صفحات سورية

خيارات الكرد في سوريا المستقبل

 

داريوس الدرويش()

يعيش كرد سوريا في الوقت الراهن حالة من التناقض والضياع، فعلى الرغم من كونهم معارضين تقليديين للحكم البعثي في دمشق، إلا أن لهم تحفظات شديدة على المعارضة (العربية) بشقيها السياسي والمسلح. ويؤدي هذا التناقض الى زيادة المشكلة في تحديد المطالب القومية، التي كان تحديدها مشكلة أصلاً ما بين الأحزاب الكردية ما قبل الثورة.

ففي الوقت الذي ينادي فيه بعض الكرد بالفيدرالية، نجد بعضاً غيرهم يصرحون بمناهضتهم لها وحتى باستعدادهم لمحاربتها، وفي الوقت ذاته ينادي آخرون ـ وإن قلّوا ـ بالاستقلال والانفصال التام عن سوريا.

يعتقد معظم الكرد باستحالة حلم الاستقلال، على الأقل في كردستان سوريا، نتيجة للظروف الاقليمية والدولية المحيطة بالكرد عموما، وبسبب الوضع الجغرافي المتقطع للتوزع الديموغرافي الكردي في سوريا خصوصا. هذا فقط ان لم تحدث تغييرات دراماتيكية في جزءي كردستان المجاورين، تركيا والعراق. ورغم أنهم لا يعتقدون بإمكانية حدوث مثل هذه التغييرات على المدى المنظور إلا أنهم يقولون صراحة بحقهم بالاستقلال.

ولكن، في المقابل يعتقد العديدون أيضا بإمكانية إنشاء كيان فيدرالي في سوريا، على غرار ما حصل في كردستان العراق، ويجادل هؤلاء بأنه بالإضافة الى كون الفيدرالية نظاماً ناجحاً ومتبعاً في العديد من دول العالم (باختلاف ظروفها) فإنه أيضا سيمنح الكرد هامشاً كبيرا من الحرية في ممارسة حقوقهم القومية والسياسية على “مناطقهم ومواردهم”، بالإضافة إلى أن الفيدرالية سيكون تأثيرها على باقي الأقليات الدينية والقومية في سوريا مشابها لما يتوقعه الكرد لأنفسهم.

إلا أن هذا المطلب ورغم تنامي الإيمان به ضمن المجتمع الكردي فإنه يواجه صعوبات في فرض نفسه كمطلب أوحد أو حتى كمطلب لأغلبية ذلك المجتمع، ففي حين يرجع الفيدراليون نجاح بعض الدول المتقدمة كأميركا وسويسرا الى تبنيها الفيدرالية كشكل للدولة، يعتقد بعض المناهضين للفيدرالية أنها ليست شرطا للنجاح، ولاسيما لارتباط نشوئها مع صعود مبادئ الديمقراطية والرأسمالية الغربية وبالأخص الأميركية. ويعتقدون بإمكانية حصول الكرد على حقوقهم القومية عبر طرح مصطلح (الإدارة الذاتية) وتطبيقه في “المناطق الكردية” من دون تبني المفهوم “الأميركي” لشكل الدولة، ويصر هؤلاء على معارضة أي طرح فيدرالي حتى لو اضطروا الى محاربته جهاراً.

ويناقش البعض الآخر باستحالة تطبيق الفيدرالية في سوريا، وخصوصا للكرد، بسبب توزعهم ضمن مناطق متفرقة جغرافياً على امتداد الشريط الحدودي مع تركيا، فلا أحد يستطيع انشاء فيدرالية في ثلاث مناطق معزولة عن بعضها وهي: الجزيرة وكوباني وعفرين.

وما يزيد الطين بلة بالنسبة لدعاة الفيدرالية هي عدم قدرتهم حتى الآن على حمل المعارضة العربية للاعتراف بالكرد كشعب له خصوصيته ومختلف عن باقي السوريين كاختلاف باقي السوريين أنفسهم عن بعضهم، وذلك كبداية لإقرار حقهم بتقرير المصير الذي سيؤدي إلى الفيدرالية حسب وجهة نظرهم. فجميع مؤتمرات المعارضة حتى الآن تجنبت استخدام مصطلح (الشعب الكردي).

ولكن، ألا يعتقد معتنقو الفيدرالية بأنهم مناهضوها في آن معاً. إن ربطهم الحل السياسي على أساس جغرافي مع الحل السياسي على أساس عرقي هو مخالفة صريحة للمبادئ الإنسانية المناهضة للعنصرية، فكيف لنا أن نتكلم عن حل سياسي للقضية الكردية على أساس “المنطقة الكردية” من دون أن تستثني هذه المنطقة باقي المكونات غير الكردية، ممن يعترف بهم أصحاب هذا المصطلح أنفسهم؟ وهل ينسى هؤلاء أن المطالبة بحقوق سياسية لجماعة غير طبقية يجب ألا تكون على شاكلة الحقوق السياسية للنقابات والاتحادات التي تمثل طبقات أو أقساماً اجتماعية تمتد على مساحة الدولة بأكملها؟

من المهم أن يعيد الكرد النظر في مطالبهم ومصطلحاتهم، ولكن الأهم هو التواصل مع باقي المكونات، او على الاقل تلك التي تتقبلهم، للوصول الى رؤية شاملة لسوريا المستقبل، فلا يمكن حل القضية الكردية ببعديها الإنساني والسياسي بعيداً عن القضية الديموقراطية في سوريا، أو بمنأى عن حقوق باقي الأقليات، الفكرية منها أو الدينية والقومية

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى