صفحات سورية

حوار حول الدستور السوري/ رياض نعسان آغا

 

 

أصبح موضوع الدستور أولوية في كل جولات التفاوض السورية، واعتبره «ديمستورا» أهم السلال التي جعلها محاور التفاوض، واهتم الروس بقضية الدستور وكلفوا أنفسهم بوضع مسودة دستور سوري جديد عرضوه حتى على فريق آستانة العسكري خارج وظيفة مؤتمر آستانة المختص بوقف إطلاق النار، وأقيمت ندوات وورشات ومجالس متعددة في جنيف ولوزان لتقديم رؤية لدستور سوري جديد، وحين كنا في الهيئة العليا للتفاوض بعد مؤتمر الرياض الأول، وضعنا رؤية للمستقبل تجعل المبادئ الأساسية للانتقال السياسي تتضمن إعلاناً دستورياً يحكم المرحلة الانتقالية التي ينبغي تشكيلها وفق المادة 16 من القرار 2118/2013، والفقرة 4 من القرار 2258/2015، والمادة 2 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 262/67 بتاريخ 15/5/2013 التي تقضي بنقل سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية والحكومة إليها، بما في ذلك سلطات رئيس الجمهورية على الجيش والأمن، على أن تبادر الهيئة بمجرد تشكيلها إلى ممارسة هذه الصلاحيات مباشرة.

وعى الرغم من أن روسيا شاركت بصياغة هذه القرارات ولم تعترض عليها، فإنها همشت مجلس الأمن والجمعية العامة، واستغلت التردد الأميركي والضعف الأوروبي والغياب العربي ومضت في الحسم العسكري، لتنسف فاعلية هذه القرارات التي ستبقى حقاً قانونياً شرعياً للشعب السوري لا تمسه المتغيرات الدولية ما لم تصدر قرارات أممية تخالف هذه القرارات، وهذا ما لم يحدث وليس سهل الحدوث.

ومع أننا لم نتجاهل المتغيرات الدولية وبخاصة العسكرية، فإننا ننظر إليها بوصفها متغيرات لا قرار لها ولا ثبات، ونرى أن الحسم العسكري الروسي والإيراني لا يُنهي القضية ولا يصل بسوريا إلى الاستقرار العادل المنشود، وبهدف الوصول إليه نتفاعل مع المتغيرات الدولية والعسكرية، وندرك أن سياسة الواقع لا تعني الرضوخ له، وإنما تعني الاستفادة القصوى من إمكاناته، وقد بات من الأولويات وقف شلال الدم الذي يزداد تدفقاً، ووقف هول المعاناة التي يعيشها شعبنا، وهذا ما دعا مجموعة من أولي الرأي من المستقلين إلى اجتهاد متواصل يحاول إيجاد حلول ممكنة، ويدعو إلى التفكير والتأمل حولها، عسى أن يكون في بعض المقترحات ما يخفف من فواجع المحنة السورية.

وبما أن الدستور بات الشغل الشاغل للمؤتمرات التفاوضية من جنيف إلى سوتشي التي ستعنى بقضية الدستور أولاً (رغم رفضنا لمؤتمر سوتشي وريبتنا بأهدافه)، فإننا عبر متابعتنا للأفكار الأولية التي تقدم مقترحات دستورية بتنا ندرك أن كثيراً من هذه الأفكار لا يعبر عن أهداف الشعب في ثورته، بل إن بعضها يريد استغلال فترة الضعف والوهن لحرف الأهداف عن مسارها، ويريد تفتيت الوحدة الوطنية وتقسيم سورية إلى طوائف ومذاهب ومحاصصات، ويستغل لافتة (حماية الأقليات) التي باتت هاجس المجتمع الدولي رغم ما تعرضت له الأكثرية المطلقة من سحق وتهميش وتهجير قسري وإبادة، لتمرير دستور يقود البلد إلى طائفية سياسية مقيتة تجعل السوريين مجتمعاً منقسماً على ذاته لقرون طويلة.

وكل المتابعين يعلمون أن ثورة الشعب السوري لم تقم من أجل دستور، وإنما قامت ضد إهمال الدستور، ولم تكن التظاهرات الاحتجاجية الأولى تطالب بأكثر من (الحرية والكرامة) رغم أنهما مصونتان في الدستور على الورق، وعلى مبدأ(اقرأ تفرح، جرب تحزن).

وربما يكون الاعتراض الشعبي الأهم على ما في الدساتير السورية، منذ دساتير البعث المؤقتة إلى اليوم، هو كونها مفصلة على قياس الحزب الحاكم، ثم على قياس الرئيس القائد، فإذا ما تمت توسعة هذا المقاس فثمة قواعد دستورية ينبغي الحفاظ عليها لأنها ليست موضع خلاف، وهذا لا يمنع المراجعة المستمرة، واقتراح تعديلات أخرى ضرورية.

إن الخوف من العبث بالثوابت عبر تشكيل دستور جديد تفتح فيه شهوات المتنطعين لاستغلال الضعف السوري الراهن، يجعلنا نخشى أن نترحم على (النباش الأول) وهذا تعبير يفهمه السوريون، وهو ما يدعونا (نحن مجموعة من السوريين الوطنيين المستقلين) إلى اقتراح الموافقة على مضامين دستور عام 2012 بعد استفتاء جديد مع تعديلات وفقاً لما يلي:

أ- أن يكون لهذا الدستور أثر رجعي على الرئيس الحالي في ما يخص الفترات المسموحة لولاية موقع الرئاسة؛ إذ لا يمكن لأي دولة متحضرة أن تقبل بأن يقوم رئيس حالي باستثناء نفسه في دستور قام على وضعه وإقراره تحت سلطته، فهذا يعتبر خدمة ذاتية شخصية وتعارض مصالح لا يمكن القبول بهما، ويشكلان سابقة خطيرة لا يمكن نكران احتمال تكرارها مرة أخرى.

ب – أن تجري انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة برعاية الأمم المتحدة خلال فترة محددة من تاريخ اعتماد هذا المقترح، وذلك بعد نزع سلطات الأجهزة الأمنية عن الشارع السوري، وتمكين السوريين جميعاً من ممارسة حقهم الانتخابي.

وثمة أفكار أخرى كثيرة يمكن أن يتم النقاش حولها في سياق حوار وطني يجعل هذا المقترح قيد التمعن، وبوسعنا لاحقاً أن نقدم رؤيتنا نحو التعديلات الممكنة لدستور 2012 في خطوة حثيثة لإيجاد حل ميسِّر عملي، وللخروج من عنق الزجاجة الحارقة التي تخنق فيها القضية السورية، مع قناعتي بأن ما يكتب على الورق يبقى شكلياً أمام مصداقية التطبيق والوقائع، والمقترح رؤية مفتوحة للنقاش.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى