صفحات الحوار

حوار في شؤون الثورة السورية مع ياسين الحاج صالح


ياسين الحاج صالح: الأشهر المقبلة حاسمة… والنظام السوري سينكسر

“تعديل الدستور مثل قلّته إذا لم يتغيّر النظام جذرياً”

حوار ريتا فرج

أكد المعارض السوري ياسين الحاج صالح أن الحركة الاحتجاجية في سورية لم تتراجع، معتبراً “أن الأشهر القليلة المقبلة حاسمة والنظام السوري سينكسر تحت ضغط الثورة وتَصلّب بنيته”.

 وإذ شدد صالح على أن النظام “كان دائماً “دولة خارجية” تلغي الداخل الوطني وتثبت نفسها من خلال الدور الإقليمي”، أشار إلى أن تقسيم المعارضة إلى جزء داخلي وآخر خارجي “يندرج في مسعى النظام إلى تقسيم المعارضة”، معتبراً في سياق آخر “أن الثورة السورية لن تعطي المجلس الوطني تفويضاً مفتوحاً فإمّا أن يكون فاعلا وعلى الفور، وإلا فإن حركة الثورة ستتجاوزه”.

“الراي” اتصلت بالمعارض ياسين الحاج صالح وأجرت معه الحوار الآتي:

الحركة الاحتجاجية في سورية على مشارف الشهر التاسع وحتى اللحظة يبدو أن هناك حال من الجمود المتوازن بين النظام والمعارضة السورية الخارجية منها والداخلية. ما رأيك في ذلك؟ وأي طرف من أطراف الأزمة السورية أثبت قدرته على تجاوز الستاتيكو الراهن المعارضة أم النظام؟

الثورة السورية في مطالع شهرها الثامن وليس التاسع.

هناك طرف مُراجِع للأوضاع القائمة هو قطاعات ناشطة عريضة من الشعب السوري، وهناك نظام لا قضية عامة إيجابية له، يواجه الثورة بالتنكيل الوحشي، ولم يفكر في أي لحظة في فتح مخرج يعود بمكاسب فعلية على الشعب. وأعتقد أن مسار أكثر من 7 أشهر يقول إن هذا النظام غير أمين على سورية، شعبا ووطنا ودولة، وينبغي أن يزول اليوم قبل الغد. هذا من باب قول الشيء الأساسي، قبل الدخول في أي مناقشة سياسية.

ليس هناك جمود. لا شيء جامد في سورية اليوم. هناك إزاحة متدرجة لجبال من الخوف، وزحزحة تأخذ وقتا لأهرامات قمعية، وتفكيك وئيد لكن موصول لنظام راكم طوال عقود أسلحة يستخدمها اليوم ضد الثورة. لكن النظام عاجز عن إخماد الثورة مهما فعل، لعدالة قضيتها واتساع قاعدتها، ولاقتناع عموم السوريين بأن من شأن خمود ثورتهم أن يكون بداية عهد أشد وحشية بعدُ من كل ما خبروا.

ما حرك الأوضاع في سورية هو الثورة، وما هو مؤهل لكسر الستاتيكو هو الثورة. ومن شأن انضمام المعارضة إلى قضية الثورة دون لبس أن يسهم أكثر في كسر الستاتيكو. المصلحة الوطنية السورية ومقتضيات العدالة والإنسانية تقضي بضرورة التخلص من هذا النظام.

ثمة اتجاه يقول إن النظام السوري استطاع تخطي المرحلة وبأنه يملك من المقومات البنيوية التي تجعله أكثر قدرة على التعامل مع التحولات رغم الضغوط الدولية. ما هي انعكاسات ذلك على الحراك الميداني أولاً؟ وهل دور سورية الاستراتيجي عبر قنواته الاقليمية يعزز هذا الاتجاه؟

أعتقد أن هذا الكلام يتضمن رغبات قائليه وليس شيئا عن واقع الحال السوري.

أنا أرى شيئا إيجابيا في وقوف الضغوط الدولية حيث هي واقفة، لأنها تبقي قضية الشعب السوري بين يديه وتضعه وحيدا في مواجهة مضطهديه وناهبيه. ولقد أظهر السوريون من الشجاعة والإبداعية والتضحية ما لم يتوقعه أحد. ورغم الضحايا والشهداء والمعذبين، والمخاطر المحتملة على المجتمع السوري بفعل تصرف النظام كشبيح عام، إلا أن طول أمد الثورة السورية هو فرصة لتحرر أعداد أكبر من الأفراد ولتدرب سوريين كثيرين على التفكير في الشأن العام والانخراط فيه. هذا طيب، ومن أثمن ما أثمرته الثورة حتى اليوم.

النشاط الاحتجاجي مستمر بقوة ويوميا كما ترين. يحصل أن ينفعل ثائرون سوريون هنا أو هناك تحت تأثير ما يلحق بهم وبأوساطهم الاجتماعية من قتل ودمار وتنكيل، فيطلبون تدخلا دوليا، لكن همة الثورة السورية ككل لم تفتر، وهي لا تكف عن التجدد بصورة مذهلة حتى في البؤر التي ظن النظام أنه سحقها وتمكن من إخمادها، كالرستن وتلبيسة وجسر الشغور وغيرها. النظام كان دوما “دولة خارجية”، تلغي الداخل الوطني وتثبت نفسها من خلال “الدور الإقليمي”، أي جعل نفسها ضرورية للقوى الدولية الفاعلة. وهو اليوم يعمل على تثمير هذا الرصيد، لكن بفاعلية متناقصة، لا يبدو أنها تسعفه في مواجهة الثورة في الداخل.

المعارضة السورية اليوم انقسمت الى قسمين: قسم خارجي يمثله المجلس الوطني السوري وقسم داخلي تمثله هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي. ما رأيك بهذه الثنائية؟ وما الذي تحتاج المعارضة السورية لتوحيد صفوفها؟

هذا الكلام على قسمين داخلي وخارجي للمعارضة انطباعي وخاطئ، حين لا يكون تضليلا متعمدا. الثورة هي الداخل السوري بالمعنى الاجتماعي والديناميكي للكلمة، ولا تتوحد المعارضة إلا عبر انخراطها في حركة الثورة دعمها بسبل متنوعة. ولا لزوم لوحدتها أصلا، ولا جدوى من وحدتها، لغير القيام بهذا الواجب الكبير.

وحتى من ناحية شكلية، يضم المجلس الوطني قوى منظمة داخل البلاد: مثل “إعلان دمشق”، ومثل هيئات تنسيق متنوعة منخرطة في الثورة. وتعلمين أنه نال شرعية داخلية مبدئية في جمعة “المجلس الوطني يمثلني” يوم 7/10. أما أنه يعقد اجتماعاته خارج البلاد، فلأن النظام يستهدفه كما تعلمين أيضا: مشعل التمو اغتيل، ورياض سيف ضرب وكسرت يده، وتعلمين التهديد الذي نطق به وليد المعلم ضد الدول التي تعترف بالمجلس.

وأخشى أن الكلام على معارضة خارجية هي المجلس وداخلية هي هيئة التنسيق يندرج في مسعى النظام لتمزيق المعارضة، وتخوين “الخارجيين” وتأليف قلوب “الداخليين”. ومن المؤسف أن يكرر معارضون هذا التصور الخاطئ من وجهة نظر الحقيقة والضار من وجهة نظر العمل. هذا مسيء للقضية العامة في رأيي.

انتقد جزء من المعارضين من بينهم هيثم منّاع المجلس الوطني السوري بسبب سيطرة التيار الإسلامي عليه. ما رأيك في ذلك؟ وما هو تفسيرك لحضور حركة الاخوان المسلمين بهذا الزخم في المؤتمرات الخارجية؟

ليس صحيحا في تصوري أن الإسلاميين يسيطرون على المجلس. أخمن أن بعض الإسلاميين يعتبرون أن علمانيين هم المسيطرون على المجلس.

ويبدو لي أن مشاركة الإخوان في كل أنواع المؤتمرات، وبعضها تظاهرات إعلامية لا أكثر ولا أقل، ربما تكون مؤشرا على ضعف ثقتهم بوزنهم الداخلي وبدورهم في الثورة، ومحاولة التعويض بالظهور الإعلامي.

لكن الإسلاميين متنوعون، إن في المجلس أو في الواقع، وبينهم تجاذبات لا تقل عن تلك القائمة بين صفوف “العلمانيين”. وضمن أطياف المجلس ككل هناك تجاذبات متنوعة، بعضها يأتي من حداثة التجربة وقلة الخبرة، وبعضها من تنوع واختلاف الرؤى والتوجهات داخله. وربما تكون تجاذبات داخلية في المجلس هي السبب في ضعف فاعليته بعد أكثر من 3 أسابيع على تشكله. وأرى أن الثورة السورية لن تعطي المجلس تفويضا مفتوحا. فإما أن يكون فاعلا وعلى الفور، وإلا فإن حركة الثورة ستتجاوزه كما تجاوزت غيره.

وبنظرة عامة ليس المجلس كتلة متجانسة من الشر إلا من وجهة نظر النظام وأتباعه. وهو ليس كتلة متجانسة من الخير طبعا. إنه شيء يشبه سورية التي تتطلع بعد عقود طويلة من الطغيان إلى تمثيل نفسها وتشكيل نفسها في صورة جديدة. لكنه مدعو لأنه يشبه الثورة السورية في دينامكيتها وإبداعها، وليس المعارضة السورية التقليدية في بطئها وخمولها وعجزها عن الإتيان بجديد في أي مجال.

الرئيس الأسد أصدر مرسوماً لتشكيل هيئة لتعديل الدستور. هل تتوقع أن يطال هذا التعديل المادة الثامنة؟

لا أهمية لذلك على الإطلاق، سواء طال الأمر المادة الثامنة أم لا. أفهم أن يحكم هناك رئيسان أو أكثر وفق الدستور نفسه، أما أن يحكم الرئيس نفسه بدستورين، فهذا يدل على أن الحكم غير دستوري بالمرة، وعلى أن الدستور لا قيمة له، وأن الرئيس وإرادته هو الدستور الفعلي. وأظن أن الكلام على الدستور اليوم هو مناورة إضافية لا قيمة لها مثل الكلام على قانون للأحزاب وآخر للانتخابات وثالث للإعلام… النظام هو الرئيس والمخابرات والحكم المطلق القائم على هوى والنفاذ الامتيازي غير المراقب وغير المقيد إلى الموارد الوطنية العامة من قبل طغمة الحكم المطلق. هذا ما يجب أن يتغير، وهذا ما يثور السوريون ضده. أما الدستور فقد كان دوما “مثل قلته”. وهو اليوم “مثل قلته” إن لم يتغير النظام جذريا. ليس تغيير الدستور هو ما يعدل أي شيء في النظام. ينبغي تغيير النظام من أجل أن يكون للدستور أي شأن.

والدستور، في كل حال ينبغي أن يصدر عن جمعية تأسيسية منتخبة، كما ذكر المحامي عبد الحي السيد الذي انسحب من الهيئة (كان أُدرِج اسمه فيها دون إبلاغه)، وليس عن بيروقراطيين يضعهم الحاكم، ويدينون له بالولاء، وبعضهم سمعتهم في الحضيض.

كيف تقوم الموقف التركي من الأزمة السورية خصوصاً بعد عودة الاتصال بين اردوغان والأسد وبعد استقبال القيادة التركية لممثلي المجلس الوطني السوري؟

لا أرى أن تُعلَّق أهمية كبرى على استقبال مسؤولين أتراك لممثلي المجلس الوطني. قبل تشكل المجلس كانت تركيا والدول الغربية تواري ارتباكها في التعامل مع الملف السوري خلف غياب إطار منظم  للمعارضة. بعد تشكل المجلس صار هذا الارتباك ظاهرا للعيان. ترى تركيا، مثل غيرها، أن النظام يتصرف بصورة غير مسؤولة، وتعرف كما يعرف الجميع أن لا عزيز عليه في هذه الدنيا غير البقاء في الحكم إلى الأبد، ولو دمر مدينة أو مدينتين، وقتل مليونا أو مليونين. وهي تخشى أن هذا سيؤدي إلى تحول سورية إلى بؤرة اضطراب وعدم استقرار في المنطقة، وهذا ما يضطرها إلى التعبير عن الغضب منه. لكنها في الوقت نفسه لا تريد التورط في الداخل السوري لأن ذلك مكلف، ولأنه لا يبدو حلا لأي مشكلة.

ويبدو لي أن اتصال أرودغان بالرئيس السوري يعكس هذا الارتباك أو عجز الحكومة التركية عن بلورة سياسة سورية واضحة لها. قد يتمثل تفضيل الأتراك في أن يحافظوا على اتصال بجميع الأطراف السورية بما يبقيهم في وضع مرجعي لا يُستغنى عنه، وقد ينفع كثيرا في وقت قريب.

الأنظمة العربية منذ بداية الحركة الاحتجاجية في سورية لم تتخذ أي مبادرة لمعالجة الأزمة السورية بإستثناء ما طرحته جامعة الدول العربية مؤخراً عبر توجيه دعوة لفتح حوار بين المعارضين والنظام. كيف تفسر هذا الصمت العربي؟ وما هو السيناريو المتوقع في حال رفض النظام السوري مبادرة الجامعة العربية؟

قبل كل شيء لأكثر الدول العربية بنية تشبه النظام، لذلك يتعارض منطقها البنيوي مع اعتبارات سياسية تفرضها عليها اليوم الخشية من سلوك النظام غير المسؤول من وجهة نظر مصالح استمراريته هو، واستقرار النظام العربي ككل؛ وتفرضها أيضا ضغوط قوى اجتماعية وسياسية داخلها، ومواقف القوى الغربية المتحفظة على النظام. الدول العربية، مثل القوى الغربية ذاتها، تريد تعقيل النظام، أو إنقاذه من نفسه وليس بحال إنقاذ سورية منه. ولذلك تقدم مبادرات تعتبر النظام معطى أساسيا وثابتا. وهي تصطدم في ذلك مع بنية النظام المتصلبة والمتطرفة وغير العقلانية، وبالتحديد إصراره على أن يحتفظ لنفسه اليوم ودوما بـ 100% من السلطة، ومثلها من الهيمنة على الإعلام وعلى الموارد العامة. ولن يتغير الأمر هذه المرة. سيراوغ النظام وبتلاعب، وربما يحاول اختراع معارضين مناسبين يتفاوض معهم، على شاكلة الوفد الذي قصد روسيا قبل حين.

لن تتمخض المبادرة العربية عن شيء، وإن كنت أرى أن ينفتح عليها المجلس الوطني، ويضع شروطه للتفاوض، ويُضمِّنها تصوره للتغير المطلوب في البلد. هذا أفضل من الرفض السلبي، لأنه يجعل من المبادرة العربية فرصة لمخاطبة الشعب السوري والدول العربية والعالم، وتعرف الجميع بقضية الثورة السورية والتعريف بتوجهات المعارضة.

النظام لا يتفاوض، ولن يتفاوض، وعلى المعارضة أن تستغل أية فرصة لكشف تطرفه ورفضه الجوهري للتفاوض. لا أتوقع شيئا دراميا من فشل المبادرة العربية. وسيصعب الحصول على إجماع من أجل تجميد عضوية سورية في الجامعة. لكن ربما تعترف بعض الدول بالمجلس الوطني وتقطع نهائيا مع النظام.

هل ما زلت تراهن على حركة الشارع السوري؟ وهل استطاع النظام قضم الحركة الاحتجاجية بشكل تدريجي خصوصاً أن الحراك الميداني يقتصر على مناطق محددة؟

لا رهان على غير “حركة الشارع السوري”. لقد غيّر سورية سلفا تغييرا لا رجعة عنه.

حركة الثورة متموجة، ليست مسار توسع موصول لا تعرجات فيه.

وبينما يبقى احتلال الفضاء العام عبر المظاهرات والاعتراض العلني على النظام فيه الشكل الاحتجاجي الأساسي للثورة السورية، فإن من المهم تنويع أشكال النضال، كي نصل في وقت ما إلى الإضراب الوطني العام. قد يقتضي ذلك بروفات محلية وتجارب تشهر قضية الثورة، وتكون أقل كلفة بشرية. هذا قد يجر قطاعات أوسع من الجمهور الصامت اليوم إلى المشاركة في الثورة.

أتصور أن الشهور القليلة القادمة حاسمة. وأن النظام سينكسر في النهاية تحت ضغط الثورة وتصلب بنيته هو.

الرأي العام الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى