزب الله» للتسلط على اللبنانيين، كما ركز احتجاجه على المطالبة بإخراج مسلحي «الحزب» من صيدا ومنع تغلغلهم وأنصارهم فيها، وقد استغل «حزب الله» ظاهرة الأسير هذه ضد «الاعتدال السني»، بل توصل إلى اختراقها وافتعال حادث اعتداء عناصر منها على الجيش ليدفع بالأخير إلى ضربها، وعندما بدأت المواجهة فعلاً تغاضى الجيش عن مشاركة «حزب الله» فيها، ما أثار اتهامات وتساؤلات خصوصاً أن الجيش لم يكن بحاجة إلى المؤازرة التي قدمت إليه، غير أن «حزب الله» تعمد أن يصور ما حصل في صيدا على أنه تكرار لما سبق حصوله في بيروت عندما انتهكت العاصمة في 7 مايو 2008 واستبيح العديد من أحيائها والكثير من بيوتها. وثمة سعي وتخطيط لسيناريوهات مماثلة في مناطق سنية أخرى.

وعلى رغم الانقسام السياسي الحاد يحاول السُّنة اللبنانيون من خلال تيار «14 آذار» الحفاظ على الجيش وتماسكه باعتباره المؤسسة الوطنية الجامعة وعماد الدولة. ويصرّ هذا الفريق على ألا خيار ولا مرجع له سوى الدولة والجيش، أما «حزب الله» وحلفاؤه في فريق «8 آذار» فلا ينفكّون يتحدون الدولة ويورطون الجيش في أدوار لا يريدها، معتمدين تارة على سياسة حافة الهاوية داخلياً وطوراً على تحالفاتهم الخارجية مع النظامين السوري والإيراني. ولذلك يتفادى الجيش أي صدام معهم، على رغم انتقاصهم من هيبته ومن جهده لالتزام الحياد وعدم التمييز بين الطوائف أو الانحياز إلى أي منها. لكن الوضع الحالي يسيء إليه ويجعل السُّنة ومعهم كثيرون من الطوائف الأخرى، يتساءلون كيف يمكن أن تستقيم أوضاع الدولة والجيش إذا استمرا خاضعين لإرهاب «حزب الله» وابتزازاته.

قبل اندلاع الصراع المسلح في سوريا، روّجت إسرائيل مراراً لخطط حرب على لبنان، وكان ذلك في إطار مواجهتها مع إيران. وطوال العامين الأخيرين لم تعد إسرائيل معنية بحرب كهذه، تحديداً لأن «حزب الله» وإيران انغمسا في المستنقع السوري، ولن يخرجا مع النظام السوري من هذه الأزمة كما كانوا قبلها، وإذ يضع «حزب الله» تورطه في القصير وحمص وغيرهما في إطار «حماية ظهر المقاومة»، فإنه يبرر أيضاً اللعب بالفتنة المذهبية في لبنان بالذريعة نفسها، ولكن الوقائع تدل على أنه لم يعد مهتماً بمحاربة العدو الإسرائيلي ليصبح معنياً فقط بقتل الشعب السوري على أساس مذهبي.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى