سمير العيطةصفحات سورية

خطاب وأسئلة مقلقة/ سمير العيطة

 

جاء خطاب القسم الذي ألقاه بشّار الأسد كما كان متوقعاً «وليس كما كان مفترضاً». فهو موجّه أوّلاً وأساساً إلى مناصريه أكثر مما هو إلى عموم الشعب السوري وخاصّة إلى مناوئيه بنوعٍ من الإقرار انّ البلاد تعيش حالة حرب.

ما يلفت الانتباه في ما قاله انّه وضع نفسه والسلطة القائمة في مواجهة صريحة ومباشرة مع «الربيع العربي» ومع «الثورة». لقد نعى الربيع، ولم ير فيه سوى مجرّد مؤامرة. لكن المؤامرة، أيّة مؤامرة، لن تجد أيّ صدى إلاّ في ظلّ تفاقم أوضاع اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة داخل البلاد. وما يلفت الانتباه أيضاً سكوته التام عن سياسات سمحت ببروز رأسمالية الأقرباء والأصدقاء، وإلى الإهمال الاجتماعي في ظلّ «التسونامي» الشبابي، أي ما كان سمة حكم بن علي ومبارك. ثمّ لا يخفى على أحد واقع اعتقال وتعذيب الكثيرين من دون محاكمات وخنق الحريّات الأساسيّة؛ ما خلق مناخاً للانتفاضة من أجل الحريّة والكرامة، بمعزل عن كلّ المؤامرات.

كلّ هذه القضايا المطروحة والمعروفة للجميع جرى وضعها على مستوى أخلاق وتربية السوريين. لكن الفساد ليس مسألة معنويّة. ثمّ إن معظم السوريين أثبتوا خلال الأحداث انّهم رمز الأخلاق والتربية والوطنيّة والتعاضد… رغم كلّ المعاناة.

وجرى التأكيد في الصيغة المشهديّة للخطاب، كما في مضمونه، على دور الدولة والجيش. هنا أيضاً من الحقّ السؤال عن دور أصحاب القرار في إضعافهما. الدولة أنهكها تعدّي السلطة المستمرّ عليها وعلى الدستور والقوانين والمال العام. والجيش جرى دفعه إلى معركة مع متظاهرين سلميين في البداية كي يتحوّل الاحتجاج إلى حرب ودمار.

تحدّث الخطاب عن أنّ الأولويّة القادمة هي إعادة الإعمار، وتنشيط الاستثمارات في منشآت الاقتصاد الوطنيّ. لكن هل الاستثمار ممكن في زمن الحرب؟ والقول إنّ كفرسوسة ستكون الخطوة الأولى والنموذج؟ لكن لماذا كفرسوسة وليست حمص المدمّرة التي عاشت حصاراً خانقاً طويلاً، وستبقى عودة نهضتها رمزاً هاماً في مسيرة استعادة الوحدة الوطنيّة في البلاد؟

السوريون حريصون على السيادة الوطنيّة وينبذون التطرّف والإرهاب، وخطيئة بعض المعارضين كانت في تخلّيهم عن هذا الحرص. لكن هناك خللا في التركيز على محاربة الإرهاب والتطرّف في الخطاب من دون محاولة تحديد المسؤوليات، وفي مقدمتها تبنيّ الحلّ الأمني، في الأسباب التي أضعفت السيادة الوطنية وفجّرت التطرّف والإرهاب. ألم يكن من حقّ السوريين معرفة رؤية مَن يُفترض أنّه يتوجّه لهم في لحظة مفصليّة كالتي تعيشها سوريا بالكيفيّة التي سيتمّ على أساسها التخلّص من الإرهاب واستعادة السيادة؟

اليوم، وفي حين أصبحت «داعش» ومشروعها في إقامة «الدولة الإسلاميّة» هما الخطر الأكبر بنظر الأغلبيّة الساحقة من السوريين، مهما كان موقفهم من الصراع القائم مع السلطة، لم يأتِ على تسمية هذا التنظيم الإرهابيّ باسمه، وعن ضرورة وقفة وطنيّة موحّدة ومصالحة كبرى لمواجهته. ولم يتطرّق إلى ارتباط حيثيّات هذه المواجهة مع الأوضاع المتفجّرة في العراق، مع أنّ هذا الهاجس هو الأكبر اليوم وما قد يغيّر معادلات المستقبل. اكتفى الخطاب بوعد تحرير الرقّة، وبقي الحديث في العموميّات ووضع كلّ معارضيه في خانة التطرّف والإرهاب.

أخيراً، هل كلّ من عارض السلطة ارتكب حقّاً خطيئة التبعيّة للخارج أو التغطية على الإرهاب؟ وهل جميع من عارض وقال لا للاستبداد هو من دون وطنيّة ومن دون أخلاق؟ لقد دفع السوريون غالياً ثمن ما أخذهم إليه الاستبداد وحسابات القوى الإقليمية والدولية.

يبدو أن الطريق لا يزال طويلاً وعسيراً.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى