صفحات العالم

حقل التنافس الضيق والعنيف بين «الإخوان» والسلفيين


حازم الأمين

يقول السلفيون عن الإخوان المسلمين إنهم سلفيو العقيدة لا سلفيو المنهج، فيما يعتبر الإخوان ضمناً أن الجماعات السلفية في حاجة إلى مرشد لها يدبر علاقتها بالحياة العامة، ذاك أنهم قُصّر في ما يتعدى تصريف شؤون الدين كشعائر وكممارسة. ويبدو أن هناك قاموساً واسعاً من الضغائن المتبادلة بين الجماعتين، قاموساً بقي في الحقل الضيق لـ «الدعوة» في شقيها السلفي والإخواني.

اليوم استيقظت الجماعتان على الثورات العربية، وأبدتا شهية واضحة في الإقبال على الحياة العامة، ويبدو أنه مثلما استعان الإخوان بعقيدة السلفيين، فإن الأخيرين بصدد الاستعانة بدهاء الإخوان وبمراوغاتهم الكثيرة. وهذا التبادل توازيه تبادلات أخرى، كما توازيه منازعات، طالما أن حقل الخلاف ضيق وإن كان جوهرياً.

سنبدأ نحن، العاديين وغير الإخوانيين والسلفيين من أبناء المجتمعات العربيـــة، باختبـــار نـــوع جــديد من التنافس، وسيكون ميدانـــه التجـــارب السياسية الجديدة سواء في الدول التي نجحت فيها الثورات، أم في الدول التي ما زالت تكابد آلام المخاض.

في البداية كان من الواضح أن الإخوان بصفتهم السباقين إلى الحياة العامة، هم بصدد توظيف الظاهرة السلفية في مراوغات السياسة والمنافسة. في تونس وفي مصر خاطبوا «إخوانهم» السلفيين بصفتهم الأشقاء القصّر الذين يخافون عليهم من الوحش العلماني. قالوا لهم نحن مدخلكم إلى هذا «الشقاء» الذي تُقبلون عليه عبر استيقاظ طموحاتكم السياسية. وفيما قال الإخوان للسلفيين ذلك، قالوا للعلمانيين: «نحن خياركم الأسهل، فعليكم أن تختاروا بيننا، نحن الأقل تزمتاً، وبين السلفيين الآتين مباشرة من القرون الوسطى»!

ولكن يبدو أن الولادة تمت على نحو سريع، وسرعان ما كبر الجنين وصار اليوم شاباً وساعياً إلى قتل والده. نعم، تشهد «الميادين» اليوم منافسة واضحة بين الإخوان والسلفيين، والأرجح أن تفوق هذه المنافسة في ضراوتها التنافس بين المتدينين وغير المتدينين. ذاك أن حقل عمل طرفيها واحد، المؤمن الواحد والمسجد الواحد والفكرة الواحدة. فلنا أن نتخيل «التنافس بين سلفيي العقيدة وسلفيي المنهج»!

ردهة النزاع ضيقة ولا مكان فيها لطرفين، لا سيما إذا كانا على هذا القدر من الاقتراب.

والفروق كلما كانت طفيفة صار النزاع أعنف. فهنا السلطة هي الغاية، السلطة العارية من أي ادعاء، والتي لا قيمة في السعي للوصول إليها لأي فروق في التفكير وفي الممارسة. فتح السلفيون شهيتهم وسبقهم الإخوان والطرفان اليوم في سباق واضح لحجز مكان لا يتسع على ما يبدو لهما معاً.

ويبـــدو أن ثمة فارقـــاً في التنافس بين الجماعتين، بين الدول التي أنجزت ثوراتها وبين التي لم تنجزها بعد. ففي الأولى انكشف التنافس وبدأ يتبلور في صيغ واضحة، أما في الثانية فثمــة تقيـــة تمارسهــا الجماعتان بانتظار نضوج الظروف. فشيوخ السلفية يتحفظون عن انتقاد الإخوان ويبتلعون مشاعرهم حال ذكرهم، فيمـــا الإخوان في حال إنكار كامل للفروق. جميعنا، على ما يقـــولون، مؤمنـــون والساحة تتسع للجميع ولننتظر سقوط النظام قبل كل شيء. وفي كلا الحالين يلوح دهاء من يستعد للانقضاض.

ويبـــدو أن الخصـــومة الضمنية بين الجماعتين أكسبت كل طرف منهما بعض سمات الطرف الآخر. فمشايخ السلفية «الثورية» اليوم يستعينون في مخاطبة غيرهم من غير السلفيين وغير الإسلاميين بخطاب إخواني فيه الكثير من التورية واللعب بالعبارات. يقولون مثلاً نحن نريد دولة مدنية، وعندما تذهب معهم في فكرتهم هذه أبعد من العبارة ورنينها، تكتشف أن الدولة المدنية وفقهم هي الدولة التي ليس على رأسها عسكري، وبعد ذلك كل شيء ممكن، بدءاً بالدستور الإسلامي وصولاً إلى «الولاء والبراء».

هذه حال الإخوان المسلمين أيضاً وإن كانوا أكثر حنكة وتقدماً في تظهيرها. فهم مستعدون للذهاب معك في تونس إلى قبولهم بقانون الأحوال الشخصية المدنية، لكنك تعرف في الوقت ذاته أنهم يعدون أنفسهم لغير ذلك. والفارق في مصر، بين حالهم السابقة كمعارضين للنظام وحالهم الراهنة كجزء منه، طفيف إلى حد تشعر فيه بأن النظام السابق تولى تنشئتهم في سياق سعيه الى ضبطهم ومنعهم، فصاروا يشبهونه على نحو ما تشبه الضحية جلادها.

سورية هي الميدان الجديد للاختبار الإخواني – السلفي، ولكن لا يبدو أن التجربة ستكون مختلفة فيها. فالحال أن الاخوان في تونس كانوا مقتلعين والساحة خالية للسلفيين في ظل نظام زين العابدين بن علي. في مصر ثمة أمر مشابه، فالإخوان كانوا محظورين والسلفيون منتشرين في المساجد الرسمية. في سورية يكرر الواقع نفسه على نحو أكثف. الإخوان مُستأصلون ونشاط السلفيين كان متفاوتاً بين الدعوة في المساجد وبين الدعوة للجهاد في العراق تحت أعين السلطة.

اليوم، للسلفيين موقعهم في الثورة، والإخوان يترقبون من خـــارج الحدود ما يجري في مدنهم وأريافهم. هؤلاء حجزوا مكانـــاً في الثـــورة وقبلها في المساجد والمؤسسات الدينية، ومكان الإخوان ثابـــت على رغم غيابهم. الطرفان يتحفزان للمنافسة الكبـــرى على المؤمن السوري الواحد، وملامح هذا التنافس سبقــــت فيـــه الثــــورة في سورية شقيقتها في كل من مصر وتونس. في الثـــورة لا مكـــان لهذه المنازعات، ولكن خلفها وفي هوامشها الكثيــــر مـــن المؤشرات، وبما أننا جديون كل الجدة على هذا النـــوع من التنافـــس، وبما أن المسجد لن يكون المكان الوحيد له، فعلينا أن نعــــد أنفسنا لاستيعاب أنواع جديدة من الفروق، أين منها الفارق بين سلفيي العقيدة وسلفيي المنهج والعقيدة.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى