صفحات سوريةمنذر خدام

حظوظ مبادرة جامعة الدول العربية بين النجاح والفشل


منذر خدام

هل السلطة في سوريا جادة حقيقة في إنجاح المبادرة العربية؟ الجواب هو بالنفي. سوف تراوغ السلطة وتناور وتعمل على تقديم رؤيتها الخاصة للخروج من الأزمة التي تسببت بها. لكن في النهاية كما في البداية ليس أمامها مخرج آخر.

بعد نحو ثمانية أشهر من بدء انتفاضة الشعب السوري في سبيل حريته وكرامته، سقط خلالها آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى والمعتقلين والمهجرين، تحركت جامعة الدول العربية في مسعى، يبدو أنه جدي هذه المرة،  للتدخل في الشأن السوري بما يفتح مسارات سياسية للخروج من الأزمة العامة التي تعيشها سوريا وتسبب بها النظام البعثي الاستبدادي المتحكم بالبلاد وشعبها منذ نحو خمسة عقود من السنين.

لقد عرضت جامعة الدول العربية على النظام السوري مبادرة توصل إليها أعضاؤها بعد مساومات لم تكن سهلة فقبل بها النظام دون تحفظ. لقد ركزت المبادرة على إيقاف حمام الدم في سوريا، ولم تتضمن مقترحات سياسية مباشرة، كتلك التي تضمنتها مبادرتها الأولى ورفضها النظام، من قبيل تحديد مدة بقاء الرئيس في السلطة إلى نهاية ولايته فقط دون أن يكون له الحق بالترشح ثانية. المسائل ذات الطابع السياسي تركتها المبادرة إلى طاولة الحوار التي من المفترض أن يتحلّق حولها ممثلو السلطة والمعارضة على قدم المساواة لأول مرة في تاريخ سوريا. من غير المألوف، في تاريخ سوريا الحديث، أن تعترف السلطة بوجود معارضة أصلا، عداك أن تعترف بها ندية لها، وأن توافق على الجلوس معها على طاولة واحدة. لقد صارت المعارضة في ثقافة البعث وخطابه بعد عام 1970 قوى عميلة وخائنة، و تعامل معها بناء على ذلك بالقمع والاعتقال والقتل أو التهجير.

ما أود قوله هو أن تاريخا طويلا من فقدان الثقة بين المعارضة والنظام السوري ليس سهلا تجاوزه، وسوف يكون حاضرا بقوة على طاولة المفاوضات، وسوف يترك آثاره على فرص نجاح المبادرة. لذلك فإن المطلوب من النظام أفعال لا أقوال، ومطلوب من المعارضة أيضاً التحلي بالصبر، والابتعاد عن شخصنة القضايا السياسية، وبذل الجهد من أجل التفوق الأخلاقي والسياسي على النظام من خلال تعاليها على جراح الماضي والتطلع نحو المستقبل. هذا درس سياسي مستفاد من تجارب بعض الدول الأوروبية وغير الأوروبية التي شهدت تحولاً من الأنظمة الشمولية أو الديكتاتورية إلى الأنظمة الديمقراطية، وعبّر عنه سفراؤها خلال زيارتهم لمقر هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديموقراطي في دمشق. وللمناسبة، وهذا ما يجهله كثيرون، يزور مقر الهيئة باستمرار سفراء لدول أوروبية وغير أوروبية، بناء على طلبهم، للاطلاع على مواقف الهيئة مما يجري في سوريا، وكذلك لنقل مواقف دولهم إليها. ونظرا الى انني لست مخولاً الإعلان عن تفاصيل ما كان يجري في هذه اللقاءات من أحاديث، مع ذلك سوف أسمح لنفسي بنقل حرص الدول التي يمثلها هؤلاء السفراء على الحل السلمي التفاوضي للأزمة في سوريا، وبأنهم لا يدعمون أي تدخل عسكري في سوريا “حتى الآن”، لأنه سوف يكون “كارثة على سوريا والمنطقة والعالم”.

وكان لافتا من بينهم، إضافة إلى عرض وساطة دولهم بين المعارضة والنظام، موقف احد السفراء الذي تحدث ليس فقط باسم دولته بل أيضا باسم مجموعة الدول التي تتولى بلاده رئاستها الدورية، وهي دول معنية بما يجري في سوريا، بأن المواقف السياسية لهيئة التنسيق مقبولة جدا لدى هذه الدول وهي تدعمها، لكنها في الوقت ذاته تنصح بالعمل على وحدة خطاب المعارضة السورية، على أن يأخذ في الحسبان حساسية الوضع السوري دون التنازل عن حق الشعب السوري بالحرية والانتقال إلى نظام ديموقراطي تعددي.

في الاتجاه ذاته صبّت تصريحات سفير دولة أخرى سوف تتولى الرئاسة الدورية المقبلة لمجموعة الدول المشار إليها، وهي جميعا تدعم مبادرة جامعة الدول العربية الأخيرة التي قبل بها النظام. أخلص إلى القول بأن فرص نجاح المبادرة تتلقى دعما دوليا مهما هذا إلى جانب دعم الدول العربية لها.

ويبقى مع ذلك كثير من فرص نجاح مبادرة جامعة الدول العربية يتوقف على سلوك النظام أولاً وعلى سلوك المعارضة ومواقفها أخيرا. وبغض النظر عن الأسباب التي دعت النظام إلى الموافقة على مبادرة جامعة الدول العربية والتي منها بالدرجة الأولى صمود الشعب السوري وتحديه لآلة القتل وطرق استخدامها التي تفنن بها النظام، ونأمل أن تكشفها التحقيقات يوما ليس ببعيد، وكذلك تعرّض مؤسساته الأمنية إلى ضغط شديد من جراء تزايد الانشقاقات عنها، وبروز آثار الحصار الاقتصادي والسياسي للنظام على الدولة والمجتمع، واحتمال تخلي أصدقائه عنه، إضافة إلى التساؤلات الجدية المقلقة التي بدأت تطرح في داخله في ضوء مصائر حكام تونس ومصر وليبيا، وما ينتظر حكام اليمن وغيرها من الدول العربية، أقول بغض النظر عن كل هذه الأسباب فإنه لا يمكن الوثوق بالسلطة التي رغم شدة الخناق عليها سوف تحاول المراوغة، من خلال تفريخ “معارضات” من هوامشها، أو محاولة الاستفادة من بعض التباينات في خطاب المعارضة التقليدية، ومن غياب ممثلين حقيقيين للحراك الشعبي من داخله، أو من خلال المماطلة في تنفيذ بعض المطالب المحقة للشعب السوري بذريعة عدم توافر الظروف المناسبة.

وليس مستبعدا أبدا تأجيج بعض مظاهر العنف بلبوسات ومظاهر مختلفة لكي يضع جامعة الدول العربية في وضع محرج. بطبيعة الحال سوف يكشف مدى استجابة السلطة الأمين والصادق لمتطلبات خلق البيئة الملائمة للتفاوض، والتي تضمنت  بعضا منها مبادرة جامعة الدول العربية نيات النظام. من هذه المتطلبات يجري التشديد على وقف الخيار الأمني وسحب الجيش والأمن من الشوارع، وإطلاق سراح جميع الموقوفين على خلفية الاشتراك في التظاهر، وإصدار عفو عام وشامل عن جميع السياسيين وغيرها من متطلبات. ومن الأهمية بمكان أيضا السماح بالتظاهر السلمي للمعارضين والمؤيدين للكشف عن الحجم الحقيقي لكل من الفريقين لأخذه في الحسبان أثناء المفاوضات في مسألة واحدة على الأقل وهي مسألة بقاء الرئيس في السلطة حتى نهاية ولايته أو الاستقالة.

هل السلطة جادة حقيقة في إنجاح المبادرة العربية؟ الجواب هو بالنفي. سوف تراوغ السلطة وتناور وتعمل على تقديم رؤيتها الخاصة للخروج من الأزمة التي تسببت بها، وربما تستعين بخدمات بعض ” المعارضات” التي ساهمت في تفريخها من هوامشها، لكن في النهاية كما في البداية ليس أمامها من مخرج آخر. الشعب السوري لم يعد يقبل بديلاً من إسقاط النظام السياسي الاستبدادي، ليشيد على أنقاضه نظاماً ديمقراطياً تعددياً.

أما بالنسبة الى المعارضة السورية بإطاريها الرئيسين: هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديموقراطي بصفتها الممثل الرئيسي لمعارضة الداخل وامتداداتها الخارجية، والمؤتمر الوطني السوري بصفته الممثل الرئيسي للمعارضة في الخارج وامتداداتها في الداخل، لدي كلمة واحدة أقولها: ثمة فرصة تاريخية للخروج من الأزمة لا تكونا سببا في إفشالها. لذلك من الأهمية بمكان المبادرة سريعا لتشكيل لجنة تنسيق سياسية تقود المفاوضات مع النظام وتشرف عليها بما يحقق مطالب شعبنا المحقة، والتي عمدها بالدم.

(معارض سوري (حركة معاً))

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى