صفحات الحوار

حوار مع المعارض السوريّ فاتح جاموس

 

 

أجرى الحوار بسّام يوسف

-1-

فاتح جاموس، معارض سوريّ ولد عام1948 في قرية “بسنادا” القريبة من مدينة اللاذقيّة، درس الهندسة الميكانيكيّة في جامعة حلب، ساهم في منتصف السبعينيّات من القرن الماضي بتأسيس رابطة العمل الشيوعيّ، التي ولدت من اندماج عدّة حلقات ماركسيّة في مناطق متعدّدة من سورية.

تحوّلت رابطة العمل الشيوعيّ إلى حزب العمل الشيوعيّ بعد المؤتمر الذي عقد في 1981 بشكل سرّيّ في لبنان.

خاض فاتح جاموس تجربة التخفّي لمدّة ست سنوات قبل أن يُعتقل في شباط 1982، وتتالت بعد ذلك سنوات سجنه لتصل إلى ثمانية عشر عاماً وشهرين، وبالتالي فهو صاحب أطول فترة اعتقالات في صفوف حزب العمل الشيوعيّ( حتى الآن).

عندما انفجرت الثورة السوريّة حدث تفارق في الرؤية السياسيّة لما يجري في سورية، بين فاتح جاموس وقسم من قيادة حزب العمل الشيوعيّ، الأمر الذي أدّى إلى خروجه من الحزب، وتشكيله تيّار التغيير السلميّ.

فاتح جاموس، شخصيّة إشكاليّة في المعارضة السوريّة هاجمه الكثيرون بسبب موقفه من الثورة السوريّة، والتي يرفض أن يصنّفها كثورة لا بل يعتبرها ثورة مضادّة.

ترى جريدة “كلّنا سوريون” أنّ الحوارات المعمّقة داخل أطياف الاتّجاهات السياسيّة في سورية ضروريّة جدّاً، وهي من أجل ذلك تحاول أن توصل آراء كلّ هذا الطيف السياسيّ.وبغضّ النظر عن مدى توافق أو تباين هذه الآراء.

  • أستاذ فاتح، أهلاً وسهلاً بك في جريدة كلّنا سوريّون، نتمنّى أن يكون حوارنا مفيداً للسوريّين جميعاً، خصوصاً في هذه الفترة العصيبة على سورية، سؤالنا الأوّل ماهي جبهة التغيير والتحرير ولماذا وُجدت؟ وبماذا تختلف عن باقي القوى الأخرى؟

الفكرة طرحها تيّار التغيير السلميّ، خصوصاً بعد تأثيرات قوانين الأزمة واختراقها عميقا لكل البنى والأحزاب والفعاليات ، بالتالي الخلاف العميق في وجهات النظر داخل الوسط القيادي والحزبي في حزب العمل الشيوعيّ،وتأسيس تيّار التغيير السلميّ.

بعد عدّة أشهر من انفجار الحدث السوريّ، تحوّل بسرعة إلى أزمة وطنيّة عميقة، وإلى انقسام وطنيّ عميق، هذه الأزمة وهذا الانقسام لم يكن ثوريّاً أبداً، بل، بالعكس نتج عنه ما يمكن تصنيفه كثورة مضادّة، وبالتالي كان على السياسيّين العمل على إنهائها بسرعة، لأنّه في حال استنقاعها، وفي حال استحالة الحسم العسكريّ، ولأنّ الحوامل غير ثوريّة، فإنّ هذا سيؤدّي إلى تدخّل أطراف كثيرة فيها، لذلك رأينا أنّه يجب الإسراع ما أمكن في إجراء حوار وطنيّ شامل غير مشروط، وسبب كونه غير مشروط،لأنّ الوضع ليس ثوريّاً، ففي الحالات الثوريّة يمكن أن يكون الصراع كسر عظم أو خاضعاً لشروط الحالة الثوريّة (منتصرة أو متراجعة) لكنّ الذي حدث في سورية أنّ انقساماً ثلاثيّاً غير ثوريّ أصاب البنية السوريّة. وبالتالي، فإنّ محصّلات هذا الانقسام ستكون سيّئة وسلبيّة على المجتمع، وعلى الدولة، وعلى كلّ إنجاز حضاريّ في البلد.

من هنا، كان رأينا أنّه لا بدّ من الدخول في حوار بين أطراف الانقسام الوطنيّ،قبل استفحال الصراع وانتقاله إلى مرحلة العنف الشديد (للأسف وصلنا إليه)، كما أنّنا كنّا نرى سويّات التدخّل الخارجيّ تنمو بسرعة، وعمليّات الاستقطاب الخارجيّة والإعلاميّة والعسكريّة والسياسيّة أيضاً، تتمّ بسرعة شديدة.

في 2 و3 حزيران 2011، حصل عمل عنيف في محافظة إدلب، لم يبق أيّ موقع حكوميّ إلّا وتمّت مهاجمته من قبل المسلّحين، وحسب معلوماتي التي حصلت عليها من جهات أثق بها، أنّ الذين قاموا بالعمل المسلّح هم أصوليّون، كان دافعهم إمّا عقوبات استنسابيّة أقدم عليها النظام تّجاه تحرّكات الإخوان المسلمون في موجة السبعينيّات والثمانينيّات من القرن الماضي، أو بدافع من أشخاص لهم علاقة بموجة الأصوليّة الجهاديّة الجديدة، التي نشأت من ارتدادات الموجة الإخوانيّة القديمة.

في هذه الحالة، كان علينا أن نبحث عن تحالف يتقاطع معنا بوجهات النظر حول ما يجري، والتي نرى أنّها أوّلاً أزمة وطنيّة، وليست حالة ثوريّة كما تقول بعض الأطراف، وأنّها – ثانيّاً – ليست مؤامرة كما يراها النظام لتقليل قيمة العامل الداخليّ.

كنّا نخاف من مستوى التدخّل الخارجيّ، وبالتالي كنّا نبحث عن أطراف مستعدّة لمواجهة هذا التدخّل.تمّ اللقاء مع عدد من التيّارات في سورية،وتم ّطرح دخول الجبهة الشعبيّة – التي كانت تضمّ طرفين أساسيّين هما الحزب السوريّ القومي ( أحد انقسامات الحزب) برئاسة الدكتور علي الشيخ حيدر، وحزب الإرادة الشعبيّة من أشهر قيادييه الدكتورقدري جميل، وعدد من الشخصيّات المستقلّة مثل السيد عادل نعيسة ( سجين لفترة 25 خمس وعشرين عاما كقيادي في سلطة 23 شباط) وغيره، واعتبرنا أنّ أيّ تحالف مع السلطة هو تحالف انتهازيّ،وأنّ ما نسعى إليه هو تغيير ديمقراطيّ شامل وجذريّ، يضمن تغيير النظام وليس إسقاطه، ومن حقّ النظام والأطراف الأخرى في الصراع الدخول في حوار توافقيّ للوصول إلى صيغة شكل حكم يختلف عن شكل النظام الحاليّ، وتختلف عن الصيغة التي تطرحها الجبهة الفاشيّة في الجهة المقابلة.

انتقد تيّار (طريق التغيير السلميّ) تحالف بعض الأطراف في جبهة التغيير والتحرير مع السلطة، واعتبرناه تحالفاً انتهازيّاً يمينيّاً، استمرّ علي حيدر في تحالفه مع النظام وغادر الجبهة، ولانزال نرى في هذا التحالف تحالفاً يمينيّاً انتهازيّاً، بينما غيّر حزب الإرادة الشعبيّة (قدري جميل) بالشكل والمضمون علاقته بالنظام بناءً على محدّدات هذا التحالف الجديد.

إنّنا نرى أنّ تغيرات عميقة حدثت خلال السنوات الماضية، وتغيّرت أولويّات الصراع،وأصبحت المهمّة الأولى هي التصدّي للجبهة الفاشيّة، دون أن يعني هذا أيّ تغيير في محتوى المهام ّالمتعلّقة بتغيير النظام.

اذن عدة تيارات وأحزاب توافقت على منظومة سياسية وبرنامجية معارضة، مختلفة في الشكل والمحتوى والمهام الأساسية والمركزية عن طرفي الصراع في سوريا، قامت على مفهوم وجود أزمة وانقسام وطني عميق، ترى في كتلة اجتماعية كبيرة خارج حاضنتي النظام والفاشية، ترى فيها حاضنتها، وتطرح تمثيل طموحاتها في الخروج من الأزمة

  • أنت صنّفت منذ البداية أنّ ما يحدث في سورية ليس ثورة…

ليس من البداية، وإنّما بعد عدّة أشهر من البداية، بالتأكيد كان هناك التباس شديد في البداية، كان هناك اتّجاه ديمقراطيّ علمانيّ سلميّ، يفكّر بعمليّة ثوريّة، وفعل – بكلّ ما بوسعه – من أجل قيادة الحراك، وفشل؛ لأنّ محتوى الحراك لم يكن جاهزاً لهذا الاتّجاه، وكان واضحاً أنّه ذاهب في اتّجاه آخر.

  • حسناً،إذاً ما الذي فجّر الصراع داخل سورية؟

هو احتقان طويل لمجموعة من المشاكل والأزمات الصغيرة، تحوّلت مع الزمن إلى أزمات كبيرة، ترافق هذا مع موجة حراك عربيّ- بغضّ النظر عن اسمه -يضاف إلى ذلك الجيوسياسيّا الخاصّة بسورية وموقعها في الصراع مع الكيان الصهيوني،والأهمّيّة التي أُعطيت لسورية في هذا الصراع، والتي زاد منها حزب البعث،وهذا زاد من عداء إسرائيل وأصدقائها لسورية،ترافق هذا -في إطار الموجة التي سبّبها ماسمّي بالربيع العربيّ- مع تحرّك فئات في المجتمع السوريّ استحضرت هذه الفئات عناصر تاريخيّة،وخصوصاً موجة الصراع التي حدثت بين الإخوان المسلمون والنظام، والتي كانت ولا تزال صراعاً بين اتّجاه فاشيّ صريح جدّاً وبين اتّجاه دكتاتوريّ، حاول الإخوان المسلمون وضع هذا الصراع في الإطار الطائفيّ منذ البداية، ودون أيّ نقاش مستغلّين موروثات وقصص يتمّ تداولها في الأوساط التي يمكنهم النشاط بها، هذا زاد من مستوى العنف من قبل نظام لا يحتاج لمحرّضات كثيرة كي تستفزّ بنية العنف داخله، الأمرالذي وصل إلى حدّ ابتلاع السلطة لأجهزة الدولة وأوصلنا إلى مستوى غير مسبوق من العنف. ويجب أن لا ننسى أنّه منذ عام 1963، لم تعرف سورية أيّة صيغة للديمقراطيّة،ولم تعزّز صيغة المواطنة فيها،يضاف إلى ذلك أنّ النظام دخل في سياق قمع شديد لمجتمع متفصّل بدوره بدرجات مع عصبيّات متخلفة، عزّز صراع الإخوان هذا الأمر؛ مما رشّح وحفر كموناًعميقاً في العصبيّات، هو أدنى بكثير من العصبيّة ما فوق الوطنيّة، أو مانسمّيه الآن بالعصبيّات المتخلّفة ، مثل “الطائفيّة”.

بالنسبة لي، لا يزال النظام نظاماً اجتماعيّاً بسِمة طائفيّة، أو بجذر طائفي، وهو في العمق والجوهر دكتاتوريّ، يتمفصل على صدع الطائفة،ويستفيد من البنى الطائفيّة، مثلما يستفيد من الإسلام الرسميّ، مثل كلّ الأنظمة الاستثنائيّة التي تستغلّ كلّ السويّات من أجل بقائها، لقد لعب الإخوان المسلمون دوراً حاسماً جدّاً في بلورة هذه العصبيّة المتخلّفة، والنظام لم يقم بأيّ فعل جدي لقطع الطريق، لا بل على العكس، عزّزها بالقمع، وعزّز السمة الطائفيّة وجعلها كموناً عميقاً داخل المجتمع، ولا ننسى التهميش الواسع خاصّة في الحقل السياسيّ لكلّ المجتمع السوريّ، وليس لفئات طائفيّة بعينها دون أخرى.

إذاً، يمكن القول:إنّ موجة الربيع العربيّ نبّهت أطرافاً عديدة في العالم، وفي الإقليم، على حسابات قديمة بينها وبين النظام، لأسباب عديدة ليس وقت تعدادها الآن، وحاولوا التدخّل.أيضاً، حرّكت موجة الربيع العربيّ فئات داخل المجتمع السوريّ، لكنّ الكتلة الرئيسيّة الحاسمة في هذه الفئات -أقصد الكتلة الشعبيّة ولا أقصد النخب – كانت ذات بنية خاصّة؛ أي أنّ هذه الكتلة التي تعتبر حامل الحراك في سورية، لم تكن ثوريّة، بل كانت تركيبتها وبنيتها بوضوح ذا طابع مذهبيّ؛( جسد مذهبي) وقد يكون السبب في هذا هو تاريخ الصراع بين النظام والإخوان، إذ تركز الحراك في كتلة مذهبيّة بعينها، وبدقّة أكثر في جزء منها، وقد يكون لهذا أسباب اقتصاديّة (حلب ودمشق لم تنخرطا في الصراع منذ البدايات). يضاف إلى ذلك حماة، إذ لعبت التطورات الاقتصاديّة فيها، مضافا لذاكرة العنف الذي مارسه النظام فيها، لعبا دورا حاسما في تحييد حماه حتى الآن، إذاً الكتلة الرئيسيّة الشعبيّة الحاضنة للحراك هي كتلة مذهبيّة محدّدة، هذا لا ينفي وجود نخب حاولت المستحيل أن تقود هذا الحراك،بمّا في ذلك أطراف سياسيّة، لكنّ هذه التركيبة والبنية وطابع ذلك الحراك لا يمكن أن يكون إلّا باتّجاه محدّد، مثله مثل حزب الله (حزب أحترمه وطنيا ويمكن أن يرمي ّإسرائيل بالبحر) لكنّه من المستحيل أن يجسّد وحدة وطنيّة، ولا أن يكون حاملاً ثوريّاً.

  • طالما أنّ هذا الصراع انفجر بحكم الاحتقان العميق داخل المجتمع، ودون تخطيط من القوى السياسيّة،بالتالي فإنّ هذا الحراك، اتّخذ المسار الطبيعيّ له والمنسجم مع بنية المجتمع أيّ أنّ هذا المسار شبه حتميّ، وسؤالي أنّ الذي دفع الصراع إلى هذه الطابع أليس هو النظام؟

بالنسبة لي نعم، بداهة أن يكون النظام هو المسؤول الرئيسي، وهناك جزء من سمات وبنية المجتمع، وليست بنية المجتمع كاملة. أمّا القول بحتميّة هذا المسار فهي فرضيّة أرفضها

وأنت أيضاً، تتكلّم بحتميّة تاريخيّة أخرى، وهي خاطئة حول حتميّة وصول الصراع إلى هذه الحالة. بالتأكيد، ساهم السلوك العنيف للنظام بهذا، لكنّنا لو تكلّمنا مثلاً عن درعا، فإنّه لو فكّر النظام بطريقة مختلفة لاتّخذ الموضوع على الأرجح آفاقا زمنيّة مختلفة، وربّما تسبب بانقسام المجتمع بطريقة مختلفة، أو راكم بطريقة مختلفة، وربّما أفسح في المجال لفرصة بينيّة، تسمح لقوى أخرى، ليست بالضرورة أصوليّة لعب دور أكثر تأثيرا وأهمية.

ولو نظرت المعارضة الداخلية إلى الأحداث( مقاربة، وممارسة) أيضا هو أمر كان سيغير الحتمية.

نعم، بنية النظام وتركيبته لا تسمح إلّا بهذه الطريقة من المعالجة، وهذا معروف وبديهي، وإنّ آخر ما يجب أن نستغربه هو أن تمارس الديكتاتوريّة مثل غير هذا الأمر.

  • طالما أنّ ما تصرّفه النظام بديهي، ولا يمكنه أن يمارس غيره، فلماذا إذاً تحمّل الأطراف التي نشأت من داخل الحراك وقادته مسؤوليّة، ولا تحمّلها للنظام؟؟

ليس من حقّك أن تستنتج ذلك، ولا يمكنك أن تأتي بقول واحد لي يوافق ما قلته أنت تقوّلني مالم أقله، وأنا أحمّل كلّ طرف مسؤوليّته التي يستحقّ.

عندما أجد من البداهة أن يُقدم النظام على ممارسة كهذه، هنا يأتي دور الآخر في اختيار الوسائل والاستراتيجيّة المناسبة لمواجهة هذا الأمر، ومن هنا تأتي مسؤوليّتنا.

إذا كنتُ مقتنعاً أنّ النظام لن يسمح بأيّ هامش حركة مستقلّ، وأنّه سيتعامل مع أيّ عنف بعنف مضادّ، لذلك يجب أن لا يستفزّني عنفه. ولا مقابلة العنف بالعنف، ولا بدّ لي من السؤال: من الذي استُفِزَّ بالعنف ومن مارس العنف بمواجهة عنف النظام؟وربّما سبقه في ممارسته. مثلاً أنا لديّ وقائع قد تختلف عن الوقائع التي لديك، فالعنف الواسع الذي ظهر في المجتمع السوريّ، ظهر في منطقة إدلب من طرف نخب أصولية واسعة وجزئيا من المجتمع( حاضنتها)، وليس من طرف النظام في البداية، وأيضاً نتذكّر تصريح السيّد هيثم العودات: أنّه في اليومين الأوّلين تمّ استخدام العنف من على بعض الأسطح في درعا. وهو الذي صرح أيضاً، أنّ أطرافاً إقليميّة طلبت منهم نقل السلاح قبل ذلك، ورفضوا. لأنّهم وطنيّون حسب تعبيره. هذه وقائع، ومسؤوليّتي كنخبة تكمن هنا في كشف هذه الوسائل، وكشف الأطراف، وأن لا يكون تصرّفي في إطار حقّ حاقد وثأريّ على النظام، وأن أعمل على تحميله حصراً هذه المسؤوليّة، وأن كل ما يحصل لاحقا من تطورات خارج المسؤولية.

طالما أنّ أطرافاً أخرى تستخدم وسائل – من منظور تاريخيّ- هذه الوسائل وهذه العقليّة– تدميريّة، فإنّه من المسؤوليّة الأخلاقية والنقدية التاريخية أن أشير إلى مسؤوليّة هذه الأطراف، سواءكانت أطرافاً داخليّة تستقطب بحكم تربيتها وإيديولوجيّتها وبنيتها،واستقطابها في إطار مذهبي محدّد، وهي لا تستطيع غير ذلك. كذلك النظام لديه كتلته الاجتماعيّة التي تمتلك درجة من التوازن الديموغرافي ّتختلف عن الكتلة الأخرى للإخوان المسلمين أو الوهّابيّة، بالإضافة إلى ذلك أنّ أطرافاً خارجيّة عملت وبسرعة هائلة على استقطاب آخر مثل تركيا التي كانت قد وقّعت مئات الاتّفاقات الاقتصاديّة والأمنيّة مع النظام، والتي كانت مضرّة جدًّا بمصالح الشعب السوريّ، لكنّها انقلبت بسرعة على هذه الاتّفاقات وأدارت ظهرها للنظام، واشتغلت على استقطاب داخل المجتمع السوريّ…هذه كلها مسؤوليات

-2-

ببساطة شديدة ليس لديك أيّ مانع من أن تصف الطرف الذي يحارب النظام بأنّه فاشي؟

ليس فقط أنّه لا مانع لديّ، بالنسبة لي قطعاً وبالتحليل التاريخيّ المقارب هو بكتلته الأساسيّة طرف فاشي ورأس حربة فاشيّة موتورة ذات إيديولوجيا متعصّبة جدّاً، تدخل على المحرّم والمقدّس والقتل، وهذا الشكل هو أكثر سوءاً من أسوأ فاشيّة في التاريخ وهي النازيّة.

ليس هذا ما أريد السؤال عنه!! ماأريد سؤاله هو أن الوقائع والتفاصيل اليوميّة لمجريات الحدث السوريّ تُظهر أنّ النظام هو الطرف الفاشيّ، ماذا فعلت الجهات التي تحارب النظام ولم يفعله النظام ومليشياته؟

أوّلاً، ماذا فعلت الفاشيّة؟ أنت تريد أن تقول إنّ هناك قضايا لها علاقة فعلاً بالقمع. الفاشية ليست مجرّد نوع من الإرهاب، كما يحدث الآن في استخدام المصطلح، الإرهاب هو نوع من العنف تستخدمه أنظمة مختلفة استثنائيّة تتمايز عن بعضها البعض بالمعنى التاريخيّ. الدكتاتوريّة لها أشكال متعدّدة جدّاً، ويمكن ببساطة أن تتشابه الأفعال القمعيّة بالأعمال القمعيّة الفاشيّة، ويمكن أيضاً أن نقارن بعض الأعمال القمعيّة التي مارسها ستالين بالأعمال التي مارستها النازيّة، لكن يبقى الأمر مختلف جدّاً.

يتحدّد موضوع الفاشيّة بشكل علاقتها بالجمهور، هذا الشكل المختلف عن علاقة الدكتاتوريّة به، كلّما كانت الإيديولوجيا تحت-وطنيّة ولها علاقة بالتقديس والتحريم والديانات، أي بالتحليل والتحريم، إن صحّ القول، وبالتالي عزل وفصل الآخر بشكل عنصريّ، وبمدى قدرته على تحشيد الجمهور وتأليبه على خلفيّة هذه الإيديولوجيا.

النظام وقبل أن تنشأ أيّة فاشيّة، سواء الإخوان المسلمون أو غيرهم، هو يمارس العنف والقمع، بالتأكيد قسم كبير من هذه الممارسات تشبه أشكال القمع الفاشيّة، لكنّ الإخوان المسلمين بإيديولوجيتهم وبعلاقتهم بكتلة مذهبيّة محدّدة، فإنّهم يبتعدون عن تمثيل نظام اجتماعيّ، كون هذه الإيديولوجيا ستذهب حتماً للتأثير في كتلة مذهبيّة محدّدة، هذا التمييز يقيم حدّاً للفصل العميق وينشأ الخلاف السياسيّ على عصبيّات، هي أدنى من أدنى عصبيّة متطوّرة، هذا موضوع يختلف كثيراً عن النظام، الفاشيّة هي مشروع لا عقلانيّ أكبر بكثير من اللاعقلانيّة عند الدكتاتوريّة.

إنّ عمليّة البحث والمقاربة التاريخيّة آخر ما تقوم عليه هو سويّات العنف، وحتّى في هذا المستوى، فإنّ ما فعله النظام هو مختلف جدّاً في الحقل الاجتماعيّ الذي تطاله، وحتّى في مستوى العنف ودمويّته والأسس التي يقوم عليها.

لكنّنا نعرف أنّ الكثير من ممارسات النظام ومجازره كانت في عمقها طائفيّة وقامت على عصبيات

“داعش” وكلّ الأطراف الفاشيّة، هناك خلفيّة إيديولوجيّة، هناك تعبئة وشحن في العنف الذي تمارسه، بخلاف النظام الذي يتعايش مع سويّات من الخلاف في المجتمع حتّى هذه اللحظة، لكنّ في الطرف الآخر لا مجال حتّى للتعايش مع المستويّات الدنيا للخلاف.

سأنقل إلى نقطة أخرى. منذ البداية، وأنت تقول لا للعنف ولا للطائفيّة ولا للتدخّل الخارجيّ، أنت تتقاطع بشكل كامل في هذا مع هيئة التنسيق، وكأنّ مأخذك عليها – فقط – أنّها اتّصلت بأطراف دوليّة خارجيّة

مأخذي عليها، أوّلاً: هو قراءتها للحدث السوريّ واعتباره ثورة. وثانياً: أنّ الاستراتيجيّة المرسومة اتّجاه الثورة والتكتيكات أيضاً تختلف، هيئة التنسيق ذهبت خارج الاستراتيجيّة التي كنّا متّفقين عليها، طبعاً، أنا أتحدّث عن الأشهر الأولى، وكنت وقتها لاأزال في قيادة حزب العمل الشيوعيّ. في شهر أيلول 2011 رفعت هيئة التنسيق شعار إسقاط النظام الاستبداديّ والقمعي، وبعد شهر ألغت تعبير الاستبداديّ والقمعي، وهنا حصل افتراق بيني وأشخاص آخرين – أيضاً – وبين هيئة التنسيق، وكتبنا مذكّرة بهذا الخصوص، أمر آخر…..

ليس سؤالي عن هذا، ما أريد السؤال عنه هو أنّ هذه المحدّدات كانت رئيسيّة لك منذ البداية، رغم أنّه منذ البداية كان هناك تدخّلاً سافراً من قبل إيران وحزب الله؟

أنا أعتبره تدخّلاً، لكنّني أعتبره تدخّلاً سياسيّاً صحيحاً مئة في المئة….

لا أفهم كيف اعتبرته صحيحاً ؟!

مئة بالمئة تماماً… نحن لدينا حدث سوريّ اسمه أزمة، انقسمت الناس حول هذا الحدث، والذي هو بالنسبة لي انقسام وطنيّ عميق غير ثوريّ، وأسمّيه بوضوح “ثورة مضادّة”، من يراه ثورة من البديهي أن يراه تدخّلاً – هوتدخّل فعليّ – من منظور مختلف، وحتّى التدخّل الروسيّ الأخير سيراه كذلك، وسيعتبر أنّ هناك تدخّلاً ضدّ ثورة من طرف مذهبيّ مثل حزب الله ومن إيران التي هي أيضاً في سقفها الحقيقي مذهبيّة، وهذا من حقّ من يرى أنّ ما يحصل في سورية هو ثورة، لكنّني أقول: إنّه حان الوقت لإجراء مراجعة لمرحلة الإلتباس الأولى.

أنا أسميت التدخّل الروسيّ بالتدخّل الروسيّ الإيجابيّ، لأنّ أولويّات الصراع بالنسبة لي أنّ هناك طرفاً فاشيّاً، وبالنسبة لي أنّ أهمّ أمر ودون أيّ نقاش – ضع الصراع مع الصهيونيّة جانباً – هو الصراع مع الفاشيّة، وأنا دعوت الأميركان والروس لتشكيل جبهة واحدة ضدّ الفاشيّة، على الأمريكيّ والغربيّ والروسيّ أن يشكّلوا جبهة واحدة للصراع ضدّ الفاشيّة، هناك تلاعب هائل من قبل الصفّ الأمريكيّ في مفهوم الإرهاب، إذ يقوم بتحديد خارطة ما يسميها بالأطراف الإرهابيّة، أمّا أنا فأسمّيها بالأطراف الفاشيّة، الموقف الأمريكيّ مخادع، على العكس من الموقف الروسيّ. بوضوح، إنّ الموقف الروسيّ عميق ليس فقط عند القيادة الروسيّة، وإنّما هو عميق أيضاً في وجدان الشعب الروسيّ، مثل ما هو عميق في وجدان الشعب الألمانيّ مثلاً، هناك إضاعة كاملة لهذا الموضوع عندما نستبدل موضوع الفاشيّة بموضوع الإرهاب. إنّ أكبر تمنّياتي الآن هي: أن تنشأ جبهة داخليّة، أوّلاً، وخارجيّة ثانياً، من أجل مواجهة الفاشيّة في كل ّالمنطقة، وليس في سورية فقط…

طالما أنّك رأيت أنّ من حقّ حزب الله وإيران

أنا لا أتحدّث عن الحقّ. في بداية الحراك، أنا لم أكن لأوافق على أيّ تدخّل لكن المتغيّرات التي حدثت هي التي دفعتني لتغيير رأيي، أنا أعتقد أنّ قراءتي كانت قراءة صحيحة وصحيحة جدّاً – عذراً هذا ليس تعال أبداً – وأنّ كتلة الحراك لا تستطيع أن تكون حاملاً ثوريّاً، وأنّ النخب على درجة كبيرة من الانقسام؛ هذا أدّى إلى تبلور إنقسام ثلاثيّ، وما يجري في جنيف الآن، هو أيضاً بلورة لحالة الانقسام الثلاثيّ، وبلورة لمشروع الحوار غير المشروط، ولموضوع التوافق على حلّ انتقاليّ، وأيضاً، بلورة لفكرة أنّ سورية يستحيل أن ترجع إلى الخلف، وبلورة أخيرة بقبول فكرة أنّ كلّ الأطراف الفاعلة يجب أن تكون حاضرة على الطاولة.

حانت الآن قراءة الحدث السوريّ بصورة مختلفة، لا يمكن بأيّ حال أن ينطق العلمانيّ بلسان حال الفاشيّ ولا بلسان حال الدكتاتوريّ.

لننقل إلى موضوع آخر، ماذا عن “داعش”!؟ هذا التنظيم الغامض في نشأته وتحالفاته وسرّ قوّته وبقائه لدرجة أنّ البعض – وأنا منهم – يرى أنّ: هناك تنسيق مخابراتيّ عالميّ من أجل هذا التنظيم، بما في ذلك أمريكا، وحتّى النظام السوريّ؟؟

دعنا نقرأ تجربة الإخوان المسلمين…

أظن أنّ الأمر مختلف؟

عم هو مختلف، لكنّ قراءة تجربة الإخوان أسهل؛ بسبب البراغماتيّة العالية راكم الإخوان المسلمون إمكانيّة تنظيميّة وسياسيّة، واستطاعوا أن يشكّلوا جسداً ذو حدود طائفيّة حصراً، الإيديولوجيا الدينيّة تطوّرت سلباً أو إيجاباً سابقاً، ثمّ أتت الجهاديّة الأصوليّة الوهابيّة بسبب الحدث الأفغانيّ.

في التاريخ، تكون جوانب المؤامرة مقتصرة على حالات فرديّة أو تنظيميّة محدودة، أمّا في حدث كبير فما من أحد قادر على خلقه بصفته ظاهرة، قد يتمكّن من اللعب في مدارسه التثقيفيّة أو في بعض الأشخاص لكنّهم لا يستطيعون خلق الظاهرة، خذ القاعدة مثالاً، لم تتكشّف الأمور حتّى اللحظة عن عملاء كبار في قيادتها سواء للأمريكان أو حتّى للباكستانيّين، لكنّ البراغماتيّة حدثت في الدخول معهم بعلاقات تحالفيّة، وتقديم دعم لوجستيّ وثقافيّ وسياسيّ، هذا صحيح.

“داعش” والنصرة والقاعدة وطالبان، هي ظواهر لا تتكوّن بنظريّة المؤامرة أبداً، ولها إيديولوجيّات كبرى مثل أيّ حزب شيوعيّ (حزب العمل الشيوعيّ أو المنظّمة الشيوعيّة العربيّة) هذه الأحزاب: إمّا أن تتوفّر لها ظروف فتكبر وتصبح لها آفاق، وتغدو حزباً شعبيّاً مؤثّراً، أو تظلّ في إطار نخب واسعة قليلاً أو ضيقة، وتموت أو تستنقع في مكانها، كما حدث للكثير من هذه الظواهر.

فيما يخصّ الوهابيّة، الأمر مختلف، فقد لاقت هذه الحركة دعماً كبيراً، وانتشرت بشكل واسع، وساعدها في هذا تحالف شيطانيّ تافه وحقير(أعتذر لهذه المفردات) بين أمراء السعوديّة وأمريكا، هذا التحالف نشأ أثناء الصراع في أفغانستان ضدّ الحكم الشيوعيّ في حينه، بالتغاضي عن مسؤوليّات القيادة السوفيتيّة الحقيقيّة في تلك المرحلة.

إذاً، العمل التآمريّ لا يخلق ظاهرة على نطاق واسع، هذه الظواهر تنشأ في سياق العصبيّات المتخلّفة المترافقة مع غياب التراكم الديمقراطيّ، ومن البداهة في موجة حراك شعبيّ – بالتغاضي عن سماته فهو لم يكن وطنيّاً لا بامتياز ولا بغير امتياز –  متمفصل على العصبيّات المتخلّفة، أن ينتشر بشكل واسع.

بعد تراجع الموجات القوميّة واليساريّة بما فيها الشيوعيّة، ووضعها كلّها في الدرج حدثت موجة دينيّة مرتدّة، والموجات المرتدّة قد تكون أكثر خطورة، وهذه الموجة التي نشهدها الآن في إطار فكر إصوليّ إسلاميّ هي أكثر خطورة من إيديولوجيا الإخوان المسلمين.

الأمريكيّون يلعبون، لكن لا يمكنهم تشكيل ظاهرة، ما يفعلونه هو خلق نقطة إرتكاز لهم في هذه الظواهر، وساعدهم في ذلك أشكال حكم الدكتاتوريّة في المنطقة.

التدخّل الأمريكيّ ساعد على نشوء هذا التيّار، واشتغل على تطييف المنطقة، والإيرانيّون أيضاً اشتغلوا بهذا المعنى، وخاصّة المؤسّسات غير العقلانيّة داخل النظام العامّ في إيران، بالتأكيد أنّ النظام في إيران يملك مؤسّسات عقلانيّة ومؤسّسات أقلّ عقلانيّة ومؤسّسات لا عقلانيّة بالمطلق، مثل كلّ النظم التي يكون سقفها مذهبيّاً.

فيما يخصّ النظام، ليس لدي أيّة وقائع على علاقة النظام بهذا التيّار الأصوليّ، قد تكون الواقعة الوحيدة المتداولة بهذا الخصوص هو إطلاقه لسراح مجموعة من قادتهم من سجن صيدنايا، لكنّ هذا قد يكون مردّه لأسباب أخرى، كأن يعتقد النظام مثلاً: أنّهم أصبحوا مستنيرين، وقد يمكنهم لعب دور ما في التناقضات، مثلما فعل عندما أطلق سراح قيادات الإخوان المسلمين، وأبقى على /405/ من رفاقنا في رابطة العمل الشيوعيّ، رغم إدراكه حينها من هو الطرف العنفيّ، لكنّ النظام أطلق سراحهم في مبادرة الشيخ “محمّد يكن”، هذه تبقى تكتيكات، والذين أطلق سراحهم النظام في بداية الأزمة لم يصنعوا “داعش”، إنّ الأساس التاريخيّ لهذه الظاهرة أنّ هناك أناساً كانوا في السجون وشكّلوا في نظر مجتمعهم حالة نضاليّة، كما كنّا نشكّل نحن سابقاً حالة نضاليّة بالنسبة لمجتمعنا، كانت الأوضاع لصالح هؤلاء فصنعوا حالة شعبيّة، بينما نحن لم نكن قادرين بسبب الموجة الدينيّة المرتدّة، هذه الموجة كانت لصالح القيادات الشابّة من التيّار الأصوليّ، ولم تكن حتّى لصالح قيادات الإخوان المسلمين التاريخيّة التي دمّرها العنف والصراعات فيما بينها وتكتيكاتها الخاطئة، ومع ذلك فإنّ القيادات الأكثر فعاليّة في بداية الحراك كانت للإخوان المسلمين، ولم تكن للوهابيّة، وهذا طبيعيّ ولسبب بسيط، لأنّ الوهابيّة في سورية كانت ضعيفة، بينما كانت قويّة في مناطق أخرى مثل العراق، وانتقلت لاحقاً، وهذا طبيعي لأنّ الحقل الذي تشتغل فيه هو واحد.

باعتقادي، أنّ هذه الموجات التاريخيّة هي ناتج طبيعي، لكنّ هذا لا يلغي أنّ هناك تلاعباً فيها، وكلّ المخابرات تلعب في هذه الظواهر، والمخابرات المركزيّة الأمريكيّة لعبت فيها بالتأكيد، وأيضاً المخابرات السوريّة، وهنا يبرز دور الأكثر كفاءة وقدرة وبالتأكيد المخابرات السوريّة كفوءة.

الملابسات التي تحدّث بها البعض حول المجريات على الأرض، من أنّ النظام لم يقاتل هذه الظواهر، هذه تكتيكات تخصّ المعركة، لكنّها بالتأكيد لا تعني أنّهم هم من خلقوا الظاهرة، في سورية توجد قيادة سياسيّة عندها غرفة عمليّات أكثر نضجاً من أيّة غرفة عمليّات أخرى في البلد، النظام بكلّ أخطائه وفظاعاته لديه غرفة عمليّات سياسيّة أمنيّة أكثر نضجاً ولها تكتيكاتها الخاصّة بها….

إذاً النظام مستفيد موضوعيّاً من هذه الظواهر، لكن لماذا لا يقصفها الروس طالما أنّهم ضدّ الفاشية؟

يؤسفني أنّني أختلف معك تماماً، الروس ينظرون للقوى المسلّحة في سورية بشكل مختلف عما تنظر إليه أنت، الروس مصروّن على محاربة “داعش” لكن هناك خلاف سوريّ روسيّ، الروس يريدون استهداف “داعش” فقط كي لا يحرجوا أنفسهم أمام العالم، لكنّ السوريّين يصرّون على أن يكون هناك هدف سياسيّ. يعني مثلاً: السوريّون يفضّلون الذهاب إلى الرقّة ودير الزور وأطراف حلب، حيث تكون النصرة، بينما الروس يفضّلون الذهاب إلى البادية، إلى مثلث التنف دير الزور الرقّة، ولم يكونوا بهدف نصر سياسيّ كبير، وكانوا حريصين على تحقيق أولويّات اتّفق عليها العالم شكلاً وليس فعلاً، لم يدخل التحالف الدوليّ حتّى الآن في أيّة معركة مع الروس، حتّى ضدّ “داعش”، وهو يعمل قبل الروس، وهو بالتأكيد غير جدّي في محاربة “داعش”. قد تقول أنت: أنّ الروس أيضاً غير جدّيّين. أنا أرى أنّ الروس جادّين جدّاً ضدّ “داعش” وضدّ النصرة، وأطراف أخرى يصنّفونها على أنّها فاشيّة.

لماذا تميل في أيّة مقاربة يحضر فيها النظام إلى القراءة بطريقة مختلفة، عندما أطلق النظام القيادات الأصوليّة من السجن كان يعتقل القيادات الأخرى، إذا هو يشتغل بدراية وعلم لصياغة توجّه ما؟!

اعتقل ..مثل من؟.

كلّ قيادات الحراك المدنيّة والسياسيّة كان النظام يعتقلها ويقنصها في الشوارع.

صحيح قيادات الحراك.

نعم، كلّ قيادات الحراك السلميّ والمدنيّ كانت تُعتقل وتُقتل، بينما يطلق سراح القيادات الأصوليّة، لماذا تقارب فعل النظام بحسن نيّة؟ لماذا لا تقاربه بسوء نيّة، وتقول إنّ هذا النظام تعمّد نقل الصراع إلى هذه الجهة؟؟

لاأسمح لك أن تتّهمني بأنّني أقارب النظام بحسن نيّة، أنا أقاربه مقاربة تاريخيّة لا بحسن نيّة ولا بسوء نيّة، وأقاربه بصفته نظام دكتاتوريّ، هذه تكتيكات، وقد انعكست على النظام سلباً، فهو أكثر من تضرّر من “داعش”. الآن، كلّ الإلتباس السياسيّ الحاصل بين المعارضة المعتدلة وغير المعتدلة هو غير حقيقيّ، فالقوى الأساسيّة التي تحارب النظام هي “داعش” والنصرة، ولو كان الصراع مع الأطراف الأخرى، فإنّ النتائج ستكون بالتأكيد غير ذلك.

-3-.

دعنا نعود إلى الشأن الروسيّ، يبدو أنّ علاقتك بالروس جيّدة، وأنّك تتفهّم دورهم الذي يقومون به؟

لا، علاقتي ليست جيّدة بهم ولست متفهّماً لدورهم فقط، هي أكثر من ذلك، أنا أعتقد أنّهم تأخّروا جدّاً في القدوم إلى سورية، وأنا شخصيّاً لدي ثقة عالية بهذا المركز الرأسماليّ الجديد وسياق تطوره ونخبته التي تحاول أن تفعل فعلاً مختلفاً تاريخيّاً عن المراكز الرأسماليّة الأخرى، وهذا المركز أظنّ أنّ له دوراً إيجابيّاً.

لكنّ الوقائع على الأرض، وبدراسة سجّل العمليّات العسكريّة التي قاموا بها تجد أنّ النسبة العليا لعمليّاتهم لم تكن ضدّ”داعش” ولم تكن حتّى في مناطق وجود النصرة، بالمعنى الوطنيّ أو السياسيّ كيف تقرأ الوجود العسكريّ الروسيّ المباشر في سورية؟

(مقاطعاً): ماهو اللافت بنظرك في هذا؟  افترض أنّ الروس لم يهاجموا إلّا الكتائب التركمانية أو غير ذلك، الروس لديهم تقييمات أنّ كلّ هذه التنظيمات هي تنظيمات إرهابيّة، أليس هذا انسجاماً مع موقفهم في تقييم هذه الأطراف كأطراف إرهابيّة؟!

إذاً، دعني أقول:إنّ الروس يعتبرون كلّ من يحمل سلاحاً ضدّ النظام هو إرهابيّ؟

لا، هم لم يقولوا هذا، لا تقوّلهم مالا يقولونه، هم يعتبرون أنّ فصائل عديدة حتّى من فصائل الجيش الحرّ هي إرهابيّة، ويعتبرون فصائل وكتائب التركمان هي فصائل إرهابيّة، وكلّ من حول دمشق هي فصائل إرهابيّة ( أنت بتختلف معهم أو ما بتختلف معهم هاد موضوع تاني) وفي المعارك العسكريّة هناك أولويّات عسكريّة. خذ مثلاً، لا يوجد “دواعش” في اللاذقيّة وهناك قليل من النصرة، وفي دمشق أيضاً لا يوجد “داعش” إلّا مجموعة صغيرة دخلت إلى منطقة الحجر الأسود، ولا خطورة لـ “داعش” في دمشق، وحتّى النصرة أيضاً، لكنّ الفصائل الأخرى الموجودة هي في صراع مع النظام وهي فصائل إسلاميّة وهي إرهابيّة بكلّ بساطة، والروس على درجة عالية من الإنسجام مع هدفهم السياسيّ، مع أنفسهم ومع حلفائهم في هذا الصراع، وهم يعرفون جيّداً خطورة هذه التنظيمات حتّى في منطقتهم، هناك بلد صغير (عوفهم السماوات لأنّو إسلامي أصولي) ويوميّاً يدفعون بالمليارات للإبقاء على النظام فيه، لأنّه – باعتقادي – ليس من القوّة لكي يستمرّ في صراعه مع هذه الأصوليّات والتي يسمّونها الفاشية، إذاً هم ضدّ أن ينتصر أيّ تيّار إسلاميّ في سورية بما في ذلك المعتدل، وهناك في سورية طرف حليف لهم هو النظام، وهو حليف تاريخيّ لهم منذ الاتّحاد السوفياتّيّ، وهم اشتغلوا طويلاً في سورية بالمعنى السياسيّ وبمعنى البنية التحتيّة وبالمعنى العسكريّ،وهم أيضاً أمام درس لايزال طازجاً، وأقصد ليبيا، وتعرّضوا فيه لغشّ شديد من قبل شركائهم في الغرب وتهميش شديد وإهمال شديد، الروس قوّة قوميّة صاعدة وهي ستأخذ دورها في التاريخ، وهناك اتّفاق داخل النخبة الروسيّة بمختلف ألوانها شيوعيّة علمانيّة أو قوميّة علمانيّة، أنّه يجب على الدولة الروسيّة أن تأخذ دورها في التاريخ بما ينسجم مع قوّتها، وبالتالي فإنّ هناك مركزاً قوميّاً رأسماليّاً جديداً، يريد أن يأخذ دوره. بعد انهيار الاتّحاد السوفيتّيّ أخذ هذا المركز دوراً دفاعيّاً، وهاهو يأخذ دوراً دفاعيّاً هجوميّاً، وقد ينتقل إلى دور هجوميّ في بعض المناطق من العالم، لقد تأخّر كثيراً في سورية حتّى بفهمه الخاصّ لما يجري في سورية، كاد النظام أن يُهزم  في سورية على يد الفاشيّة، ونحن بكلّ بساطة بعثنا خمس مذكّرات (نحن تيّار طريق التغيير السلميّ) بعثناها للروس وقلنا لهم أنتم تتأخّرون كثيراً جدّاً بالدفاع ضدّ الفاشيّة وكلامكم نظريّ بالمطلق ولا تقدّرون خطورة الفاشية، يجب أن تبحثوا عن حلفاء لكم في الكتلة الاجتماعيّة الواسعة وليست في الدكتاتوريّات فقط هذه الكتلة الاجتماعيّة التي لا يريد لها النظام أن تصبح قوّة، ولا الفاشيّة تريد لها أيضاً أن تصبح قوّة، ويجب أن تنتبهوا إلى أولويّات الصراع في سورية، لاتزال هناك حاجة كبيرة لتغييرات ديمقراطيّة عميقة لكنّ هناك أولويّة أخرى اسمها الفاشيّة يجب أن لا تأخذوا موقفاً انتظاريّاً متفرّجاً على الصراع، مثل كثير من القوى السوريّة التي تقف الآن متفرّجة على الصراع، إنّ المزيد من الديمقراطيّة يعني مزيد من انخراط القوى ضدّ الفاشيّة. هذه المذكّرات نحن كتبناها وسننشرها قريباً، وبرأي تأخّروا كثيراً جدّاً في عمليتهم العسكرية.

أفهم من ذلك أنّكم طالبتم بتدخّل روسيّ سريع؟

ارتاح… تماماً، نعم، نحن كنّا ولا نزال، طالبنا ونريد تدخّلاً أعلى من هذا التدخّل من أجل مواجهة الفاشيّة.

يعني إلى أيّ حد؟

نريد تدخّلاً عميقاً وسريعاً، بحيث تهزم الفاشيّة حتّى جسديّاً، وهي لا تهزم في النهاية إلّا جسديّاً، هزيمة الفاشيّة جسديّاًتساوي حتماً انتصار الديمقراطيّة، الفرجة على الأمر يساوي احتمال عودة الدكتاتوريّة نفسها، وربّما عودة الفاشيّة.

يعني أنا أستغرب أنكم ترون أنّ الانتصار على الفاشيّة لايمكن أن يكون إلّا جسديّاً، بينما ترون أنّ النظام كان يمكن أن يتغيّر سلميّاً؟

نعم، أيّ فاشيّة في العالم ما عدا الفاشيّات الحديثة في أوربّا، والتي يمكن هزيمتها بالقانون، أيّ بطريقة إنتخابيّة، الفاشيّة الأصوليّة الإسلاميّة يستحيل الانتصار عليها إلّا جسديّاً، ولا يجوز حتّى السماح لها بالانتصار انتخابيّاً، هل نعيد تجربة هتلر؟ هذا قانون تاريخيّ مطلق!

أنا أيضاً، أرى أنّ هذا هو الطريق الوحيد الممكن مع هذا النظام!؟

أنا على ثقة أنّه كان يمكن هزم النظام بطريقة غير عنيفة بالمطلق، والخطأ التاريخيّ الذي حصل في سورية أنّ قسماً كبيراً من المجتمع وقسماً كبيراً من النخب،انجرَّ إلى منطق العنف. حتّى لو عدنا إلى السجون مّرة واثنتان وثلاثة كان يجب أن نبقى سلميّين، وبالتأكيد كان ممكناً أن نحقّق ما نريده خلال هذه السنوات الخمس.

أنا مضطرّ للانتقال إلى نقطة أخرى. أنت من المؤسّسين لحزب العمل الشيوعيّ، بقراءة سريعة ومكثّفة، كيف تقيّم موقفه ممّا يحدث في سورية؟

أنا جدّاً حزين لآداء الحزب خلال الأزمة، لقد كان أداءً متخلّفاً جدّاً، ولم يراكم أيّة خبرة للصراع في سورية – للأسف الشديد طبعاً- دخل بتحالفات خاطئة جدّاً، ورسم استراتيجيّة خاطئة نتج عنها تكتيكات خاطئة منذ اللحظة الأولى، غرق بفهم أنّ: هناك ثورة؛ هذا الفهم أغرقه في تحالفات خاطئة، وانساح في إطار أطراف مثل الاتّحاد الاشتراكيّ وغيره، وقسم كبير من الليبراليّين بإطار هيئة التنسيق، وذهب إلى تحليلات وشعارات ليس لها أساس في الواقع نهائيّاً، وأنصت لأهمّيّة دور الخارج بشكل كبير وذهب إلى هيئة التنسيق المهتمّة جدّاً بدور الخارج ودور الجامعة العربيّة، واعتبر أنّ السعوديّة والجامعة العربيّة ليست طرفاً خارجياً من أجل أن ينسجم مع شعار لا للتدخّل الخارجيّ.

أنا باعتقادي، أنّ هذا الأداء كان مأخوذاً بالأسابيع الأولى للحدث، وهو موقف تفاؤلي تاريخيّ غير ناضج كلّيّاً لا من قريب ولامن بعيد، هذا دفعه بسرعة لأن يدخل في تحالفات وفي مواقف، وكان فعله ضعيفاً وهزيلاً مع أنّ هيئة التنسيق كانت عمليّاً تتدمّر أمام عينيه.

برأيي، أنّ هناك أزمة وطنيّة كبرى، وأنّ قوانينها تختلف عن قوانين الثورة، يبدو أن السويّة القياديّة في حزب العمل كانت على درجة كبيرة من التخلّف وكانت خارج الحدث وذهبت إلى التفاؤل التاريخيّ، لم تحدث مراجعة سريعة، وفي ظلّ تغييب التجربة الديمقراطيّة العميقة حدث هذا الالتباس،إنّ القوانين أقوى من الرغبات وأنّ النخب الناضجة هي التي تفهم الواقع جيّداً.

كيف ترى دور حزب الاتّحاد الديمقراطيّ في الحدث السوريّ الآن؟

برأيي، أنّهم –تعريفاً – من أهمّ النخب في الحركة الكرديّة في سورية، وهو امتداد عميق لبنية وتركيبة وطريقة تفكير حزب العمّال الكردستانيّ، وهذا الحزب على درجة عالية من البراغماتيّة ويشبه في هذا النظام السوريّ، وهذا التحالف الاستراتيجيّ وحتّى التكتيكيّ الذي كان قائماً بين حزب العمّال والنظام وكان على درجة من الارتباط بالحالة السوريّة، لكنّه لم يكن قادراً على العمل ضدّ النظام السوريّ، ولم يمارس أبداً أيّة حالة إنتقاد عميقة للنظام السوريّ، مثلما فعل النظام السوريّ أيضاً، إذ لم يوجّه أيّ إنتقاد عميق لحزب العمّال الكردستاني، كان هناك درجة من التحالف التي قبل بها الطرفان، وهذا الحزب باعتباره أهمّ نخبة فاعلة في الحالة الكرديّة، وبسبب براغماتيّته العالية جدّاً وخاصّة أوجلان، وفي إطار نهوض قوميّ تاريخيّ كرديّ، أعتقد أنّهم الآن وبعكس حالة التحالف مع الرئيس السابق في سورية الذي حاول تصدير الأزمة الكرديّة إلى الخارج وخصوصاً مع تركيا، لكنّ هذا الصراع يستحيل تصديره فأصبح حزب العمّال قوّة، وامتداده أصبح قوّة قويّة جدّاً ويستحيل تجاوزها، بشروط خاصّة وفي موجة المدّ القوميّ الكرديّ بعكس القوميّة العربيّة التي هي بحالة تراجع شديد، يعتقدون أنّ الشروط الموضوعيّة العامّة والخاصّة تسمح لهم بالتقدّم نحو أهداف كرديّة، أعتقد أنّ هذه القراءة خاطئة جدّاً، لأسباب عديدة، منها:أنّ التركيز على المسألة الكرديّة أكثر من التركيز على المسألة الوطنيّة السوريّة، هذا التركيز يضيّع الموضوع، وفيه براغماتيّة عالية جدّاً،إلى درجة الاستعداد للتحالف مع أطراف عدّة والاستفادة السياسيّة واللوجستيّة والتحالفيّة العليا والدنيا من أمريكا إلى أطراف في الشمال العراقيّ إلى بعض النظم. باعتقادي أنّ هذا خطأ تاريخيّ وهذه قراءة خاطئة من قبل الحزب لتوهمه أنّه يستطيع تحقيق أهداف كرديّة في الجغرافيا السوريّة، هناك محاولة استغلال أزمة كبرى لقوميّة كبرى من أجل أهداف خاصّة، هذا سيخلق تناقضات تاريخيّة.هم يقولون إنّهم انتظروا القوميّة العربيّة طويلاً للحصول على حقوقهم، بالتأكيد، هم تعرّضوا لاضطهاد قوميّ عروبيّ وقُمعوا،حتّى من بعض النخب السوريّة التي لديها نزعة عروبيّة متعصّبة، لكن عندما تكون هناك أزمة وطنيّة كبرى يجب أن تصبح هذه الأزمة والسيادة والدولة هي أساس النظرة والمنطلق،أي: يجب أن تصبح الأزمة السوريّة هي أساس البحث وفي داخلها يأتي العنوان الكرديّ، لكن –للأسف – ماحدث هو العكس. وهم تحوّلوا إلى قوّة عسكرية مهمّة( فرط قوة) بسبب الموجة القومية الصاعدة والبراغماتيّة العالية وانفتحوا على جهات متعدّدة، وأصبحت لديهم أهداف – شاء أصحابها أم لم يشاؤوا – تقوم على حساب قوميّة أساسيّة كبرى. هنا خطأ، لأنّه من المستحيل أن تكون القضيّة الكرديّة أهمّ للأمريكان مثلاً من تركيا، لكنّ هذا سيترك أثره عميقاً على الحالة الوطنيّة السوريّة، وقد تترسّب لدى نخب واسعة من القومّية العربيّة ردود فعل متعصبة، وستفتح صراعات في المستقبل وستصبح هذه القوّة الكرديّة أداة للحرب مع الجميع وهذا خطأ تاريخيّ كبير، لأنّه من الصعب جدّاً،أن يحقّقوا الأهداف التي خطّطوا لها وبنوا تحالفات من أجلها. أنا أخشى أن ينشأ وضع دمويّ عنفيّ تجاه الشعب الكرديّ.

باختصار، سأنتقل إلى أسئلة أخرى. هل هناك أيّة معلومات عن د. عبد العزيز الخيّر؟

أنا مهتمّ جدّاً بهذا الموضوع، سألت الروس عن الموضوع أكثر من مرّة. هم ليس لديهم معلومات غير التي نقلتها لهم هيئة التنسيق، وطلب الروس من هيئة التنسيق أن يهرّبوا الشاهد الذي لديهم، والروس على استعداد لحمايته، رفضت هيئة التنسيق تهريب شاهدها بحجّة أنّه قد يتعرّض لانتقام وقمع، وعلى التلفزيون سألت وزير العدل وأنكر كالعادة. ليس هناك أيّ شيء جديد.

من هو “علي كيّالي”، ومادوره؟

هو مناضل شيوعيّ تركيّ عمل مابين 1970 و1980 في تركيا، داخل جبهة هدفها تحرير لواء إسكندرون وإعادته لسورية، وهذا الحزب كان جزءاً من جبهة تحرير تركيا التي تضمّ حزب العمّال الكردستانيّ وأطراف ماويّة وأطراف ماركسيّة متعدّدة، اعتقلوا على نطاق واسع فهرب مع أوجلان إلى سورية، أوجلان كان متمفصلاً على الحالة الكرديّة، وعلى نهوض قوميّ كرديّ ولظروف خاصّة نجح في التحوّل إلى حركة شعبية فاعلة بعكس كيّالي (أعرف اسمه أبو زكي فقط) الذي لم يوفّق.

كيّالي، وفي إطار الاشتراطات السوريّة التركيّة، لم يكن لديه آفاق للنشاط، ولم يكن عند النظام السوريّ الاستعداد لفتح قضيّة اللواء كما فتحت القضيّة الكرديّة بحجّة أن ليس وقته الآن،أو ربّما بتواطؤ حقيقيّ من قبل النظام، وبالتالي لم يمتلك كيّالي أفقاً للحركة، ولم يسمح له حتّى بالعمل السياسيّ، وعلي كيّالي كان معتقلاًفي سورية(1999)،وفي إطار الاتّفاقات الأمنيّة بين النظام وتركيا أطلق سراحه بعدي بعدّة أشهر( أيار 2000). بقي نشاطه محدوداً، ويكتب مقالات عن تحرير اللواء وهو يراه جزءاً من سورية، لكنّه لايستطيع أبداً القيام بأيّ عمل مستقلّ عن النظام فيما يخصّ اللواء، وهو مقتنع أنّه لايمكنه القيام بفعل ما، دون موافقة النظام والنظام غي مستعد لذلك.

عندما انطلق الحدث السوريّ ظنّ كيّالي أنّه بإمكانه التحرّك باتجاه مشروعه، وسمى نفسه المقاومة السوريّة،بينما هي ليست مقاومة شعبيّة بسبب الإيديولوجيا التي تحملها،باعتبار النظام السوري مقاوم سيحرر اللواء،وبسبب عدم موافقة النظام على فكرة تحرير اللواء أساسا، وبالتالي غياب أي هامش حركة سياسيّة وعسكريّة من اجل ذلك. بالتأكيد استطاع استقطاب عدد مهم من المؤيّدين قد يتراوح بين 15 إلى عشرين ألفاً، لكنّ عدد المسلّحين لديه أقلّ من ذلك بكثير، ربّما، أو بالتأكيد بسبب اعتبارات النظام.

أنا أسال عن دوره في الحدث السوريّ تحديداً؟

هو مؤسّسة عسكريّة لعبت دوراً، وتحديداً في اللاذقيّة،أحياناً في جسر الشغور وأحياناً يرسل مجموعات إلى مناطق أخرى، هدف العمليّات الأساسيّ عنده هو ضدّ (ما أسمّيه) الطرف الفاشيّ.

هل له دور في مجزرة بانياس؟

الحديث عن دور له فيما حدث ببانياس كاذب بالمطلق، وأنا أعرف رفاق لنا كانوا في حوار معه في نفس الليلة، وهو لايوافق على عمل جرميّ مثلما وصفت هذا أطراف فاشية.

ماهو مصيره الحاليّ،هل هو معتقل؟

لا، ليس معتقلاً، لكنّه متوارٍ بسبب محاولات عدّة لاغتياله.فقط للحماية، لأنّه مطلوب للأتراك وللأطراف الفاشيّة.

كلنا سوريون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى