صفحات الناس

حلم اللقاء العائلي… سوريون في مواجهة قوانين اللجوء الألمانية/ بريمن – شادي عاكوم

 

 

تسيطر مشاعر الشوق إلى العائلة، على اللاجئ السوري في ألمانيا فراس السعدي، إذ لم يكن يفارق زوجته وولديه المقيمين في حمص، غير أن عقبات تقف في وجه لمّ شمل العائلة، حولت حياته إلى حجيم بسبب آلام الفراق المتصاعدة التي أثرت على اندماجه في بيئته الجديدة.

ويعيش فراس (32 عاما) منذ ثلاثة أشهر مع اثنين من اللاجئين في منزل مشترك في مدينة بريمن (شمال ألمانيا)، بعدما تم قبول طلب لجوئه وحصل على الحماية الكاملة (إقامة لجوء إنساني وفقاً لاتفاقية جنيف للاجئين لمدة ثلاثة أعوام)، ما يخوله المباشرة بإجراءات لم شمل عائلته الموجودة في حمص (وسط سورية)، غير أن محاولات فراس من أجل التأقلم مع الوضع الجديد يشوبها الكثير من المشكلات أهمها عدم لم شمل عائلته بسبب الإجراءات البيروقراطية المعتمدة في دائرة الأجانب في بريمن.

وبحسب ما وثقه معد التحقيق عبر مكتب الهجرة واللاجئين ولقاءات مع عشرة لاجئين، فإن المستندات المطلوبة للم الشمل، تتمثل في قرار اللجوء الصادر عن السلطات الألمانية ورقم الملف، مرفقاً بصورة عن إقامة صالحة لمدة ثلاثة أعوام (توضع داخل جواز السفر الأزرق الصادر عن السلطات الألمانية، والذي يحصل عليه اللاجئ بعد الموافقة على طلبه)، وعقد الزواج، ومستخرج قيد عائلي من سورية للاجئ ولكل فرد من أفراد عائلته التي عليها تقديم جوازات سفر العائلة إلى السفارة الألمانية التي يتوجهون إليها، ورسم مالي يقدر بـ60 يورو للبالغين و30 يورو للقصر، وتقدّم تلك الأوراق إلى السفارة الألمانية، كما يقول فراس الذي أجهدته عملية توفير هذه المستندات، فضلاً عن الحصول على موعد لعائلته في السفارة الألمانية في بيروت، غير أن “العوائق” والإجراءات البيروقراطية المعتمدة في ألمانيا تقف في وجه لقائه بأولاده وزوجته، “في بلد يفترض إنجاز المعاملات فيها من دون بيروقراطية أو تأخير”، كما يقول.

ويأتي الأزواج والأبناء والقصر غير المصحوبين بأهاليهم في المقام الأول من طالبي لم الشمل، ويعد الرجال ممن تركوا عائلاتهم في سورية أو في مخيمات الشتات في الأردن ولبنان الأكثرية المطلقة من بين طالبي لم الشمل، بحسب غابريل مولر الباحث في علم الاجتماع في جامعة أولدنبورغ (شمال ألمانيا).

500 ألف سوري ينتظرون لم الشمل

فراس ليس بمفرده، إذ ينتظر 500 ألف سوري لم شملهم مع عائلاتهم المقيمة خارج ألمانيا خلال السنوات الثلاث المقبلة، بحسب تقدير صادر عن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في برلين، ويعود سبب طول فترة الانتظار إلى تمييز قانون اللجوء الجديد الصادر في مارس/آذار 2016، بين الحماية الفرعية التي تجدد سنوياً بينما لا تسمح بلم الشمل قبل عامين، وبين الحماية الكاملة (لمدة 3 أعوام)، وهو ما يعني حق الحاصلين على الحماية الفرعية في التقديم على طلبات لم الشمل بدءاً من مارس/آذار 2018، ويقدر عددهم بـ 80 % من السوريين الحاصلين على اللجوء في ألمانيا خلال الفترة من مارس/آذار 2016 وحتى نهاية شهر سبتمبر/أيلول من العام الجاري، في مقابل 2% فقط خلال الفترة ذاتها من العام الماضي، “ما سيحرم اللاجئين الحاصلين على الحماية الفرعية من لقاء عائلاتهم لمدة ثلاثة أعوام”، كما يقول اللاجئ السوري زياد المصري المقيم في ولاية هيسن (وسط ألمانيا)، بينما بإمكان الحاصلين على الحماية الكاملة التقدم بطلب لم الشمل مباشرة، “غير أن معاناتهم تتشابه مع الحاصلين على الحماية المؤقتة في البيروقراطية التي تحول بين الجميع ولقاء أحبتهم”، كما يؤكد فراس السعدي.

صعوبات في طريق عملية الاندماج

يؤثر الحرمان من لم الشمل على الوضع النفسي للاجئين، ما يصعب عملية الاندماج والعمل والدراسة، نتيجة فقدان الأمان العاطفي، كما يؤكد الناشط الألماني من أصل لبناني، محمد فياض المتابع للشؤون المجتمعية للاجئين السوريين في ألمانيا، ويشير فياض إلى أن “اللاجئين ممن ينتظرون لم الشمل مشتتو الفكر، والكثير من الهواجس تتحكم بهم وتسرق فرحتهم، خوفا من عدم لم الشمل، بعد أن آثروا الهروب بمفردهم لتوفير مشقة الطريق على أحبائهم”.

وبعد إغلاق السفارة الألمانية في سورية منذ عام 2012 واضطرار طالبي لم الشمل للتوجه إلى سفارات الدول المجاورة لسورية (تركيا والأردن ولبنان ومصر وكردستان)، زادت معاناة اللاجئين وأسرهم، في ظل احتياج السوريين إلى تأشيرة دخول إلى بعض دول الجوار مثل لبنان ومصر والعراق.

وعقب تطبيق قانون اللجوء الجديد في 17 مارس/آذار 2016، تقلصت المساعدات الاجتماعية وتم تقييد حرية الحركة وعمليات لم الشمل وطالت فترة الانتظار على الحاصلين على حق الإقامة الفرعية، كما يقول فياض، الأمر الذي دفع ما يقارب 17 ألف لاجئ من الحاصلين على الإقامة الثانوية منذ بدء تطبيق القانون الجديد في شهر مارس/آذار 2016، للتقدم بدعاوى قضائية، بعدما حرمتهم هذه الإجراءات الجديدة من حق لم شمل عائلاتهم، وذهبوا للمطالبة بالحماية الكاملة، وفقاً لما جاء في رد حكومي على سؤال برلماني وجهه حزب الخضر إلى الحكومة الاتحادية في منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

سياسة تقليص عدد اللاجئين

يرى النشط المجتمعي فياض أن الإجراءات الجديدة تعد تضييقا واضحا على اللاجئين، ما يدفع العديد منهم، فور حصولهم على حق اللجوء الفرعي، إلى تقديم اعتراض لدى المحكمة خلال فترة أسبوعين، بسبب عدم السماح لهم بلم الشمل أو يسعى بعضهم إلى تقديم طلب لجوء جديد مع ذكر أسباب موجبة ومقنعة.

ويتفق غابريل مولر مع فياض، في أن أخطاء استراتيجية الهجرة وعلى رأسها سياسة الباب المفتوح واستقبال اللاجئين من دون ضوابط وعدم التحقق من الأوراق الثبوتية عند الحدود وقبل توزيعهم على الولايات أوصل الوضع إلى ما هو عليه الآن، موضحا أن القانون الأخير زاد الأمر تعقيداً، وأصبحنا أمام واقع مرير ينذر بأمور شديدة الخطورة على المدى البعيد، خاصة على المستوى الاجتماعي، التفكك الأسري، وكذلك اقتصادياً، إذ يتقاضى اللاجئون المعونة المخصصة لهم (تتفاوت من 670 إلى 750 يورو) من دون أن يحققوا أي تقدم يذكر للانخراط بسوق العمل، بفعل حالة الضياع والخوف على أسرهم وأقاربهم الموجودين في أماكن النزاعات وبلدان الشتات.

وتنتقد منظمة “برو أزول” حزمة اللجوء الأخيرة، إذ وصفتها بـ”الانتهاك الصارخ” للحق الأساسي في حماية الأسرة، ولفتت إلى أن هؤلاء اللاجئين الذين يهربون من البراميل المتفجرة لا بد أن يحصلوا على صفة لاجئ كامل، عملاً باتفاقية جنيف للاجئين 1951، وبالتالي إعطاؤهم الحق في جمع شمل أسرهم مباشرة. وهو ما عاد وأكد عليه اللاجئ فراس السعدي، مشيرا إلى أن تقييد لم الشمل وما يستتبعه من مراسلات وأخذ ورد عبر السفارات وإجراء مقابلة قد يستغرق شهوراً طويلة، مع عمليات التدقيق حول الأطفال، ما يضاعف معاناتهم، على الرغم من أن الدستور الألماني يؤكد على قدسية العائلة.

وبسبب طول فترة انتظار الحصول على موعد في السفارات الألمانية، ظهر سماسرة لحجز أو شراء المواعيد، ووفقاً للسفارة الألمانية في بيروت فإن بعضهم يحاول التدخل لتحديد مواعيد للاجئين، وهو ما ترفضه السفارة، وبحسب اللاجئين المستطلعة آراؤهم، فإن السماسرة يطلبون مبالغ تصل إلى ثلاثة آلاف يورو تدفع عبر وسطاء يدعون أنهم على علاقة بموظفين في السفارة لتقديم فرصة الحصول على موعد، وهو ما نفته السفارة الألمانية في بيروت، إذ لا تتعامل مع أي من الشركات الخاصة التي تبيع المواعيد بشكل غير قانوني، وفقا لإعلان صدر عن الخارجية الألمانية، ردا على معلومات متداولة حول ادعاءات سماسرة بالحصول على مواعيد للراغبين في التقدم من أجل لم الشمل بالسفارات الألمانية.

تخفيف العبء

يرى الأمين العام للمنظمة العربية الأورومتوسطية للتعاون الاقتصادي في ألمانيا، الدكتور عبد المجيد العيادي أن السلطات الألمانية تريد تقييد حركة الهجرة لفترة محدودة، خاصة أن المستشارة أنغيلا ميركل تعهدت أخيراً، خلال قمة فيينا حول اللاجئين، باستقدام 500 لاجئ شهرياً من اليونان وإيطاليا.

ولفت إلى عمل السلطات الألمانية على زيادة التخطيط للأمن وتحسين البنية التحتية وضمان مسؤولية تطبيق قانون الهجرة بشكل صحيح وسليم، مؤكداً أن الأرقام والتكلفة المالية المرتفعة على الخزينة ومطالبة الولايات الألمانية بالمزيد من الأموال للتكفل بمصاريف اللاجئين والمعونة الاجتماعية التي يحصل عليها كل لاجئ مع عائلته، أثرت على محاولات لم الشمل، في ظل التوقعات بإنفاق حوالي 100 مليار يورو حتى نهاية 2020 على اللاجئين، فضلاً عن الضغوطات والمناكفات السياسية بهذا الخصوص، محذراً من إسكان اللاجئين في المناطق النائية، ومؤكداً ضرورة العمل على توجيههم وإرشادهم للعيش الكريم، أسوة بأبناء المواطنين الألمان في بيئة تؤمن لهم الاندماج بمودة واحترام، للانخراط بطريقة أسرع في سوق العمل.

السلطات الرسمية تبرر التأخير

تؤكد الخارجية الألمانية أن أسباب تأخر البت في طلبات لم الشمل ترجع إلى ضغط العمل ووجود أعداد كبيرة من الملفات، والتي تتطلب الكثير من التدقيق، إضافة إلى تدفق آلاف اللاجئين صيف العام الماضي إلى ألمانيا وبروز قضية جوازات السفر المزورة.

وكشفت الوزارة عن منح 50 ألف تأشيرة لم شمل في عام 2015، بينما وصل عدد هذه التأشيرات حتى النصف الأول من هذا العام إلى 30 ألف تأشيرة، فيما تم تسجيل 26 ألف طلب حصول على تأشيرة لم شمل في شهر يوليو/تموز الماضي.

ويعمل 100 موظف على طلبات لم الشمل في كل من سفارات وقنصليات ألمانيا في بيروت وإسطنبول وأنقرة وأربيل وعمان. وأوضحت وزراة الخارجية الألمانية في رد على سؤال برلماني أنه بنهاية شهر سبتمبر/أيلول تم اعتماد آلية تسرع الحصول على موعد لتقديم معاملات لم الشمل عبر السفارات، ما رفع من آمال زياد المصري وأصدقائه من اللاجئين المقيمين في ألمانيا بإنهاء آلام فراق عائلاتهم قريباً، إذ يكفيهم ما يقاسونه منذ اندلاع الحرب وفراق الأحبة، كما يقول.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى