صفحات الرأي

حكام العالم..عصابات ولصوص

 


الان باديو

سألني صديقي فيلسوف الشّارع ذات يوم:

– «هل تسلّم بأنّ مبدأ الرّبح يسيّر عالمنا اليوم، وأنّ الدّول العظمى تتغاضى عن ذلك؟»

– نعم، ولكن ماذا تقصد؟

– ماذا تسمّي الشّخص الّذي لا يخجل من أن يعلن قائلاً: «أسعى لتأمين مصلحتي، ولن أتردّد في التّخلّص ممّن كان صديقي في السّابق للحفاظ على أسلوب حياتي أو رفع مستواه»؟

– إنّه رجل عصابة، فهذا نهج تتّبعه العصابات.

– أصَبْت! لا يُخفى أنّ عالمنا تحكمه العصابات، منها من يعمل في الخفاء، ومنها من يعمل في العلن، والفارق ضئيل بين الاثنين.

– لنفترض أنّك على حقّ… ماذا تستخلص من هذه الملاحظة إذًا؟

– أجابني الفيلسوف بشيء من المكر: أستخلص أنّ باستطاعتنا التّحدّث عن كلّ ما يدور في عالمنا اليوم مستعينين بصور من اللّصوصيّة، كالرّعاة أو الحماة الدّوليّين، والملازمين، والقادة «الصّغار»، والسّفّاحين، وغيرهم…».

– فقلت له بشيء من الشّكّ: كيف ذلك؟

– أُنظر إلى التّغيير الّذي يطرأ على العالم راهنًا، حيث يحتشد يوميًّا وسلميًّا مئات الآلاف من النّاس لقول الحقيقة، حقيقة مفادها أنّ الزّعماء الّذين يحكمونهم منذ عقودٍ هم زمرة لصوص. وتكمن المشكلة في أنّ الزّعماء المحلّيّين الّذين تطالبهم شعوبهم بالرّحيل بلغوا سدة الحكم وتموّلوا وتسلّحوا على يد أقوى الرّعاة الدّوليّين، وهم اللّصوص المتمرّسون و«اللَّبِقون» من الأميركيّين والأوروبيّين، ذراعهم الأيمن. فللدّول العظمى مصالح استراتيجيّة في البلدان الّتي تشهد حاليًّا ثورات شعبيّة ضخمة، ولطالما استشرس الزّعماء المحلّيّون فيها لحماية المصالح الأجنبيّة. ما العمل إذًا؟ لن ينجح السّفّاحون في إخماد هذه الاحتجاجات المليونيّة غير المسلّحة، والّتي تعرف ما تريده حقّ معرفة وتقول الحقيقة كما هي، لا بل يجد الأميركيّون والأوروبيّون أنفسهم مضطرّين للتّصرّف بحذر والبقاء في الخلفيّة، فتراهم يؤيّدون المدّ الشّعبيّ على مضض.

– سألتُ الفيلسوف متأمّلاً: «هل تشرف حقبة اللّصوصيّة العالميّة على الزّوال؟»

– لو عرفت الشّعوب آليّة العمل من أجل نشر الوعي على المدى البعيد، لَتَغيّر المسار التّاريخيّ، إلاّ أنّ القوى العظمى «المتحضّرة» أعاقت مسارها… هل تعرف أنّ في الصّحراء النّفطيّة زعيم «صغير» يتولّى سدة الحكم منذ اثنين وأربعين سنة؟

– العقيد! ولكنّه انتهى، فشريحة كبرى من الشّعب تطالب بقتله.

– بدأت الثّورات في ليبيا على غرار سائر الدّول العربيّة، ولكنّها سرعان ما سلكت منعطفًا آخر، إذ تولّت مجموعات مسلّحة زمام الأحداث، فلم تعد الثّورة عبارة عن مظاهرات ضخمة تتفوّه بالحقيقة، بل اقتحمتها مجموعات صغيرة تتنقّل بسيّارات رباعيّة الدّفع حاملة رشّاشاتها تحت قيادة ضابط سابق للرّاعي المحلّيّ «الصّغير»، وتجتاز الصّحراء بأقصى سرعة لاحتلال قرىً لا يحميها أحد.

– حتمًا يُرسل زعيم العصابة المصاب بالهستيريا السّفّاحين لتصفيتهم. كيف يعقل أن يصبّ هذا الوضع في مصلحة الرّعاة الدّوليّين الكبار؟

– هنا تكمن العبقريّة! فالأميركيّون والأوروبيّون سيتولّون بأنفسهم تصفية عقيد الصّحراء.

– كيف؟! ولكن في الأمر مخاطرة، فلطالما قدّم لهم العقيد خدمات كبرى ونفّذ أعمال الأوروبّيّين القذرة، لا سيّما بتدخّله المخيف ضدّ العمّال الأفارقة الّذين أرادوا بلوغ أوروبّا مرورًا بليبيا، ما جعله حارسًا شرسًا للبيت الأوروبّيّ.

– عندما تمسي مصالح الرّعاة الدّوليّين الآنيّة على المحكّ، فهم لا يرحمون أبدًا، حتّى من قدّم لهم خدمة في الماضي… هذا ما تفرضه الحضارة!

– ماذا يكسب الرّعاة الدّوليُّون عبر إرسال السّفّاحين «المتحضّرين» لمحاربة حليف الأمس؟

– أوّلاً، يدخلون بعد طول انتظار المشهد السّياسيّ في دول تعجّ شوارعها بشعوب تصدح حناجرهم منذ أسابيع بهتافات صادقة، خصوصًا أنّ الرّعاة الدّوليّين كانوا مضطربين من كونهم خارج اللّعبة، يشاهدون كارثة هم تسبّبوا بها. وثانيًا، يستغلّون الحدث ليذكّروا العالم أجمع أنّهم القوّة وأنّهم السّفّاحون الفعليّون، وبالتّالي، ينبغي على الجميع أن يخشاهم. وثالثًا، يتصرّفون وكأنّهم يديرون العمليّات تحت شعار إحقاق الحقّ وإرساء العدالة والإخاء والحرّيّة، بحجّة أنّهم هدفوا إلى قتل رجل العصابة المحلّيّ، أو عميلهم «العزيز» سابقًا… ألا ينمّ ذلك عن شهامة؟ ورابعًا، يراهنون على أن تعيد الحرب الزّمن القديم، فإمّا أن يؤيّد المرء مسار العالم كما هو، حيث تسود القوانين الظّالمة، والانتخابات التّافهة، والسّفّاحون الدّوليّون، ويغلب مبدأ وحيد هو تحقيق الرّبح، وإمّا أن يعارض هذا المسار رافضًا الرّعاية الدّوليّة والقوانين الفاسدة، ومناديًا بوضع حدٍّ للّصوصيّة العالميّة.

– كيف تفسّر إذًا أنّ دول العالم كلّها تقريبًا وافقت على قيام الأميركيّين وحلفائهم الأوروبيّين بحملة عسكريّة ضدّ عميلهم السّابق عقيد الصّحراء؟

– أجابني الفيلسوف بحزن: إنّ الدّول تخشى التّجمّعات الشّعبيّة، ففي دولنا الغنيّة، حيث الطّبقة السّياسيّة المهيمنة قادرة على شراء ما لا يعدّ ولا يحصى من العملاء المباشرين وغير المباشرين، يرغب الشّعب فعلاً برؤية الدّول العظمى تمسك زمام الأمور تحت أسماء متأنّقة مثل «الأسرة الدّوليّة» أو «منظّمة الأمم المتّحدة». إنّ الرّأي العامّ والنّاخبين والإعلاميّين في دولنا فاسدون، والمبدأ الأساسيّ لشعوبنا هو الحفاظ على نمط حياتهم، وبالتّالي، تراهم غير مستعدّين بعد لرؤية المظلومين المصمّمين على قول الحقيقة يطيحون بمبدئهم.

– ألهذا السّبب بتنا نرى عددًا متزايدًا من الأوروبيّين يمدح فجأةً جدارة حكّامهم بعد التّنديد بهم منذ فترة وجيزة فحسب؟

– بالضّبط، لا بل أعدنا إلى السّاحة مجدّدًا «ثرثار النّخبة» الّذي ساعد في تقسيم يوغسلافيا سابقًا. هو عجوز اليوم، غير أنّه ما زال يساعد عند الحاجة.

– وما زال لصًّا حتّى اليوم…

 

[ فيلسوف فرنسيّ

عن «ليبراسيون» الفرنسيّة

ترجمة: أسيل الحاج

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى