إيلي عبدوصفحات المستقبل

حمص: عودة تستلزم العادية/ إيلي عبدو

 

لم يستسلم مناصرو الثورة السورية لحدث سقوط حمص وخروج مقاتلي المعارضة منها بشكل نهائي. الإستسلام الذي غالباً ما يردّ صاحبه إلى النسيان القاتل، تبدى عبر وسائل التواصل الإجتماعي فعلاً تذكرياً مضاعفاً. يعمل في أحد جوانبه على تثبيت المدينة بوصفها عاصمة للثورة، ومن جهة ثانية يمهد لفكرة العودة إليها على اعتبار الحرب مع النظام لم تنتهِ بعد.

صورة الرجل الذي مزق إحدى لوحات الديكتاتور القبيحة في حمص خلال الأيام الأولى للثورة، إنتشرت على صفحات الكثيرين لتؤكد أسبقية المدينة في تحطيم رمزيات الأسد وسحقها. فيديوهات عدة انتشرت أيضاً تظهر التظاهرات الأولى التي كانت تخرج من أحياء حمص وتهتف لنصرة المدن الأخرى.

إستعادة حمص الثورة بعد دخول قوات النظام إليها عبر هذه السردية المشهدية، ظلّ ناقصاً يحتاج إلى أدوات أكثر إقناعاً وجدوى. ليتبدى الساروت (عبد الباسط) برمزيته القوية وحضوره الجذاب، منقذاً لذاك الفقر الذي اعترى سردية حمص. صورة حارس المرمى الذي امتلك شعبية واسعة بين أوساط السوريين وهو يبتسم، كانت مدخلاً لبناء سردية جديدة عن حتمية العودة إلى المدينة السليبة.

الساروت لم يكتفِ بتأكيد الرجوع إلى حمص في أكثر من إطلالة إعلامية له. بل ذهب أبعد من ذلك عبر نشر نكات عن عملية الخروج من المدينة. فكتب على صفحته الفايسبوكية: “أبو عبدو زلمة نظامي أول ما طلع عالباص عطاه للشوفير 10 ليرات وطلب منو كرت باص. صار يضحك الشوفير وقلو لأبو عبدو صار الكرت بخمسين ليرة. أبو عبدو اندهش وقال: يا إلهي كم لبثنا”.

البعد الساخر الذي تحمله النكتة الساروتية، لا يهدف إلى التقليل من هول الخسارة التي حلت بفقد المدينة فحسب، بل يسعى أيضاً إلى إدخال فعل الخروج في سياق العادي والممكن، وإلغاء أي شبهة أسطورية يمكن أن تتماثل به..لم يرد الساروت أن يحوّل خروجه مع رفاقه من حمص إلى حدث أسطوري، كما فعل بعض الناشطين على “الفايسبوك” مطلقين على ما حصل تسمية “إنتصار”. هو بذلك نجا من خطر التقاطع مع النظام الذي لم يتردد في إطلاق التسمية نفسها على الصفقة التي أدت لدخوله إلى حمص.

نفي الأسطرة، ليس سوى جزء من سردية العودة التي لا تستوي مع الرواية الملحمية الخارقة. الأفعال تبقى في الملاحم على مستوى الخيال ولا تهبط إلى الواقع. وهو ما يتقنه النظام السوري جيداً في أدبياته المتخمة بتحرير القدس والجولان. العودة تستلزم العادية. هكذا يقترح علينا ذلك المقاتل العشريني الذي ظهر في شريط فيديو قبل مغادرته حمص. في هذا الشريط الذي جرى تداوله بكثرة على صفحات التواصل الإجتماعي، يؤكد المقاتل إمتلاكه عقيدة صلبة تكفل عودته إلى المدينة.

لو استثنينا بعض الندب الذي اعترى جزءاً من التعلقيات حول سقوط حمص، نلحظ أن تعامل ناشطي مواقع التواصل الإجتماعي مع هذا الحدث جاء عبر سرديتين متلازمتين. تقترح الأولى تثبيت حمص في روايتها الثورية لتبدو الثانية إستكمالاً لهذا المسار عبر وعد العودة المتخلي عن إغراء الإنتفاخ الأسطوري.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى