صفحات الثقافة

خواطر لا تسر الخاطر في حال الكتاب العربي/ شيرين طلعت

 

 

سلعة أم متعة

الكتاب العربي يقع فريسة بين كونه سلعة ومتعة في نفس الوقت تجب إتاحتها لكل مواطن، به تشيّد العقول وتبنى الأوطان.

ففي ظل الحالة الاقتصادية لبلادنا العربية يكون الإحجام عن القراءة ليس لعدم الرغبة، بل لوجود أولويات أخرى للشراء نتيجة ارتفاع الأسعار وتأتي هنا المفاضلة بين الكتاب الإلكتروني المجاني والكتاب الورقي.

فاجتياح الكتب الإلكترونية يُهدد الكتب الورقية وبالتالي يهدد صناعة النشر.

وهذا ليس عيبًا فنحن أمام غاية الثقافة نخترق الحدود. إن مرور الكتاب بمراحل كثيرة ومعقدة واختلاف النفوس في تقدير الكتاب نفسه هو ما يجعل بقاءه مُهددًا.

الكتاب وأسئلة النشر

لكي يتم نشر كتاب، وخاصة إذا كان الأول، فبطبيعة الحال سيفكر الكاتب في عدة أسئلة -على سبيل المثال- قبل النشر:

ما الذي سيجعل القارئ ينجذب لكتابي دونا عن البقية؟

ما هي دار النشر التي سأوكل لها هذه المهمة؟ هل كتابي يستحق النشر فعلا؟ ما الذي سيحدث بعد نشر الكتاب؟

الطبيعي ألاّ يفكر في القارئ، وكيفية الوصول إليه، وقد تعتبر أن هذا الدور مطلوب من الناشر ولكن قد يتم الإغفال عن نقطة هامة جدًا وهو أن بعض دور النشر لا تطلب من الكاتب إبداعًا وتميزًا، ولكن تطلب أن يكون له متابعون (فلورز) لكي تضمن بيع كتابه.

بل إن بعضهم يطلب عند إرسال السيرة الذاتية للمؤلف، الصفحة الشخصية على الفيسبوك وتويتر ومواقع التواصل الاجتماعي كافة، وإن كانت له صفحة عامة وقد تسأل نفسك لمَ كل هذا؟

الأمر ببساطة لمعرفة هل سيباع الكتاب ومن سيأتي في حفلات التوقيع! فالعلاقة طردية بين عدد المتابعين، ومدى نشر الكتاب لدى تلك الدور.

وإن بعض دور النشر لا تهتم بهذه المسألة وتنشر بسهولة طالما سيدفع المؤلف لها التكاليف، فهو بذلك يضمن حقه قبل نشر الكتاب، ولا يهتم هل يباع أصلا أم لا، فهو قد ربح بمجرد استلامه للمبلغ.

الكاتب العربي لا مردود مادي يُذكر له من النشر، فقلما تجد كاتبًا يتربّح من ورائه وتكون مهنته فقط الكتابة ويعول نفسه منها. وهذا طبعا لا ينطبق على الكاتب ذائع الصيت.

القارئ لا يتوقع مرور الكاتب بمراحل قاسية أثناء الكتابة والتعديل وتمزيق أوراقه وشرود ذهنه وملاحقته للفكرة ومن ثم التواصل مع دور النشر التي قد تملي عليه شروطا أو يصدم منها حتى بعد نشره للكتاب، فالكاتب في حالة قلق دائم، ليصل كتابه في النهاية إلى القارئ بهدوء، ويقرأه وهو يضطجع في سريره بأريحية.

الكتاب العربي يعاني أزمة كبيرة ولا بد من تضافر الجهود للعناية به، فتوفيره في أماكن كثيرة والإعلان عنه والكتابة عنه بعد قراءته هو الذي يضمن بقاءه

قد يرى البعض أن مهنة الكتابة هي مهنة من ليس لديه عمل، وقد يخبرك أحدهم حينما يعرف أنك كاتب أن تكتب له قصته وتختار لها نهاية أخرى، وكأنك عراف أو دجال تضرب الودع وتقرأ الفنجان وتعلم الغيب. ولو أنك تعلم هذا لما دخلت في هذا المجال الشائك.

فالكاتب مجبر على الكتابة، بحبها وقيده وحريته فيها، ينغمس فيها بكل حواسه. كل ما يرجوه أن يجد آخر يشاركه حروفه وإن اختلف معها ويُقدّر تعبه ولا يُضني عليه بشكره.

فعلاقة الكاتب بالقارئ علاقة جميلة وراقية واستفزازية في نفس الوقت تشحذ الكاتب لكي يكتب، وفي ملاحقة دائمًا لمن ينتظره محاولا إبهاره، ويخشى من الإخفاق أو عدم ميل الاستحسان، وفي كل مرة يفكر في عمل جديد يؤجل الخطوة ليتقن عمله جيدًا، فهو يحب قارئه ولا يودّ فقده وفي نفس الوقت يودّ أن يطوّر نفسه ولا يقف في مرحلة أو يمشي عرضيًا.

والقارئ لكي يختار كاتبًا قد يأتي الأمر صدفة في بعض الأحيان، ولكن استمرار متابعته وملاحقة كلمات كاتب معين ليس بالأمر الهين وخاصة في ظل انتشار عدد الكتاب في كل مكان، فمن هو ذلك الكاتب أو هؤلاء الكتاب الذين سيحصلون على متابعة القرّاء وفي نفس الوقت شراء كتبهم في ظل ارتفاع أسعارها وفي ظل الكتب المجانية المتوفرة على الإنترنت بسهولة ويسر. فالقارئ الجيد هو المسوّق الأول للكتاب.

الكتاب العربي يقع بين مطرقة السعر وسندان الدعاية.

الكاتب يعول على دار النشر كثيرًا فهي كما الطبيب الذي يخرج طفلا سليما معافى أو مشوهًا لكي يستطيع التواجد بقوة أو بخنوع في العالم.

الفرق بين الكتاب العربي والكتاب الأجنبي

في العالم العربي يتم التواصل مباشرة بين الكاتب ودار النشر، يقوم الكاتب بإرسال كتابه بصيغة الوورد وإذا تمت الموافقة عليه من قبل دار النشر يتم إرسال العقد للتوقيع. ويفترض في دار النشر قبل أن تقوم بالطباعة ووضع رقم الإيداع على الكتاب، أن تقرأه جيدًا وتهتم بمحتواه وأن يكون لديها طاقم عمل مجند خصيصًا للكتاب وإخراجه في أفضل صورة فيتم تجهيز الكتاب وتحريره أدبيًّا ومراجعته لغويًا وتصميم غلافه المبتكر الذي يعد وسيلة لجذب القارئ بالإضافة إلى اختيار عنوان جيد.

وهذه الخطوات لاتتم بسرعة، بل يجب الإتقان والمراجعة لأكثر من مرة قبل طباعة الكتاب. ويجب أن يكون الناشر قارئًا بالمقام الأول، ولا يشترط أن يكون كاتبًا فحينما يكون قارئًا ستكون لديه ثقافة كبيرة تساعد الكاتب في النشر، صديق يقدّم الدعم والمشورة قبل أن يظهر كتابه إلى النور. فبعض الكتاب يلجأون إلى أصدقائهم قبل النشر لمعرفة أرائهم وملاحظاتهم على ما قد تمت كتابته.

فلمَ لا يكون الناشر واحدًا من ضمن أصدقائه، وهذا يعني أن ينظر للكاتب نظرة استثمارية بحتة، وكيفية الانتفاع من ورائه بل الدفع به للأفضل، والارتقاء بالمحتوى الذي سيقدم للقارئ.

وما على الناشر إلا أن يقوم بالتنويع فيما يطرحه للقارئ لإرضاء كافة الأذواق، وهذا يعود بنا إلى صفة الناشر الأساسية والتي سبق ذكرها وهي “القراءة”.

ويتبادر إلى الذهن سؤل هام: هل من حق الناشر أن يرفض كتابًا لأنه لم يرض ذائقته؟

هنا تظهر لجنة القراءة دورها وهي التي لا بد من توافرها في أيّ دار للنشر لكي يتم التعاطي جيدًا والعناية بالكتاب ومعرفة نقاط الضعف والقوة قبل النشر مع مراعاة أن أيّ تعديل لا بد أن يوافق الكاتب عليه ومن حقه قطعًا رفضه فهو أولا وأخيرا صاحب العمل والمسؤول الأوحد عن أفكاره ومحتواه.

متى لا يقوم الناشر بعمله

لا يقوم الناشر حينما لا يوزّع الكتاب جيدًا في المكتبات أو لا يعرض الكتب بالمعارض، لا يهتم بعمل حفلات توقيع، لا يعنى بالدعاية للكتاب، لا يهتم بالمحتوى الذي يطرحه للقارئ، لا يعنى بالغلاف، لا يعطي الكاتب حقوقه المادية، عدم إفصاحه عن حجم مبيعات الكتاب وتضليل الكاتب.

أما في الدول الأجنبية فالأمر مختلف، هناك ما يسمى بالوسيط الأدبي أو الوكيل، الذي يهتم بكافة تفاصيل الكتاب من مراجعة وتدقيق وتحرير، وهو الذي يقوم بعرضه على دور النشر المناسبة ليعقد صفقة جيدة، ومن ثم يتم التعاقد بين الوكيل والكاتب والناشر، وينظم حفلات التوقيع ويُحاسب الناشر لكي يعطي الكاتب حقه من المبيعات.

وهذا الوسيط الأدبي ليس موجودًا في عالمنا العربي، فالكاتب الأجنبي ليس عليه سوى أن يكتب ويبدع، ومن ثم يبحث عن وسيط أدبي له صيت ومعروف لأن هناك أيضًا وسطاء مزيفون وأيضا عليه معرفة ما هو الوسيط الملائم لمجال كتابه لأن هناك تخصصا وخبرة فهناك وكلاء متنوعون ولكل منهم مجاله الأدبي المعروف به.

والوكيل بالرغم من أنه يأخذ عمولة من الكاتب والناشر، إلا أنه في نفس الوقت يتحمل الكثير من المهام لتسويق الكتاب والعمل على بيعه ليأخذ عمولته في النهاية، ويزداد عدد عملائه ويحصل على سمعة جيدة.

وقد يقوم الكاتب الأجنبي بالدعاية لكتابه في مواقع التواصل الإلكترونية بمساعدة أصدقائه، ولكن تلك الخطوة أيضًا من الممكن الاستعاضة عنها فهي من مهام الوكيل الأدبي.

الكتاب في العالم العربي مُتعب ومنهك من عدم تقديره والاهتمام به فهو يعاني لكي يستطيع مواصلة الطريق نحو القارئ، هو يسعى بخطوات تثقلها الحالة الاقتصادية وعدم الدعاية الكافية واسم المؤلف عليه وإن لم يكن مشهورًا، فمن الجائز أن يتوقف الكتاب عند مرحلة معينة ولا يستطيع تكملة مشواره، ويُصاب كاتبه بالإحباط فيكتب ولا ينشر.

القارئ هو الذي يجعل الكاتب يواصل عمله وليس الناشر، فالقارئ هو السماء التي تظلل الكاتب وتجلب له الدفء وسيل الآراء التي تشعره أنه حي، فالقارئ وحده هو الذي يجعل بقاء الكاتب حتميًا ونبضه حيًا.

ويا صديقي القارئ أسألك أن تقرأ لكي يستمر الكاتب في الكتابة.

كاتبة من مصر

ينشر بالاتفاق مع مجلة “الجديد” اللندنية

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى