صفحات الثقافة

خردوات تايوان/ محمد الأسعد

 

 

حين يصادف المرءُ، هنا في منطقة الخليج، بضاعة رخيصة الثمن وسريعة العطب يُطلق عليها تسمية “صناعة تايوان”، ويمكن أن تنسحب هذه التسمية نفسها على سبيل التمثيل، وخاصة في السنوات الأخيرة (عقدين أو ثلاثة عقود) على كتابات شائعة في أسواقنا الفكرية؛ سواء كانت مقالة تقريض أدبي أو تحليل رأي اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو عملاً تلفزيونياً أو سينمائياً، أو حتى رواية أو قصيدة تمجّدها هذه الجهة أو تلك، أي أنها بضاعة سريعة العطب مصنوعة للاستهلاك التجاري بغرض جني الفوائد والأرباح بأهون السبل، ولا تحمل شيئاً من متانة الصنع وجودة المادة ونبل الغاية.

هذه التسمية أكثر من معبّرة ومغرية ليس في توصيف المنتج فقط، بل وفي توصيف منتِجيها أيضاً. فهم أحق بالتسمية من منتجاتهم التي هي تحصيل حاصلهم؛ فحين يُعرف الصانع يُستدل على نوع بضاعته، ولا فرق بين أن نقول إن هذا الشخص صناعة تايوان أو إن هذه البضاعة صناعة تايوان. وهي تسمية ستكون أدل وأعمق معنى، وذات صلة بحقيقة هذه المنتجات، حين يطلق عليها القارئ أو المستمع أو المشاهد تسمية “خردوات تايوان”، تشبيهاً أيضاً بالصناعات التي تكاثرت وعمادها إعادة تدوير وتصنيع المخلّفات، مثل المياه الملوّثة وحطام الزجاج وركام سلال المهملات والقمامة.

ولا بأس في أن تمتد هذه التسمية إلى مروّجي هذه الخردوات المعاد تكريرها وتصنيعها، فنسمّيهم تجار خردوات، سواء كانت أدباً أو سياسة أو اجتماعاً أو اقتصاداً أو فناً، حتى ينتبه الجمهور ولا تخدعه أفانين الدعاية وحيل موظّفي العلاقات العامة والخاصة، حين يستقبل هذه المنتجات مصحوبة بآيات التمجيد والإطراء، ولا يجد بين يديه ولا يطرق سمعه ولا تلتقي عيناه إلا بمنتجات دون المستوى، وأي مستوى بكثير، فلا يجد ما يقوله، وتطوّح به الحيرة، وينتابه الشك في حواسه وفهمه وقدرته على التمييز، فإما أن يصفّق مع المصفقين ويطبّل مع الطبالين، أو يرمي بها جانباً ويتحامل، لا على أصحاب هذه الخردوات فقط، بل على كل من يحاول هؤلاء التجار تمثيل دورهم، أي على الحقيقيين من روائيين وشعراء وسياسيين واقتصاديين وفنانيين.. إلخ. الذين لا ذنب لهم ولا نصيب في تصنيع هذه الخردوات وأصحابها.

هنا، تختلط العملة الجيدة بالعملة الرديئة، والقمحُ بالزوان، والأصيلُ بالشبيه، ولا يعود بإمكان الجمهور العثور على معايير تميّز بين صناعة تايوان وأي صناعة جيدة، مادة وأسلوباً، وسيقال جرياً مع المثل الجاري “كلّهُ عند العرب صابون”، فيتساوى في الأهمية من يلتقط الدر والأعمى الذي يلتقط الحصى، ومن ينطق عن صبابة ومن ينطق عن تقليد. ويصبح ماءُ المعرفة واليقين غوراً فلا يستطيع الجمهور له طلباً، حين تزيد جهة من الجهات الطين بلّة، وهو ما يحدث حالياً، فتبدأ بتوزيع الجوائز على ملتقطي الحصى والمقلدين وجامعي الخردوات، وتجنّد الشاشات والصحف لتمجيد صناعة تايوان وأصحابها.

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى