صفحات الناس

الطفل السوري عمران ..بين إعلام “الثورة” والبروباغندا/ سومر منصور

 

 

لابدّ لنا أن نقرّ بهيمنة الشكل الغرائبي على السوريين نظرًا لعوامل الحالة السورية التي يتمّ تداولها عبر المؤسّسات الإعلامية، فسواء في المنفى أو وطنهم الأم لا يختلف تعاطي وكالات الأنباء مع حالة السوريين؛ أحياءً أو أمواتا، في التعدّي على أسلوب حياتهم وطرق موتهم أو نجاتهم، فيقدّم لنا السوري الجاهز كضحية أعجوبة يُلحق به اسم القاتل أو الجهة التي دمرّت حياته، فمن هناك تستمدّ الضحية زخمها العاطفي وتبعًا له تزجُّ في سجالات مختلفة، ويستحوذ الأطفال السوريون أكثر من حصة “الأسد” في التغطيّات الإعلامية المتعلقة بالشأن السوري.

في لقاء رأس النظام السوري مع تلفزيون SRF السويسري في أكتوبر/تشرين الأول 2016، عرض الصحافي صورة الطفل الحلبي عمران أمام الأسد الذي قال إن الصورة ملفقة، رابطًا الموضوع بكون الخوذ البيضاء واجهة للمنظّمات الإرهابية، وبالإمكان اليوم لو أعيد السؤال مرّة أخرى، أن يقول أن الطفل وأباه ظهرا على التلفزيون الحكومي السوري في انتصار جديد على المؤسّسات الإعلامية وفبركاتها، فالقصّة هذه المرّة مدعومة بلسان الضحايا أنفسهم.

المباشر ، الخالد ، الباقي والمتمدد

في المواجهة بين إعلام “الثورة” والبروباغندا التي يبثّها النظام السوري عبر محطاته وحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي؛ تأتي رواية “الثوار” عفوية، غير متقنة بصريًا، أقرب إلى الواقع ، آنيةً في تركيزها على مأساة الضحية تحاول نقلها بأقدر ما يمكن على جلب التعاطف، في حالة عمران مثلًا؛ رأى الجميع الطفل المذهول وأثار الدماء وغبار القصف يملأ محيّاه.

بينما يميل النظام للتمهّل، يخرج بروايته المنمقة، غير المتقنة في الغالب، التي تشيطن الثوّار وتجلب الضحايا أو ذويهم لنسج الحقيقة التي توافق خطاب الحكومة، نرى عمران هذه المرة طفلًا نظيفًا ويؤيد والده رواية النظام في ما جرى، ويتسيّد علم سورية ذو النجمتين الخضراوين الخلفية.

هكذا دون مناسبة وبحسب جدول العرض على تلفزيون حكومي – المحكوم بالبيروقراطية وبرامج الشهر الفضيل- يدحض النظام رواية المعارضة، في نهج مستمرّ منذ حمزة الخطيب وعضوه المقطوع، وما تلاه من ظهور والده وعمه على التلفزيون الحكومي، يبدو النظام وكأنه في صراع على الرموز فاقتباسًا من الحوار ذاته يقرّ الأسد بوجود صور حقيقية للضحايا الأطفال لكن هذه بالذات ملفقة، فالمشكلة في الأسماء التي تطفو على السطح التي تعمل الماكينة الإعلامية للنظام على جعلها موضع شد وجذب، ونسج روايات تنافي المنطق أحيانًا لكنها صادرة عن ذوي الضحايا أو الضحايا أنفسهم؛ بمزاعم تفيد أنهم تعرّضوا لأذىً مضاعف بسبب تسويق مآسيهم وفبركة القصص حولها، مثل الطفلة “هالة المنجد” التي شهد حيّ الميدان تشييعًا ضخمًا لها عام 2011، ثم ظهرت على التلفزيون السوري حيةً ترزق.

هذا الصراع المحموم بين مؤسّسة حكومية لا تحفل بالـ “مباشر” ولا توليه اهتمامًا؛ فحتى لقاءات الرئيس تبثّ مسجلةً، وجناحات إعلامية جلُّ نتاجها إصدارات مباشرة تعتمد على ثقافة الـ Streaming وتناقل الصور الصادمة، دون اكتراث مهني أو متابعة جادة لتوابع “الحدث” على الضحية أو ذويها، لا يترك للمتابعين إلا الصدمة العاطفية اللحظية ثم الإرباك الناتج عن تضارب الروايات وفقدان المصداقية.

هنا يجب الإشارة إلى إصدارات “داعش” المرئية التي تستطيع أن تتجنّب هذا الصراع، نظرًا لمدى إتقانها وغياب الشرط الزمني، فالضحية هنا متغير يفيد بنقل صورة فكر “داعش” ، أكثر من أن يكون بريئًا مهمّشًا يطالب المجتمع الدولي بالتحرّك ،هذه العوامل رفقة الجانب المحرّم في البحث عنها، فما يلبث حذفها عن أحد السيرفرات حتى تتواجد على آخر، تنزّه هذه الإصدارات عن الفبركة وتجعلها في طليعة الوقائع المثبّتة عن حقيقة ما يجري في المنطقة.

عمران مجددًا

خرج الإعلان الترويجي الجديد لشبكة اتصالات زين في بداية رمضان، وسرعان ما ردّ الناشطون بحملة على مواقع التواصل الاجتماعي بوسم #زين_تشوّه_الحقيقة؛ بسبب تصوير الإعلان لعمران على أنه ضحية الإرهاب التكفيري.

يوضع الطفل/الرمز في لب النزاع مجددًا، ويستثمر في الإعلان لتمرير مقولة “التسامح”، بينما يطغى هذا الشأن على استخدام طفل سوري آخر قضى في إدلب في الإعلان نفسه، مثلما غاب ذكر “علي” شقيق عمران الذي قضى في حادثة القصف نفسها عن مقابلة التلفزيون السوري.

هذا التسليع الممنهج يتّسق مع استخدام دمية على الشاطئ، بدلًا من جثة الطفل إيلان الكردي في الفيديو كليب الأخير للمغني روجر واترز The Last Refugee، باستخدام الضحية كمرجعية للرمز الفني، كما حصل مع صورة الطفلة السورية في مخيّم أطمة التي ظنّت أن الكاميرا هي فوهة سلاح فرفعت يديها مستسلمة.

كل لحظة وكل رد فعل صالح للتوثيق ونقل المعاناة، لترسيخ الصفة التي تفطر القلوب وتسبّب الانتشار العالمي مع الحفاظ على “غرائبية” الموقف، وتركيب مزيد من الكنايات، فيغدو خبرٌ مثل قتل طفل متسوّل في حيٍّ حلبي على يد أحد المسلّحين منذ أيّام، بعيدًا عن هذه الجلبة ويبقى في خانة “الحوادث” لعوزه للعناصر الأيقونية التي تجمع نادي المشاهير مثل “آلان الكردي” و “عمران قنديش” و “بأنة العبد” إلى غيرهم من الأطفال الذين طحنتهم رحى الحرب الدائرة وهيأت الظروف تحويل قصصهم ومعاناتهم إلى شأن إنساني عالمي، بينما يرزح 7 ملايين طفل سوري تحت خط الفقر بحسب ستيفن أوبراين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، وسط انتشار للأمية والتجنيد العقائدي لتكون صورة الطفل السوري الأيقونة قاصرة عن رسم ملامح الطفولة السورية، ويكون توصيف “ناجٍ من القصف” غير كافٍ كحقيقة لقصة عمران، رغم نظرته التي لم تكن تقول غير ذلك.

جيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى