جولان حاجيصفحات الثقافة

خبز اللامرئيين


جولان حاجي

أريدُ أذناً

لهذهِ الأوتارِ المنسوجةِ من أحشائي.

إلى متى سأحفرُ هذه النفس

وأتغذّى بمياهٍ كالقسوة

لا أعرفُ عمرَها –

كلُّ هذه السنوات

وكلُّ لحظةٍ كانت منشاراً؟

إلى متى سأبقى

مصمِّماً ألا أفهمَ أحداً،

أتوجّسُ، أينما حللتُ، صرخةً

أو حياة ًهزيلة تكثفَتْ في دمعةٍ

ليُقْبَلَ بي

واحداً يتلاشى كي يختبئ

قبل أن يراهُ الوجود؟

أطرافٌ صناعيةٌ مبتورة

تنتثرُ في الأرجاء

لتُرْتدَى عمّا قريب

عاجزةً عن الإمساكِ بأيّةِ فكرة.

[[[[[[[

استمهلتُهم حين أغاروا عليّ

وكمّموا فمي بجلودِ أحزمتهم،

فارتدّت صرختي إلى حنجرتي

وأتلفتْ ما تبقّى من لغتي.

توقظني ذراعي التي تخدّرت

لفرطِ ما استلقيتُ فوقها

فألمحُ كلَّ الذين كانوا يحدّقون بي منذ قليل

ويتفتّقُ الهواءُ كأنه فمي ولا أسمعُ شيئاً،

أحدّقُ بالنقطةِ في وسخِ البياض

فتنقلبُ عيناً تحدّقُ بي،

وأينما نظرتُ أجدُني أتكاثرُ حولي.

تلتهمني التحديقاتُ ولا تذرُ مني

إلا قشرةً لو مسستُها بأناملي لتلاشيتُ.

أنا خبزُ اللامرئيين:

كم تفزعني عيونُ المفزوعين،

كلُّ خائفٍ يفزعُ خائفاً آخر.

[[[[[[[

ورائي يلومُني شحوبُ ما عشتُه

فارغٌ كقشرةٍ سُلِختْ

أو كقناعٍ مخلوع بعد استعراضٍ لم يحضرْهُ أحد

تحت هذا الأزرق المذعور

هذا الخفقانُ سيقضي عليّ

وأنا أزاولُ لعبةَ من يمُتْ يعِشْ

وأكذّبُ من قالَ: انتحارُك بيتك، فلا تهجره.

فلأكملْ دفنَ ما تبقّى.

سأقتلعُ نفسي وألهو بها كالجذرِ اليابس

وأراوغُ أسراري التي تصبو إلى الشمس

بينما الانتظارُ يمدّدني على قمامةِ نفسي العالية

في قيظِ الهلع

فأرقدُ بين الفضلات

كخنزيرٍ سيُذْبَحُ في أيةِ لحظة.

[[[[[[

هذا السارحُ في الحجرات

لم يعاشرْ أحداً

لم يجالسْ إلا العاطلين عن العمل

هذا الصاعدُ مختلاً على الدرج

يخطئُ بابي فيقرعُ بابُ جيراني

فيلمحُ المنسيّين الذين نحتوا اللامنسيين

وشفاهَ النساء المعضوضةَ بأسنان الجنود

وفيلةً بيضاء أنجبتْ قمرَ البسطاء

وأذنَ العذراء الممصوصةَ بفمٍ شبِق.

لكنّ ثيابي تكرهني

وأعضائي التي تضافرتْ جميعاً ستشهدُ ضدي

ولا مفرّ لهذا الجسدِ المذعور

فمن سيفتحُ وجهي الذي غابَ عني

والأبديةُ نبضةٌ سوداء

وبابُ المنفى كتابٌ موصَد أبيضُ الصفحات

والمقصُّ إذا استكان

النجمُ إذا هوى

لن يفضّضَ الخاتمة.

خوفي كيف سأكسرهُ

بينما ظلي، موطوءاً لتوه، يتغطّى بي

وكلامي صحرائي ويوجعني

يعسكرُ حولي كآثامِ صباي

وكلُّ نافذةٍ تلُِحُّ كي أقفزَ

وإذا استقمتُ متُّ.

لِمَ سأتكلم

وشفتايَ تشيخانِ في زبدِ الكلمات

وأبي الذي لا ينامُ

يشيبُ في سقيفةِ رأسي

مستلقياً تعِباً

– بين عشبٍ أسودَ سيطلعُ في زمانٍ آخر-

يلمعُ في عينيّ

كحيوانٍ عجوزٍ على سفحِ تلةٍ

ينزفُ في ليلةٍ ماطرة.

[[[[[[[

هذا السروالُ المعادُ صباغهُ

المتقاصرُ كلما غُسِلَ بالأيدي

جيوبهُ مثقوبة:

الثقبُ الأوسعُ

يسرّبُ نوراً خفيفاً يتسكّعُ معي

فحياتي أضيقُ من خطوتي

لا تبقى ولا تفنى

ولي ميتةٌ تُشْتهى ولا أتناساها

إذا تناسيتُ باعةَ الأكشاك

ومختطفي الأطفال بالدراجات إلى البراري

وسكاكينَ الشحاذين

وسباتَ العقارب في ترابِ السقف

الذي يعلو نومي.

فبأي قميصٍ سأواري هذا الميتَ الذي يتسلّقُ ساقيّ

وما الفرقُ بين اسمي وهذا الخدشِ اليابس

بين وجهي ومبصقةِ المسلولين

وأنا أشعُّ بما أنسى وأحيا بما أُميتُ

ولا أخافُ أن لا أُفهَم بل أخاف أن لا أُحَبَّ

إذا تسلّلتُ كاللصّ إلى منزل الكلمات

حيث كلُّ ما أكتبهُ تهمةٌ تنقلبُ ضدي وتتوعّدني

حيث كلُّ من يقرؤني يقتلني ويقول:

أما لهذا اللغوِ من نهاية؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى