صفحات سورية

خطاب الأسد كما ستقرأه أنقرة

 


سمير صالحة

الجانب التركي في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد كان في العلن لا يتجاوز العبارة الواحدة من خلال مطالبته النازحين إلى تركيا بالعودة، لكن الرسائل المبطنة التي بعثها الرئيس السوري إلى أنقرة وقيادة العدالة والتنمية كثيرة وبالغة الأهمية ليس مستبعدا أن ترد أنقرة على تحية من هذا النوع بأحسن منها.

هو تحدث أولا عن «المؤامرة الداخلية والخارجية التي تستهدف سوريا» وتوقف عند مسألة قطع رأس الأفعى وهي طروحات رفضتها قيادات العدالة والتنمية منذ انفجار الأحداث في سوريا، داعية القيادات في دمشق إلى اعتماد أسلوب وصيغة مختلفة عن الطرح السوري الرسمي القائم.

الرئيس السوري رد ثانيا على أنباء ومعلومات نسبت إلى مصادر تركية حول طرح تركي يطالب بعزل ورحيل شقيق الرئيس السوري ماهر وضمانات تركية تقدم في هذا الإطار من خلال استقباله في تركيا وعدم التعرض له أو ملاحقته قانونيا «هي شائعات خاطئة وغير صحيحة».

الرئيس الأسد وفي مكان آخر وبدل أن يشكر تركيا على فتح أبوابها أمام آلاف الوافدين من المدن الحدودية السورية ووضع خدماتها الصحية والاجتماعية والغذائية تحت تصرفهم على جانب الحدود المشتركة بين البلدين اختار أن يتجاهل الموقف التركي بالاكتفاء بدعوة المغادرين العودة إلى بيوتهم بضمانات أن أحدا لن يتعرض لهم، وليس في هذا فقط تجاهل للمبادرة التركية الإنسانية بل الرد المباشر على وزير الخارجية التركي داود أوغلو الذي قال إن السوريين الموجودين في تركيا هم «ضيوف مرحب بهم»، وإنهم أتوا بقرار ذاتي منهم، ويعودون بالطريقة نفسها. النقطة الأخرى التي شكلت رسالة مباشرة للأتراك في خطابه كانت الرد على ما نشر مؤخرا حول اقتراحات حملها نائب الرئيس السوري حسن التركماني من أنقرة خلال اجتماعاته المطولة مع كبار قيادات العدالة والتنمية وهي عبارة عن 3 توصيات لا بد من تنفيذها كمدخل لأي حل وهي: 1– وقف العمليات العسكرية، 2– سحب القوات العسكرية من المدن، 3– الحوار مع كافة شرائح المعارضة السورية في الداخل والخارج. وقد رفضها الأسد كلها من خلال إعلانه أن مهمة الجيش السوري لم تنته بعد حتى يعود إلى ثكناته، باستثناء قبوله لطرح الجدول الزمني للإصلاحات الذي قال إنه قد يتبدل ويتغير حسب الظروف والمعطيات القائمة على الأرض.

رجب طيب أردوغان نصح دمشق باعتماد لغة الحوار مع كافة الشرائح داخل سوريا وخارجها وتوسيع رقعة الديمقراطية والإسراع بنشر الحريات وترجمتها بتدابير عملية على الأرض، الرئيس الأسد قال إن هناك مخربين وخونة ومتآمرين لا بد من القضاء عليهم. وكأنه يقول لآلاف اللاجئين إلى لبنان وتركيا والأردن ابقوا حيث أنتم فهذا أفضل لنا ولكم.

مسألة أخرى عنت تركيا في كلمة الرئيس الأسد وهي إعلانه أن سوريا ستعطي دروسا لدول المنطقة ولن تأخذ دروسا من أحد. فمن الذي كان يعطي الدروس لسوريا ويوجه النصائح؟ تركيا هي المعنية بالدرجة الأولى طالما أن معظم الدول والقيادات العربية تجنبت الغوص في هذا الملف.

الكثير من مواقف وعبارات الرئيس السوري المبطنة تحتاج إلى تفسيرات فورية تطمئن أنقرة وتبعدها عن خيار السيناريوهات الأسوأ في العلاقات بين البلدين. ربما زيارة عاجلة إلى مخيمات اللاجئين السوريين في أنطاكية – ومعانقة الطفلة ذاتها التي رفعها داود أوغلو بين ذراعيه والعمل على إقناعهم من هناك مباشرة بالعودة إلى منازلهم فدعوتهم للعودة لا تكفي وهناك حاجة لمناقشة وتحديد أسباب مغادرتهم وإزالتها – قد تشكل الحل الأسرع لقطع الطريق على ما يتردد في أنقرة حول استعدادات تركية لإطلاق مشروع «المنطقة العازلة داخل الأراضي السورية إذا ما اتسعت رقعة الاحتجاجات داخل المدن السورية وحاول النظام قمعها عسكريا، وهي أمور في قمة الخطورة في مسار العلاقات التركية السورية التي ستفتح الأبواب على أكثر من احتمال يحول تركيا إلى لاعب أساسي في أي تحرك دولي يحاول أن يحسم الأمور على طريقته.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى