مراجعات كتب

حنا بطاطو في سيرته ومنهجه وتفسيره لتاريخ العراق المعاصر

 

 

كتابات لنخبة من الاساتذة الذين اهتموا به

عبد الجبار العتابي

صدر عن دار الرافدين كتاب (حنا بطاطو في سيرته ومنهجه وتفسيره لتاريخ العراق المعاصر) حرره الكاتب مازن لطيف وتضمن كتابات لعدد من الكتاب المعروفين الذين لهم علاقات مع بطاطو وهم : سيار الجميل، فالح عبد الجبار، ماهر الشريف، ابراهيم الحيدري، رياض الاسدي،اسعد ابو خليل،زهير الجزائري،صالح الطعمة، واحمد القامسي

الكتاب يقع في 206 صفحات من الحجم المتوسط ويضم مجموعة من الدراسات والاعمال والمقالات عن المؤرخ المعروف البروفيسور حنا بطاطو،قام بكتابتها ونشرها نخبة من الاساتذة المختصين الذين اهتموا اهتماما كبيرا بهذا المؤرخ، وخصوصا عن عمله في تاريخ العراق المعاصر، ودراسته للطبقات الاجتماعية والحركات السياسية في العراق ابان القرن العشرين.

تضمن الكتاب مقدمة لمحرر الكتاب ، وتوزع على ثلاثة اجزاء ،الجزء الاول: في منهجه ،ويتضمن عدة فصول هي :الفصل الاول: ّحنا بطاطو: مؤرخ العراق المعاصر ،الفصل الثاني: المجتمع – التجريبية – التاريخ – الطبقة،الفصل الثالث: حنا بطاطو: العراق، الطبقات االجتماعية والحركات الثورية،الفصل الرابع: حنا بطاطو وتحليل الطبقات الاجتماعية في العراق والفصل الخامس: منهج (حنا بطاطو) التأريخي.

كما تضمن الجزء الثاني: في سيرته عدة فصول هي : الاول: حنا بطاطو مؤرخ الطبقات الاجتماعية العربية الفذة ، الفصل الثاني: حنا بطاطو، البحث في تاريخ ضائع ،الفصل الثالث: ذكريات صداقة ،والفصل الرابع: حنا بطاطو والعراق، قصة حب أكاديمية .

اما الجزء الثالث:فتناول نصوصه ، وتضمن عدة فصول :الفصل الاول: التحليل الطبقي والمجتمع العراقي ،الفصل الثاني: شيعة العراق، الدور السياسي وعملية االندماج في المجتمع ،والفصل الثالث: التنظيمات الشيعية في العراق .

مقدمة المحرر :

جاء في المقدمة التي كتبها المحرر : حينما يذكر اسم حنا بطاطو يذكر تاريخ العراق المعاصر لانه كتب ووثق كل من الطبقات الاجتماعية والحركات السياسية في العراق بشمولية وموضوعية، بعد ان تدارسها بحثا وتحليلا من خلال التنقيب في الاضابير الرسمية والسجلات السرية في مديرية الامن وملفات الشرطة والدوائر الرسمية العراقية.. فضلا عن اللقاءات التي اجراها مع ابرز الشخصيات السياسية والاجتماعية، وعليه، فقد اعتمد مخطوطات، ووثائق، وتقارير استخباراتية عراقية وبريطانية وغيرها بحيث خرج بحصيلة معرفية ضمها كتابه المهم الذي صدر في تاريخ العراق بمجلد ضخم في طبعته الانكليزية عام 1978 / 1977الذي اصبح من اهم مراجع تاريخ العراق المعاصر عند الباحثين والقراء.

واضاف:هو فلسطيني المولد والنشأة، اقام في بيروت ردحا من الزمن، ورحل الى اميركا ليقيم فيها حتى وفاته اذ عاش بين 1926-2000 ، وقد ظن الكثيرون انه عراقي بسبب مؤلفه المعروف في دراسة طبقات المجتمع العراقي الحديث، ولا يعرف جل المطلعين بأن الرجل فلسطيني من أب مقدسي عربي وأم جزائرية وخلفية دراسية اميركية .

في منهجه

في الجزء الاول (في منهجه) يكتب سيار الجميل (حنا بطاطو: مؤر خ العراق المعاصر/  دراسة نقدية في سيرته ومنهجه ورؤيته التاريخية) ، قال فيه : لقد اشتغل حنا بطاطو على العراق منذ تلك اللحظة التاريخية وجاء الى العراق كي يتدارس طبيعته الاجتماعية والعلاقات بين طبقات المجتمع، وحالات الصراع ورافق تطوراته السياسية السيئة على امتداد اكثر من عشرين سنة على تغيير النظام الملكي في 14 تموز / يوليو 1958 الى النظام الجمهوري.. وبقي بطاطو متعلقا بالعراق حتى رحيله.. اذ توفي في وينستد – كونيكتيكوت يوم 24 يونيو / حزيران 2000.

واضاف:  اما منهجيا ودراسيا، فكان تأثره كبيرا بالاستاذ بارنغتون مور جونيور،ونهج اسلوبه نفسه، وخصوصا في دراستة للعلاقة الجدلية بين الفلاح والسلطة.ومن ثم عاد حنا بطاطو الى الشرق الاوسط ليقضي عشرين سنة استاذا مغمورا ومنعزلا بين عامي 1962 و1982، اذ اشتغل بالتدريس في الجامعة الامريكية في بيروت، وكان منكبا في تأليف كتابه عن الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العراق الحديث.

وتابع: لقد رحل عن هذا العالم قبل 15 سنة، وكان قد قضى حياته في البحث والاستقصاء في التاريخ المعاصر للشرق الاوسط وخصوصا لكل من العراق وسوريا وبنيوياتهما الاجتماعية والسياسية في القرن العشرين، كما شرع يكتب كتابه عن السعودية – كما قال لي -، ولكنه لم ينجزه كما عرفت.

واستطرد :التقيت بالمؤرخ حنا بطاطو مرة واحدة في مؤتمر جامعة اكستر البريطانية قبل سنين طوال، وألقى في تاريخ سوريا المعاصر، وكان يسكت على مضض وهو يسمع التهكم عليه من قبل بعض المماحكين الانكليز والعرب عندما كانوا ينادونه بـ “مستر بتيتو “!!،وكان لي لقاء مطول واحد معه في مساء اليوم الثاني من المؤتمر، وكان حريصا على ان يجلس معي، كما كان يلح علي ان اراه – كما قال لي – مذ عرف بأنني من العراق ومن مدينة الموصل بالذات، وبقدر ما وجهت له من اسئلة في المنهج، فقد كان يسرع في طرح اسئلته علي وكنت اجيبه بما اعرفه من معلومات تاريخية وخصوصا ما يخص العلاقات االجتماعية العراقية وتراكيبها التي خبرتها من خلال عملي في سجلات المحاكم الشرعية ووثائق الطابو ودوائر المساحة والبلديات واالوراق الشخصية والعائلية ناهيكم عن السجلات الوقفية التي لم يكن قد اطلع عليها.. كما سألني عن بعض الصحف العراقية القديمة وعن بعض الشخصيات العراقية.. ولكنني اختلفت مع بعض اسئلته التي لم تكن محرجة او معقدة، بقدر ما كانت تبعث على الملل لانها تعنى بالجزئيات التي قد تفيده بشيىء من الاشياء، فهو لا يمل ولا يكل من البحث في الجزئيات وتفاصيلها المتعبة! وربما سألني ليتأكد من مصداقية بعض المعلومات التي سجلها عن سير بعض الناس وانتماءاتهم القومية.. وسأل عن امور تخص المواريث والملكيات لبعض الاسر المتنفذة قديما في العراق الحديث.

مصادر منهجه

اما الفصل الثاني فتناول :المجتمع – التجريبية – التاريخ – الطبقة/ نظرة في مصادر منهج حنا بطاطو للكاتب فالح عبد الجبار ، قال عنه : ترك لنا حنا بطاطو إرثا كبيرا كرس له جل حياته الواعية أكاديميا مدققا، يسعى إلى معاينة مركبة للمادة قيد البحث، هيابا من أي تعميم لا يقوم على الوقائع التجريبية،  ومتوجسا من معنى التاريخ المتفجر الذي يعاينه ويعيشه وينقب فيه، في آن.

واضاف: يلوح حنا بطاطو، للوهلة الاولى، في نظرة كثير من قرائه ومحبيه، جامع معلومات  لا يبارى، شغوفا بالتفاصيل وتفاصيل التفاصيل. وهذه بلا ريب خصلة من خصاله الكثيرة. غير أن هذه النظرة تنطوي على تبسيط مفرط. فمنهج جمع مادة البحث، وتحليلها، وتركيبها، ثم عرضها على النحو الذي فعله حنا بطاطو، عملية معقدة، عميقة الغور. فمادة البحث، أي بحث، أشبه بسديم له بداية وليست له نهاية. وهي أقرب إلى العماء Chaos الارسطي، الذي يتحدى العقل البشري Logus، كقوة ناظمة أو طاقة للتنظيم، للفرز، والتمييز، والفصل والربط.

وتابع : لقد ووجه بطاطو وهو يغرف التفاصيل عن المجتمع العراقي تحديات عديدة.أولها فرز وتصنيف هذه المادة. وثانيها إجالء غموض العالئق فيما بين مكوناتها،وثالثها قراءة المعني في هذه العلائق.

قضايا وتساؤلات

فيما تناول الفصل الثالث: حنا بطاطو.. العراق، الطبقات االجتماعية والحركات الثورية/ (عودة إلى أبرز القضايا والتساؤلات) للكاتب ماهر الشريف وقال فيه :يعتبر مؤلف المؤرخ الفلسطيني الراحل حنا بطاطو عن العراق، الذي صدر باللغة الانكليزية عام 1978 عن جامعة برنستون وأهدي (الى شعب العراق) واحدا من اهم الكتابات التاريخية التي ظهرت عن العالم العربي في النصف الثاني من القرن العشرين،إن لم يكن أهمها على الاطالق. وقد صدرت الترجمة العربية لهذا المؤلف الضخم،التي أنجزها عفيف الرزاز، في ثلاثة كتب عن مؤسسة الابحاث العربية ببيروت، حيث صدر الكتاب الاول، الذي حمل عنوان: “الطبقات االجتماعية القديمة” في عام 1990، بينما صدر الكتابان، الثاني “الشيوعيون من بداية حركتهم وحتى الخمسينات”، والثالث: “الشيوعيون والبعثيون والضباط األحرار”، في عام 1992.

واضاف: كان هدف بطاطو الرئيسي، على ما يبدو، إعداد دراسة شاملة عن الحركات الثورية التي برزت على مسرح األحداث السياسي في العراق الحديث ولعبت دورا بارزا في ثورة 14 تموز 1958، تتتبع أصول هذه الحركات وجذور األفكار والعواطف التي حركتها وطبيعة صيغها التنظيمية وبناها الاجتماعية والتأثير الذي تركته على البلاد وتاريخها؛ غير أن دراسة الحركات الثورية، التي ” ّ شكلت بشرائحها الاساسية التعبير الاول عن الطبقات الوسطى” في عراق ما بعد قيام الجمهورية، فرضت عليه – كما يؤكد – العودة إلى تاريخ الطبقات القديمة التي سادت خلال العهد الملكي،ولا سيما ملاك الاراضي والتجار ورجال المال.

تحليل الطبقات الاجتماعية

وتناول الفصل الرابع: حنا بطاطو وتحليل الطبقات الاجتماعية في العراق للكاتب ابراهيم الحيدري حيث قال فيه : يعتبر عقد الخمسينات من القرن الماضي في العراق من اخصب العقود واغناها من ناحية التقدم االجتماعي والثقافي والتسامح الديني والسياسي، تمتع فيه العراقيون نسبيا بهامش من الحرية والحركة السياسية، مثلما انتج افضل رجال الفكر والاجتماع والاقتصاد والسياسة. في ذلك العقد المتميز بشيء من الانفتاح استطاع حنا بطاطو جمع معلومات قيمة عن المجتمع العراقي والطبقات االجتماعية بمثابرة وموضوعية ولم يجعل من نفسه نصيرا منحازا الى طرف دون آخر او ان يقدم مساهمة مثيرة للجدل.

منهجه التاريخي

فيما تناول الفصل الخامس منهج حنا بطاطو التأريخي للكاتب رياض الاسدي وجاء فيه : كانت بحوث حنا بطاطو المتعلقة بتاريخ العراق السياسي والاجتماعي مقتصرة على عدد قليل من الباحثين في تاريخ العراق المعاصر، فلم يكن الرجل معروفا الا في نطاق أكاديمي وثقافي ضيق نسبيا، وحتى طلبة الدراسات العليا في أقسام التاريخ في جامعاتنا كانوا في الثمانينات يجدون بعض الحرج في الاعتماد على كتاب بطاطو ودراسة منهجه لانه فقط! وضع كتابا في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي الممنوع على نحو مغاير عن ذلك الكتاب (الاكذوبة) عن تاريخ الحركة الشيوعية في العراق، والذي كتب تحت أسم مستعار (سمير عبد الكريم)  وكانت المخابرات العراقية السابقة وراء إصداره بقصد تشويه الحركة الشيوعية في العراق وغمط حقوقها التاريخية المعروفة..بيد أن ما طرحه الباحث الجاد بطاطو يتجاوز نطاق الحدود الاكاديمية البحتة ليكون واحدا من المعالم الرئيسة في الكشف عن أحداث وعالقات تاريخ العراق السياسي.

في سيرته

اما الجزء الثاني فكان بعنوان (في سيرته) ، فكان الفصل الاول :حنا بطاطو مؤرخ الطبقات الاجتماعية العربية الفذ للكاتب أسعد أبو خليل وجاء فيه : تساءل كثيرون عن سبب ترك بطاطو عمله المخطوط عن العراق لسنوات طويلة قبل أن   يصدر كتابه في عام 1979، بعد نحو عشرين سنة على أطروحته عن العراق. أسر لي يوما ان كان عاطفيا :هال بطاطو المجازر التي قادها البعثييون ضد الشيوعيين في العراق وترك ذلك اثرا عميقا فيه. قال لي إنه كان يجد صعوبة في العودة إلى أوراقه وتدويناته.

والفصل الثاني :حنا بطاطو.. البحث في تاريخ ضائع للكاتب زهير الجزائري جاء فيه : في مقدمة كتابه عن الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العراق يذكر حنا بطاطو واقعة عن لقاء مع قائد شيوعي أحضر من زنزانته مقيد اليدين والقدمين بالسلاسل، أظنه المناضل الراحل زكي خيري. قدم حنا بطاطو القادم من الولايات المتحدة رسالة وزارة الداخلية بيد ورسالة توصية من كامل الجادرجي باليد الاخرى.وحين عرض موضوعه، وهو إعداد بحث عن الحزب الشيوعي العراقي، سأل القائد الشيوعي: أيمكن كتابة هذا التاريخ بتجرد؟

ذكريات صداقة

والفصل الثالث بعنوان ذكريات صداقة للكاتب صالح جواد الطعمة جاء فيه : تعود علاقتي الشخصية بالمرحوم حنا بطاطو  إلى عام 1953 حين بدأنا دراستنا معا في جامعة هارفرد في حقلين مختلفين: حقله بادئ الامر الدراسات الروسية وحقلي ما يسمى في العراق بالطرق الخاصة في تدريس اللغة والادب وقد بعثت لدراسته على نفقة وزارة المعارف بإصرار المرحوم الدكتور ناصر الحاني / مدير البعثات آنذاك، بينما كان حنا يدرس على نفقته الخاصة بشيء من المشقة.ً وقد بدأت علاقتي به من توقع، إذ التقيت به أول الالمر عاملا في مطعم، وازدادت عمقا عندما عشنا معا سنتين (1957 – 1955) في شقة تقع في شارع اليري ELLERY القريب من الجامعة، والتقينا حين زار العراق 1958 – 1957 للقيام ببحثه الميداني المشهور، وأتيح لي أن أتحدث إليه آخر مرة قبل رحيله بأشهر في أوائل 2000 بعد محاولات عدة للاتصال به بمناسبة زيارة صديقنا المشترك المفكر المصري الاستاذ تحسين بشير لمدينتنا ” بلومنكتن” في كانون الاول / ديسمبر 1999، وكان يود التحدث الى المرحوم حنا قبل عودته إلى مصر.

قصة حب أكاديمية

فيما تناول الفصل الرابع: حنا بطاطو والعراق، قصة حب أكاديمية؟ للكاتب أحمد القاسمي، جاء فيه :قليلة، وربما معدومة، هي الكتب الاكاديمية التي تناولت تاريخ العراق في القرن العشرين وبلغت أهمية ما قام به الاكاديمي الفلسطيني الراحل حنا بطاطو في كتابه الضخم “العراق. الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العهد العثماني وحتى قيام الجمهورية” والذي صدرت ترجمته العربية في ثلاثة كتب ضمت اكثر من الف وثلاثمائة صفحة. تناول بطاطو نشوء تلك الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية في العراق منذ القرن التاسع عشر وحتى نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي. وتتضح أهمية الكتاب من كونه أصبح مرجعا أكاديميا لا يمكن االستغناء عنه في أي دراسة جادة عن العراق في القرن العشرين وأن الكتب الاكاديمية التي تم تأليفها لاحقا ما كانت لتتم لولا كتاب بطاطو، حتى أن مستشرقا ألمانيا أسماه “إنجيل العراق”.

ايلاف

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى