صفحات مميزة

خريف آهورا للكاتبة أمينة بريمكو: مقطع من الفصل الأخير ” حفيف الضوء”

 

 

 

عن جماعة (أنا/ الآخر)/ (كتاب السرد) في القاهرة ، صدرت حديثاً رواية (خريف آهورا) للكاتبة السورية أمينة بريمكو ، وقد جاء

” الحُلم يسبق الإحساس بالحياة. وحين يدخلُ الحياةَ يتقزّم ، ومن ثمّ ينتهي. الحبّ حلمٌ ، والحلمُ فكرة لا يمكن

تحقيقها. الواقع ميدان العقل ، والحلمُ ميدان القلب. وما بينهما فراغٌ لا يمكن لأحد تجاوزه… لقد خضتُ معركة الحبّ بكل

شجاعة وألم وشراسة ، وبعد نيلي مرامي ؛ شَعرتُ بالاندحار. بحبي لكَ انتصرتُ ، وبحبكَ لي انهزمتُ. يبدو أنني سأُفني

حياتي في الحبّ ، ولن أصلَ إليه أبداً. لا يكفيني حبّ يتحقّق . لعلّ ما يدفعني إلى حربٍ أخرى، شيءٌ أكبر من النصر

” في (خريف آهورا) تكتب الروائية السورية أمينة بريمكو بلغة ذات جماليات معرفية واسعة ، وتستخدم آليات الحداثة في طبع

نصّها بأشكال جديدة ، لا تراعي النمط الأرسطيّ القديم في السرد أو بنية الرؤية ، بل توظّف نمط (الرواية/ اللارواية) لتضمّ

والمبدعة أمينة بريمكو من مواليد عفرين 1969، محافظة حلب، وتقيم في السويد حالياً، وهي صحافية معروفة، من تقاريرها:

مشروع (عمالة الأطفال في سوريا، حلب نموذجاً) 2008 ولها مجموعة قصصية بعنوان (لقيطة الأرصفة) من منشورات سما –

على غلافها الأخير:

ومن الهزيمة ، ومن الحياة. لعلّني أريدُ مأوىً غير الأرض ونصراً لا يُغريني وهزيمة لا أخضع لها”

أساطير وحضارات وأشعاراً وحكايات وجغرافيا وفلسفات كلّها في قالب واحد يدعو للإبهار”

دبي للثقافة والفن في دبي ، 2007.

 

 

 

مقطع من الفصل الأخير ” حفيف الضوء

رواية “خريف آهورا”

امينة بريمكو

 

شوكة الوهم تدمي فجرَ الواقع. صدى يشيرُ إلى صدى. لم أكن أعلم أنّ النسيانَ هو الأجملُ في الذاكرة. لكن آهورا لم يمنحني مَلَكة النسيان. أخاف أنْ لا يوجد بعد الموت سوى الموت. أخافُ أنْ أموتَ فأنساكَ يا سوار.

كل البدايات تكون صغيرة، وحدكَ كبيرٌ يا سوار لتجعل النهايات تبدأ من جديد.

*** *** ***

الأقدامُ التي لا تهدأ، تصلُ في آخر المطاف. نعم وصلتُ، ولكن إلى أين؟ إلى نهايتي، نهاية ضوء حياتي ؛ لِذا أخافُ أنْ يخونَ موتي غيابكَ، فأخسرُ نصيبي الوحيد من الأمل، أو نصيبي اليتيم من الضوء. كان قلبي يحثني دائماً لأطاردَ خيالكَ، فأكتشفُ في نهاية الدرب أنّ قلبي كان الخيالَ وأنتَ كنتَ قلبي. قلبي لم يكن يجيد الكلام، كان يستطيع أنْ يسمع ، وهذا أهم. قلبي كان كرة طائشة لا تجيد سوى الارتطام بنافذتكَ.

هل كانت بداية حبي لكَ وهم، ونهايته أمل؟ كيف حياتي الصغيرة اتسعت لكل هذا الكم من الألم، في الوقت الذي كان بإمكانها أنْ تتسع لفرح هائل يعادل أضعاف هذا الألم القاتل؟ كيف تنام هانئاً وخاتمكَ الفضي يلفّ حول عنقي؟ لماذا عندما كنتُ أركضُ نحوكَ ، حاملة لكَ قلبي بين يدي ، كنتَ تتحول إلى سراب ؟ لماذا عندما كنتُ أشعر بالبرد والعتمة لم تفتح لي جيبَ قلبكَ ؟ لماذا كلما كنتُ أتسول الضوءَ من قلبكَ كنتَ تزداد بخلاً؟

لمَ أرهقُ نفسي بكل هذه التساؤلات؟ لقد سقيتُ غيمة حبي بدموع سخية، وكنتُ على الدوام فراشة مزركشة وأنتَ كنتَ كائناً رمادياً، ولم تكن تثيركَ ألواني. علمتكَ الطيران فصارتْ لكَ أجنحة وطرتَ من بين يدي. وإلى أنْ بحثتُ عنكَ أهلكني التعب وقتلني الإنتظار. انتظرتُ أنْ أموتَ في حضنكَ، لأصعدَ إلى آهورا بقلب برتقالي. انتظرتُ أن أحطّ، كفراشة، على كتفكَ اليسرى ، وأطير نحو كتفكَ اليمنى ، وأسقطُ شهية في حضنك. انتظرتكَ عمراً ولم تأتَ يوماً واحداً كاملاً.

عصافيرُ روحي تلوذ بأشجار الكينا، التي تنبتُ عليها عصافير كثيرة في كل صباح. شجرةٌ الكينا لا تفقدُ توازنَها في العاصفة، أنها شجرةٌ خضراء من الطمأنينة. لا تتركيني. إلى أين أنتِ ذاهبة يا شجرة الكينا؟ أرجوك لا تتركيني هنا لمناقير الطيور.

وها هي أمي الشمس، بنفسج النور، تفرغُ ذاتها أيضاً من الضوء. أشعةٌ سوداء تنير ليلون. أمام بهاء الألم، تنحني أشجار الكينا لعبوري النهائي ، فيسكبُ الأرنبُ الصغير الماءَ في طشت حديدي ليغرقَ فيه روحي ، ظنّاً منه أنّ روحي تحتاج إلى الطهارة قبل صعودها إلى آهورا. طيبٌ أرنبي الأبيض الصغير. هو لا يعلم أنّ روحي مزروعة في قداسة الحبّ ، وشهداء الحبّ لا يحتاجون إلى الطهارة ولا إلى ماء المعمودية. ولا يعرف أنّ كفن روحي من خيوط الشّمس ، ولا يرى نجوم السماء وهي تهبطُ اليومَ لتنشدَ عليها تراتيل الضوء.

لا عمق في عينيّ أرنبي الصغير، ولكنهما تلمعان في فضاء ليلون، وكأنهما تودعان ضوء روحي.

نخافُ من الموت. نحن نحبُّ حتى لا نموت. لا شيء يموت، كل شيء حي ، لأنّ كل شيء يموت لنعيشَ نحن ، ولكن اذا متنا فمن يعيش؟

الأرضُ تدورُ حاملة روحي.

سأسير إلى الأبد.

سأولدُ من جديد أرنبة بيضاء.

أتحرّرُ من جدران الجسد.

ما أجمل هذا الخواء الأبيض العظيم.

أرى روحي عصفوراً يعبر الآفاق. ويمرّ بجنب خيال سوار، فأصرخُ:

– حذارِ أنْ تدوسَ عليه يا عصفور، فأنا لا أريده أنْ يتألم.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى