إيلي عبدوصفحات المستقبل

خطورة أن تصبح الثورة مقاومة/ إيلي عبدو

 

تكتسب عقيدة المقاومة في وعي السوريين الثائرين على نظامهم دلالات جديدة لا تقل بؤساً عن تلك التي راكمها نظام البعث خلال عقود القمع المديدة. فالسعي الدؤوب لإسقاط الطغيان الأسدي تلابس مع نازع مقاوماتي ساذج يبيح القتال المجاني من دون أي استراتيجية تكفل إضعاف الخصم وإنهاكه ضمن شرط زمني محدد. هذا النازع جعل القتال ضد النظام يرتكز على خليط عقائدي مفتوح على التأويلات الدينية والنضالية والوطنية. وهو ما قد يساهم في تأبيد الصراع طمعاً بتأبيد القتال نفسه، خصوصاً أن المقاومات غالباً ما تنطلق من أجل هدف معين لتتحول لاحقاً إلى شبكة نفعية تنفذ أجندات الغير لتأخير هدفها المرتجى وتثبيته شعاراً سرمدياً يستحيل تحقيقه.

من الضروري في هذا المجال أن نميز بين حق السوريين في الدفاع عن أنفسهم سلمياً وعسكرياً وصولاً إلى إعلانهم حرب تحرير شعبية ضد نظامهم الشرس، وبين انزلاق هذا الحق نحو أيديولوجية المقاومة التي تبرع في فصل العنف عن أهدافه السياسية، وجعله غاية بحد ذاته تمهيداً لتفريخ العدو تلو العدو لضمان استمرارها. وليس هوس تقديس السلاح وجعله ركيزة أساسية في أدبيات المقاومة بدل عقلنته سياسياً وقانونياً، سوى دليل إضافي على أن المقاومات أقرب إلى العقائد العنفية المحضة التي تحتاج دائماً إلى الأعداء لتصريف قوتها.

مشروعية قتال النظام لا بد من أن تبقى في حدود الموقت، فلا تتأسس لها عقائد دائمة يمكن استثمارها عبر أجندات أخرى بعد سقوط الأسد. وما قد يساعد السوريين على تجنب تأبيد ثورتهم وتحويلها إلى مقاومة هو انتماؤها إلى حقبة الربيع العربي، على رغم نتائجه غير المشجعة، وليس إلى حقبة النضالات الثورية التي رفعت شعارات كبرى جرى استغلالها من جانب الأنظمة. ذاك أن الفرق بين الحقبتين يتلخص باعتماد الأولى على الواقعية وتغليب ما هو داخلي على العموميات الطوباوية.

ولعل أخطر النتائج التي يمكن أن يُفضي إليها تماهي الثورة السورية مع سلوك المقاومة اضطرارها لإجراء تسويات غير معلنة مع عدوها (النظام السوري) على غرار ما فعلت المقاومات في المنطقة تجاه العدو الإسرائيلي. فتنصرف إلى إدارة بعض المناطق المحررة في سورية، مستقيلة من دورها في حسم الصراع في شكل نهائي.

الشر المقاوم الذي ابتلي به السوريون خلال الحكم الأسدي كإطار شعاراتي لتبرير القمع، عاد وانقضّ عليهم ذبحاً وقتلاً أثناء الثورة. وهو ما يشكل دروساً بليغة تدفع نحو تعقيم جسد الانتفاضة السورية المنهك أساساً بفوضى السلاح والتطرف، من أي جرثومة مقاوماتية من شأنها تأبيد الأوضاع الحالية وإقناع الناس بأن المجازر ضدهم عبارة عن انتصارات عظيمة.

وإذا كان أحد أهم الفروق بين الثورة والمقاومة يتلخص في موقف «حزب الله» من الوضع السوري، فالفرق الأساس يجب أن تمثله الثورة بموقفها من «حزب الله» ليس عداء بدهياً بحكم اختلاف التحالفات، وإنما عداء جوهرياً يحذر الانزلاق نحو المقاومة بصفتها منظومة عنف أعمى تستجدي الأعداء كي تستمر.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى