صفحات العالم

واشنطن والمعارضة السورية/ عائشة المري

 

يزور وفد من الائتلاف الوطني السوري برئاسة أحمد الجربا واشنطن في أول زيارة رسمية، سيعقد الوفد خلالها سلسلة لقاءات مع الإدارة الأميركية وقادة في الحزبين الجمهوري والديمقراطي؛ بهدف شرح موقف الائتلاف السياسي، وطلب تزويد الجيش السوري الحر بسلاح نوعي لمواجهة طائرات ودبابات النظام السوري، لخلق توازن في الأرض في الحرب الدائرة على الساحة السورية، مع إعطاء واشنطن الضمانات والضوابط لتبديد مخاوف الإدارة الأميركية من أن يصل السلاح إلى الأيدي الخطأ، وقد كانت واشنطن قد اعترفت بالائتلاف ممثلاً للشعب السوري، ورفعت مستوى تمثيله الدبلوماسي، وهو ما طرح تساؤلاً عن حدود الدعم الأميركي للمعارضة السورية المرتقب.

ظل التساؤل مطروحاً على الدوام: هل لإدارة أوباما استراتيجية واضحة ومعتمدة تجاه الوضع في سوريا؟ هل تدعم واشنطن المعارضة؟ وإن دعمت المعارضة هل تدعم تسليحها؟ هل تخشى واشنطن الانجرار إلى «المستنقع السوري» كما انجرت في السابق لـ«المستنقع العراقي»؟ ولعل التساؤل الأهم: هل لواشنطن مصلحة استراتيجية في حسم الملف السوري؟ ولصالح أي طرف.. النظام أم المعارضة؟

من البداية، دعمت واشنطن خيار التفاوض بين المعارضة السورية ونظام الأسد، وظلت الإدارة الأميركية تتحدث عن «الحفاظ على مؤسسات الدولة»، أي بقاء نظام الأسد أو الخوف من تعزيز وجود «الجماعات الجهادية المتطرفة» و«السنية غالباً» على الأراضي السورية، كما ورفضت واشنطن تسليح المعارضة بسلاح نوعي قد يساهم في تغيير المعادلة على الأرض خوفاً من سقوط هذه الأسلحة في أيدي جماعات إرهابية، كما فاجأت العالم برفض ضرب نظام الأسد إثر تكرار استعماله للسلاح الكيماوي على رغم إعلان واشنطن المسبق أن السلاح الكيماوي خط أحمر في الصراع بسوريا، بل ودفعت الدبلوماسية الأميركية المعارضة في اتجاه التفاوض مع النظام، مما أثار التساؤل من جديد هل تتبع الإدارة الأميركية سياسة «اللاسياسة» تجاه تطورات الأوضاع السورية؟

يعتقد بعض المراقبين أن السياسية الأميركية غير معنية بالتدخل المباشر في الحرب الأهلية السورية كانعكاس لسياستها الرامية للانسحاب من الشرق الأوسط. وفي الحقيقة، من التبسيط المخل النظر للسياسة الأميركية تجاه الحرب الأهلية السورية نظرة أحادية دون الأخذ في الاعتبار العوامل المتداخلة المؤثرة في الوضع السوري، وأبرزها سياسات الفاعلين الرئيسيين المؤثرين في الوضع السوري مع دول وجماعات بما فيها طهران. في الواقع، لقد صبت خيارات الإدارة الأميركية في الشأن السوري في مصلحة إيران، بينما حصلت المعارضة السورية على الدعم السياسي فقط، وأظهرت التفاهمات الأميركية الإيرانية اللاحقة حجم التوافق والاتفاق المباشر وغير المباشر في مصالح كل طرف على حدة في الشرق الأوسط بما في ذلك الملف السوري، فطهران تدعم الأسد سياسياً، وعسكرياً يساند الحرس الثوري الإيراني نظام الأسد، إضافة إلى مليشيات «حزب الله» اللبنانية في قمع الثورة ومساندة النظام السوري، بينما تدعم واشنطن المعارضة سياسياً.

استراتيجية أوباما التي ظهرت جلية في السنوات الماضية تهدف إلى إعادة هيكلة التحالفات الأميركية في الشرق الأوسط لخلق توازنات جديدة تحقق المصالح الأميركية الحيوية في المنطقة عن طريق إقامة توازن جديد مع إيران يعتمد استراتيجية مواتية للمصالح الإيرانية، بغض النظر عن مصالح العرب حلفاء أميركا التقليديين على رغم التطمينات الأميركية الأخيرة في زيارته للمنطقة، إلا أن الحقائق تقول إن مخرجات السياسات والخيارات الأميركية في الشرق الأوسط تصب في مصلحة تعزيز الوجود الإيراني، وتتماشى مع الاستراتيجية الإيرانية للتمدد في الشرق الأوسط، وأن دولاً عربية كالعراق وسوريا هي مناطق نفوذ رئيسية لإيران في الاستراتيجية الإيرانية لن تتنازل عنها بسهولة.

لقد أربكت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط المراقبين العرب وأثار التقارب الأميركي الإيراني الارتياب في محاولة قراءة نتائج التقارب على المستويين الخليجي والعربي، وظلت الدول العربية تراقب وتتوجس من تطور الأحداث في المنطقة غير قادرة على تحويل النتائج لصالحها، وظهرت محصلة السياسة الأميركية على الساحة السورية في سياسة «اللاسياسة»، فالدعم الأميركي السياسي للمعارضة اليوم قد يفضي إلى إعادة أطراف الصراع إلى طاولة المفاوضات لا اكثر.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى