رفيق شاميصفحات مميزة

خواطر عن الثورة الحلقة 11

 رفيق شامي

في المضحك المبكي

إلى روح حبيب كحالة

 تفتقر الصحافة السورية للسخرية اللاذعة التي عرفتها الصحافة الحرة في الخمسينيات وكانت مجلة “المضحك المبكي” لحبيب كحالة إحدى تلك الركائز الأساسية لحرية الكلمة. وليس فشل “الدومري” التي اسسها علي فرزات إلا إثباتا لقهر وإغتصاب الكلمة الناقدة. الضحك الساخر مؤامرة علنية بين الكاتب والقارئ على موضوع السخرية، جسر تواصل للمعلومات يرفع ويشحذ الوعي والحساسية ضد كل غبن وتنكيل وسرقة وقهر وظلم وكذب إجتماعي وسياسي، وكل التطورات السلبية في مجتمع ما. فإذا أخذنا بعين الإعتبار أن هذه الصفات المخزية وغيرها ما هي إلا دعائم الديكتاتورية واسسها لتبينا القوة التفجيرية للسخرية.

والسخرية فوق الأحزاب والتحزب وإلا إنهارت لتغدو دعاية لهذا الحزب أوذاك ضد منافسيه. الكاتب الساخر لا يراعي إلا الحقيقة وهو بذلك لا يهتم للخطوط الحمراء التي يقف عندها الكثيرون من الكتاب.

الضحك قد يتجمد في الحلق ليتحول لبكاء على وضع مزري أو خطير. هكذا كانت أغلب مقالات مجلة “المضحك المبكي” وهكذا كانت أيضا بعض مقالات “الدومري” التي ظلت حتى عددها الأخير تصلني من دمشق. تلك هي  الحال عندما لا يتعلق الأمر بمسألة ببرطيل صغيرة او في نقد تخلف او سرقة تمس مصلحة الشعب وماله لكنها على اية حال لا تحمل خطرا مميتا في طياتها. أنظر كمثال أغلب رسوم علي فرزات عن الديكتاتورية ستضحك بلا شك لكنك ستتوقف في كل صورة بعد فترة عن الضحك أمام البؤس والإجرام  السافرين وتشعر بمرارة من يفهم ولا يستطيع التغيير. كمثال

 أو

أو

أضحك مثلا عندما أرى حقيرا بدائيا من الشبيحة بمنظره الذي يبرز عضلاته والتي زادها بشاعة وشم يمثل وجه بشار الأسد.

وإذا تكلم فتعتقد للوهلة الأولى انه آت من القرون الوسطى أو من كوكب آخر إلهه بشار الأسد، لكن الضحكة تتجمد في حلقي لأني أعرف ان هذا القاتل لا يفكر دقيقة واحدة بجرائمه بل يقوم بها ببرود يخجل وحوش الغابة منه. وإحدى تلك الصور التي لن أنساها مادمت حيا صورة شاعر ومغني الثورة إبراهيم القاشوش مذبوحا.

جمدت الضحكة في حلقي عندما تفرجت بالصدفة ولعشر دقائق على برنامج فيصل القاسم ” الإتجاه المعاكس”.

فيصل القاسم لم يبتدع جديدا في برنامجه بل نقله حرفيا عن برامج شهيرة في التلفزيونات الأوروبية والأمريكية. وهي برامج تتراوح مكانتها بين سوقية رخيصة لرعاع لا يخجلون من الشتائم والتلاكم أمام الجمهور مما يزيد شعبية هذه البرامج لدى الأميين ثقافيا وسياسيا، وبين برامج ممتازة يتم فيها الحوار بدون أية حدود ولكن بمصداقية ومهنية رفيعة لا يمتلكها فيصل القاسم.

لم يسمح لي ضيق وقتي منذ ثلاثين سنة بالتمتع بالتلفزيون إلا ما ندر لرؤية فيلم وثائقي أو نشرة اخبار مهمة او فيلم سينمائي ممتاز. وقد أوصاني عدة اصدقاء بأن القي نظرة على برنامج فيصل القاسم، وفعلت، وأصبت بإحباط فأمتنعت منذ سنين  لأن وقتي أثمن من إستماع ورؤية مهاترات سوقية.

منذ فترة كان علي إنتظار مكالمة هاتفية مهمة مع صديق وتجولت بين محطات لا تحصى تصلني عبر الأقمار الصناعية، ثلثها عربية، وفجاة رأيت القاسم وهو يعلن أن حوارا بين من يسمي نفسه “مندوب الجيش الحر” ثائر الناشف يجلس في الإستوديو في الدوحة ومفكر من أتباع حزب الله يدعى فيصل عبد الستار يجلس في بيروت. عشر دقائق كانت أصعب علي من تحمل خطاب لبشار الأسد. لكني أجبرت نفسي على البقاء حتى رن جرس هاتفي لينقذني الصديق من زبالة الوعي في أحقر تجلياتها.

يرتدي ثائر الناشف كمهرج في سيرك ثوبا مموها عسكريا وكأنه آت من فرقة رفعت الأسد الفولكلورية (لبنات الجامعة اللواتي اقضوا مضجع الدولة الصهيونية بمسيرتهم بهكذا ثياب امام منصة الأسد). ويزين صدره لكي يزيد من السخرية برمز معدني للمظليين. يا إلهي هل فقد هذا الرجل كل صديق؟ كل شريف ينبهه لمظهره المضحك فوقع في حبائل تغريه بزيادة الأهمية كلما إزداد الثوب وقعا وكلما أثار رهبة… وهمية بالطبع…فثائر الناشف ليس له علاقة بما يرتديه…وثائر الناشف هذا يتكلم بلهجة الإخوان المسلمين ويكذب كهؤلاء مثيرا الضباب حول عمله ويريد أن يوهم الآخرين انه آت لتوه من جبهة القتال…وما أن يبدأ كلامه ويا ريته لم يفتح فمه، تراه يقف بشكل متشنج ويصلي على أرواح الشهداء ثم يضرب تحية مضحكة عسكرية تعلمها من الأفلام. ثائر الناشف بشع المنظر لكن ما يخرج من فمه جرم بحق شهداء الثورة وحق المجلس الوطني فهو عنصري في تحريضه وطائفي إلى أبعد حدود الطائفية ولم يتعلم من الديكتاتورية إلا الصراخ والكذب، حتى أني بعد هذه الدقائق العشر صرت لا أصدق ان زوجته المصرية قد أختطفت وأعيدت له من المخابرات السورية في القاهرة لأهميته كثوري صنديد. حتى ولو كان لهذه القصة طرف صادق فإن ثائر الناشف قضى عليه بضربة غبية في ظهوره بهذا الشكل المزري. و سيلعن أي متفرج بعقل واعي الساعة التي ارسل بها قائد الجيش الحر هذا “الباجوق المشرشح” كما نقول بالعامية الشامية ليمثل الثورة ويدافع عنها فعورها بدل أن يكحلها.

ومن يبحث عن هذا الرجل يجد كتاباته في صفحة “الحوار المتمدن” والتي تمتاز بالعشوائية والإنتقائية فهو خصم لدود لحماس ولحزب الله ومناضل من أجل عقلانية في الإسلام وموظف سابق في وكالة الأنباء السورية. لكنه يعادي الشيعة في كل ما يكتبه وهذا تبلور الآن في طائفية وسخة ضد إخوتنا العلويين (لا بد من ذكر ما أكره ذكره لكي أحدد تماما جرم هذا الغبي تجاه جزء هام من مجتمعنا السوري العريق فأنا لم أهتم منذ نشأتي في دمشق لا بدين ولا بقبيلة من أصادق أو أعادي، لكنه الزمن الرديء)

لمن يظن أني ابالغ هذا المقطع الأول من تلك المهاترة الفيصلية القاسمية.

http://www.youtube.com/watch?v=gwiroZYHwkM&feature=related

ما الذي يبقى؟ نداء ملح للمجلس الوطني أن يكف يد هؤلاء الذين يتسلقون كالطحالب ليشوهوا جسد الثورة ويمتصوا قوتها. وهم يخربون الثورة أكثر من أعدائها العلنيين.  متى يعلو صوت المجلس الوطني فوق أصوات مندوبي رياض الأسعد ويجبرهم على التقيد الحرفي في كل ما يفعلوه بثوابت الثورة ومبادئ المجلس الوطني. كدت أقول أن مندوب الجيش الحر ثائر الناشف، هذا المبلل حتى العظم بالطائفية، هو أسوأ ما رايت لكني قرأت لغبية أخرى تدعى لمى الأتاسي تمثل أيضا رياض الأٍسعد وتتمتع علنا بصداقة أعتى الصهاينة برنار هنري ليفي (أنظر تصريح برهان غليون وصبحي حديدي وفاروق مردم بك عن هذه الفضيحة). لمى الأتاسي إنسانة تعيسة لم تقم بأي نشاط يذكر (إذا إستثنينا  ثوريتها بالوراثة في عشيرة الأتاسي) حتى إندلاع الثورة وكل ما قامت به إلى اليوم يسيء للثورة وللمجلس الوطني. ولم تخجل حتى من مهاجمة بعض أعضاء المجلس الوطني علنا. إلى متى يسمح المجلس الوطني لرياض الأسعد بمثل هذه الرعونات؟ ومتى يفهم المجلس الوطني أننا لسنا بصدد تبديل الأسد بالتعيس الأسعد؟ الأسعد هذا مسرحية مضحكة مبكية فهو لا يظهر لخمس دقائق أمام عدسة التلفزيون إلا ليذكرني بصدام حسين في اواخر ايامه. على ما يبدو نصحه اصدقاؤه بأن يكف عن هكذا مقابلات ويوكل ممثليه بها فكانوا أسوأ الناصحين.

عن نباح الكلاب ومسيرة القافلة

لو قال لي أحد قبل سنة أن بعض العلمانيين السوريين سيتخاذلون تجاه الثورة السورية ويخذلونها  بمناسبة  وبدون مناسبة لما صدقت، لم تقف قافلة التخاذل عند ادونيس، فهذا الشيوعي المتقاعد سعدي يوسف يشتم كل من يقف مع الثورة السورية ببذاءة تهين شخصه هو وتمسح ماضيه وتحيل كل تبجحاته بصداقاته لشيوعيين سوريين إلى طبل أجوف بصوت يعلو كلما إزداد الفراغ في جوفه. وهذا نزيه أبو عفش يكشف عن وجهه الكريه وموقفه المخزي بدون أي خجل ولا تعف نفسه حتى عن الكذب إذا إقتضى الأمر. وقد قامت الزميلة هالة محمد بنقد شجاع ومباشر لهكذا كذب.

 وهذا آخر إسمه مطمور يهاجم صديقا شجاعا بمفردات مخونة متهمة لئيمة ووقحة أنظف ما فيها تلك المقاطع الجنسية ذات الدلالة الأكيدة على عدائية هذا الشخص للجنس وللمرأة.

لما سألت الصديق ما الذي يريد فعله، اجابني: “القافلة تسير والكلاب تنبح.”

 حسنا، كان هذا القول  حكيما في صحراء جمالها الكبيرة لا تعبأ بالكلاب الصغيرة وحجارتها تكفي لردع اي كلب تزيد فعلته عن النباح. لكن هذا الجواب لا يكفي في حقبتنا هذه التي يتزود الكلاب بها بمكبرات صوت الكترونية إنترنتية فيسبوكية إذاعية وتلفزيونية وأموال طائلة تجعل من نباحهم هدير بمجسمات ضوئية يقارب  افلام الرعب. أخشى ان ترمي جمال المعار ضة السورية حملها وحاديها وتفر هائمة على وجهها إن لم يع قائدها الخطر المحيط بها ويقفل مصدره. لا مجال إذن لتغليب أحكام قواعد الماضي على مستلزمات الحاضر.

هناك بعض رفاق الدرب ممن يختبأ وراء تحليلات نفسية طبية مستعيضا بها عن الرد الحاسم، ففلان مريض نفسيا وعلتان مهووس وآخر يكتب ما يكتب لأنه يُبتَز من قبل المخابرات وآخر جزء من مؤامرة عالمية هلامية لا وجه لها وآخرعميل معروف للمخابرات الأمريكية ولا داعي للرد عليه. كل هذه التحليلات قد تكون مصيبة لكنها جبانة، لأنها تترفع مدعية الإختصاصية لتهرب من مواجهة القائل ومقولته والفاعل وفعلته. الثوري لا يقف عند تحليل المصيبة بل يذهب مع شعبه لحل المصيبة.

يتبع

خاص – صفحات سورية –

أي نشر أو اعادة نشر لهذا المقال يجب الاشارة فيه إلى المصدر: صفحات سورية

كل الحقوق محفوظ للكاتب ولصفحات سورية.

يحيي كاتب هذه الأسطر أي نسخ وإعادة طباعة هذه الخواطر في أية صحيفة، طبعا بأمانة مهنية مع الإشارة إلى المصدر، لكنه لا يعترف على اية منها إنما على الأصل الذي ينشر دوما في صفحات سورية.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى