صفحات سوريةمازن كم الماز

نحو برنامج للقوى الفاعلة على الأرض في الثورة السورية


مازن كم الماز

طبيعي أن تركز النخب السياسية المعارضة السورية في تصوراتها لسوريا الغد على شعارات الدولة المدنية التعددية وغيرها من الشعارات أو القواعد التي تنظم وتقونن التنافس فيما بينها لتجعله ‘تنافسا شريفا’، لكن الدولة المدنية التعددية ليست مفهوما نهائيا ولا مفهوما واقعيا حتى، ويمكن الزعم أن النخب تفسر هذا المفهوم عادة بسلطتها هي، المؤسسة هذه المرة على شرعية صناديق الانتخابات.. لكن السوريين العاديين الذين فجروا الثورة لم يثوروا فقط طلبا لصندوق انتخابات، لقد أرادوا أن يعكسوا عمليا كل سياسات النظام التي دمرت بشكل منهجي حياتهم.

صحيح أن هذا التأثير المدمر على حياة السوريين تسارع مؤخرا مع تبني النظام لسياسات نيوليبرالية فاقم مشاكل الفقر والبطالة وجعل التعليم والصحة امتيازات طبقية، لكنه كان يجري وإن ببطء منذ سبعينيات القرن الماضي، منذ أن نضج النظام السوري كنظام ديكتاتوري استغلالي على نمط رأسمالية الدولة ..

إني أزعم أن هدف الجماهير السورية التي ثارت منذ 14 شهرا وأثبتت أنها مستعدة لتقديم تضحيات هائلة في سبيل تغيير واقعها لا يمكن اختزاله فقط في قيام حكم جديد، صحيح أن الأولوية الآن هي للخلاص من النظام الديكتاتوري لكن هذا الهدف الضروري عمليا لا يمكن أن يلغي أن تصور الجماهير عن سوريا الغد يتجاوز إلى حد كبير الوصفة الليبرالية السائدة بين المعارضين السوريين سواء كانت بوجه إسلامي أو علماني .. إن الوصفات الليبرالية، التي تتمحور حول القوانين والدساتير.

لا تعني شيئا كثيرا في الواقع، فعندما تكون ممارسة السياسة بزنس قائم بذاته يتطلب استثمارات هائلة ستبقى الجماهير المفقرة مهمشة وخارج اللعبة السياسية عمليا، وصندوق الانتخاب لن يمنح الجماهير القدرة الفعلية على فرض إرادتها أو تغيير واقعها أبعد من إمكانية الاختيار بين نخب جاهزة سلفا تعبر عن الطبقات القادرة ماديا أو التصويت ضد أكثرها سوءا، هذا في أفضل الأحوال .. الحقيقة أنه لا توجد سلطة تمتنع عن السعي لتوسيع سلطاتها وصلاحياتها وتخضع لإرادة الجماهير أو، في أضعف الأحوال، تكيف رؤيتها الإيديولوجية أو مصالحها الخاصة مع مصالح الجماهير، هكذا عن طيب خاطر.

إن النضال الجماهيري الدائم لتوسيع مشاركة هذه الجماهير في تقرير مصيرها وللحد من صلاحيات السلطة التي تحاول إبقائها خارج دائرة تاثير الجماهير وللجم وسائل القمع التي بتصرف أية سلطة هو ما سيشكل الفارق الحقيقي في الممارسة الفعلية، إن الصمت على القمع سيسهل تحوله إلى ممارسة منهجية للسلطة القائمة ووحده النضال ضد أي شكل من أشكال القمع هو الذي سيجبر السلطة على أن تحد من استخدامها له، هذا ليس إلا مثلا يصح على كل جوانب العلاقة بين السلطة والناس.. إن القوى الفاعلة على الأرض هي الأقرب إلى نبض الشارع الثائر والشارع السوري عموما، ويفترض أن تعبر عن نبض هذا الشارع بشكل أصدق من معارضات حرص النظام على إبقائها معزولة عن الشارع وزادت نخبويتها الفكرية والسياسية والتنظيمية من هذه العزلة ..

صحيح هنا أن رؤية لجان التنسيق المحلية، التي صدرت في وقت أبكر من وثيقتي المجلس الوطني والإخوان المسلمين، كانت أكثر تقدما نسبيا عنهما لكنها بقيت حبيسة مفاهيم وتصورات إيديولوجية ليبرالية، رغم أنها تفردت بطرح بعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية إلى جانب الحقوق السياسية التي يجب أن تعلن حقا لكل سوري.. إن القضية ليست فقط في صوغ برنامج بل في صوغ أفق نضالي مستقبلي يقوم على مصالح الفئات المفقرة والمهمشة التي انتفضت وحملت أعباء الثورة كلها على كاهلها.

‘ كاتب من سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى